fbpx

من هم المرتزقة السوريون المستعدون للموت من أجل بوتين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك أسباب كامنة وراء اندفاع عشرات الشبان السوريين لترك عائلاتهم والسفر من أجل الوصول إلى جبهات المعارك المفتوحة بين روسيا وأوكرانيا والقتال كمرتزقة في صفوف جيش بوتين… هذا التقرير الاستقصائي يكشف المزيد عنهم وبعض من يقف من ورائهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحقيق: علي الإبراهيم، بشار ديب، محمد بسيكي، أحمد عبيد 

صبيحة الثالث من آذار/ مارس 2022، حطّت طائرة شحن روسية من طراز “يوشن” في أحد المطارات الواقعة شمال شرقي العاصمة الروسية موسكو.

 مصدر عسكري تابع تلك العملية وأفاد بأن الطائرة الروسية وصلت من قاعدة حميميم في الساحل السوري وهي القاعدة الروسية الأكبر في البلاد، وكانت تضم مجموعة مكونة من ثلاثين ضابطاً، جميعهم من مرتبات “الفيلق الخامس اقتحام”، الذي أُعلن عن تشكيله في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 بإشراف روسي مباشر.

على الفور وبعيداً من الأعين نُقلت المجموعة إلى النقاط المخصّصة لتمركز “مرتزقة” تعمل روسيا على تجنيدهم حالياً، حيث تخضع مجموعة الضباط هذه إلى دورة عسكرية في موسكو.

المصدر المطلع على سير العملية كاملة، رفض الكشف عن اسمه، وقال لمعدي التحقيق إنّ الدورة المخصصة لهذه المجموعة تتضمن تدريبات خاصة بـ”إدارة المواقع العسكرية”، وتنسيق الاتصال والارتباط، إضافة إلى قواعد خاصّة باستراتيجية القتال في بيئة مختلفة عن بيئة المقاتلين الأصلية، ولاحقاً ستكون هذه المجموعة مسؤولة عن وصول “المرتزقة” من سوريا إلى روسيا عبر قاعدة حميميم وتوزيع المهمات عليهم.

لم تمضِ أسابيع على الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير الماضي، حتى بدأ سماسرة مقربون من دوائر الأمن العسكري السوري والمخابرات الجوية وعبر شركات “أمنية” بدعوة الشباب لتسجيل أسمائهم للعمل إلى جانب القوات الروسية. 

هذه الدعوات دفعت أعداداً كبيرة من الشبان في دمشق واللاذقية وحلب وحمص وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري إلى تسجيل أسمائهم في لوائح الراغبين بالسفر والانضمام على أمل الحصول على رواتب مغرية وبالدولار الأميركي، دون زجهم في جبهات القتال إلى جانب القوات الروسية، وفق ما رصد فريق التحقيق.

وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” كان صرح في اجتماع لمجلس الأمن، بأن 16 ألف “متطوعاً” في الشرق الأوسط مستعدون للقتال في إقليم “دونباس” شرق أوكرانيا، فيما لفت الناطق باسم الكرملين “ديمتري بيسكوف” إلى أن معظم الأشخاص الذين يرغبون وطلبوا القتال إلى جانب القوات الروسية، هم مواطنون سوريون وآخرون من دول الشرق الأوسط، معتبراً أن قرار إرسال مقاتلين “متطوعين” إلى أوكرانيا “أمر مقبول”.

وكشف رئيس لجنة المصالحة الروسية- السورية في دير الزور، شرق سوريا، عبد الله الشلاش، عن تجنيد مئات الشباب للقتال إلى جانب القوات الروسية والذين تم تسجيل أسمائهم ويتحضرون للسفر إلى أوكرانيا.

وقالت مصادر محلية إن الإعلان عن ذلك جاء ذلك خلال اجتماعه بعدد من الشبان  في صالة “العمال” في مركز “المصالحة” في دير الزور، أكد فيها أن “التطوع لدعم القوات الروسية في حربها على أوكرانيا، هو نوع من رد الجميل للقوات الصديقة”.

وأضاف أن جميع المتطوعين أبدوا جاهزيتهم للسفر إلى أوكرانيا، بانتظار التعليمات من القيادتين الروسية والسورية للموافقة على إرسالهم.

