fbpx

عن كرامتنا المهدورة والمحتل
الذي تتصدر صوره ساحاتنا العامة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لقد تجاوزنا مصائبنا اليومية بكل شجاعة، لكننا اليوم على عتبة فقدان مخزوننا الخاص من “الصمود… والتصّدي”. لقد تعبنا. وعندما نحاول عبثاً أن نتذكّر أننا أحياء، نجد أن الموت يلائمنا أكثر. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعدما شهدنا على موت أحبائنا وتشرّد أطفالنا واحتضار مدننا الواحدة تلو الأخرى، لم نعد نملك القدرة على مشاهدة الموت المستورد في الأخبار اليومية من وراء الحدود. كيف نتابع أخبار الحروب ونحن ما زلنا نبتلع مرارة حروبنا الخاصة حتى اللحظة؟ وهل المطلوب منا أن نتعاطف مع اللاجئين البيض إلى الدول الأكثر بياضاً؟ نحن الذين حوصر لاجئونا في الغابات، غرقوا في البحار، حتى تحول أطفالهم إلى أيقونات لبؤس البشرية؟

الحرب التي نخوضها داخلنا أشرس من الحرب العالمية التي تهددنا كل يوم. 

نقاتل لننهض في الصباح، نقاتل لتحصيل لقمة عيشنا ونقاتل لنتمكن من ابتلاع الأخبار التي تسقط فوق رؤوسنا مثل قذائف “الإرهابيين” الذين استنفدوا ذخيرتهم فوق أسطحنا وعلى ارتفاع مبانينا ثم لملموا بطولاتهم وتصالحوا مع الدولة وخرجوا بالباصات الخضر إلى إدلب وهم يستعرضون عضلاتهم أمام الكاميرات.

لقد تجاوزنا مصائبنا اليومية بكل شجاعة، لكننا اليوم على عتبة فقدان مخزوننا الخاص من “الصمود… والتصّدي”. لقد تعبنا. وعندما نحاول عبثاً أن نتذكّر أننا أحياء، نجد أن الموت يلائمنا أكثر. 

وفي هذه الأثناء، يُطلب منا أن نتسامح مع المحتلّ وتتصدر صوره ساحاتنا العامة ونخاطبه بلهجة الاحترام والتعاطف: “نحن معك وندعمك”. ندعم صواريخك وأسلحتك التي طورتها على أراضينا وجربت فعاليتها في شعبنا. ندعم غازك ومواردك المحرومين منها أصلاً. ندعم مواقفك الأبيّة وحروبك ضد النازية والإرهاب ونتبنى كل أخلاقياتك السامية ونحن نراقب أخلاقياتنا التي لم نعد نتذكّرها بسبب الفقر والجوع. 

هذه الكرامة المهدورة على مرّ الأيام هي خسارتنا الكبرى. هذه الكرامة التي تميّز الصنف البشري هي التي لن يعوضنا عنها أحد. هذه الكرامة التي يهرب شبابنا ليسترجعوها في بلاد بعيدة. 

حدثّني ابن صديقتي الذي يعمل مع زوجته في كييف منذ أربع سنوات، وكنت أهنئهما بالوصول إلى بودابست سالمين، عن الأوقات الصعبة التي أمضاها في الهرب بعد إعلان الحرب، وأن كل ما عانى منه خلال عشرة أيام لا يقارن بساعة من الذل والإهانة، تعرّض لها وهو يقدم أوراق اعتماده في شعبة التجنيد في دمشق ليتمّم معاملة كونه وحيداً معفى من الخدمة العسكرية قبل أن يتمكن من الخروج من سوريا. قال لي إن طابور تقديم الأوراق وما يرافقه من إهانات يوجهها الموظفون بدون سبب، لا يماثل إلا طابور انتظار ربطة الخبز المدعوم في صقيع الشتاء وتحت شمس الصيف.   

لا حاجة للسرديات الطويلة هنا ولكن أستطيع أن أتخيّل أن شظف العيش، وهو حاصل فعلياً، شيء يتقبله الإنسان المتوازن ومن ثمّ يتحملّه في سبيل تجاوز أزمات معينة. نعم فالحياة غير عادلة. نعم فالحياة متقلبة. ولكن عتبة الكرامة يصعب تخطّيها. إنها العتبة التي تكسره وتفقده قيمه وإنسانيته وتجعله غير قادر على الاستمرار، غير قادر على الأمل.

تجريدنا من عزّتنا كبشر يفقدنا أخلاقياتنا ويشوّه سمعة بلدنا بأيدينا. 

وعندما نقاتل ونحن مذلولون نتحوّل إلى وحوش بشرية ونفقد القدرة على التمييز بين الظلم والحق، بين العدالة والتعسّف. 

الحرب بشعة يجب أن يدينها أي إنسان سويّ. فهل بقي منا من هو سوّي فعلاً؟ وهل سوء أحوالنا يسمح لنا بتقييم أحوال الآخرين والحكم على تصرفاتهم؟

وهل ترك العمر أمامنا متسّعاً من الوقت لأحلام اليقظة التي يغرقنا بها السياسيون؟ 

إقرأوا أيضاً: