fbpx

استقبال الامارات لبشار الأسد :أبعد من دعم الثورات المضادة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل زيارة بشار الأسد للإمارات، جزء من سياق استراتيجية أبوظبي ضد الربيع العربي، أم جزء من إعادة هندسة هذه الاستراتيجية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الإستقبال الذي حظي به الرئيس السوري بشار الأسد في الإمارات، ليس مفاجئاً، خصوصاً إذا ما وُضع في إطار السلوك السياسي لأبو ظبي، المستند أساساً على دعم الثورات المضادة وتصفية أي نتائج، ولو جزئية، للربيع العربي. المحور الإخواني الذي تشكّل عقب الثورات، وضمّ دولاً ومنظمات، ليمد نفوذه في بلدان الانتفاضات، عبر الإسلام السياسي، أثار رعب الإمارات. الأخيرة، وجدت، مع دول أخرى، في العسكر بديلاً جيدا للمواجهة وإعادة عقارب الساعة إلى الخلف.

 مصر كان الاختبار الأول للمنازلة بين المحور الإخواني ومحور الثورات المضادة، إذ شهدنا سنوات دراماتيكية وانتخابات أوصلت رئيس إسلامي للسلطة، ثم انقلاب عسكري. امتدت بعدها المواجهة إلى معظم بلدان الربيع العربي، مع تفاوت في درجة الحدة، من كلا المعسكرين. في ليبيا، صعد الإسلاميون في البداية عبر الانتخابات، لتشهد البلاد بعد ذلك صراعا أهلياً اختارت خلاله الإمارات اللواء خليفة حفتر ليكون حليفاً لها. وفي اليمن، وجدت في “المجلس الانتقالي الجنوبي” ممثلا لنفوذها، وهو ما حصل جزئيا مع أكراد سوريا، لمناكدة تركيا، حاضنة الإسلام السياسي. أما في تونس، فقد بقيت حركة “النهضة” مشكلة بالنسبة لأبو ظبي، حيث بقي الصراع معها ضمن المؤسسات بفعل التجربة التونسية، التي انتهت لاحقاً. مع ذلك فقد وجدت الإمارات في بعض الأحزاب “العلمانية” حليفاً ينغص على الحركة التي أصبح زعيمها رئيسا للبرلمان وبات استهدافها بفعل أخطائها المتراكمة، أسهل من السابق.

سلوك الإمارات عقب الربيع العربي، ظهر وكأنه، محكوم بعاملين: الأول، الخشية من الإسلام السياسي الذي يحظى بدعم المحور الإخواني (دول ومنظمات)، وهذا، في اعتقاد أبو ظبي، يشكل خطراً بعيد الأمد، ويستلزم دعم قوى كالعسكر وأحزاب “علمانية” هامشية، وجماعات لديها مشاكل مع المركز وتسعى إلى تقرير المصير. أما العامل الثاني، فكان اقتصاديا، حيث تحوّلت الإمارات إلى ملاذ للأموال المهربة، وسعت للسيطرة على موانئ وجزر حيوية. وفي حقيقة الأمر، مزجت أبو ظبي بين العاملين. في اليمن أمّن لها المجلس الانتقالي مواقع حيوية، مثل جزيرة سقطرى الاستراتيجية، وفي السودان تلازم دعمها للقادة العسكريين، بعمليات تهريب الذهب، التي كانت وما زالت، برعاية نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، فضلا عن فتح الأبواب لأفراد من عائلة الأسد، للاستثمار والتجارة.

لكن، مثال السودان يبدو مهماً، لفهم طبيعة الاستراتيجية الإماراتية حيال الربيع العربي، فهذا البلد شهد ثورة ضد الإسلاميين التي تعتبرهم أبو ظبي خصما أساسياً لها. مع ذلك، فقد انحازت الإمارة الخليجية، إلى العسكر ضد خيارات مثل “الحرية والتغيير”، وهذا ما أعطى مؤشراً واضحاً أن الإمارات تسعى لتصفية التغيير نفسه وليس فقط نتائجه المتمثلة بالإسلاميين. الهدف دعم الثورات المضادة تمهيدا لإنتاج أنظمة تشبه تلك التي جرى الانتفاض عليها. الإسلاميون هدف أساسي لكنهم أيضاً جزء من هدف أوسع.

هذه الاستراتيجية لم تكن تسير على منوال واحد خلال أكثر من عشر سنوات. في البداية، ومع صعود الإسلاميين، ترسخت استراتيجية الإمارات المعادية للتغيير، وباتت هجومية وسعت لحجز مواقع والاستثمار بالحلفاء، لكن مع التحولات التي طرأت عالمياً، لا سيما مغادرة دونالد ترامب منصبه، جرى إعادة هندسة لتلك الاستراتيجية وأدخلت عليها تعديلات، لصنع توازنات جديدة، فبرزت العلاقات مع إسرائيل والمصالحة مع قطر والتقرب من تركيا وعدم استفزاز إيران، كعناصر جديدة تضاف إلى سياسة تصفية الربيع العربي، وبالتالي، خلق شبكة متوازنة من العلاقات تؤمن لأبوظبي حماية، لم تعد متوفرة في ظل الانسحاب الأميركي الجزئي من المنطقة.  

هل زيارة بشار الأسد للإمارات، جزء من سياق استراتيجية أبوظبي ضد الربيع العربي، أم جزء من إعادة هندسة هذه الاستراتيجية؟ 

الجواب ببساطة: الأمران معاً. 

الأسد بعد أن قتل وشرد واعتقل وقصف الآلاف من شعبه، تمكن بدعم إيراني روسي، من هزيمة الثورة، ما يجعله، حليفاً جيداً للإمارات الساعية إلى إنهاء الربيع العربي. لكن في الوقت نفسه، تريد أبو ظبي أن يكون الأسد جزءاً من الهندسة الجديدة لاستراتيجيتها القائمة على التوازنات، حيث أن الرئيس السوري، سيحتاج في مرحلة لاحقة لحليف يدعمه في ظل الصعوبات التي يعاني منها متعهّده الدولي فلاديمير بوتين، على وقع غزو أوكرانيا. وبهذا تحجز أبو ظبي موقعاً لبناء تفاهم مع إيران المقبلة على توقيع اتفاق نووي، عبر دعم حليف طهران السوري.

من جهة أخرى، تأتي الزيارة، على وقع توتر في العلاقات بين الإمارات وأميركا، على خلفية الأزمة الأوكرانية، وطلب واشنطن من أبو ظبي والرياض خفض أسعار النفط، مقابل عدم حماس من الدولتين الخليجيتين، اللتين باتتا تفكران في توزيع التحالفات، سيما في ظل نقص الاهتمام الأميركي بالمنطقة. والإمارات تحديداً، لم تتخذ موقفاً حاسماً ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، حرصاً على العلاقة مع موسكو التي ستفرح بطبيعة الحال بوجود رجلها السوري في حضن الإماراتيين.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!