fbpx

حق “الكدّ والسعاية”… متى ينتصر
قانون الأحوال الشخصية للمصريات المطلقات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“المشرّع يرى في الرجل ولياً طبيعياً بينما لا يرى ذلك في المرأة، بل يرى في المرأة ناقصة عقل ودين ولا تؤتمن على أطفالها ولا بد من وجود رجل من أجل الولاية والوصاية”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عاد الجدل القديم حول قانون الأحوال الشخصية في مصر بعدما كتبت كريستينا نيلسون طليقة الممثل المصري سيد رجب منشوراً على صفحتها على “فيسبوك”، تسرد فيه ما حدث معها وتتهم سيد رجب بطردها من منزلهما في منطقة دهشور ومنعها من دخوله وإنكار جميع حقوقها. 

 تلقت السيدة نيلسون الكثير من التعليقات المتعاطفة معها أو حتى التي تهاجمها وتشكك في روايتها، ولكن أبرز تلك التعليقات ما كتبته الشاعرة والكاتبة إيمان مرسال، حيث نشرت صورة تجمع كريستينا بالشيخ مصطفى إسماعيل إلى جانب غلاف كتابها (فن تلاوة القرآن)، ووجهت رسالة إلى متابعيها “إلى الآلاف ممن تعاطفوا مع كيكي وأيضاً لمن انتقدوها لأنها كتبت عما تمرّ به على الفيسبوك: كيكي يتم تعريفها بـ(طليقة سيد رجب) و(الزوجة السابقة لسيد رجب) كريستينا نيلسون هي مؤلفة الكتاب المهم (فن تلاوة القرآن) وقد صدرت طبعته الثانية عن دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة في عام 2001. ستجدون مقالاتها منشورة في بعض أهم الدوريات الأكاديمية المُحكّمة، كما ستعرفون أنها ما زالت تقدم محاضرات حول العالم للمهتمين بالتلاوة القرآنية من المسلمين وغير المسلمين”.

قضية كريستينا نيلسون أعادت للأذهان مرة أخرى فتوى شيخ الأزهر في 15 شباط/ فبراير 2022، تم المرور عليها مرور الكرام وإخمادها، وهي حق المرأة في نصيب من ثروة الزوج عند الوفاة إلى جانب ميراثها الشرعي، وهو ما يعرف  بفتوى “الكد والسعاية” في التراث الإسلامي لحفظ حقوق المرأة العاملة، وهي أقرب فتوى تصدر من شيخ الأزهر تحفظ الحق المدني للمرأة المطلقة.

أثارت هذه الفتوى جدلاً بين مؤيد ومعارض حيث علّق الشيخ السلفي خالد الحويني على تويتر قائلاً “لا يوجد في الإسلام ما يسمى بحق الكد والسعاية، وقصة حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لزوجة بنصف تركة زوجها المتوفي واقعة عين كانت الزوجة شريكة لزوجها في تجارته، فهو من باب الديون يستحقه صاحبه رجلاً كان أو امرأة قبل تقسيم تركة الميت”. بينما توجهت مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، بالشكر إلى شيخ الأزهر لتأكيده على ضرورة إحياء فتوى الكد والسعاية من تراثنا الإسلامي، لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهداً في تنمية ثروة زوجها، بخاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة أعباء الحياة.

فتح هذا الحادث النقاش من جديد حول قوانين الأحوال الشخصية وما يشوبها من عوار وثغرات، بخاصة أن هذا الحادث يأتي بعد أيام فقط من تدشين “مؤسسة قضايا المرأة المصرية” و”مؤسسة المرأة والذاكرة” و”حملة الولاية حقي”، لحملة “قانون أسرة عادل” التي تستهدف تقديم مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية يتجنب مشكلات القانون الحالي ويعالجها. كما يأتي ذلك الحادث بالتزامن مع مرور عام على انطلاق حملة الولاية حقي والتي بدأت في آذار/ مارس 2021 رداً على تسريب نسخة من مشروع قانون للأحوال الشخصية أحيل للبرلمان نهاية شباط 2021 وأثار جدلاً كبيراً في الأوساط الحقوقية.

عزة سليمان: المرأة في نظر القانون ناقصة وغير مؤهلة لأخذ القرار

المحامية الحقوقية عزة سليمان، وهي أيضاً المحامية المدافعة عن السيدة كريستينا نيلسون، شرحت بشكل تفصيلي معاناة النساء في مصر والمشاكل المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية، فهي تقول إن قانون الأحوال الشخصية المصري صدر عام 1920 أي منذ أكثر من 100 عام، ومنذ ذلك التاريخ لم يعدّل بشكل شامل، بل خضع لترقيعات غير كافية، إذ إن فلسفة المشرّع بقيت ترى في النساء مجرد وعاء لحمل الأطفال، وغير مؤهلات لأخذ القرار. 

تتابع عزة سليمان، “ينعكس هذا الظلم في قانون الأحوال الشخصية بوضوح على المرأة المطلقة  في حال عدم وجود أي ولاية لها على الأطفال، فالرجل هو الولي الطبيعي بحسب القانون وهو من يتخذ جميع القرارات، بل والأصعب من ذلك أنه في حالة وفاة الأب، على الأم أن تنال تنازلاً عن الأبناء من جد الطفل أو عمه أمام النيابة الحسبية التي بدورها تسأل الأم عن أموال الأطفال وميراثهم، في الوقت الذي لا يُسأل الرجال عن تصرفه في أموال وميراث أطفاله في حاله وفاة الأم، لأن “المشرّع يرى في الرجل ولياً طبيعياً بينما لا يرى ذلك في المرأة، بل يرى في المرأة ناقصة عقل ودين ولا تؤتمن على أطفالها ولا بد من وجود رجل من أجل الولاية والوصاية”.

تضيف عزة سليمان، “هذه الفلسفة التشريعية تخالف الدستور، وتخالف الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر والتزمت بها وبتقديم التقارير الدورية أمام الأمم المتحدة، وآخر تلك التقارير، قدمته الحكومة المصرية في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي أمام لجنة القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، كما يفترض أن تلتزم مصر ببعض التوصيات التي قدمها المجلس الدولي لحقوق الإنسان، وجزء من تلك التوصيات متعلق بالأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين”.

مشكلات القانون لا تقف فقط عند إجراءات معينة، بل تمتد إلى كل تفصيلة وموافقة تضطر المرأة إلى استخراجها من أي جهة حكومية تقول عزة سليمان: “عند وقوع الطلاق، من المهم أن تطلب المرأة الحضانة والولاية التعليمية كي تستطيع نقل ملفات الأبناء، إلا أن بعض السيدات لا يقدرن على التكلفة المادية لرفع القضايا، وهنا ننتقل إلى مسألة الحقوق المالية في القانون الذي لا يعترف بوجود أي حق للنساء في الأموال المدخرة خلال فترة الزواج سواء كانت المرأة عاملة أو غير عاملة، وهذا الأمر ما تحدث عنه شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب تحت مسمى الكد والسعاية، وكان الطيب تحدث سابقاً عن حق المرأة في اقتسام الثروة التي تكونت خلال فترة الزواج إذا أثبتت مشاركتها ودورها فيها. الغريب في الأمر أن هذه الآراء التقدمية لم تنعكس في مقترحات قوانين الأحوال الشخصية التي تقدم بها الأزهر والتي كانت شديدة الرجعية والتحفظ”.

تعترف دول إسلامية بحق النساء في الأموال التي ادخرت خلال فترة الزواج مثل المغرب التي تطبق هذا الأمر منذ عام 2014، كذلك سنغافورة لديها قانون لتوزيع الثروة بين الأزواج بنسب مئوية بحسب كل حالة، على أن تُحسم القضية خلال عام واحد من تداولها أمام المحاكم، وفي حالة وجود أطفال، يأخذون نسبة من تلك الثروة لتغطية مصروفاتهم من تعليم وصحة وخلافه.

إقرأوا أيضاً:

معاناة النساء بين ضغوط المجتمع وظلم القانون

تروي م.ص (35 سنة) وهي امرأة مصرية تعيش في محافظة الإسكندرية الساحلية المطلّة على ساحل البحر المتوسط وتندرج أصولها من محافظة سوهاج بصعيد مصر، “تزوجت عندما كان عمري 27 سنة من شاب صعيدي، وانتقلت إلى سوهاج للعيش معه إلا أن الأمور لم تكن جيدة، بدأت الخلافات بيننا في وقت مبكر، حتى إننا انفصلنا قبل أن يُكمل زواجنا عاماً واحداً، ولم يكن انفصالنا بتوافق أو سلام حيث استغل طليقي كوني بعيدة من أهلي ووحيدة في سوهاج، وباع مفروشات منزل الزوجية وضربني وحبسني ومنعني من التواصل مع أي شخص، كنت أنام على البلاط لأيام وأيام ولم يشفع لي حملي في طفله. عندما لاحظ أهلي أمر اختفائي وانقطاعي عن التواصل، سافروا إلى سوهاج وبدأوا في البحث عن مكاني، ولم ينجحوا بأي شكل قانوني أو عرفي لإرجاعي معهم، فاضطروا إلى تهريبي من ذلك المنزل، ورجعت معهم إلى الإسكندرية”.

وتضيف :”كي أحصل على طلاقي أو بالأحرى حريتي، حدث الاتفاق بين أهلي وبينه كالتالي، سأتنازل عن جميع مستحقاتي في مقابل أن يطلقني دون مشكلات ويترك لي الطفل بعد الإنجاب دون أن يطالب حتى برؤيته، وهذا ما حدث بالفعل، والآن طفلي في الابتدائية أتولى تربيته مع أبي وأمي دون أن يساهم طليقي بأي التزامات مادية تجاه ابنه، والآن لا نعرف عنه أي معلومات ولا يعرف من أخبارنا شيئاً، لم ألجأ إلى أي طرائق قانونية بعد الطلاق للحصول على حقوقي أو المساهمة في الإنفاق على الطفل، لأننا لا نعلم عنه أي معلومات، كما فضّل أهلي درء المشكلات واتقاء شره”.

م.ع تزوجت في الثالثة والثلاثين من رجل مصري- أميركي، وانفصلت بعد ثلاث سنوات، تقول “بعد الزواج كنت أقوم بتحمل مصروفات المنزل بالكامل، لم يساهم طليقي في أي التزامات مادية تخص منزل الزوجية، علماً أنه ميسور مادياً. عشنا معاً في شقة واحدة مع والدته، وطوال فترة زواجنا كنت أقوم برعايتها حتى توفيت. أراد أن يطلقني بعد وفاة أمه، وكأن وجودي كان مرتبطاً بخدمتي لها فقط. بدأ في تعنيفي وضربي، وأسوأ ما حدث لي في تلك العلاقة عندما ضربني في مرة ما بعنف شديد ما تسبب في إجهاضي طفلي، واشترط بعد ذلك أن أتنازل له عن جميع مستحقاتي المالية كي يقبل بالطلاق، وافقت من أجل النجاة من تلك العلاقة، ولم أحصل على أي مستحقات مالية بل قام هو بالاستيلاء على أموالي في البنوك وعلى مفروشات المنزل والذهب الخاص بي”.  

وبسؤالها لماذا لم تلجأ إلى القضاء لإثبات الضرر الواقع عليها والاعتداءات والتجاوزات التي حدثت بحقها، أخبرتنا “لجأت بالفعل إلى القضاء في محاولة أخيرة لمعاقبة هذا الشخص والحصول ولو على جزء بسيط من حقي، إلا أن المحامي الذي وضعت ثقتي به قام بالتواصل مع زوجي والاتفاق معه على إفساد القضية من أجل الحصول على أموال أكثر”.

بحسب عزة سليمان، لا وجود حالياً لأي مقترحات لتعديل القانون أو للعمل بقانون متكامل آخر للأحوال الشخصية، لذا تظل الأمور “كما هي عليها إلى حين”.

إقرأوا أيضاً: