fbpx

مُسلسل “الاختيار”: عُقدة بيان 3 يوليو

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يستخدم النظام المصري الفن، للوصول إلى غايات نفعية، تُعزز من سرديّتها، بتقديمها لجماهير تُشاهدها، لكنها غير مهتمة بِتأريخ أو اتخاذ موقف بشأنها، وبذلك تكوّن عقلية جمعية لهذه الأحداث وفقاً لتأريخ السُلطة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إنه رمضان الثالث على التوالي، الذي تبدأ أيامه الأولى بالحديث المتواصل عن مسلسل “الاختيار”، وهو من إنتاج شركة “سينرجي للإنتاج الفني”. جدل متواصل ومُتعارف عليه بين مؤيدي المُسلسل ومعارضيه، “ميمز” و”كوميكس” على مشاهد المُسلسل، ترافق حلقاته على مدار رمضان، علماً أن العمل يعرض حالياً بجزئه الثالث. كُتب الكثير بشأن علاقة السلطة المصرية الحالية بالفنّ، ومدى تأميم الأولى الثاني. لكن، نحاول في مقالنا هذا أخذ زاوية أُخرى، للاشتباك معها ومحاولة تفكيكها، ألا وهي لماذا يصرّ النظام المصري على استرجاع أحداثٍ، بالفعل مضت منذ 9 سنواتٍ، بل وقد تجاوزتها فئات اجتماعية كثيرة في مصر؟

قبل أن نسرد زوايا أُخرى من تحليل ما وراء إصرار السُلطة على تقديم الاختيار إلى الشعب المصري في كُل عام، نود ذكر أسباب وملامح رئيسية تخُص علاقة السُلطة بالفن، في ما يخص مُسلسل “الاختيار”. وهي ثلاثة أساسية على الأقل. أولها، وهو شيء ظاهري للجميع، يكمُن في توغل السُلطة أكثر وأكثر في الفن، إذ أمّمَّ النظام المصري الحالي الفن بوجهيه الأهم السينما والدراما. 

في “الاختيار” هذا العام، هناك نُخب وجوه أتت لِتُشارك في العمل بأدوار رئيسية مثل أحمد السقا، أحمد عز، عبد العزيز مخيون، خالد الصاوي، أحمد وجيه، ياسر جلال، إيمان العاصي، بل وأشرف زكي نقيب المِهن التمثيلية نَفسُه، ما يوحي بأنه لا يُسمح بمساحة نقاش عامة لنقد العمل، وعلى الجميع القول إن “الاختيار” شرف كبير يتمنّى أن يُشارك فيه جُل العاملين في المجال الفني. 

ثاني الملامح التي يُريد النظام إيصالها مرة ثانية وثالثة ودائمة، عيش المُجتمع المصري في حالة الاستثناء, وهي الحالة التي تمرّ فيها البلاد بخطرٍ/ شرٍ كبير. بدأت الحالة من بعد سقوط نظام مبارك بسبب ثورة 25 يناير 2011، واستمرت وعزز وجودها صعود الإخوان المُسلمين، والإسلامين (أهل الشرَّ كما سمّاهم الرئيس) إلى السُلطة. بل وكان من واجب القوات المُسلحة إنهاء حكم أهل الشرَّ. وهذا الذي حدث بالفعل، من خلال بيان 3 يوليو 2013، وبعدها، دخل النظام المصري في مواجهة جديدة مع مُعارضيه من الإسلاميين والقوى الثوريّة، لكن يصرُّ النظام المصري على بث سردية أنّ هذه المواجهة ليست مُعارضة سياسية لسُلطته كما في الحالات الاعتيادية للسلطة والمُعارضة في جميع البلاد، بل يقدّم سرديته بأنّها شر وإرهاب واستثناء تواجهه الدولة المصرية، وتنتصر عليه تدريجياً وبصعوبة. (هنا لا ننكر أن الدولة دخلت بالفعل في مواجهة مُسلحة مع أطراف إسلامية راديكالية مُتعددة الاتجاهات والأفكار، إلّا أن النظام يقمع الجميع، حتى قبل بدء العمليات المُسلحة ضد مؤسسات الدولة).

الملمح الثالث من هذه السردية، هو تذكير الناس بالخطر السابق والذي ما زال موجوداً- ولو بدرجةٍ أقل- خطر الإرهاب الواقعي والمُحتمل الذي يُهدد البلاد والعِباد، ما يجعل الناس يشعرون، بأنّ الحديث طيلة العام حول سياسات الإفقار التي تتبعها الحكومة المصرية تجاه الشعب وبالأخص الطبقة المتوسطة والفقيرة، هي أمرٌ بسيط يجب تقبّله والرضا عنه، لأن الهمَّ الأكبر هو الإرهاب التي خلّصتهم السُلطة الحالية منه. تُضاف إلى ذلك، حال الاستقطاب المُجتمعي التي يحييها بث المُسلسل، إذ يتجادل الناس حول حقيقة الحدث والسردية. من الديكتاتور ومن الإرهابي ومن البطل ومن “الشهيد”؟ أسئلة ومرويات كثيرة، يختلف حولها. يساعد في ذلك ترويج صفحات الدعاية على السوشيال ميديا مشاهد المُسلسل، ما يُشعل الاستقطاب مرةً أُخرى، بعدما أخمده مرور السنين. 

عُقدة بيان 3 يوليو

9 سنوات مرت على بيان الثالث من يوليو، الذي عزل الرئيس السابق مُحمد مرسي من منصبه، بل وعزل الإخوان ومعهم الإسلاميون والقوى الثورية من الحياة السياسة، وسبب الضيق لهم في الحياة الاجتماعية أيضاً. وعلى رغم مرور هذه السنوات، التي بدورها طوت أشياء كثيرة لم تعد القوى السياسة المُعارضة تفكّر فيها، ولا بقية المُجتمع المصري، حتى الرئيس المُنقلب عليه قد مات في سجنه بعد مرور ست سنوات على عزله (حزيران/ يونيو 2019)، كل هذا، لم يمنع السُلطة السياسة العُليا (الرئيس المصري ومُستشاروه المُقرّبون) من نسيان هذه اللحظة الفارقة. 

ربما هذه اللحظة تمثّل عُقدة ذنب بالنسبة إلى السُلطة السياسة العُليا للدولة المصرية. عُقدة بيان 3 يوليو الذي يجمع مشاعر من الريبة، ربما الذنب القانوني، الذنب السياسي، ذنب افتقاد الشرعيّة والبحث عنها أمام الذات السياسية للسُلطة. لكن، من المؤكد أنّه ليس ذنباً أخلاقياً. بل على العكس، هذه السرديات التي تحضر وتُسترجع، تجلب ممارسات قمعية على حثّها. هذه الممُارسات، تترجم في مزيد من الاعتقالات والإجراءات القمعية بحق الخصوم والمُعارضة السياسيين، كما حدث في رمضان 2021، فبعد عرض حلقة فض اعتصام رابعة العدوية، وظهور مشهد الهجوم على قسم كرداسة من قبل مُعارضين لفضِّ الاعتصام، نُفّذت في اليوم التالي أحكام إعدام بحق المُتهمين في هذه القضية، وكأن الحلقة كانت، مشهداً مُصوراً للجريمة، ومن ثمَّ مشهداً آخر للعقوبة الحصرية.

إقرأوا أيضاً:

جاءت في جزءي الاختيار الأول والثاني، سيناريوات ومشاهد حقيقية ومُتخيّلة، تُجسد الحرب على العُنف المُسلح الذي رعته جماعات إسلامية مُتباينة، من قِبل الجيش في الجزء الأول، ومن قبل وزارة الداخلية في الجزء الثاني. لكن، اختلف نسبيّاً الجزء الثالث عنُهما، حتى الآن على الأقل، وهذا لأنه تطرّق إلى تفاصيل جديدة، تَخص حكم محمد مرسي وجماعة الإخوان، كذلك جُسدتْ شخصية وزير الدفاع حينها والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ليأتي هذا السيناريو بجديد، ألا وهي الأسباب التي دفعت الجيش للانقلاب على حكم محمد مرسي والإخوان، وهم كما صوّرتهم وكما سوف تُصوّرهم الحلقات المقبلة، جماعة إرهابية تُريد تقسيم الجيش والشعب إلى فئاتٍ (هُنا لا نهمل ولا نُنكر أن جماعة الإخوان قد أخطأت سياسياً وإدارياً، وقد خلقت عبر خطابها حالة استقطاب شعبيّة، أدى إلى نبذها من فئاتٍ اجتماعية كثيرة). وبذلك يأتي التخلّص منها لا يُعدُّ انقلاباً عسكرياً، بل هو أسمى درجات الواجب الوطني، بأسلوب يغض النظر عن أشياء كثيرة واقعية حدثت، أي أن الجماعة ذاتها لم تصعد إلى الحكم بالوحي، بل أتت بعد تصويت قرابة 13 مليون مواطن مصري، وغير ذلك من شواهد. 

أيضاً، سردية المُسلسل (3 أجزاء) إلى الآن تتغاضى عن دور القوى الثورية والمدنية، التي وبدورها دعت إلى تظاهرات 30 يونيو، مُطالبة مرسي بانتخابات رئاسية مُبكرة. ولم تُطالب بعزله مباشرةً، أو انفراد الجيش بالسُلطة أو قمع المُعارضين ونشطاء ثورة يناير. وهذا ملمح يجب الالتفاف حوله، حيال تجاهل السلطة هذه القوى التي ساعدتها في الوصول إلى انقلاب 3 يوليو، وهذا مفهوم ومنطقي، لأن سُلطة الانقلاب بعدما قمعت الإسلاميين وعزلتهم عن الحكم، بدأت تدريجياً وبوحشية قمع هذه القوى أيضاً، فقتلت البعض إثر احتجاجات شارعية وسجنت كثيرين منهم. وهذا ما دفع الكثير من القوى التي شاركت في 30 يونيو إلى الاعتذار وتصحيح المسار، وأخذ موقف جديد مُعارض للسُطلة الحالية.

يستخدم النظام المصري الفن، للوصول إلى غايات نفعية، تُعزز من سرديّتها، بتقديمها لجماهير تُشاهدها، لكنها غير مهتمة بِتأريخ أو اتخاذ موقف بشأنها، وبذلك تكوّن عقلية جمعية لهذه الأحداث وفقاً لتأريخ السُلطة، ومن المؤكد أن هذه السردية لا تثبت كثيراً، لأنها ربما تتغير مع تغيير السُلطة، أو لأن مُتلقيها ليسوا مُهتمين بتكوين ثوابت تاريخية لأزمنة وأحداثٍ بعينها.

إقرأوا أيضاً: