fbpx

السجن لمدة عام لحمو بيكا وعمر كمال:
حفاظا على الذوق العام أم خوفاً من انشقاقات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصبحت موسيقى المهرجانات متأصلة بعمق في ثقافة البوب ​​المصرية، ولم تعد مقتصرة على الطبقة العاملة والأحياء الفقيرة، بل امتدت إلى الشباب من الأحياء الأكثر ثراءً، الذي يعتبرونها موسيقى مفعمة بالحيوية.  

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أصدرت المحكمة الاقتصادية في الإسكندرية حكماً بالحبس لمدة عام على مطربي المهرجانات حمو بيكا وعمر كمال، وإلزامهما بدفع كفالة 10 آلاف جنيه لإيقاف التنفيذ، وغرامة 10 آلاف جنيه، أتى ذلك على خلفية فيديو تداولته منصات التواصل الاجتماعي، يظهران فيه فيما يرقصان مع الراقصة البرازيلية لورديانا، على أنغام أغنية “إنتي معلمة“. اتهمت المحكمة الثلاثة بالتعدي على القيم والمبادئ الأسرية، ثم قضت ببراءة لورديانا في القضية التي عُرفت إعلامياً بـ”فيديو إنتي معلمة”.

تعود تفاصيل القضية إلى بلاغ تلقته الجهات المنوطة، يفيد بقيام كل من حمو بيكا وعمر كمال ولورديانا، بنشر مقطع فيديو، وصفته جهات التحقيق بأنه “خادش للحياء”، لتوجه تهمة الإخلال بالآداب العامة للمشاركين في الفيديو، ونشر فيديو خادش للحياء بهدف التربح، كما أُرفقت مع المحضر الحسابات التي نُشر عليها الفيديو، لتقوم جهات التحقيق بإحالة القضية إلى المحكمة الاقتصادية، التي أصدرت حكمها السابق ذكره على حمو بيكا وعمر كمال.

 بعد إعلان المحكمة الاقتصادية حكمها، كشفت نقابة المهن الموسيقية عن موقفها، فصرح سعد متولي، المستشار القانوني للنقابة، عن أن النقابة لا يحق لها التدخل، إلا بعد صدور حكم نهائي، موضحاً أن النقابة لا شأن لها بحمو بيكا لعدم قيده بسجلات النقابة. أما بالنسبة لعمر كمال، فأوضح متولي أن النقابة تنتظر الحكم النهائي، حتى تتخذ الإجراء المناسب، وذلك لأن عمر عضو مسجل داخل النقابة.

على مدار العامين المنصرمين، واجه حمو بيكا وعمر كمال ملاحقات مستمرة، من نقابة الموسيقيين والقضاء المصري. في كانون الثاني/ يناير 2019، قضت محكمة جنح مستأنف الدخيلة بالإسكندرية بتأييد حبس حمو بيكا 3 شهور، لاتهامه بإقامة حفل غنائي في العجمي دون ترخيص. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، صدر حكم آخر من المحكمة الاقتصادية بالإسكندرية بحبس حمو بيكا لمدة سنتين مع الشغل، وكفالة 5 آلاف جنيه، وتغريمه 200 ألف جنيه، وذلك بعد اتهامه بسب نقيب الموسيقيين الفنان هاني شاكر. وجاء ذلك الاتهام بعد فيديو نشره بيكا على حسابه في “فيسبوك”، هاجم فيه هاني شاكر وأعضاء النقابة، بسبب رفض النقابة التصريح له بإقامة حفل غنائي في دمياط.

لم يسلم عمر كمال من مسلسل الملاحقات المستمر، وإن كانت أخف وطأة مما واجهه بيكا، كمال لم يتعرض لأحكام قضائية إلا في الحكم الذي صدر عليه في قضية “إنتي معلمة”، لكن تم توقيفه أكثر من مرة بقرار من نقابة الموسيقيين. جاء الإيقاف الأول في شباط/ فبراير 2020 بعد تأديته أغنية “بنت الجيران” في حفل أقيم في استاد القاهرة، إذ رأت النقابة أن جملة “وأشرب خمور وحشيش” تُروج لإفساد الذوق العام. ويعود الإيقاف الثاني لعام 2021، حين صدر قرار من نقابة الموسيقيين بوقف عمر كمال لمدة أسبوع، وذلك بسبب ألفاظ “خارجة” في حفل غنائي، الفيديو الذي صرح كمال بعدها بأنه يعود إلى حفل خاص أحياه قبل عام ونصف من صدور القرار. وكان الإيقاف الثالث في كانون الأول/ ديسمبر 2021، بعد رفض عمر غناء كلمتي “خمور وحشيش” في حفلة أُقيمت في السعودية، وذلك بسبب قدسية الأرض، وهو ما أثار حفيظة المصريين والنقابة التي أكدت قدسية الأراضي المصرية أيضاً.

أصدرت المحكمة الاقتصادية في الإسكندرية حكماً بالحبس لمدة عام على مطربي المهرجانات حمو بيكا وعمر كمال، وإلزامهما بدفع كفالة 10 آلاف جنيه لإيقاف التنفيذ.

إفساد الذوق العام… 

منذ صعود ما يُسمى أغاني المهرجانات وانتشارها بقوة تزامناً مع ثورة يناير، اختلفت نظرة الجهات الرسمية إلى هذا النوع من الأغاني. البداية كانت محايدة بعض الشيء، ففي ظل الأحداث السياسية المتسارعة، لم تنشغل الجهات الرسمية بتحليل الأمر واتخاذ موقف من أغاني المهرجانات، باعتبارها جزءاً من حالة الغضب والهياج الشعبي، وما أن تخمد نار الثورة ستخمد بالتأكيد نار هذه الأغاني. لكن ذلك لم يحدث، فبعد مرور 11 عاماً على قيام الثورة،  وعلى اشتعال فتيل ذلك اللون الغنائي، يبدو أن ما حدث هو العكس، إذ زاد متابعو المهرجانات، ما أغضب الدولة أكثر.

لا تتوانى نقابة المهن الموسيقية بين الحين والآخر، في اتخاذ قرارات كإيقاف بعض من مؤدي المهرجانات، أو رفض إعطائهم تصاريح لإقامة الحفلات، أو حتى الاعتراض على أسماء شهرتهم، وعدم جواز تسجيلها في سجلات النقابة. كان آخر هذه القرارات، ما صدر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وهو منع بعض مؤدي المهرجانات والمغنين الشعبيين من العمل، وسحب تراخيصهم السنوية.

وتضمنت القائمة التي أصدرتها النقابة برئاسة الفنان هاني شاكر، 19 اسماً من الممنوعين من العمل، وهم: حمو بيكا، وحسن شاكوش، وكزبرة، وحنجرة، ومسلم، وأبو ليلة، وأحمد قاسم فيلو، وأحمد موزة، وحمو طيخة، وريشا كوستا، وسمارة، وشواحة، وولاد سليم، والعصابة، والزعيم، وعلاء فيفتي، وفرقة الكعب العالي، ومجدي شطة، ووزة، وشكل، وعمرو حاحا، وعنبة.

وتعقيباً على ذلك القرار، صرح نقيب المهن الموسيقية، هاني شاكر بأنه فوجئ بزوبعة من بعض المطربين الممنوعين، برغم أن القرار يعود إلى أكثر من شهرين، وأضيف إليه عدد من الأسماء، بعدما أخفقوا في اختبار النقابة.

وأضاف أنه “لا استثناءات لأحد من القرار، وأنهم يمكنهم الغناء خارج مصر أو عبر وسائط مثل يوتيوب،  لكن غير مسموح بالغناء في حفلات أو أفراح أو مسارح أو أي عروض فنية ومسرحيات أو محتوى فني مباشر. وأن قرار سحب الرخصة منهم جاء بإجماع مجلس النقابة”.

لم يُصدر القضاء حكماً قاطعاً بجواز هذا النوع من الفن من عدمه، فيستند الفريقان إلى مواد قانونية لإثبات شرعية كل منهما. يستند محامو النقابة إلى المادة 25 من قانون الجرائم الإلكترونية، الذي ينص على أنه، “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو باحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الاسرية فى المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياه الخاصة….إلخ” وهو ما تؤكده النقابة دائماً في ادعائها على مؤدي المهرجانات، وكيفية إفسادهم الذوق العام، ومبادئ الأسرة المصرية.

على جانب آخر، يستند محامو مؤدي المهرجانات إلى المادة 67 من الدستور، والتي تنص على أن “حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها. وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمتضرر من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقاً للقانون”، هنا يظهر التعارض بين المواد القانونية والمواد الدستورية، وما بين هذا وذاك يقف المستقبل القانوني لمغني المهرجانات على المحك.

موسيقى المهرجانات في السياق… من مدينة السلام إلى الجميع

وفقاً لوالتر أرمبروست، عالم الأنثروبولوجيا الثقافية الذي تركز اهتماماته البحثية على الثقافة ووسائل الإعلام في الشرق الأوسط، كانت ثقافة البوب ​​المصرية مهمة في تأسيس الهوية الوطنية أكثر من الخطاب الرسمي المتبنى من الدولة. حيث تكشف الثقافة الشعبية الكثير عن الحالة الاجتماعية والثقافية الحالية لمصر.

يؤكد أرمبروست حقيقة أن الثقافة الشعبية كانت بمثابة موقع حقيقي يمكن من خلاله التعبير عن وجهات النظر البديلة للحداثة التي دارت في مصر بشكل مزدوج حول السرد القومي المهيمن، الذي يركز على الأصالة الثقافية المصرية والتغريب، وبالتالي، فإن موسيقى المهرجانات تندرج في تيار الثقافة الشعبية المعاصرة التي تعارض الخطاب المُتبنى في وسائل الإعلام الحكومية، وتعارض المفاهيم الحداثية التي تطرأ على الفن، كالصوابية الأخلاقية والسياسية. غالباً ما تظهر هذه الخلافات في استخدامات اللغة العربية، حيث تشجع الدولة على استخدام الشكل الحرفي للغة العربية، في حين أن أولئك الذين يرفضون هذا النهج يطرحون لغة بديلة قد تكون مبتذلة، وهو ما فعله هذا النوع من الفن منذ إنشائه.

كلمات أغاني المهرجانات حتى ولو اتهمت بالركاكة، إلا أنها تعالج قضايا لم تسلط الأغنية الكلاسيكية الضوء عليها حقاً، من غدر الأصدقاء، إلى ظلم الحياة  والأزمات  المالية، والأحكام القاسية وندرة الأوفياء الطيبين، وصعوبات الحياة والزواج، والبطالة، وتعاطي المخدرات…

بدأ هذا النوع من الأغاني عام 2006، وانطلق بالكامل بعد ثورة يناير 2011. بدأ في مدينة السلام، ومنها  إلى الأحياء الشعبية في القاهرة. وبرغم أن الموسيقى التي انتشرت خلال الثورة تأثرت بالحالة الثورية والقومية، إلا أن أغاني المهرجانات كانت ساخرة وساخطة بشكل علني، ولم تمتنع من استخدام الألفاظ النابية للسخرية من النظام والتنديد بوحشية الشرطة. 

 تُنشر موسيقى المهرجانات بشكل أساسي عبر الإنترنت، من خلال منصات البث، مثل Sound Cloud، التي تشكل جزءاً مهماً من أرباح مؤديها. في البداية، اعتادوا التربح من خلال “الدي جي” والحفلات الموسيقية، وعلى رغم أن الجولات الحية ظلت مصدراً مهماً للإيرادات، إلا أن منصات البث أصبحت بشكل متزايد المصدر الرئيسي للدخل. من خلال YouTube وحده، يُقدر أن حسن شاكوش قد حقق حوالي 739600 دولاراً أميركياً في آذار/ مارس 2020 فقط، وفقاً لموقع socialblade. com.11، ومن المقدر أن يحقق فنان مثل حمو بيكا ما يصل إلى 1.9 مليون دولار سنوياً عبر YouTube أيضاً، وبالنسبة إلى محمد رمضان تتراوح هذه الأرباح بين 268000 دولار و 4.5 مليون دولار سنوياً. وقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 2549 دولاراً عام 2018، وهو ما يعني أن مغني المهرجانات يتمتعون برفاهية مالية وهم مثال على الحراك الاجتماعي الصاعد في مجتمع طبقي للغاية.

ومن ثم يمكن القول إن التضييق الذي تمارسه النقابة قد يكون جزئياً بسبب عدم قدرتها على جني أي أموال من عائدات فناني المهرجانات، لأنهم ليسوا أعضاءً في النقابة. وفقاً للائحة الداخلية (البند 8 من المادة 58)، يتم تمويل النقابة جزئياً من خلال الضرائب التي يتلقاها الأعضاء من أي عقود وقعوا عليها، وعائداتهم الموسيقية وأي دخل قد يتلقونه من نشاط موسيقي. وبالتالي فإن السلاح الذي تتحصن به النقابة بوجه فنان ما، هو إصدار تراخيص أداء الحفلات وممارسة المهنة.

أصبحت موسيقى المهرجانات متأصلة بعمق في ثقافة البوب ​​المصرية، ولم تعد مقتصرة على الطبقة العاملة والأحياء الفقيرة، بل امتدت إلى الشباب من الأحياء الأكثر ثراءً، الذي يعتبرونها موسيقى مفعمة بالحيوية.  

إقرأوا أيضاً:

توسيع نطاق الرقابة الثقافية…

تدخل السلطات المصرية في التفضيلات الثقافية المحلية ليس بالأمر الجديد،  وقد كان راسخاً بشكل كبير في محاولات السيطرة على الإنتاج الثقافي في البلاد. لم تكن موسيقى المهرجانات وحدها التي طاولتها يد الرقابة، بل تعرضت كل أنواع الفنون لرقابة شديدة منذ عام 2013 بهدف السيطرة على النتاج الفني المحلي، وتوجيه دفته إلى حيث تريد السلطة.

علاوة على ذلك، في تموز/ يوليو 2018، فرض مرسوم رئيس الوزراء قيوداً صارمة على تنظيم المهرجانات والفعاليات الفنية في مصر، إذ فرضت عليها أن تحصل على موافقة وزارة الثقافة، والكيانات الحكومية ذات الصلة التي تتكون من ممثلي الخارجية والداخلية والمالية والسياحة والآثار والطيران المدني والشباب والرياضة ووزارات التنمية المحلية، الذين يختارهم وزراؤهم، بشرط أن يكونوا من كبار موظفي الخدمة المدنية. يجعل المرسوم الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية للتقدم بطلب للحصول على ترخيص لأداء الأنشطة الثقافية، إذ يجب أن يملك المتقدمون مبلغاً هو رأسمال عامل لا يقل عن 500000 جنيه مصري ويجب أن يكون 51 في المئة منه مملوكاً من مواطن مصري. 

في ضوء التشريعات الأخيرة، يبدو أن الحظر المفروض على موسيقى المهرجانات كان الخطوة المنطقية للسيطرة على الناتج الثقافي في البلاد. حملة النقابة على موسيقى المهرجانات وأنواع الموسيقى الأخرى هي جزء من قمع أوسع يُمارس على جميع أشكال الثقافة في محاولة للحيلولة دون أي انشقاق.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!