fbpx

الانتخابات اللبنانية:
عن شربل نحاس الممانع والموالي  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كلنا استمعنا منذ فترة إلى الثورة البديلة التي يريدها شربل نحاس. والمفارقة أن نحاس يريدها بالتشارك مع “حزب الله”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان اليسار رافداً أساسياً لانتفاضة 17 تشرين ضد السلطة الحاكمة، لكن وقائع تلك الانتفاضة أفضت لاحقاً إلى تباين بين اليساريين في نظرتهم لتشكيلات تلك السلطة، تباين كانت السياسة حاضرة فيه بقوة.

لنبدأ بتفكيك هذا التباين بسؤال جوهري، هل “القوات اللبنانية” مثلاً جزء من السلطة؟ واستطراداً، إذا كانت السلطة  تتأتى من مشاركة طرف سياسي ما فيها، فيفترض والحال  أن يكون معيار”السلطوية” واحداً، وبالتالي ما ينطبق على “حزب القوات اللبنانية” يجب أن ينطبق على الوزير السابق شربل نحاس مثلاً. 

استطراد آخر تفرضه هذه المرة تجربة شربل نحاس في السلطة. هناك يساري سيدافع عن تلك التجربة كمحاولة للإصلاح من داخل النظام، فيما عوامل فشلها يُعزيه لاصطدامها بجدار الفساد المتين لأطراف هذا النظام، أو بعضه على ما يرى اليساري الممانع. وتلك مشقة “نحَّاسية” تكاد تتماثل مع تجربة “حزب القوات اللبنانية”، دون أن تتوفر للأخيرة مغفرة يسارية ناتجة غالباً عن تغلب السياسة على القرائن.

استطراد ثالث وأخير أن شربل نحاس نفسه تشطره السياسة سلباً وإيجاباً في نظرة اليساريين إليه، وهذا ناتج عن انشطار اليساريين أنفسهم في السياسة.

شربل نحاس هو ضالة الشطر الممانع من اليسار اللبناني، وهو الخصم أيضاً لليسار الضد- وممانع غالباً، وفي الحالتين يرتهن موقعه لعوامل تتقدمها السياسة. 

الارتهان المذكور هو على الأرجح سياق من سياقات كثيرة شطرت اليسار اللبناني قبل اغتيال رفيق الحريري بصفته الخصم الأكثر حضوراً في عقل نحاس، لكن حدث الاغتيال كثَّف هذا الانشطار، وأفضى إلى أطر يسارية كثيرة خرجت من وعن “الحزب الشيوعي اللبناني”، بصفته الوعاء الأكثر شيوعاً عن اليسار في لبنان.

ولأن شربل نحاس مثَّل منذ تسعينات القرن الماضي واحداً من أكثر الشخصيات المعارضة للحريرية، كان طبيعياً أن يتماهى خطابه مع نمط تفكير سائد يتبناه “الشيوعيون” عادةً، وقوامه محاربة الليبرالية “المتوحشة” التي مثلتها بنظرهم رؤية رفيق الحريري الإقتصادية.

ويسار فقد الكثير من تأثيره السياسي والاجتماعي بعد اتفاق الطائف، لم يفقد خطاباً متناسلاً من ماضيه، ومتنه اعتقاداً راسخاً أنه صوت الشعب، فيما الأخير شهد مع الإتفاق المذكور، أو قبله، نزوحاً معتبراً نحو الأحزاب والتنظيمات التي أفضت الحروب اللبنانية الكثيرة إلى تغلبها، ثم إلى شخصيات سياسية كان رفيق الحريري أكثر من اجتمع منظرو اليسار من حوله. وأغلب الظن أن يساراً كالذي ذوى، وفي لحظة افتقاره إلى شخصية اقتصادية رافدةً لخطابه، وجد في شربل نحاس هذا المدد لكي يكون الرجل”أيقونته” الإقتصادية، برغم الالتباسات التي تحفل بها سيرته السياسية.

 بين العامين 1982 و1986، كان شربل نحاس في فريق رفيق الحريري الاقتصادي، وهو بهذا المعنى كان”حريرياً”، وممن باشروا مع “الحريرية ” التمهيد للمسار السياسي لزعيمها، والذي كانت أهاجي اليسار تنزله منزلة من مولوا الحرب اللبنانية، ثم واحداً من مهندسي نهاياتها التي تُدين لاتفاق سوري- سعودي- أميركي كان رفيق الحريري، بنظر هذا اليسار، رجل الشق “الإمبريالي” منه.

إقرأوا أيضاً:

  لكن شربل نحاس السلطوي ظل استعصاءٍ حتى العام 2009، حين تم توزيره من قبل “التيار الوطني الحر” في حكومة الرئيس سعد الحريري.

 توزير شربل نحاس أتى في ظل شعار الإصلاح والتغيير الذي رفعه التيار. ونحاس في نظر العونيين نموذجاً يصلح لرفد شعارهم. وحيث  أفضت “العونية” مزيجاً من الطموح السلطوي والشعبوية الخاوية، صار اجتذابها لشخصية كنحاس أمراً مفهوماً.

أخيراً إذاً، صار شربل نحاس في متن السلطة، والرجل المشاكس صار خلال حكومتي سعد الحريري ونجيب ميقاتي، وكوزير للاتصالات ثم للعمل، الوزير الأكثر صخباً، ومتقدماً في ذلك حتى على الوزير جبران باسيل. فكنا أمام وزير للاتصالات يقتحم المبنى الرئيسي لمؤسسة “أوجيرو” التي كان عزل مديرها العام عبد المنعم يوسف هدفاً عونياً، وكنا أيضاً  أمام وزير للعمل يصر على دمج بدل النقل لموظفي القطاع العام في أساس رواتبهم، متجاوزاً اتفاقاً ليلياً بين نبيه بري والنائب (حينها) ميشال عون على تجاوز قطوع تصلب نحاس لمصلحة مكتسبات عادةً ما كانت تستظل “شعبويات” عونية آنية  لم تكن لتتماهى مع “شعبويات” نحاس المُثقلة بالتاريخ. وتنافر شعبوي كهذا كان لا بد أن ينتهي  باستقالة الأخيرة التي بدت حينها  أقرب إلى الإقالة، وبدا أكثر أن نحاس “السلطوي” لم يكن أكثر من استثمار عوني اكتشفه الرجل متأخراً.

   عموماً، فإن تمرد شربل نحاس على رفيق الحريري، ثم على ميشال عون، يحسب له  شكلاً، لكنه مضموناً، وفي التحاقه بمشروعين سياسيين، يفضي إلى المقاربة أعلاه، ويؤشرأيضاً إلى الكثير من التهافت الذي آل إليه حال الكثير من الأطر(الثورية) التي انبثقت عن انتفاضة 17 تشرين، وهي تتزاحم ترشيحاً للنيابة، وفي لحظة كانت تفترض ائتلافاً ثورياً يعكس طموحاً شعبياً للتغييربعيداً من السلطة، كل السلطة، وبعيداً أيضاً من “ثوريين” يفاضلون بين أطيافها.

كلنا استمعنا منذ فترة إلى الثورة البديلة التي يريدها شربل نحاس. والمفارقة أن نحاس يريدها بالتشارك مع “حزب الله”.

إقرأوا أيضاً: