fbpx

عن التكوينِ النفسي والأخلاقيِ
لعربٍ يُساندون طغيانًا يسحقُهُم مثلُه!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يشعر المسحوقون الواقعون في حب الطغاة بعذابات من يتعرضون للقتل والقصف كل يوم، ربما لأن وطأة الانسحاق حرمتهم من القدرة على التمييز، مثلما أضعفت مشاعر إنسانية ربما كانت لدى بعضهم في يومٍ ما.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل لأنهم تعودوا على العيش مسحوقين تحت الطغيان، صار عاديًا ومألوفًا لديهم أن يسحق الطغاةُ غيرهم، أم لأنهم عاجزون عن الخلاص من هذا الطغيان، أصبحوا يبتهجون حين يُسحقُ نظيرهُ مثلها يُسحقون؟

أهي حالةُ انسحاق مزمنة تفسّر دعم عربٍ كُثُرٍ العدوان على الشعب الأوكراني وقتل أبنائه بأسلحةٍ شتى تستخدمها قوات عمياء، مرغمُ كثيرُ من أفرادها على شن حربً عدوانية، وهم بدورهم مسحوقون مثل من يقتلونهم ويشردونهم، أم أن هؤلاء العرب يودون فى قرارة أنفسهم لو كان الجميع في العالم مسحوقون مثلهم؟ ربما لكي يطردوا من أنفسهم شعورًا جُوانيًا لا يظهر غالبًا بأنهم الأقل أو الأدنى أو الأضعف؟

أسئلةُ لا تحتاج معرفة إجاباتها إلى فحوص نفسية (سيكولوجية) للعرب المسحوقين المؤيدين لسحق الأوكران، وإن كان فى هذا النوع من الفحوص ما فد يُفيد إذا وُجد إليه سبيل. غير أن حالة المسحوقين العرب، الذين يساندون طغيانًا لا يختلف في جوهره عن ذلك الذي يسحقهم، لا تحتاج تشخيصًا لأنها ليست جديدة إلا فى تجلياتها المحددة المتعلقة بالعدوان على أوكرانيا.

أولاً: خللُ في التكوين:

ربما تبدو حالة المسحوقين العرب في مواقفهم تجاه هذا العدوان نوعًا مما يُطلق عليه “الازدواج في المعايير”. لكن هذا الازدواج ليس إلا أحد مظاهرها. فهو نتيجةُ وليس سببًا، فضلاً عن أن حصر الأمر فيه ينطوي على اختزال وتبسيط لأزمة عميقة في التكوين الأخلاقي-النفسي. فهذا تكوينُ مصاب باختلال جسيم في بنيته يؤدي إلى مواقف وسلوكيات وتصرفات من النوع الذي تابعناه، ونتابعه، في التعامل مع عدوان ينطوي على انتهاكات بشعة لكل ما له صلة بالإنسانية، وتُرتكب في ظله جرائم غير مسبوقة.

تكوين أخلاقي-نفسي يفتقر إلى أهم القيم التي تجعل الكائن البشري إنسانًا بالمعنى الحديث للإنسانية، وتُمكنَّه من أن يرى الواقع كما هو، ويتخذ الموقف الذي يمليه عليه ضميره. إنه تكوين أخلاقي-نفسي يضمر فيه الضمير الإنساني، الذي يؤلمنا حين لا نقف ضد الظلم والقهر والاضطهاد والتجبر والعدوان أينما كان، وأيًا يكون الظالم والمُتجبر والمُعتدي، وبغض النظر عمن هو المقهور والمقموع، أو المقتول والمُرغم على الفرار لينجو بحياته.

هذا التكوين الأخلاقي-النفسي المستقيم، الذى كشفت فظائع العدوان على أوكرانيا مجددًا مدى هشاشته، هو الذي يعصم من الوقوف في صف الظلم أوالاضطهاد أوالعدوان بدعوى أن من يتعرضون له يستحقون مصيرهم المؤلم لأنهم حلفاء من سبق أن اعتدوا على هذا أو ذاك من أهلنا وعشيرتنا.

وهذا التكوين الأخلاقي-النفسي المستقيم هو الذى يجعل الكائن البشرى أرقى من أن يشمت في شعب يُسحق سحقًا، لمجرد أنه يلقى دعمًا ممن يعدهم أعداءه، ويربأ به أن يبحث عن ذرائع واهية لتبرير مواقف لا أخلاقية. أما التذرع بأن الكثير من قادة أوكرانيا السياسيين يهود فهو سقوطُ يتجدد في هاوية لا تُعد جديدة، إذ هوى غير قليل من العرب من قبل في قيعانٍ وقعورٍ عميقة على مستوى التعصب الديني والعرقي، الذي يعد جزءًا لا يتجزأ من التكوين الأخلاقي-النفسي للمسحوقين الذين يشكون أحينًا طغيان من يسحقونهم، فيما لا يعجبهم إلا أمثال الطغاة المتجبرين عليهم.

ثانيًا: بدائيةُ في التفكير .. وغلاظةُ في القلوب:

يرتبط التكوين الأخلاقي-النفسي، الذي يتحمس أصحابه لطغيانٍ يعانون مثله بشكل مختلف، بمزيج من الخلل في أنماط التفكير والفقر في المشاعر الإنسانية. وهل عرف التاريخ تفكيرًا أكثر بدائية من الخرافات والأساطير التي كانت الكائنات البشرية الأولى مضطرة إلى الاعتقاد فيها، حين لم يكن ثمة سبيل إلى غيرها؟ كان التفكير البدائي طبيعيًا في زمنه، لكنه لا يزال حاضراً حتى زمننا هذا في بلداننا العربية، حيث نجد مسحوقين تحت الطغيان يساندون مثيله بشكل آخر، لمجرد اعتقادهم أو توهّمهم أنه يُلحق الأذى بمن يعتبرونه عدوهم الغربي أو الإمبريالي أو الاستعماري، فتدفعهم خرافة (عدو عدوي صديقي) إلى مساندة من يقتل ويسحق صديق هذا العدو.

ومن سمات التفكير البدائي أنه دائري لا يقدر أصحابه على تقييم الموقف، أي موقف، وفق معطياته المحددة في لحظته، بل يقيسونه على مواقف أخرى. فيبدو من يفعل ذلك كمن يدور حول نفسه ليرى ما يحدث أمامه، بدل أن ينظر فيه ويركز ويفكر بطريقة عقلانية.

ووفق هذا النمط البدائى، لا تكون الجريمة التي تُرتكب في وضح النهار، ويجهر مرتكبوها بها، جريمةً حقًا في نظرهم، مادام ضحاياها أو من يدعمونهم، مُصّنفين أعداء. وهكذا لا يُعد أوكران يُقتلون، أو تُهدّم بيوتهم، أو يفرون بحثًا عن ملاجيء في الداخل والخارج، ضحايا لأن حلفاءهم يُعتبرون أعداء. وهذا نوع مما يُسمى عداءً أعمى لا يرى المصابون به ما يحدث أمامهم، فضلاً عن أنه يُعجزهم عن إدراك أن بناء قوة بلادهم، عبر معادلة الحرية والعدل والتنمية في إطار من الحوكمة الرشيدة، هو ما يمكنهم من مواجهة أعدائهم، فيبقون في انتظار من يتخيلون أنه يتصدى لهم، حتى ولو كان طغيانه لا يقل عن نظرائه الذين أضعفوهم وأوصولهم إلى هذه الحالة التي تستدعي الشفقة. 

إنها الحالة التي تدفعهم إلى مساندة طغيان من النوع الذي يسحقهم، ويؤيدون سعيه إلى سحق شعوب أخرى بعضها قريب جدًا منهم مثل الشعب السوري. فلم يكن قتل نحو نصف مليون سوري كافيًا لإفاقة مسحوقين عرب ساندوا طاغية يقتل شعبه لمجرد أنه “شقيق”.

لا يشعر هؤلاء المسحوقون الواقعون في حب الطغاة بعذابات من يتعرضون للقتل والقصف كل يوم، ربما لأن وطأة الانسحاق حرمتهم من القدرة على التمييز، مثلما أضعفت مشاعر إنسانية ربما كانت لدى بعضهم في يومٍ ما.

إنهم يبدون كما لو أنهم “روبوتات” بشرية مبرمجة، فلا يشعرون بما يحس به بشر لديهم مشاعر إنسانية حين يرون مشاهد قتل أو تشريد نساء وأطفال، “روبوتات” لا تتناغم قذائفهم اللفظية المبرمجة إلا مع قذائف الطغاة الفعلية حين تُطلق أو تُهَدَد بإطلاقها، برغم أن كلاً منهم يخشى مثلها في بلده ولكنه يتكيف معها، فتبدو له مألوفةً، وعندئذ يمتزج خوفه من الطغاة المحليين وانسحاقه أمامهم بالتماهي مع طغاة إقليميين ودوليين في منطقته والعالم.

إقرأوا أيضاً: