fbpx

ما بعد إحياء الاتفاق النووي:
معضلة الأمن والسياسة بين إيران والخليج

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إحياء الاتفاق النووي يبدو وكأنه “اتفاقية مقايضة”، حيث التراجع النووي مقابل تخفيف العقوبات، فإنّه مع أزمة أوكرانيا، وارتفاع أسعار النفط، تتمتع إيران بنفوذ وقوة أكبر في مفاوضات فيينا، إذ تحاول الولايات المتحدة زيادة المعروض في السوق. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تخضع الخطوة الإجرائية الأخيرة بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني الأميركية، التي وصلت إلى صيغة نهائية في انتظار توقيع الأطراف المنخرطة في مفاوضات فيينا، لجملة تسويات سياسية ملحة. 

 بعض تلك التسويات يتصل بالأزمة الأوكرانية- الروسية، والبعض الآخر، مرتبط بتناقض المواقف داخل الإدارة الأميركية، بخاصة قضية رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، وانعكاسات ذلك على حلفاء واشنطن بالشرق الأوسط. 

غير أنّ إحياء “خطة العمل المشتركة” والذي يفرض، بالتبعية، إزالة “الحرس” من قائمة “المنظمات الإرهابية الأجنبية”، ورفع العقوبات الأميركية عن طهران، يبعث بشكوك جمّة حول مدى أولوية إتمام الاتفاق، ووقف تهديد الكيانات المسلحة الإيرانية التي تفاقمها امتلاك القنبلة النووية. فضلاً عن تداعيات ذلك على طبيعة الأدوار الوظيفية التي تقوم بها الأجسام السياسية والعسكرية المدعومة من طهران، إقليمياً، في سوريا واليمن والعراق ولبنان.

وتؤشر جملة الأحداث الميدانية الخشنة التي تنفذها طهران في مناطق نفوذها في سوريا والعراق، على تخوم المفاوضات النووية في فيينا، سواء ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل، وآخرها ما حصل في إربيل، على عدم انحسار النشاط الإقليمي لإيران، وكذا عدم ربط العودة للالتزام المتبادل للاتفاق النووي بأنشطتها السياسية الخارجية. 

اللافت أنّ المرشد الإيراني، علي خامنئي، خلال استقباله أعضاء مجلس خبراء القيادة، شدد على أنّ بلاده لن تسحب تنظيماتها من الإقليم، كما لن تتخلى عن برنامجها النووي.

وقال خامنئي إنّ ما وصفه بـ”التنازل أمام أميركا أو أي قوة أخرى للبقاء في مأمن من العقوبات يعد خطأ فادحاً، ويوجه ضربة للسلطة السياسية”. وتابع: “ليس هناك ما هو أكثر سذاجة من اقتراح من يقول يجب تقليص القوة الدفاعية لعدم إثارة حساسية العدو”.

بعيداً مما ستسفر عنه المفاوضات في فيينا مع طهران فإنّها ستبقى تهديداً.

كما رفض خامنئي مقترحات بـ”التخلي عن الوجود الإقليمي”، أو “غض النظر عن التقدم العلمي في المجال النووي”، معتبراً أنّ “الوجود الإقليمي سيمنحنا العمق الاستراتيجي والمزيد من القوة الوطنية”، وفق ما نقلته وكالة “تسنيم” الإيرانية. ودعا المرشد الإيراني إلى “تحديث أدوات الحرب الناعمة”، ومنها التقنية، إلى جانب تحديثها في “الحرب الخشنة”.

وقبل تصريحات خامنئي، أوضح رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي آي إيه”، وليام بيرنز، أنّه بعيداً مما ستسفر عنه المفاوضات في فيينا مع طهران فإنّها ستبقى تهديداً.

وثمة ملمح آخر، تبرزه النفقات المخصصة في الموازنة العامة للدولة، في العام الجديد (2022-2023)، والتي قدمها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، مطلع العام. إذ تمت مضاعفة الإنفاق الدفاعي في الموازنة الجديد بخلاف الأعوام السابقة، كما توضح وكالة “تسنيم” للأنباء، بينما أشارت إلى أنّ الموازنة الجديدة وضعت قرابة 5 مليارات دولار لجهة تعزيز “القدرات الدفاعية والبحوث الاستراتيجية، أي نحو 4 مليارات دولار ارتفاعاً عن العام السابق”.

الأكاديمي في جامعة فلوريدا، إرك لوب، يرى أنّه من الضروري الربط بين أموال التمويلات وأصول الممتلكات الإيرانية، وكذا “خطة العمل الشاملة المشتركة”، من جهة، وأنشطة إيران الإقليمية، من جهة أخرى، حيث إنّ تلك النفقات العسكرية التي تخصصها طهران سبق أن ساعدت في تأسيس تنظيمات مسلحة، منها “حزب الله، الذي كان يتعاون مع النظام قبل فترة طويلة من تدشين الاتفاق النووي، لجهة تحقيق مصالحه، السياسية والإقليمية”.

ويردف لوب لـ”درج”: “أدى الغزو الأميركي للعراق، واحتلاله عام 2003 إلى تغيير ميزان القوى لمصلحة إيران، وخلق فرصة للأخيرة لتوسيع دوائر نفوذها هناك. كما تورطت طهران في الحرب الأهلية السورية في الفترة بين عامي 2011-2012، وتكرر الأمر ذاته في اليمن، ناهيك بدورها في دعم حماس في غزة (الأخيرة النسخة السنية من الإسلام السياسي وهو تحالف تكتيكي). وقد يكون تدشين اتفاق 2015 النووي، والتخفيف الجزئي للعقوبات المصاحبة لها، في عام 2016، قد سهّل هذه الأنشطة الإقليمية، وسرّع وتيرتها، لكنه لم يخلقها”.

يعتقد البعض في واشنطن وعواصم أخرى، أنّ “خطة العمل الشاملة المشتركة” يمكن أن تكون نقطة انطلاق لمعالجة هذه الأنشطة الإيرانية، في نهاية المطاف، وغيرها مثل: الصواريخ الباليستية، ولكن، في نهاية الأمر، ستحتاج المنطقة إلى إنشاء إطار أمني، تقوده القوى الإقليمية نفسها، بدعم من الولايات المتحدة وقوى أجنبية أخرى، وفق لوب.

منتصف الشهر آذار/ مارس 2022، ومع تأزم المحادثات النووية في فيينا على خلفية احتدام الصراع العسكري بين كييف وموسكو، طالبت الأخيرة بضمانات مفادها ألا تتأثر تجارتها الحرة مع إيران كشرط لاستمرار انخراطها في المفاوضات. بموازاة ذلك تم تعليق المحادثات بين السعودية وإيران، دون أسباب واضحة أو معلنة، بحسب ما نقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن موقع “نورنيوز”، والذي وصفته الوكالة بأنّه تابع لأعلى جهاز أمني في إيران.

ويعقّب لوب على ذلك بأنّه “رغم ما يعتري المحادثات الثنائية بين إيران والسعودية، وإيران والإمارات، وإيران ودول أخرى، من مشكلات وأزمات، إلا أنّها خطوة في الاتجاه الصحيح، مع الأخذ في الاعتبار أنّ انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، عام 2018، لم يقلل من أنشطة إيران الإقليمية، بل أدى إلى تكثيفها”.

وبينما يصف الأكاديمي في جامعة فلوريدا، أنّ إحياء الاتفاق النووي يبدو وكأنه “اتفاقية مقايضة”، حيث التراجع النووي مقابل تخفيف العقوبات، فإنّه مع أزمة أوكرانيا، وارتفاع أسعار النفط، تتمتع إيران بنفوذ وقوة أكبر في مفاوضات فيينا، إذ تحاول الولايات المتحدة زيادة المعروض في السوق. 

الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، والمحرر الرئيسي في “مركز دراسات دورانتاش” القائم في كندا، رحيم حميد، يقول إنّه مذ بدأت المفاوضات النووية، تعامل المجتمع الدولي مع دول الخليج العربي، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، بمعايير مختلفة عن إيران، فتم انتقادهم بشكل مستمر لدفاعهم عن أنفسهم ضد هجمات الحوثيين، واستبعادهم من المشاركة في مفاوضات فيينا، كما عبر كثر من المحللين عن مخاوفهم من سعي السعودية لبناء سلاح نووي كرد على مساعي إيران النووية، برغم أنّها وبقية دول الخليج ستتأثر على نحو كبير بذلك التهديد النووي الإيراني، بخاصة إذا لم تكن في وضع، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، يمكنها من الرد بإستراتيجية الدمار المتبادل المؤكد، أو لم تكن جزءاً من حلف دفاعي مثل الناتو، يضمن مساهمة الدول الأخرى التي لديها هذه القدرات في الدفاع عنها.

وبعيداً من مساعي منع الإرهاب أو تطوير ترسانة نووية إيرانية، فإنّ الصفقة كما تصورها المبعوث الأميركي لإيران روب مالي، ستشجع وتسهل كافة هذه الأنشطة، وفق حميد. 

ويتابع لـ”درج”: “كما أنّ إخراج الحرس الثوري من قائمة منظمات الإرهاب لن يقيد تدخلات إيران الإقليمية ودعمها للإرهاب، بل سيطلق سراح أقوى أدواتها، فضلاً عن مساهمة رفع العقوبات عن مموليه في استعادة أسوأ قدراتهم، وبالمثل، فتحرير عشرة مليارات دولار غير متوقعة، سيمكن إيران من البدء ببناء قواعد نووية وتسهيل سعيها غير المشروع لامتلك أسلحة نووية”.

هذه الرؤية الجديدة التي تتبناها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تبدو أسوأ من الاتفاق النووي أو خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA، بحسب الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، في غياب أي آلية لمنع إيران من انتهاك بنود الاتفاقية أو مواصلة أنشطتها الإقليمية العدوانية، ولهذا سيكون التحرك الفوري لإيران هو “السعي لقطف الثمار الناضجة في دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، التي ستكون عاجزة عن التعامل مع جميع وكلاء إيران الإقليميين”.

وبالنسبة إلى السعودية خصوصاً، فهي لا تزال في “المراحل الأولى من بناء مصانع صواريخ وطائرات بدون طيار مع الصين، وسيمر وقت طويل قبل أن تمتلك طاقة إنتاجية كافية للرد بفاعلية على الحوثيين المدعومين من إيران، أو بالطبع، على إيران نفسها”، يقول حميد.

ويتابع: “سيسهل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران من تفشي أسوأ أشكال الفساد، واضعاً ضغوطاً اقتصادية على السعودية ودول الخليج الأخرى، من خلال النفط والغاز؛ ما سيزيد من صعوبة تمويل التحولات إلى الطاقة المتجددة، وسيخلق فرصة للإيرانيين لاختراق الصناعة والمجالات الاقتصادية الكبرى، وسيجعلهم شركاء مفضلين للكثير من البلدان، بفضل انخفاض التكلفة”.

وعليه، فإن تنامي الإرهاب سيؤثر بالضرورة في المصالح الاقتصادية للسعودية، تحديداً مواقع شركة “آرامكو” النفطية، والمنشآت المدنية مثل المطارات وكذا أنشطة السياحة، ناهيك بضغوط اقتصادية أخرى، تتمثل في ضرورة وضع خطة لإنفاق دفاع إضافي، وفق المصدر ذاته، إذ سترزح المملكة تحت ضغط اقتصادي شديد، ما قد يزعزع الاستقرار ويؤدي إلى اضطرابات داخلية.

إقرأوا أيضاً: