fbpx

هل باتت إسرائيل دولة عادية في المنطقة؟!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ 20 عاماً كانت إسرائيل رفضت “المبادرة العربية للسلام” الصادرة عن اجتماع القمة العربية في بيروت (2002)، أي أنها تريد كل شيء بدون أن تقدم شيئا لأحد، لا للفلسطينيين ولا لتلك الأنظمة، ولا حتى مجرد الاحترام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ثمة تحول لافت في سياسات بعض الأنظمة العربية في علاقاتها مع إسرائيل، فالأمر لم يعد يتعلق، حصراً بالتخلص من عهد العلاقات العدائية، الذي استثمرت فيه معظم الأنظمة في تكريس سلطاتها، وتهميش مجتمعاتها، وتبديد ثرواتها، ولا بمجرد تطبيع العلاقات البينية، بالتعامل معها كدولة عادية، في هذا المجال أو ذاك.

بات الأمر يتعلق، أيضا، بالتعامل مع إسرائيل كأكثر من دولة عادية أي كحليف، يجري التنسيق معه في عديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، والشؤون الإقليمية والدولية، وحتى على حساب العلاقات العربية البينية (جكارة)!

في الواقع فإن هذه النقلة لا أساس موضوعياً لها، بمعنى أنه لا يوجد أي مبرر مقنع لها، لا صعود خطر النفوذ الإيراني في المشرق العربي، ولا خطر الحوثيين في اليمن على البلدان الخليجية، أي أنها مجرد محاولة للهروب إلى الأمام من التحديات التي تواجه النظام العربي، إذ لا يوجد أي مقابل من إسرائيل يستوجب هكذا نقلة؛ مع ملاحظة الآتي:

أولاً، ما زالت إسرائيل هي ذاتها، كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية منذ إقامتها (1948)، إذ نشأت على حساب شعب فلسطين، واحتلت أراضي من دول عربية، وظلت منذ قيامها أحد أهم عوامل التوتر وعدم الاستقرار في المشرق العربي.

ثانياً، ما زالت تلك الدولة تمانع، من الأساس، تطبيع ذاتها مع الشعب الفلسطيني ومع العالم العربي، بعدم تحديد حدودها الجغرافية والبشرية، واعتبارها ذاتها دولة يهودية، أي لليهود فقط حق تقرير المصير فيها، وكدولة ليهود العالم، وليس لليهود الإسرائيليين فقط، وبتمييزها ضد الفلسطينيين فيها، وانتهاجها سياسات استعمارية تقوم على القمع والحصار والتهميش والحرمان من الحقوق ضد فلسطينيي الضفة وقطاع غزة المحتلين، وبرفضها حق العودة للاجئين الفلسطينيين، في حين تمنح هذا الحق لأي يهودي في العالم. 

ثالثاً، منذ 20 عاماً كانت إسرائيل رفضت “المبادرة العربية للسلام” الصادرة عن اجتماع القمة العربية في بيروت (2002)، أي أنها تريد كل شيء بدون أن تقدم شيئا لأحد، لا للفلسطينيين ولا لتلك الأنظمة، ولا حتى مجرد الاحترام.

مفهوم أن خطر إيران المتزايد في المشرق العربي، وفي اليمن، يستدعي موقفاً حازماً، من الأنظمة العربية، لكن تغطية عورات الأنظمة العربية أو هشاشتها، لا تتأتى من التعامل مع إسرائيل كدولة عادية ومتميزة في المنطقة، ففي ذلك قمة الإذلال والإهانة، إذ لا يوجد خطر يغطي على خطر آخر، ولا جرائم تغطي على جرائم أخرى، لا سياسات إيران تغطي أو تبرر سياسات إسرائيل، ولا سياسات إسرائيل تغطي أو تبرر سياسات إيران.

وفي الواقع فإن ذلك الفهم يعطي الأولوية لاستقرار الأنظمة التسلطية، على حساب مصالح التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العالم العربي، وهو يساهم في إضعاف الدول العربية، وتهميش مجتمعاتها، وانكشافها إزاء التدخلات الخارجية، من قبل أطراف دولية وإقليمية، كمثل الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو إسرائيل أو إيران أو تركيا.

إقرأوا أيضاً:

ثمة قطبة مخفية، ولو كانت معروفة لكثر، في سلوكيات بعض الأنظمة في العالم العربي، التي استشعرت منذ بداية الربيع العربي بإمكان زعزعة سلطاتها، لذا فهي تصرفت على أساس مناهضة الثورات أو الحراكات الشعبية من خلال احتضانها والتأثير فيها، للتحكم بتوجهاتها، أو لإجهاضها؛ هذا من ناحية. من ناحية أخرى، فإن هذه الأنظمة التي كانت طوال تاريخها حليفة للولايات المتحدة الأميركية، باتت تنظر بعين القلق إلى السياسة الأميركية الداعمة، بدرجات متفاوتة، لأيذ تغيير في أي دولة عربية، وهذا ما يفسر تبرم، أو مناكفة، بعض الأنظمة للسياسات الأميركية، من جهة، ومحاباتها الانفتاح على إسرائيل من جهة أخرى.

والقصد أن السبب الأساسي لسياسات بعض الأنظمة إزاء الولايات المتحدة وإزاء إسرائيل، لا يصدر من الخطر الذي تمثله سياسات النظام في ايران، المستمرة منذ أكثر من أربعة عقود، وإنما يصدر من حث الولايات المتحدة للتغيير السياسي في العالم العربي، من مدخل حقوق الإنسان والديموقراطية، بدلالة الانزياح نحو الصين وروسيا اللتين غازلتا تلك الأنظمة برفض الثورات “الملونة”، واعتبار أي حراك شعبي للديمقراطية تدخلا خارجيا، رغم أن علاقات الصين وروسيا أكثر من تحالفية مع إيران، ومع العلم أن سياسات الولايات المتحدة بخصوص الديمقراطية وحقوق الإنسان، موسمية، واستخداميةـ أكثر منها مبدئية.

الآن، لنفكر جيداً، ما الذي تقدمه إسرائيل للعالم العربي؟ في الحقيقة فإن إسرائيل تأخذ ولا تعطي، إذ تأخذ مزيداً من الأمن والاقتصاد والشرعية، علماً إنها الأكثر استفادة من تغول إيران في المشرق العربي، وسوريا على وجه خاص، إذ إن تلك الدولة قدمت لها، ولو بحجة المقاومة، أكبر خدمة في تاريخها، بتقويضها بنى الدولة والمجتمع في العراق وسوريا ولبنان، وبإثارتها النعرة الطائفية، وإقامتها ميليشيات طائفية مسلحة، فهي الأكثر دفاعاً عن أنظمة الاستبداد والفساد في المشرق العربي، والأكثر استقتالاً في صد وقمع الحراكات الشعبية، على ما حصل في العراق ولبنان (منذ 2019) وفي سوريا (منذ 2011).

بصراحة، لا أحد يستفيد من هذا الانفتاح سوى إسرائيل، إذ إن مواجهة التحديات الخارجية، وضمنها تحدي سياسات إسرائيل وإيران وتركيا وأميركا وروسيا وغيرها، تفترض انتهاج سياسات أخرى تقوم على إعادة الاعتبار للدولة في العالم العربي، كدولة مؤسسات وقانون ومواطنين، أحرار ومتساوين، في نظام ديموقراطي، وانتهاج سياسات تنمية اقتصادية واجتماعية تأخذ في اعتبارها مصالح المجتمعات العربية، لا مصالح السلطات القائمة وحسب.

إقرأوا أيضاً: