fbpx

أحمد دومة… “صائد الفراشات”
يضرب عن الطعام من أجل الحرية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لقب “صائد الفراشات” أُطلق على دومة لكثرة اصطياده قنابل الغاز المسيلة للدموع والتي تشبه في رفرفتها أجنحة الفراشات، كي يلقيها بعيداً من المتظاهرين خلال أحداث ثورة 25 يناير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدأ الصحافي والشاعر والناشط السياسي أحمد دومة إضراباً كلياً عن الطعام اعتراضاً على ظروف حبسه السيئة، والاعتداءات المتكررة في الفترة الأخيرة.

تزامن ذلك مع اليوم العالمي للشِعر في 21 آذار/ مارس 2022، وبعد أيام فقط من إعادة نشر بعض قصائد دومة وإطلاق “منظمة القلم الدولية” حملة للتدوين عنه والتذكير بقضيته، ومطالبة السلطات المصرية برفع الحظر عن أشعاره والسماح بتداولها والإفراج الفوري غير المشروط عنه وإسقاط جميع التهم الموجهة إليه. 

 يواجه الناشط السياسي المصري أحمد دومة “مقايضة” لدفع 6 ملايين جنيه مصري، (أكثر من 330 ألف دولار)، في مقابل نظر الإفراج الشرطي عنه لتمضيته نصف مدة العقوبة. وهو معتقل منذ عام 2013 بعد مشاركته في الاحتجاجات التي أقيمت ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين، وصدر حكم بسجنه ثلاث سنوات، وأخيراً، تمت محاكمته أثناء هذا الاعتقال، بتهمة تخريب المباني والممتلكات العامة التي ترجع إلى أحداث مجلس الوزراء، وأحداث إحراق المجمع العلمي بالقاهرة، وآخر حكم صدر بمعاقبة دومة بالسجن 15 عاماً ودفع غرامة مالية قدرها 6 ملايين جنيه.

تواصلنا مع محمد دومة شقيق أحمد لمعرفة ظروف حبس الأخير، والأسباب التي دفعته لبدء إضراب مفتوح عن الطعام، وأوضح محمد لـ”درج” أن “ظروف حبس أحمد ازدادت سوءاً في الفترة الأخيرة، وتحديداً بعد ترحيله ونقله من سجن طره تحقيق إلى سجن مزرعة طره. بدأت مشكلات أحمد مع إدارة سجن المزرعة في آخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، عندما شكا لنا في الزيارة من تقليل عدد ساعات التريض ومنعه من مطالعة الكتب أو الأخبار في الجرائد القومية، كما طلب منّا التقدم ببلاغ للنائب العام ضد أحد ضباط سجن عنبر الزراعة لتعديه عليه وإهانته أثناء وجوده في السجن، ضمن مأمورية طبية للعرض على عيادة الأسنان، فقمنا بإيصال طلبه إلى فريق الدفاع المسؤول عنه ليتقدم الفريق ببلاغ رسمي للنيابة العامة يحمل رقم 13950 عرائض/ المكتب الفني، وطالب فريق الدفاع بتفريغ كاميرات المراقبة وتطبيق القانون ومحاسبة المخطئين، وتم تطبيق لائحة السجون لضمان سلامة وأمن دومة، وتمكينه من حقوقه الأساسية”.

 ويضيف محمد دومة، “في بداية شهر آذار أبلغنا أحمد عن نيته في بدء إضراب عن الطعام بسبب عدم جدية النظر في البلاغات المقدمة وعدم تحسن ظروف حبسه، وأخبرنا أنه سيبلغنا بموعد إضرابه في زيارة لاحقة، إلا أننا فوجئنا برسالة منه منذ أيام يبلغنا فيها بشروعه في الإضراب، ما جعلنا نشعر بالقلق تجاهه، فتوجهت إلى زيارته بشكل عاجل لاستيضاح الأمور، ولكن إدارة السجن منعتني من الزيارة بدعوى انتظار تعليمات الأمن الوطني، وهكذا بقيت 12 ساعة منتظراً السماح لي برؤية أحمد دون نتيجة، كررت محاولة الزيارة في اليوم التالي وتأكدت بالفعل من إضرابه الكامل عن الطعام والشراب والمحاليل الطبية، اعتراضاً على يتعرض له من إهمال طبي وتعسف غير مبرر، إضافة إلى تعرضه للاعتداء مرات عدة منذ نقله إلى هذا السجن”.

وكانت وزارة الداخلية المصرية بدأت إخلاء بعض السجون من بينها سجون منطقة طره مثل (سجن استقبال طره، وليمان طره، وطره تحقيق) عبر ترحيل السجناء ونقلهم إلى سجون أخرى، وذلك بعدما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، وأتبعته وزارة الداخلية في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2021 بالإعلان عن افتتاح مجمع سجون وادي النطرون الجديد والبدء في إخلاء 12 سجناً مركزياً، وهكذا كان دومة ضمن السجناء الذين نُقلوا إلى سجون أخرى في الشهور الأخيرة.

الإضراب عن الطعام: سلاح المسجون ضد ظروف الحبس السيئة والاعتداءات المتكررة

أعلنت أسرة دومة في بيان عن إضرابه عن تناول الطعام والماء والمحاليل الطبية منذ يوم السبت الماضي 26 آذار 2022، وصرحت أن حالة دومة في تدهور مستمر منذ نقله إلى سجن المزرعة، وأنهم انتظروا حتى تتحسن الأوضاع ولو قليلاً دون جدوى، وطالب دومة بالحد الأدنى من حقوقه داخل محبسه، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل ما بين تجاهل ووعود واهية بتحسين الأوضاع، فضلاً عن زيادة التضييقات وصولاً إلى تكرار التعدي عليه وعلى زملائه، إذ تعرض لأربعة اعتداءات خلال أقل من شهرين. وأشارت الأسرة في بيانها إلى معاناة دومة الصحية طيلة فترة حبسه المستمرة منذ أكثر من 8 سنوات، أمضى معظمها في حبس انفرادي أثّر سلباً في صحته النفسية والجسدية.

وأضاف البيان أن دومة يعاني من اكتئاب حاد وفقاً لتشخيص طبيب السجن، وصاحب هذا الاكتئاب نوبات هلع في الفترات الأخيرة، وحاولت الأسرة استقدام طبيب متخصص من خارج السجن لعقد جلسات علاجية إلا أن النيابة العامة لم تستجب للطلبات التي قُدّمت، فيما لا يتلقى دومة المتابعة الطبية والدعم النفسي المناسب. ونوّهت أسرة دومة إلى معاناته منذ سنوات من خشونة شديدة في المفاصل ارتقت حد التآكل في الشهور الأخيرة، فضلاً عن انزلاق غضروفي يتسبب له بآلام دائمة، وأصبحت قدرته على السير مهددة إذا ما استمر الإهمال الطبي، كما أنه يعاني من مشكلة في أنفه نتيجة اعتداء بعض السجناء المنتمين لتيارات متطرفة عليه، في جلسة محاكمة سابقة، وقد تسببوا في كسر أنفه، ونتج عن ذلك الكسر ضيق وصعوبة في التنفس، بخاصة في الأماكن الضيقة وحالات الطقس المحمّل بالأتربة.

وأكدت الأسرة في بيانها مطالبة دومة مراراً بحقوقه الأساسية كسجين وفقاً للقانون، مثل زيادة ساعات التريض المسموح بها، والسماح له بالاشتراك في الجرائد القومية والاطلاع على الأخبار، والسماح باقتنائه جهاز تلفزيون وفقاً لما تنص عليه لائحة السجون، وكذلك طالب بتغيير زنزانته بسبب ضيق مساحتها وقذارتها، وطالب أيضاً بتلقي الرعاية الصحية اللازمة، إلا أن إدارة السجن تجاهلت طلباته واتخذت أسلوباً عدائياً ضده، وعندما أعرب عن عدم قدرته على تحمل تلك الظروف ونيته الإضراب عن الطعام، قام أحد مخبري السجن بافتعال مشكلة معه والتعدي عليه.

يقول محمد دومة أنه “بناءً على تلك الواقعة، عجّل دومة بقرار إضرابه، واختصم في محضر إثبات الإضراب مفتش مباحث سجون طره العميد أحمد الوكيل بصفته المسؤول المباشر عن مباحث السجن التي تقوم بتلك الانتهاكات، ما جعل الوكيل يذهب إلى زنزانة أحمد برفقة تأمين خاص من أفراد القوى الضاربة للاعتداء عليه، وأمر أفراد الأمن بنقله بالقوة إلى زنزانة انفرادية، فما كان من أخي إلا الإضراب حتى عن المياه أو المحاليل الطبية اعتراضاً على تلك المعاملة، والآن أصبحت حياته في خطر إذا لم يحدث تدخل سريع مع أصحاب القرار”. 

ويؤكد محمد أن تلك المعاملة السيئة التي تلقاها أخوه دفعت بسجناء آخرين إلى الإضراب عن الطعام تضامناً معه، من بينهم الباحث أحمد سمير سنطاوي، طالب الماجستير في جامعة أوروبا المركزية في النسما، والذي ألقي القبض عليه منذ أكثر من عام أثناء إجازته في مصر، وتلقى حكماً بالحبس مدة أربع سنوات، والصحافي والناشط العمالي هشام فؤاد”.

وأخيراً طالبت أسرة دومة بتحقيق عاجل وعادل في ملابسات التعدي على دومة وحرمانه حقوقه الأساسية، وطالبت أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارة عاجلة لسجن المزرعة للاستماع لشهادة دومة وزملائه والوقوف على حقيقة الأوضاع ومصارحة الرأي العام بالحقيقة، وطالبت أيضاً نواب البرلمان المصري باستجواب وزير الداخلية عمّا يحدث في هذا السجن ومدى إنفاذ القانون، وحمّلت الأسرة مسؤولية حياة دومة وسلامته الصحية والنفسية لرئيس الجمهورية كرئيس للسلطة التنفيذية ولوزير الداخلية والنائب العام.

تحدثنا مع سعيد (اسم مستعار)، أحد المعتقلين السياسيين السابقين الذي عاصر دومة في إحدى فترات حبسه، وأدلى بشهادته عن معاناة دومة الصحية في الفترة التي كان فيها داخل السجن ذاته، يقول سعيد “التقيت بدومة مصادفة أثناء تلقيه العلاج في عيادة السجن، تحدثت معه لدقائق قليلة خلسة دون أن يلحظنا المخبرون نظراً إلى التضييق المفروض عليه، وكانت شكواه بشكل أساسي من آلام مبرحة في فقرات ظهره وكذلك مفاصل ركبتيه، وأن جلسات العلاج الطبيعي المخصصة له لم تكن كافية وحالته الصحية تزداد سوءاً وأصبح يجد صعوبة في الحركة، فضلاً عن حالته النفسية السيئة بسبب سنوات من الحبس الانفرادي ومحاولات إدارة السجن عزله عن بقية السجناء ومنعه من الاحتكاك المباشر بهم أو الحديث معهم بناءً على تعليمات الأمن الوطني، لأنه- كما يقولون- عنصر شديد الخطورة”. ويضيف سعيد في شهادته “على رغم ظروف حبس دومة السيئة وزنزانته الانفرادية وطول مدة حبسه إلا أنه لم يتأخر يوماً في تقديم المساعدة للسجناء الآخرين خصوصاً المستجدين منهم في حدود إمكاناته إذا ما أتيحت له الفرصة”.

إقرأوا أيضاً:

صائد الفراشات… سجين كل الأنظمة

“مانيش مشغول يكون اسمي

ما بين أهل الخلود محفور

 لكن نفسي أكون

–في السجن-

طاقة نور”

بهذه الكلمات يعبّر أحمد دومة عن نفسه في إحدى قصائده التي كُتبت في السجن، ولمن لا يعرف دومة، فهو صحافي وشاعر وناشط سياسي مصري، ويعتبر من أبرز رموز شباب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، إذ كان أحد مؤسسي “حركة شباب من أجل العدالة والحرية”، وكان متحدثاً باسم “ائتلاف شباب الثورة”، وله تاريخ طويل من النضال من أجل الكرامة والحرية، ما  عرّضه لاعتقالات متكررة منذ عام 2009 وحتى الآن، وكان آخر تلك الاعتقالات عندما ألقي القبض عليه في 3 كانون الأول/ ديسمبر 2013 على خلفية وجوده في محيط محكمة عابدين أثناء تظاهرة مناهضة لقانون التظاهر، وصدر ضده حكم بالسجن ثلاث سنوات مع الخضوع للمراقبة الشرطية لثلاث سنوات أخرى، برفقة الناشطين أحمد ماهر ومحمد عادل من حركة 6 إبريل. وقبل انقضاء مدة حبسه، تم فتح القضية المعروفة إعلامياً بأحداث مجلس الوزراء مرة أخرى بعدما حفظتها النيابة، وحكم عليه فيها بالسجن المؤبد وغرامة 17 مليون جنيه مصري في محاكمة واجهت انتقادات كثية، وشابتها اتهامات بانعدام الحياد والتحيز ضد دومة من القاضي محمد ناجي شحاتة المعروف بعدائه الشديد لثورة يناير. قام فريق الدفاع بالطعن على الحكم الصادر من محكمة الجنايات، وبعد إعادة المحاكمة صدر الحكم بسجنه 15 عاماً وغرامة 6 ملايين جنيه مصري، ليعد حكماً نهائياً باتاً، ومنذ ذلك الحين وصائد الفراشات يتنقل بين السجون المصرية في زنازين انفرادية معظم فترات حبسه خلال السنوات الـ8 الأخيرة. يُذكر أن لقب “صائد الفراشات” أُطلق على دومة لكثرة اصطياده قنابل الغاز المسيلة للدموع والتي تشبه في رفرفتها أجنحة الفراشات، كي يلقيها بعيداً من المتظاهرين خلال أحداث ثورة 25 يناير.

ومن حين إلى آخر تصدر بيانات حقوقية ومطالبات من منظمات المجتمع المدني بالإفراج عن أحمد دومة، لكن دون نتيجة فعلية ودون أن تلقى قبولاً لدى أصحاب القرار. آخر تلك البيانات كان في 3 كانون الأول 2021 في الذكرى الثامنة لحبسه، وقد طالبت المنظمات الموقعة عليه (الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، المفوضية المصرية للحقوق والحريات، مؤسسة بلادي جزيرة الإنسانية، مبادرة حرية، كوميتي فور جستس، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان) بالإفراج الفوري عن دومة بعدما استفد فريق الدفاع جميع سبل التقاضي المتاحة.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!