عمليات “التسوية” التي تجريها قوات النظام في مبنى الصالة الرياضية (فيس بوك/ شعبة حزب البعث في دير الزور)

في الأثناء كشفت مديرية المخابرات الأوكرانية، في بيان لها عن نقل 150 مقاتلاً سورياً من قاعدة حميميم العسكرية إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب القوات الروسية، مشيرةً إلى أن القرار الصادر عن “حميميم” يقضي بإرسال 300 مقاتل يومياً.

حكاية عبدالمجيد

بعيداً من موسكو، في العاصمة السورية دمشق، ينتظر عبد المجيد وهو شاب ثلاثيني انتهاء تدريب الضباط لنقلهم إلى أوكرانيا بعدما استكمل جميع الأوراق المطلوبة منه. 

عبدالمجيد كان جُنّد سابقاً لمصلحة القوات الروسية في ليبيا، مقابل التدخل لإطلاق سراح شقيقه المعتقل، لكن انتهاء عقده القتالي تزامن مع بداية الحرب الروسية- الأوكرانية، وتنصّل الروس من وعودهم بذريعة انشغالهم بهذه الحرب، فقرّر الاستعداد للانتقال للقتال إلى جانبهم مجدداً، لكن وجهته هذه المرة هي “أوكرانيا”، آملاً بالوصول إلى غايته بعد انتهاء عقده. 

يقول عبد المجيد: “كان شقيقي على وشك الخروج من المعتقل، لكن الروس انشغلوا في حربهم مع أوكرانيا، ولن استطيع المطالبة لاحقاً ما لم أذهب إلى هذه المهمة الجديدة”.

أبدى عبد المجيد اهتمامه بالوعود الروسية، مبرّراً استعداده للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا بإنقاذ حياته شقيقه، إلا أن معظم من التقينا بهم كان دافعهم الأول للتسجيل والقتال إلى جانب القوات الروسية هو المكسب المادي. 

ويأمل عبد المجيد بنقلهم سريعاً إلى أوكرانيا ويقول: “لن أتردد بفعل أي شيء لإطلاق سراح شقيقي المعتقل لدى استخبارات النظام السوري، لا سبيل لإطلاق سراحه دون تدخل وساطة قوية، ولا أقوى من الوساطة الروسية في هذه البلاد”. 

استغلال الوضع المعيشي

من المتوقع أن يتولى “الفيلق الخامس” الذي يضم عناصر التسويات والمصالحة مع النظام السوري أيضاً، المهمات القتالية لجميع المرتزقة السوريين في أوكرانيا، على أن تتولى مجموعة الضباط التي تتلقى التدريب حالياً مهمة القيادة التنسيق المباشر لنقلهم وقيادة العمليات، إضافة إلى تعيينهم ضباط ارتباط بين المجموعات المقاتلة والقيادة الروسية.

بحسب الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، الصادرة عن الأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر 1989، فإن “المرتزق” هو أي شخص يُجنَّد خصيصاً، محلياً أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح، ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي عبر مكافآت من أحد أطراف النزاع.

تعددت الإغراءات التي قدمها ضباط سوريون موالون لروسيا في سوريا لتشجيع المقاتلين على الانضمام لغزو الجيش الروسي لأوكرانيا، مثل الوعود التي قدموها سابقاً للقتال في ليبيا مقابل مبالغ مالية لقاء القتال كحالة الشاب السوري حسين (اسم مستعار- 38 سنة) من أبناء ريف دمشق.

قبِل حسين بإبرام عقد قتالي في ليبيا مدّته 8 أشهر، حيث بدأ في ربيع 2021، وانتهى مع عودته إلى سوريا أواخر كانون الأول/ ديسمبر من العام ذاته.

واجه الشاب إخلال مشغليه في بنود العقد المُبرم، اقتُطع بموجبه قرابة نصف راتبه المتفق عليه، وخُيّر بالذهاب في مهمة جديدة إلى أوكرانيا مقابل دفع ما تبقى له من قيمة العقد السابق، لكنه قبل بالعرض دون أي اكتراث لمصداقية هذه الوعود قائلاً: “إن لم يدفعوا المبلغ المتبقي من العقد السابق، فإن المبلغ الذي سأحصل عليه حالياً أكبر مما سوف أجنيه خلال عملي في سوريا لعشرات السنوات”.

وتتركز مهمة الشركات الأمنية والضباط والوكلاء على استقطاب الشبان وتسجيل أسمائهم، وضمهم لصفوف “الفيلق الخامس”، للمشاركة لاحقاً في جبهات القتال المشتعلة في أوكرانيا.

وبحسب المعلومات التي أُبلغ بها المقاتلون المحتملون الذين سجلوا عبر هذه الشركة، فإن العقود التي سيتم توقيعها تبلغ مدتها ستة أشهر فقط، وصولاً إلى سنة.

إقرأوا أيضاً:

استغلال وابتزاز

“عملت لأكثر من عشر سنوات في سوريا ، ولم أجمع خلالها ربع المبلغ المعروض علينا مقابل القتال في أوكرانيا إلى جانب القوات الروسية”، هكذا برّر حسين سعيه للحصول على عقد قتالي يتيح له الذهاب للمشاركة في الحرب الروسية- الأوكرانية، بعد أيام قليلة من انتهاء مهمته القتالية في ليبيا، وعودته إلى مدينته- السواء، بحثاً عن استعادة مبلغ مالي اقتطعته شركة “الصيّاد” التي جنّدته للقتال في ليبيا قبل أشهر، والحصول على مبلغ جديد لقاء مهمته المنتظرة في أوكرانيا.

حصل حسين الذي عاد مؤخرا من ليبيا في الأول من آذار/ مارس 2022، على وعد بتنظيم عقد جديد قريباً إلى أوكرانيا لمدة ستة أشهر أخرى، عبر التواصل مع أحد مندوبي التجنيد في مدينة “بصرى الشام” في ريف درعا، بعد بحث عن فرصة لإيجاد مجموعة ستغادر نحو أوكرانيا، لينضم إلى صفوفها ويحصل على عقد سريع، كون التنسيق الروسي مع شركة “الصيّاد” ينص على إرسال المقاتلين من السويداء لاحقاً، وليس لها أولوية في إرسال المجموعات، لافتاً إلى أنه لم يكن يرغب بالعودة إلى سوريا، لكن امتناع قائد العمليات الروسية عن تجديد عقده القتالي أجبره على العودة.

بحسب رصد فريق التحقيق عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات “واتساب” و”تلغرام” المخصصة لاستقطاب الراغبين بالانضمام للقتال في أوكرانيا، كان سوء الأوضاع الاقتصادية في سوريا والحاجة المادية من أبرز مبرّرات الشبان الراغبين بالحصول على عقود قتالية مع القوات الروسية، لا سيما أن الأخيرة عرضت مبلغ ثلاثة آلاف دولار أميركي يُقدم للمقاتل إلى جانب قواتها في أوكرانيا شهرياً، بخاصة أولئك الذين قاتلوا إلى جانبها سابقاً في ليبيا، وحصلوا على خبرة كافية بالقتال والعمل تحت إمرتها، ممارسة أساليب ابتزاز تمثّلت باقتطاع جزء من رواتب المرتزقة العائدين من ليبيا، لحين قبولهم بالمشاركة بالمهمات الجديدة في أوكرانيا.

فايسبوك – منشور من احدى مجموعات التجنيد العائدة للروس

يقول حسين: “يفترض أن أحصل على بقية مستحقاتي فور توقيع عقد المهمة الجديدة في أوكرانيا، العقد المبرم مع “الصيّاد” كانت مدته ستة أشهر في ليبيا، مقابل مبلغ 1500 دولار أميركي شهرياً، استلمت منها 4500 دولار فقط وعلى دفعتين، أولهما كانت 1500 دولار فور وصولي ليبيا، وأخرى 3000 دولار عند عودتي إلى سوريا، وبقي مبلغ 4500 دولار رهن تجديد العقود”.

ليست الأسباب المادية وحدها مبرّر المجندين، فالقوات الروسية قدّمت عرضاً خلال تجنيدهم، تعهدت فيه بإطلاق سراح أقارب لهم من معتقلات النظام السوري، بعد انتهاء المهمات القتالية، بذريعة “إثبات الولاء وحسن النية”، وكان عبد المجيد من ضحايا العرض الروسي، إذ قبل بإبرام عقد قتالي في ليبيا مدّته 8 أشهر، بدأ في 25 نيسان/ أبريل 2021، وانتهى مع عودته إلى سوريا أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

قبل عبد المجيد بالعرض المُقدّم، وانتقل إلى ليبيا لأداء مهمته المتفق عليها بموجب العقد، لكن الروس تنصّلوا من وعودتهم بعد عودته، برغم مطالباته المتكررة بالتدخل، فعاد مندوب التجنيد لإبلاغه بأن الروس مشغولون بالحرب مع أوكرانيا، وأن تركيزهم حالياً يصب في تجنيد مجموعات جديدة لنقلها إلى أوكرانيا.

وتلقى عبد المجيد من مندوب التجنيد مطلع آذار (مارس) الجاري، عرضاً للانضمام مجدداً إلى مجموعات مقاتلة لصالح القوات الروسية خارج سوريا، مقابل مبلغ 1600 دولار أميركي شهرياً، والتدخل مجدّداً في ملف إطلاق سراح شقيقه، كون الروس سينسون من كان يقاتل معهم في ليبيا، وسوف يعملون على تحسين أوضاع وتلبية متطلبات المقاتلين في أوكرانيا، وفقاً لقوله.

كيف تسير عملية التجنيد؟

حصل فريق التحقيق على تسجيلات صوتية لأحد مندوبي “تجنيد المرتزقة” للقتال في أوكرانيا إلى جانب روسيا، وزعها على شبان يحتمل انضمامهم إلى لوائحه للراغبين بالسفر، أوضح فيها آلية التجنيد التي تبدأ بطلب “التطوّع” وإرسال صورة عن البطاقة الشخصية لاستصدار موافقة أمنية عن شعبة “المخابرات العسكرية”، لافتاً إلى أن إصدار الموافقة يستغرق مدة تتراوح بين 10 إلى 15 يوماً، يتم بعدها إبلاغ الحاصلين على الموافقات للاستعداد لنقلهم إلى أوكرانيا، دون تحديد موعد الانطلاق.

وتابع المندوب: “نخبر المجندين بموعد الانطلاق قبل ساعات قليلة، ونحدّد له نقطة انتظار في مدينتهم لنقلهم إلى معسكر للتدريب في ريف حمص، يخضع فيه “المتطوعون” اختبار لياقة بدنية وفحص طبي، وبعدها يتم تنظيم العقد المدون باللغتين الروسية والعربية، ومنه يتم نقلهم نحو قاعدة حميميم العسكرية للانطلاق إلى أوكرانيا في اليوم ذاته”، مضيفاً: “تستغرق عملية الاختبار والفحص الطبي مدة تتراوح بين 8 إلى 10 ساعات”.

أما عن شروط قبول المجندين، فأوضح المندوب أن أي شاب يتراوح عمره بين 23 و43 سنة يمكنه تنظيم عقد قتالي في أوكرانيا، بما فيهم المطلوبون للأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري، والمتخلّفون عن الالتحاق في الخدمة العسكرية، والمطلوبون بقضايا جنائية ودعاوى شخصية، مستثنياً “المنشقين العسكريين” فقط.

وكشف المندوب في تسجيلاته عن مضمون العقود القتالية في أوكرانيا، التي تبلغ مدتها خمسة أشهر قابلة للتجديد، مقابل 3 آلاف دولار شهرياً، يتم تسليم “سلفة” تتراوح بين 1000 إلى 1500 دولار لحظة توقيع العقد، والمبلغ المتبقي فور العودة إلى سوريا بعد انتهاء مدة العقد، متابعاً: “الروس يتكفّلون بتأمين الطعام والشراب والسجائر والأدوية لجميع العناصر طيلة فترة المهمات القتالية في أوكرانيا”.

“الاختبارات عبارة عن جري لمسافة كيلومتر واحد بمدة لا تتجاوز خمس دقائق، وإجراء بعض التمارين الرياضية، فيما يشمل الفحص الطبي التحاليل الخاصة بالكشف عن أمراض الضغط والسكري، إضافة لفحص النظر والأسنان”، يقول أحد الشبان المراجعين لمعسكر شركة “صائدو داعش”، التي أعلنت عن استقطاب الراغبين بـ”التطوع” خلال يومي 17 و18 آذار، في حقل التدريب الواقع في بلدة “الصايد” بريف حمص، لإجراء الاختبارات، موضحة في إعلانها أن استدعاء المقبولين للاختبار سيتم في وقت لاحق “عند الحاجة”.

سياسة روسيا في تجنيد مرتزقة للقتال إلى جانب قواتها في أوكرانيا، لم تختلف عن سياستها في تجنيد آخرين لحماية منشآتها في ليبيا، والقتال إلى جانب حليفها “خليفة حفتر”، من حيث آلية التجنيد والموافقات الأمنية وتنظيم العقود وشروطها، وفقاً لـ”حسين” الذي قاتل إلى جانب القوات الروسية في مدينة “سرت” الليبية لمدة ستة أشهر، عبر التواصل مع قائد إحدى الميليشيات المحلية التابعة لفرع “الأمن العسكري” في السويداء، العاملين في تجنيد “مرتزقة سوريين” لصالح القوات الروسية، بالتعاون مع “شركة الصياد الأمنية”.

يقول حسين: “توجّهت برفقة عشرين شاباً من أبناء السويداء إلى معسكر الطلائع في ريف المحافظة، الذي حوّلته شركة “الصياد” إلى نقطة تجمع “للعناصر” الذين تحدّد موعد مغادرتهم نحو الأراضي الليبية، بعد حصولنا على الموافقات الأمنية، ونُقلنا منه إلى معسكر تابع للفرقة 18 في ريف حمص، خضعنا فيها لدورة عسكرية مدتها خمسة وعشرون يوماً، تلقينا خلالها تدريبات عسكرية على استخدام الأسلحة الفردية والرشاشات المتوسطة، ومنها إلى قاعدة حميميم العسكرية ثم إلى ليبيا”.

ما هي مهمة ” المرتزقة”؟

تواصل فريق التحقيق مع مندوب يعمل على تجنيد الشبان وذلك بصفة “شاب يرغب بالتطوع للقتال في أوكرانيا إلى جانب القوات الروسية”، وأكد المندوب في تسجيلات صوتية أن المهمات التي ستوكل للسوريين في أوكرانيا، محدّدة بالتمركز والتثبيت في النقاط التي تتقدم إليها القوات الروسية في أوكرانيا، والحفر والتحصين ورفع السواتر الترابية، إضافة لحماية نقاط التمركز.

وأضاف: “ستضم كل نقطة روسية مجموعات من المجندين السوريين، وسيكون هناك قائد لكل مجموعة صغيرة، وقائد الكتيبة بالكامل، يتولى قيادة كل مجموعة منهم قائد منفصل، ويتبع قادة المجموعات لقائد عام للموقع”، مشدّداً على أن عملية تنسيق المجموعات متعلقة بالمحافظات، بحيث يكون عناصر كل مجموعة من أبناء المحافظة ذاتها.

وقال المندوب إن المهمات بعد تثبيت النقاط ستقتصر على حماية النقاط وحراستها، بحيث تقسم لكل عنصر نوبتي حرس إحداهما صباحية وأخرى ليلية، ما خالفه “حسين” الذي كانت مهمته محدّدة بحراسة إحدى المنشآت النفطية في مدينة “سرت” الليبية.

يقول حسين: “في أوكرانيا الوضع مختلف تماماً، انتقالنا إلى ليبيا جاء بعد انتهاء العمليات العسكرية في محيط القواعد الروسية، وكانت العملية مجرد حماية للنقاط فقط، أما في أوكرانيا فالحرب لا تزال مشتعلة، ويمكن زجّنا في المعارك هناك، برغم الضمانات الروسية بأن المهمات هي حراسة القواعد فقط”، بينما أكّد عبد المجيد أنه لا يملك معلومات حول المهمات التي ستوكل إليهم في أوكرانيا، موضحاً أن مهمته السابقة كانت مقتصرة على حراسة منشأة نفطية في منطقة “الجفرة” تتمركز فيها القوات الروسية.

“الصيّاد” في المقدمة!

برزت شركة “صائدو داعش” التي عُرفت أيضاً باسم شركة “الصيّاد”، خلال العامين الماضيين، بعد تصدّرها ملف تجنيد “مرتزقة” سوريين للقتال خارج سوريا إلى جانب القوات الروسية وحلفائها.

تأسست شركة “الصيّاد” في السادس عشر من آذار/ مارس، 2017، في بلدة “السقيلبية” في ريف حماة الشمالي، بدعم روسي كامل مالياً وعسكرياً، وحصلت على ترخيص تجاري من مديرية التجارة الداخلية في حماة تحت صفة “شركة خدمات حراسة وحماية محدودة المسؤولية”، ويملكها ثلاثة شركاء هم “أديب أمين توما”، و”يسار حسين إبراهيم”، و”فواز ميخائيل جرجس” الذي عُيّن مديراً لها.

حسين الذي جُنّد لمصلحة شركة “الصيّاد” قال إن عملية التجنيد حصلت عبر التواصل مع أحد مندوبي الشركة في السويداء، يُدعى “أبو سومر”، وهو قائد إحدى الميليشيات المحلية التابعة للأمن العسكري، فيما قالت وسائل إعلام محلية  في تقرير سابق إن الشركة مرتبطة بأكثر من 10 مندوبين في المحافظة.

وبرز في الفترة الأخيرة اسم القيادي في صفوف ميليشيا “الدفاع الوطني” في مدينة السقيلبية بريف حماة، “نابل العبد الله”، المقرّب من القوات الروسية، والذي صرّح خلال اتصال هاتفي مع أنه مستعد لاستغلال خبرته في حرب المدن التي اكتسبها خلال الحرب في سوريا لمساندة روسيا، مضيفاً: “عندما تأتي توجيهات من القيادة السورية والروسية سنكون جاهزين لخوض هذه الحرب المحقة، فيما قال قائد الميليشيا في منطقة محردة المجاورة سيمون الوكيل، إن كثيرين من عناصره يريدون إدراج أسمائهم للانضمام لمن وصفهم بـ”أشقائنا وحلفائنا” الروس لكنهم “لم يتلقوا توجيهات من القيادة بعد”.

عبد المجيد الذي جُنّد سابقاً في ليبيا، ويتجهز حالياً للانطلاق نحو أوكرانيا في مهمة جديدة، قال إن جميع عقود التجنيد في بلدات “يلدا، وببيلا، وبيت سحم” جنوب العاصمة دمشق، تتم عبر المترجم الخاص بالقوات الروسية في المنطقة “إسماعيل شموط” المعروف باسم “أبو هاني”، وهو قائد فصيل “لواء العهدة العمرية” المعارض سابقاً، وأحد أبرز المساهمين في تجنيد المرتزقة لمصلحة روسيا منذ سنوات، مؤكّداً أنه الضامن لوفاء الروس بوعدهم في التدخل لإطلاق سراح شقيقه المعتقل.

رشاوى واحتيال

عشرات المنشورات في مجموعات أنشئت على مواقع التواصل الاجتماعي، متخصصة بتقديم عروض التجنيد وتلقي طلبات الراغبين، حذرت من الوقوع في فخ “الاحتيال” من قبل المُجنّدين، لافتة إلى أن مندوبي التجنيد يطلبون مبالغ مالية مقابل إصدار الموافقات الأمنية الخاصة بالتجنيد.

الشباب الباحثون عن “فرصة” لتنظيم عقود مع القوات الروسية، لم ينفوا وجود رشاوى للمندوبين، إنما كانت التحذيرات من دفع مبالغ مالية لأشخاص غير قادرين على إصدار الموافقات الأمنية، مشدّدين على أن يكون الدفع بعد الحصول على الموافقة.

مندوب التجنيد الذي تواصل معه فريق التحقيق، أفصح في تسجيل صوتي كيف اشترط تقاضي نسبة من “السلفة” التي يتم تسليمها للمجندين أثناء توقيع العقود دون تحديدها، مدعياً أنه سوف يتقاضى النسبة كونه المسؤول عن استصدار الموافقات الأمنية، ونقل العناصر من مدنهم إلى معسكر التدريب، ومنه إلى قاعدة حميميم العسكرية، كما أنه المسؤول عن تأمين الطعام والشراب ومستلزمات المجندين خلال فترة الانتظار في حقل التدريب.

وأكّد حسين أن حصوله على إجراءات توقيع العقد القتالي إلى ليبيا سابقاً، رتّب عليه دفع مبلغ 500 دولار أميركي إلى مندوب التجنيد، مقابل استصدار موافقة أمنية سريعة، حصل عليها بعد عشرة أيام على دفع المبلغ، موضحاً أن المندوب الجديد طالب بمبلغ 700 دولار أميركي أثناء توقيع عقد المهمة الجديدة في أوكرانيا، على أن يتم دفعها قبل مغادرة سوريا.

أنجز هذا التقرير المعمّق بالشراكة بين الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج وLighthouse Reports. نشرت النسخة الإنكليزية عبر صحيفة التلغراف البريطانية. 

إقرأوا أيضاً: