fbpx

“سكبوا البنزين على جسدي وأضرموا النار”… 
العنف يحصد أرواح “مجتمع الميم” في العراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كيف يستطيع أفراد مجتمع الميم الوصول إلى العدالة والمحاسبة بينما يمكن قتلهم وإساءة معاملتهم دون حساب، حتى في عقر دارهم؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في شباط/ فبراير، تناولت التقارير الإخبارية قتل امرأة عابرة جنسياً، تُدعى دوسكي آزاد (23 سنة) على يد شقيقها في إقليم كردستان العراق. قرأتُ ذلك الخبر وكنتُ قد أنهيت للتوّ بحثي حول أعمال القتل، والاختطاف، والتعذيب، والعنف الجنسي التي تمارسها الجماعات المسلحة ضدّ المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي وعابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم) في العراق.

فكّرتُ، كيف يستطيع أفراد مجتمع الميم الوصول إلى العدالة والمحاسبة بينما يمكن قتلهم وإساءة معاملتهم دون حساب، حتى في عقر دارهم؟

على مدى الأشهر الستة الماضية، قابلتُ 54 عراقياً من مجتمع الميم كانوا ضحية أعمال عنف مروّعة على يد الجماعات المسلّحة والشرطة العراقية. كان بعضهم أيضاً يعرف عن كثب عراقيين آخرين قُتلوا أو تم إخفاؤهم على يد جماعات مسلّحة بسبب هويتهم الجندرية أو توجههم الجنسي المتصوَّر. 

يوثق تقريرنا الجديد اعتداءات ضدّ مجتمع الميم في العراق: 8 عمليات اختطاف، و8 محاولات قتل، وأربع عمليات قتل خارج القضاء، و27 حالة عنف جنسي، و45 تهديدا بالاغتصاب والقتل، و42 استهدافا عبر الانترنت من قبل وحدات مسلحة من “قوات الحشد الشعبي”، التي تخضع اسميّا لرئيس الوزراء منذ 2016. في 8 حالات، حصلت الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات المسلّحة والشرطة ضدّ أطفال بعضهم لم يتجاوزوا 15 سنة. وفي 39 حالة، تمكّن الضحايا من تحديد الجماعة المسلحة التي تقف وراء الاعتداءات ضدهم. 

من المرجّح أن تكون الأرقام أعلى من ذلك بكثير. برغم أنّ المعتدين معروفون، إلاّ أنهم لم يُحاسبوا عن الكثير من عمليات القتل والإخفاء في العراق.

كثر من الذين قابلتُهم كانوا صغاراً لدرجة أنهم تخرجوا للتوّ من المدرسة الثانوية، لكن الخوف والعزلة اللذين تحدثوا عنهما يمتدان إلى زمن بعيد جدا. أغلبهم كانوا لم يتحدثوا إلى أي شخص عمّا حدث لهم. في العديد من الأحيان، وجدتُ نفسي أترك أسئلة المقابلة جانبا وأتحدث معهم. استمعتُ إلى رجل مثليّ (27 سنة) وهو يروي كيف تعرّض صديقه الحميم للتعذيب أمامه. قال: “ثمّ أطلقوا عليه النار خمس مرات”.

رسخَتْ في ذهني قصّة رجل مثلي آخر (21 سنة)، نجا من محاولة قتل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بينما طعن ثلاثة ملثمين صديقه الذي كان معه حتى الموت. قال لي وهو يلهث: “ظلوا يصرخون (يا شاذ، يا شاذ، أنت حثالة وتستحق الموت). طعنني أحدهم في كتفي، وما زلت لا أعرف كيف، لكنّني نجوت بحياتي”.

كسر والده ركبتيه وهو يضربه بالعصا بعدما رآه يدردش مع رجل آخر على الإنترنت. قال إنّ والده يجبره على العمل في محل لغسيل الثياب تملكه العائلة 16 ساعة في اليوم، في غرفة تحت الأرض وصفها بـ”الزنزانة”. يُعطيه والده ما تبقى من طعام الآخرين، وذات مرة ألقى الطعام في القمامة وقال له أن يأخذه من هناك.

أذكر أيضاً امرأة عابرة جنسياً (31 سنة) كانت في طريقها إلى المنزل عائدة من العمل لما أوقفها ستة رجال في سيارة “هامر” بنوافذ مظلمة، قرب مكب للقمامة في بغداد. قالت: “أخرجوا شفرة حلاقة ومفكّاً للبراغي وجرحوني في كلّ مكان، بخاصة مؤخرتي، وبين فخذيّ، وفخذيّ. وبعدما مزّقوا لحمي وسكبوا نحو خمسة ليترات بنزين على جسمي ووجهي، أضرموا فيّ النار…”.

أنقذها جيرانها، وحتى اليوم ما زالت ندوب الحروق ظاهرة من رقبتها إلى قدميها. قالت: “أرادوا قتلي. قيّدوا جسدي، ولم يعد بوسعي أن أحِبّ أو أُحَبّ… لقد فكّرت في الانتحار”.  

قالت لي امرأة عابرة أخرى، كانت تعرّضت للخطف والتعذيب والاغتصاب الجماعي فيى حزيران/ يونيو 2020 على يد مجموعة من الحشد الشعبي، إنها توقفت عن الأكل بعد اختطافها، ورسبت في امتحاناتها الجامعية، وحاولت الانتحار. قالت: “أشعر بأنني ميتة”. 

من أين تبدأ العدالة لهؤلاء الناس؟ ليست هناك قوانين عراقية تحمي مجتمع الميم من العنف. في الواقع، هناك أحكام في قانون العقوبات العراقي، مثل المادة 41 (1) و128 تدعم المعتدين بذريعة “الشرف”، ولذلك فهم يعرفون أن بإمكانهم الإفلات بفعلتهم، بل سيفلتون بالفعل. جميع من قابلتُهم قالوا إنّهم لا يُبلّغون السلطات بالعنف الذي يتعرضون له لأنّهم يرتعبون من استهدافهم مجدداً، أو من أن تتجاهلهم الشرطة أو تعتقلهم.

الحكومة العراقية مسؤولة عن إنهاء إراقة الدماء والإفلات من المحاسبة، وعليها أن تبدأ بالتحقيق في جميع تقارير العنف الذي تمارسه الجماعات المسلحة أو آخرين ضدّ كل الضحايا، بما في ذلك مجتمع الميم، وإدانة هذا العنف بشكل علني. على نظام العدالة مقاضاة كل الذين يثبت تورطهم ومعاقبتهم. 

على الحكومة اتخاذ كل التدابير الكفيلة بوضع حدّ للتعذيب، والإخفاء، والقتل وغيرها من الانتهاكات القائمة على التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية، وتعويض عائلات جميع ضحايا القتل والانتهاكات الجسيمة. العدالة تبدأ من هناك فقط.

إقرأوا أيضاً: