fbpx

المنطقة الخضراء في بغداد… كوكب الطبقة
السياسية حيث يمنع دخول المواطنين “العاديين” 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“هل تدركين أن الكهرباء لا تنقطع في الخضراء، سبحان الله، لا عطل في الكيبل الضوئي، ولا هنالك قرش يقطع اسلاك الكهرباء الممتدة نحو الخضراء”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لا أحلم برفاهية المنطقة الخضراء، والتي تبدو من اسمها برجوازية متعالية لا تنظر إلينا نحن الطبقات المسحوقة، ولا تعتبرنا موجودين غير لخدمة سكانها المهمين”، بدت رنا محبطة وغاضبة للغاية، حين ذكرنا اسم “المنطقة الخضراء” أمامها، فحين قارنتها بالمناطق الأخرى في بغداد، أرادت البكاء، وهي تعد الفروق الشاسعة، “المنطقة الخضراء كوكب، ونحن كوكب آخر”.

حي المسؤولين والوزراء 

المنطقة الخضراء، أي الحي السكني الديبلوماسي، السياسي، والمعني برجال الحكومة العراقية، والسفارات المهمة، كالسفارة الأميركية، وشخوص متنفذة، تحكم الأخضر واليابس، تبدو منطقة محاطة بجدار كونكريتي طويل، يشبه جدار برلين، وكأنه يفصل عالمين ودولتين، فتصبح هذه الاعمدة الكونكريتية، والحشود من رجال الأمن والدفاع وعشرات الجنود، بمثابة حراس على حدود دويلة لا تتعدى مساحتها، حجم حيّ بسيط من احياء العاصمة بغداد.

تقع المنطقة الخضراء، في مركز العاصمة بغداد، وتعتبر، قلبها وجسرها الرابط بين مناطق مفصلية، فتصبح عصب المدينة الكبيرة، إذ يمكنك ومن خلال المنطقة الخضراء التوجه- على سبيل المثال- من منطقة المنصور الواقعة في الكرخ الى منطقة الكرادة في الرصافة بخمس دقائق، لكن هذا الامر بالطبع لن يحدث، فهذا الحي محصن بالكامل ومن جميع الجهات، ولا يستطيع أي شخص دخوله، “حتى بطلاع الروح”. بالطبع هنالك استثناءات و”باجات” قد تكون مرخصة لدخول الخضراء، يستخدمها “بعض” موظفي “بعض” الوزارات، لتفادي الازدحامات والطرق الملتوية التي عليهم خوضها من أجل الوصول الى أماكنهم. لكن هذه الاستثناءات لا تجدي دوماً، ففي لحظة واحدة قد يمنع دخول الجميع إلى المنطقة النظيفة المحصنة، الأمر يعتمد على مزاج مصدري الأوامر.

“المنطقة الخضراء كوكب، ونحن كوكب آخر”.

لا تزيد مساحة “المنطقة الخضراء” أو “كرادة مريم”، وهو الشارع الدولي في وسط العاصمة بغداد، المعروف بـ”حي التشريع”، عن الـ 10 كلم مربع، إلا أنها تتمتع بامتيازات عالية، يتم حرمانها العراقيين منها. 

كانت هذه المنطقة مقراً سكنيّاً لأعضاء الحكومة العراقية وعدد من الوزارات، كما أنها تحوي عدداً من قصور الرئيس الراحل صدام حسين وأولاده. وقد أصبحت لاحقاً من أكثر المواقع العسكرية تحصّناً في العراق. وتضم مقر الحكومة العراقية الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي.

وقد بدأ اسم “المنطقة الخضراء” بالظهور مع قيام الحكومة العراقية الانتقالية، فعام 2003 احتلت القوات الأميركية هذه المنطقة خلال عمليات غزو العراق، وأعادت تنظيمها وتحصينها، وأقامت فيها سفارتها، ومقراً لـقيادة “قوات التحالف الدولي”، وقواعد قيادية لها.

كيف هي الحياة هناك؟ 

تبدو المنطقة الخضراء بعد دخولها، وكأنك تقتحم بلداً آخر، تتغير الاصوات، وتهدأ الأرواح وتصبح أكثر استرخاء، بالطبع، ولم التوتر؟ لا هم ولا غم ولا مسؤوليات، والاهم، لا جوع. يؤكد صاحب إحدى حافلات النقل أنه لم يرَ هذا المكان في حياته، برغم أنه يبلغ 27 سنة، إلا أنه لم يجرؤ يوماً، على السير في المنطقة الخضراء، ولا يعرف كيف تبدو شوارعها. “لكن ما أعرفه تماماً هو أننا وسياراتنا ممنوعون من الدخول إليها”، يقولها بضحكة ويتابع، “لأننا من الطبقة الدنيا، فمن يدخل هذه المنطقة هم أصحاب النفوذ الذين يملك كل واحد منهم خمس أو ست سيارات مصفحة لا نستطيع رؤيتهم من خلالها، أما في الباص الذي املكه انا، فسترى الجائع والمرهق والنائم والطاعن في السن الذي لم يستطع طوال سني عمله امتلاك سيارة خاصة”.

لا “طسة” ولا “تكتك” 

وإذ تزدحم شوارع بغداد بالتكتك والسيارات المنهكة التي وجب أن تتقاعد، تبدو شوارع المنطقة الخضراء مختلفة تماماً، نظيفة جداً ولا “طسة” فيها أو لا حفر فيها، وفق التعبير الشائع في العراق. وتبدو الشوارع هادئة هانئة، بعيدة من أزمات البلاد وارتباكها وجوع الناس وأوجاعهم، بعيدة جداً من النفايات التي تصطف على حواف الأرصفة في شوارع بغداد، حتى صارت جزءاً منها. يقف شرطي المرور مسترخياً، لا يحمل هم المخالفات المرورية، فإشارة المرور تعمل حقاً، وتنظم السير والسيارات حديثة ومحدودة، لا تكتك ولا “ستوتة” ولا “كيا” أو “كوستر” ولا حتى دراجات. أما إشارات المرور في شوارعنا، فمنهكة وغالباً غائبة عن الوعي في معظم الأحيان. 

إقرأوا أيضاً:

الكهرباء تخشى الانقطاع 

“هل تدركين أن الكهرباء لا تنقطع في الخضراء، سبحان الله، لا عطل في الكيبل الضوئي، ولا هنالك قرش يقطع اسلاك الكهرباء الممتدة نحو الخضراء، كما أفتوا سابقاً، ولا يصرح لهم وزير الكهرباء بضرورة استيرادها من إيران”، تضحك  بيداء امجد، وهي مدرسة لغة عربية، وفي الضحك مأساة كبيرة. تشير إلى أن الحكومة تعمل على سرقة ساعات الكهرباء المخصصة للأحياء السكنية لمنحها للخضراء حصراً… حيث كل شيء يسير على ما يرام.

تروي أمجد كيف ذهبت ذات مرة لإعطاء دروس خصوصية لأحفاد شخصية مهمة هناك، “استغربت أنهم اختاروا معلمة من منطقة شعبية. كان القصر هائلاً، لو تم تقسيمه، لشكّل عشرة منازل في حينا. يومها تفحصت المنطقة الخضراء المملوءة بالأشجار، الجو لطيف، وكأن درجة الحرارة أقل والشوارع عريضة والمنازل كبيرة للغاية. تذكرت منزلي الذي بالكاد وبعشرات الادعية حصلت عليه انا وزوجي بمساحة 45 متراً”.

صواريخ الخضراء على المدنيين 

إنها منطقة محصنة، حتى إن الصواريخ المنطلقة نحوها، تسقط في أحياء مجاورة، ومنازل قريبة، ولا تسقط بسبب انظمة الدفاع المتطورة، على أي شبر، أو حديقة في الخضراء، فمن يسكنها هم أصحاب القرار، كما توضح ديما عباس، المهندسة في وزارة التخطيط، التي تقع بالقرب من إحدى بوابات الدخول إلى الخضراء، “لا استطيع الدخول إليها من اجل العبور الى منطقة الدورة حيث اسكن، أضطر لسلوك درب أطول وتضييع وقتي في الزحمة لأتمكن من الوصول الى منزلي”.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!