fbpx

“لماذا لست محظوظاً؟”: كوميديا الوقت والمأساة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما هو الإيمان تحديداً؟ أليس الإيمان عدوّ العدم، والمزحة الأكثر جديّة على الإطلاق؟ يفكّر عبد الرحيم العوجي بأنّه يستطيع حماية نفسه من المجهول من خلال محاولة طرح أسئلة عقلانيّة كسؤاله: “لماذا لستُ محظوظاً؟” الذي اختاره عنواناً لأدائه المسرحيّ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
عبدالرحيم العوجي وملصق عرضه المسرحي

“إذا جئتم لمشاهدة عرض مضحك، أو عرض ينتقد السياسة أو الوضع الاقتصادي المتردّي فأنتم مخطئون تماماً”.

على خشبة مسرح استوديو “لبن”، استهلّ الممثّل والحكواتي عبد الرحيم العوجي عرضه “برج الجدي” أو “لماذا لست محظوظاً؟” بالاعتذار مِمَن جاءوا لمشاهدة عرضٍ ساخر.

بإمكان أيّ شخص أن يرى كيف وضع الرجل قبّعته على المسرح ومن ثمّ وقف على مسافة منها. تلك القبّعة التي لمن يعرفه جيّداً تمثّل جزءاً من شخصيّته، كأنّها رأسٌ آخر يتكلّم ويلقي النّكات عوضاً عنه أحياناً.

هذه المرّة، وقف عبد الرحيم العوجي بلا رأس وبلا نكات، مجرّد شخص يتلو قصصاً وأساطير عن آلهة وأبناء آلهة انتهت إمّا بفشلٍ أو بمأساة، لكنّ الحكاية تبدأ هنا، عندما تموت جميع الشخصيّات الخرافيّة، يولد رجل حقيقيّ من برج الجدي هو والد عبد الرحيم العوجي، الذي لم يتمكّن طوال حياته من شراء منزل، إذ باءت محاولاته بالفشل.

يذكر عبد الرحيم العوجي أسباب تعاسته “لقد تخطّيت الأربعين وما زلت أعيش مع والديّ… لا أملك حبيبة ولا مالاً”. أليست تلك هي إذاً مأساة الإنسان المعاصر، التعاسة الناجمة عن افتقاد الحبّ والعمل والمال؟

لكل زمن مآسيه الخاصة، ومن هنا يبدأ عبد الرحيم العوجي رحلة بحثه عن أصل تلك التعاسة، التي لم يجد لها أيّ تفسير سوى أنّه من مواليد برجٍ قليل الحظّ. ربّما أراد عبد الرحيم العوجي من خلال السرد القصصي هذا مواساة نفسه كمحاولة اعتراف منه بأنّ مآسيه الشخصيّة يمكنها أن تتقاطع مع مآسي آلهة قدامى فشلوا مثله في الحب أو في الزواج والإنجاب.

كيف بإمكان موضوع كهذا أن يكون مشوّقاً؟ إنّه أمر مضحك بشكل تعيس وتعيس بشكل مضحك أن تسمع شخصاً ما يتحدّث أمامك عن أشياءٍ لا تؤمن بها أبداً كعلم النجوم والأساطير التي ساهمت في إنتاج تعاسته الشخصيّة.

لكن ما هو الإيمان تحديداً؟ أليس الإيمان عدوّ العدم، والمزحة الأكثر جديّة على الإطلاق؟ يفكّر عبد الرحيم العوجي بأنّه يستطيع حماية نفسه من المجهول من خلال محاولة طرح أسئلة عقلانيّة كسؤاله: “لماذا لستُ محظوظاً؟” الذي اختاره عنواناً لأدائه المسرحيّ.

ألم يقم الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو قبل ذلك بالإشارة إلى أسطورة سيزيف لكونها تجيب على واحد من أهمّ الأسئلة الفلسفيّة على الإطلاق، وهو “لماذا يقوم سيزيف بهذا الفعل عديم الجدوى دون أن يضع حدّاً لهذه المأساة التي يعيشها؟”، الّا أن الجواب عند كامو كان واضحاً وهو أننّا إذا ما أردنا العيش علينا إذاً إبقاء اللاجدوى على قيد الحياة.

تعمّقت الفلسفة الحديثة كثيراً بمفاهيم الأسطورة وفلسفتها، وذلك إمّا بكونها نشاطاً لغويّاً يعطي العبث دلالة ما، ويحوّل العبث إلى أسطورة كما عرّفها رولان بارت، أو بكونها سؤالاً فلسفيّاً حقيقيّاً طرحه فريدريك شيلينغ، إذ يمكن إدراكه كشيء آخر غير الصورة السائدة: أيّ شيء آخر غير ذلك التتابع القصصي: عليها أن تحتوي على حقيقة خاصة بها. 

نستطيع إذاً أنّ نرى الحقيقة التي يحاول رجل اتُّهم بالكوميديا طوال حياته البوح بها، والتي هي في الباطن “مأساة جار عليها الزمن“.

لا أعرف من هو قائل هذه العبارة، ثمّة من ينسبها إلى الكاتب الأميركي مارك توين، وثمّة من يقول إنّها تعود لمقدم البرامج والكوميدي الأميركي ستيف آلن في سياق مقابلة تلفزيونيّة سئل خلالها عن علاقة الكوميديا بالمأساة:

“عندما أوضحت لصديق أن موضوع معظم الكوميديا ​​مأساوي (الإدمان على الخمر، زيادة الوزن، مشاكل ماليّة، حوادث، إلخ) قال ، هل تقصد أن تخبرني أن أحداث اليوم المروّعة تصلح لأن تكون مواد للسخرية؟ الجواب لا ، لكنها ستكون يوماً ما.

يسخر الرّجل من الأشياء التي تزعجه، لكنه لا يقوم بذلك إلّا بعد أن يمرّ وقت معيّن على حدوثها. لا بد أنها كانت مأساة عندما اختفى القاضي كرايتر، لكن الجميع يستعملون حادث اختفائه للمزح في ما بينهم. أعتقد أنه بإمكاننا كتابة معادلة رياضية لإثبات ذلك: المأساة زائد الوقت تساوي الكوميديا“.

إقرأوا أيضاً: