fbpx

الحرب ليست بالسلاح فقط…
حساء “البورشت”: جبهة روسية أوكرانية مشتعلة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في الحرب الأوكرانية- الروسية المستمرة، أصبحت الهوية الأوكرانية ذات أهمية متزايدة، والتراث الثقافي بأشكاله المتعددة المادي وغير المادي، يشكل مصدراً للمعرفة حول الهوية القومية الجديدة للأوكرانيين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يدور الصراع في أوكرانيا على مستويات مختلفة. بين شرق أوكرانيا وغربها، بين السلطات الأوكرانية وروسيا، وبين الناتو وروسيا. يدور الصراع حول الأرض والسلطة والأمن والتاريخ والهوية والقانون الدولي…

يرى الأوكرانيون أن الحكومة الروسية، إضافة إلى متابعة التدخل العسكري في بلادهم، تحاول الاستيلاء على التراث الثقافي بأكمله للعالم السلافي الشرقي، بما في ذلك حساء الشمندر والملفوف المعروف باسم حساء “البورشت” Borscht، فالحرب الطاحنة بين البلدين كانت انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي عام 2019، ولم تنتهِ حتى الآن.

حسناً، ماهو الـ” Borscht”؟  هو حساء شمندر كلاسيكي، تختلف طرائق تحضيره، إذ يمكن أن تحتوي الوصفة على كل شيء من اللحوم والنقانق والكرفس إلى الخضروات الجذرية المختلفة، مع الحفاظ على المكونات الأساسية أي الشمندر الأحمر القاني والملفوف.

في أواخر القرن الخامس عشر، انتشر “البورشت” في بولندا وبيلاروسيا الحديثة، ولا سيما في الأرياف، إذ كان يُنظر إليه على أنه طعام “فلاحين”، ونادراً ما كان يأكله النبلاء. وبحسب مؤرخة الطعام البولندية ماريا ديمبينسكا، النسخة البولندية من البورشت تسمى “barzcz”.

لكن مع مرور الوقت، تغيرت النظرة إلى حساء البورشت، ولم يقتصر الأمر على انتشاره في مناطق أبعد، بل اتسعت أيضاً الخلفية الاجتماعية للمستهلكين. بخاصة في الكومنولث البولندي الليتواني، حيث أدى التدهور الاقتصادي إلى تحولات اجتماعية وثقافية جذرية خلال القرن السابع عشر، فأصبح النبلاء تدريجياً أكثر استعداداً لتجربة الأطعمة المتواضعة التي تجنبوها سابقاً. نتيجة لذلك، تمت إضافة مجموعة من المكونات الجديدة، ما يعكس المحاصيل المزروعة في مناطق مختلفة وأذواق النبلاء المحليين.

لقد أثر هذا بشكل كبير في نكهة البورشت لدرجة أنه بحلول أواخر القرن السابع عشر، أصبحت الكلمة تصف مجموعة من أنواع الحساء الحامض، والتي كان معظمها يشبه إلى حد ما الأصل في العصور الوسطى.

خارج العالم الناطق بالروسية، غالباً ما يرتبط حساء الشمندر والملفوف بروسيا، المتاجر والمطاعم في أوروبا والولايات المتحدة تسوق البورشت كحساء روسي.

إقرأوا أيضاً:

كيف بدأت الحرب؟

عام 2019، نشرت الحكومة الروسية على حسابها على “تويتر” باللغة الإنكليزية (الحساب الرسمي على “تويتر” لوزارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الروسي) وصفة تعلن أن “بورشت هو أحد أشهر الأطباق الروسية وأكثرها تفضيلاً، وهو رمز للمأكولات التقليدية”.

الأوكرانيون يخبرون أن حساء البورشت تم ذكره للمرة الأولى  عام 1548 في يوميات مسافر أوروبي تذوق الحساء في سوق بالقرب من كييف. يقولون إن الطبق وصل إلى روسيا بعد ذلك بكثير مع المستوطنين الأوكرانيين.

في نقاش ساخر على “تويتر” بين الحسابين الرسميين لروسيا وأوكرانيا، قالت روسيا إنها سمحت للمواطنين بالتصويت على طبقهم الروسي المفضل: احتل حساء بورشت رأس القائمة.

وردت أوكرانيا بالإشارة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يُسمح فيها للروس بالذهاب إلى انتخابات ديموقراطية وأنه بمجرد السماح لهم بذلك، فقد صوتوا لمصلحة أوكرانيا.

هذا الأمر دفع سفارة روسيا في الولايات المتحدة على “تويتر” بالرد بأن “بورشت غذاء وطني لبلدان كثيرة، بما في ذلك روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وبولندا ورومانيا ومولدوفا وليتوانيا”.

لكن بالنسبة إلى الأوكرانيين، الذين يعتبرون البورشت طبقهم الوطني، فإن التغريدة الروسية كانت دعاية في زمن الحرب، لا سيما بالنظر إلى الاحتلال الحالي لشبه جزيرة القرم منذ عام 2014.

لذلك كان الرد منظماً من طريق تشكيل منظمة CultFood بقيادة أحد أشهر الطهاة في البلاد، إيفجين كلوبوتينكو خريج مدرسة “لو كوردون بلو” للطهي.

في حديث سابق مع وكالة الأنباء الفرنسية، يشرح الشيف  إيفجين قائد معركة حساء الشمندر والملفوف، كيف وجد نفسه في قلب الصراع بين روسيا وأوكرانيا، لتأكيد سيادة أوكرانيا على حساء البورشت.

“لا أحب حقاً أن أسميها حرباً من أجل بورشت، لكن في الواقع هذا ما هو عليه”.

وأضاف إنه سئم من كيف تشير المطاعم في جميع أنحاء العالم – بما في ذلك تلك التي تقدم “ما يسمى بالمطبخ الأوكراني” – إلى بورشت على أنه حساء روسي.

لذلك أحضر قدراً من البورشت إلى وزارة الثقافة الأوكرانية لإقناع المسؤولين بتقديم طلب رسمي إلى  منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو لإدراج البورشت كجزء غير مادي من التراث الثقافي للبلاد.

بالنسبة إلى كلوبوتينكو، فإن المعركة على البورشت تدور في الحقيقة حول هوية أوكرانيا. لذلك أمضى مع  المجموعة في CultFood شهوراً في جمع أدلة على أن الطبق نشأ في أوكرانيا، وتضمنت المواد التي جمعوها صوراً وأدلة وثائقية على أن الوصفات قد تم تناقلها بين ثلاثة أجيال على الأقل داخل  العائلة الواحدة وخطط لأحداث ثقافية للاحتفال به.

في تقرير من سبعمائة صفحة، تحدث كلوبوتينكو عن سبب اعتبار البورشت أوكرانياً، يأتي الإلهام من نابولي، حيث يوجد لديهم بيتزا نابوليتانا المدرجة في قائمة التراث العالمي، وفي جورجيا، حيث فعلوا الشيء نفسه مع نبيذهم، إضافة إلى خبز “الباغيت” الفرنسي.

للفوز بالاعتراف من الهيئة الثقافية للأمم المتحدة، لا يتعين على الأوكرانيين إظهار أن البورشت حصري لبلدهم، يكفي فقط إظهار أنه متشابك بشدة مع ثقافتهم، ويدخل في أشياء مثل تقاليد الزفاف والجنازة. ويجب أن يظهروا أن الحساء يستهلك على نطاق واسع.

في الحرب الأوكرانية- الروسية المستمرة، أصبحت الهوية الأوكرانية ذات أهمية متزايدة، والتراث الثقافي بأشكاله المتعددة المادي وغير المادي، يشكل مصدراً للمعرفة حول الهوية القومية الجديدة للأوكرانيين. لذلك سيكون الاعتراف بحساء الشمندر والملفوف مكسباً مهماً للكبرياء الأوكراني.

إقرأوا أيضاً: