fbpx

وثائق باندورا- روسيا: سليمان كريموف الأوليغارشي
الذى أغوى المصارف الغربية واستضاف شاكيرا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تشير الإنذارات المصرفية الخاطئة بشأن تحويلات مشبوهة بقيمة 700 مليون دولار إلى التحديات التي تواجه محاولة العثور على الأموال المرتبطة بالكرملين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


احتل أحد أكبر البنوك العالمية مقعد الصدارة في تدفقات مئات الملايين من الدولارات من خلال شركات وهمية خارجية غامضة.

على مدار ست سنوات، أرسل بنك “بي إن واي ميلون” BNY Mellon سلسلة من التحذيرات إلى السلطات الأميركية بشأن تحويلات مصرفية بلغ مجموعها أكثر من 700 مليون دولار. لكن البنك لم يتمكن من معرفة أموال من هذه المتورطة في تلك العملية. حاولت هذه التحذيرات أن تخمّن هوية المرسَل إليه في إحدى الحوالات فأظهرت -بشكل غير صحيح- أن تاجراً بريطانياً “يتاجر في الفواكه والخضروات” كان متورطاً.

في الواقع، كانت الأموال جزءاً من إمبراطورية شاسعة خارج الحدود مرتبطة بسليمان كريموف، ملياردير روسي وسياسي مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين. كُشفت صلاته بهذه المعاملات في وثائق باندورا؛ وهي عبارة عن ملايين السجلات المالية الخارجية المسربة التي حصل عليها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”…

كريموف هو قطب من أقطاب الذهب، وقد جمع ثروة طائلة من شراء أصول الطاقة وحصص كبيرة في البنوك الروسية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. وهو أيضاً عضو في مجلس الشيوخ بالبرلمان الروسي، وكان واحداً من مجموعة مختارة من الأوليغارشية القوية التي استدعاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى موسكو في اليوم الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا. وفرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات للمرة الأولى عام 2018. وحذت حذوها بريطانيا والاتحاد الأوروبي هذا العام.

ربما يكون من أكثر الأمور التي تهم السلطات الأميركية، أن كريموف تربطه علاقات بشبكة مالية سرية يعتقد أنها تحفظ ثروة بوتين السرية، وفقاً للاتحاد الأوروبي وتحقيقات من شركاء “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” في تحقيق “أوراق بنما” لعام 2016.

في أوائل آذار/ مارس، أعلنت الولايات المتحدة عن برنامج حكومي دولي كبير لتتبع وتجميد أصول أفراد هذه الأوليغارشية والكشف عنها، والتي غالباً ما تكون مخبأة تحت طبقات من الشركات الوهمية وخلف شخصيات تلعب دور الأقنعة والواجهة الظاهرية فقط. وتعهد الرئيس جو بايدن في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد قائلاً: “نحن عازمون على كشف مكاسبكم غير المشروعة”.

لكن التعهد بالكشف عن أموال الأوليغارشية شيء، وتحديد مكانها بالفعل شيء آخر.

تُعد الملفات الاستخباراتية لبنك “بي إن واي ميلون”، المعروفة باسم تقارير الأنشطة المشبوهة، دليلاً على مدى صعوبة تعقب الثروة الروسية. تحولت النخبة الروسية إلى الشركات الوهمية السرية والوسطاء الماكرين لإخفاء الأموال واليخوت والمنازل؛ وعلى مدى عقود، ثبت أن البنوك والسلطات الحكومية غير قادرة على تتبع مسارها.

شبّه غراهام بارو، خبير الجرائم المالية، الشركات الوهمية التي يستخدمها الأوليغارشيون الروس ووكلاؤهم بأنها دمى متداخلة، حيث تخفي كل طبقة عنصراً آخر داخلها. قال بارو: “لم يتم الكشف عن أسماء شركاتهم الوهمية، ووضعهم كمستفيد نهائي محجوب”. وهذا يجعل من الصعب للغاية تطبيق العقوبات”.

الشخصيّة المركزيّة  في التحويلات التي حيّرت مسؤولي الامتثال كانت ألكسندر ستودهالتر؛ وهو ممول سويسري له علاقات وثيقة مع كريموف. عام 2017، وصفت السلطات الفرنسية ستودهالتر بأنه واجهة لكريموف في رفع تهم غسل الأموال والتهرب الضريبي ضد الاثنين، والتي تم إسقاطها لاحقاً.

تظهر “وثائق باندورا” أن شركة ستودهالتر ساعدت في إدارة  شركات خارجية في جزر فيرجن وجزر كايمان البريطانية، التي كانت ممراً لأكثر من عشرات الحوالات المصرفية التي أُرسلت بين عامي 2010 و2015 وقد صنَّفها بنك “بي إن واي ميلون” بأنها حوالات مشبوهة.

أدرج ستودهالتر رسام وشم في بلدته السويسرية بصفته مالكاً لشركة وهمية نقلت حوالات مصرفية بأكثر من 300 مليون دولار لشركات مرتبطة بكريموف. كما أدرج ابن شقيق كريموف باعتباره المساهم الوحيد في شركة أخرى مولت طائرتين خاصتين، بما في ذلك طائرة بوينج 737 مخصصة، بحسب البيانات المسربة. تظهر البيانات معاملات بمليارات الدولارات بين الشركات المملوكة لعائلة كريموف والشركات الوهمية المدرجة على أنها مملوكة أو مدارة من قبل ستودهالتر.

يأتي هذا التحقيق كجزء من “وثائق باندورا”- روسيا، وهو مشروع جديد لـ”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” والشركاء العالميين يهدف لإلقاء الضوء على التدفقات المالية السرية المرتبطة بالأوليغارشيين وغيرهم من المقربين من الكرملين في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. يأتي ذلك بعد عقد من التحقيقات التي قدمها :الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” حول الاقتصاد الخارجي- وحول المناورات البحرية الروسية على وجه الخصوص. يقوم الاتحاد أيضاً بتحديث قاعدة بيانات التسريبات الخارجية بمعلومات وبيانات عن الشركات المرتبطة بمئات المواطنين الروس، بما في ذلك السياسيون والمصرفيون، الذين أسسوا أعمالاً من خلال مزود خارجي بارز في سيشيل.

التفاصيل في هذا التحقيق مستمدة أيضاً من ملفات “شبكة التحقيق في الجرائم المالية (فِنسِن)”؛ وهي عبارة عن بيانات مسرّبة لتقارير الأنشطة المشبوهة التي حصل عليها موقع “بازفيد نيوز” وشاركها مع “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين”، وقد كانت هذه التحقيقات بمثابة حجر الأساس لتحقيق 2020 في التدفق الحر للأموال المشبوهة عبر البنوك العالمية.

في المجمل، تظهر السجلات المسربة معاملات بمليارات الدولارات بين الشركات المملوكة لعائلة كريموف والشركات الوهمية التي تمتلكها أو تديرها شركة ستودهالتر.

قال بنك “بي إن واي ميلون” إنه ممنوع من التعليق على ملفات المخابرات السرية الخاصة به، لكنه قال إنه يمتثل تماماً للقوانين واللوائح ذات الصلة.

لم يستجب الفريق القانوني لكريموف لطلبات مفصلة للتعليق، وكل ما قاله إنه بعد سنوات من التحقيق، لم تقدم السلطات الفرنسية شكوى رسمية.

وفي ردّه على “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، قال ستودهالتر إن السلطات الفرنسية اختلقت الدعوى المرفوعة ضده. وتابع قائلاً إنه رجل أعمال ومستثمر مستقل، ولم يتصرف كواجهة لأي شخص. وقال إنه ووالده يمتلكان الشركات التي تُمثل معظم التحويلات المصرفية المقدرة بنحو 700 مليون دولار.

إضافة إلى التحويلات المصرفية المشبوهة، تحتوي وثائق باندورا على وثيقة قرض يُقدر بنحو 3 مليارات دولار بين عامي 2012 و2015 من شركة تقع في جزر العذراء البريطانية تُسمى “فرِن غلوبال” Fren Global Corp، إلى شركة تسيطر عليها عائلة كريموف.

يظهر توقيع ستودهالتر على وثيقتين من وثائق الشركة لعام 2016 تحددان أنه مالك الشركة، Fren Global، التي قدمت القرض. عندما سئل عن الأمر، ادعى ستودهالتر عدم التعرف على ما وصفه بأنه “توقيع إلكتروني مشوه”، وقال إنه باع شركة Fren Global لابن شقيق كريموف عام 2014.

كان ستودهالتر مالك شركة “فرِن غلوبال”، وذلك بحسب ما ورد في وثيقة تسجيل الشركة المسربة في وثائق باندورا التي تحمل توقيعه. وأخبر ستودهالتر “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” أن السجل “خاطئ” دون الخوض في التفاصيل.

إقرأوا أيضاً:

“الأوليغارشي السري”

تبين التقارير أن كريموف شق طريقه نحو الثراء من بداية متواضعة، واستفاد من الاستثمارات الصغيرة وحولها إلى استثمارات أكبر، ويشمل ذلك شركة النقل التي توقف نشاطها الآن بعدما كانت إحدى شركات الطيران الرئيسية في روسيا في التسعينات.

بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، استطاع كريموف أن يحتل مقعداً في البرلمان الروسي، وكان يبني حصة كبيرة في شركة “غازبروم” الروسية المنتجة للغاز. وبحلول عام 2012، ركز كريموف استثمارات عائلته في صناعة الذهب الروسية، وسيطر على شركة “بولي يوس” -أكبر منتج للذهب في البلاد- والتي تُمثل الآن جزءاً كبيراً من ثروته الصافية التي تبلغ 14 مليار دولار تقريباً، وفقاً لتقديرات “بلومبرغ نيوز”.

وفي خضم هذه الممارسات؛ بنى كريموف سمعة طيبة بإقامة حفلات فخمة تصل تكلفتها إلى 10 ملايين دولار تجمع “المصرفيين الغربيين بمسؤولين حكوميين روسيين”، وفقاً لما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز”، التي وصفت كريموف بأنه “الأوليغارشي السري لروسيا”. ورد أن كريموف وظّف بيونسيه وشاكيرا لاحتفالاته، وامتلك أحد أكبر اليخوت في العالم. 

عام 2006، أصيب بحروق بالغة بعد اصطدام سيارته الفيراري بقيمة 650 ألف دولار بشجرة في شارع على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في فرنسا.

ومع نمو شهرته، واجه كريموف شكوكاً عدة حول مصدر ثروته المتزايدة، وما إذا كان يمثل واجهة لأموال الكرملين السرية.

وعام 2016، كشف تحقيق “وثائق بنما” الذي أجراه “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” أن شركات كريموف دفعت 200 مليون دولار من الدفعات مجهولة المصدر إلى شبكة من الشركات المرتبطة بصديق طفولة بوتين؛ سيرجي رولدوغين، الذي يُشتبه في أنه يمثل واجهة رئيسية لثروة الرئيس الروسي السرية. وضعت التقارير كريموف وسط أحد أهم العناصر المكتشفة حتى الآن بشأن ما يوصف بأنه ثروة سرية تخص الرئيس الروسي تقدر بمليارات الدولارات.

في أواخر عام 2017، ألقي القبض على كريموف واحتجز لفترة وجيزة في مدينة نيس الفرنسية للاشتباه في غسل الأموال والتهرب الضريبي بعد شراء فيلا بقيمة 127 مليون يورو، إلى عقارات فاخرة أخرى. كما ألقى المدَّعون القبض على ستودهالتر، المحاسب والممول السويسري.

وصف الفرنسيون ستودهالتر بأنّه بمثابة الواجهة الأمامية لإخفاء كريموف، إذ ساعده على التهرب من الضرائب على مشترياته من العقارات. 

وتدخل الكرملين بما سماه بذل “أقصى الجهود” للدفاع عن كريموف، ودعا إلى اجتماعات ديبلوماسية في موسكو وباريس. 

عام 2020، دفعت شركة Swiru Holding AG التابعة لشركة ستودهالتر غرامة قدرها 1.4 مليون يورو كجزء من اتفاقية تأجيل الملاحقة القضائية في القضية الفرنسية. تم إسقاط التهم الموجهة إلى كريموف وستودالتر في النهاية.

في ردّه على أسئلة “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، قال  ستودهالتر إن شركة Swiru مملوكة له بالكامل، وأنه اشترى العقارات الفرنسية في مركز اعتقاله وأجَّرَها ببساطة لكريموف. وقال إن التحقيق الفرنسي ركز على الضرائب التي أهمل بائع العقارات دفعها، وليس هو. وأضاف ستودهالتر في بيان له: “القضية برمَّتها قد اختُلقِت للتو، ولا تزال تتناقلها بعض وسائل الإعلام بشكل خاطئ”.

طوارئ جديدة تدفع بضرورة العثور على الأموال الروسية

مع تساقط قذائف المدفعية الروسية على المدن الأوكرانية، تسعى الدول الغربية المتحالفة مع أوكرانيا إلى فرض حصار على الاقتصاد الروسي؛ وعليه فقد أَدرجت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي البنوك الروسية الكبرى في القائمة السوداء، وعزلتها عن النظام المالي العالمي، وشجعت الشركات الغربية الكبرى على الانسحاب من البلاد.

تشير هذه التحركات إلى اهتمام جديد بتعقب عائدات الفساد السياسي؛ لكن السؤال هو هل ستؤتي ثمارها هذه المرة؟ يقول الخبراء إن الدول الغربية اتبعت منذ سنوات سياسة رخوة ومتساهلة في مكافحة الأموال المشبوهة، وكانت النتيجة الفشل في محاسبة البنوك على جني الأرباح من الجرائم المالية، بل سُمح بازدهار الملاذات الضريبية داخل حدود هذه الدول.

قالت جوليا فريدلاندر- المستشارة السابقة لعقوبات وزارة الخزانة في مركز أبحاث “أتلانتيك كاونسل”- “سيتعين عليهم القيام بالكثير من الخطوات من أجل اللحاق بالركب إذا كانوا يريدون متابعة خطتهم”.

لقد وعدت حكومة الولايات المتحدة بأنها “سوف تستخدم كل أداة لتجميد ومصادرة” أصول الأوليغارشية الروسية. من المتوقع أن تلعب شبكة إنفاذ القانون على الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأميركية، أو FinCEN، دوراً رئيسياً.

تجمع شبكة التحقيق تلك أكثر من مليون تقرير عن الأنشطة المشبوهة كل عام، وتشارك هذه المعلومات مع الوكالات الفيدرالية الأخرى والحكومات الأجنبية.

ومثل الكثير من أقسام الامتثال للبنوك التي تعمل معها، عانت “فنسن” من نقص الموظفين وميزانية محدودة؛ فقد قالت إليز بين- المحققة السابقة في اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات في مجلس الشيوخ- “تعاني شبكة فنسن من قصور شديد في التمويل؛ فليس لديهم ما يحتاجون إليه لإتمام عملهم”.

يقع مكتب التحقيقات الصغير “فنسن” في قلب الجهود المبذولة لمكافحة الأموال المشبوهة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن تجار المخدرات والإرهابيين وأفراد الأوليغارشية وغيرهم من المخالفين، لهم هدف مشترك، مثل كثر من عملاء البنوك الذين يعملون عبر الحدود، وهو نقل الدولار الأميركي، العملة العالمية الفعلية، بين الحسابات في دول مختلفة.

يمتلك بنك “بي إن واي ميلون”، مقره في نيويورك، 2.4 تريليون دولار من الأصول تحت إدارته. وقد كان البنك الأقدم منه من بين أوائل البنوك الكبرى التي دفعت غرامة كبيرة للسلطات الأميركية بسبب إخفاقاته في مكافحة غسيل الأموال. في عام 2005 -قبل عامين من اندماجه مع “ميلون فاينانشيال” Mellon Financial، دفع بنك نيويورك 38 مليون دولار، ووقع اتفاقية مقاضاة مؤجّلة بعدما خلص تحقيق فيدرالي إلى أنه سمح بتدفق 7 مليارات دولار من الأموال الروسية غير المشروعة عبر حساباته.

يعد هذا البنك إحدى الركائز الرئيسية في مساعدة المؤسسات المالية الأجنبية على إرسال تحويلات مصرفية دولية بالدولار الأميركي، وتعرف البنوك التي تمارس هذا النوع من الأعمال باسم البنوك المراسلة. لم يحتفظ “بي إن واي ميلون” بحسابات مصرفية لأي من الشركات الوهمية المشاركة في المعاملات المشبوهة المرتبطة بكريموف، بل ساعد في معالجة بعض التحويلات المصرفية الدولية الكبيرة بالدولار الأميركي.

حتى إدارات الامتثال في البنوك التي تتمتع بموارد جيدة يمكن أن تواجه صعوبات جمة في الربط بين التحويلات المالية والأشخاص المعنيين بإنفاذ القانون. ومع ذلك، تشير ملفات “بي إن واي ميلون” إلى أن مسؤولي الامتثال التابعين له اعتمدوا بشكل أساسي على الانترنت للبحث عن الشركات الوهمية التي تقف وراء 700 مليون دولار من المعاملات المشبوهة. أظهر تحقيق “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” أنه لا يوجد ما يشير إلى أن “بي إن واي ميلون” قد تواصل العمل مع مصرف “كريدي سويس” Credit Suisse، المصرف الأساسي للكثير من الشركات الوهمية، لتحديد مصدر الأموال المشبوهة التي تدفقت عبر حساباته.

قال غاريت ماركيز، المتحدث باسم “بي إن واي ميلون”، في بيان أُرسل عبر البريد الإلكتروني: “يؤدي بي إن واي ميلون دوره في حماية نزاهة النظام المالي العالمي بكل جدية وصرامة، ويشمل ذلك تقديم تقارير حول الأنشطة المشبوهة. وبصفتنا عضواً موثوقاً في المجتمع المصرفي الدولي، فإننا نلتزم تماماً بجميع القوانين واللوائح المعمول بها، ونساعد السلطات في العمل الحساس والمهم الذي تقوم به. وبموجب القانون، لا يمكننا التعليق على أي تقارير حول أنشطة مشبوهة مزعومة كنا قد قدمناها أو ربما كشفت عنها أطرافٌ ثالثة لوسائل الإعلام بشكل غير قانوني”.

إقرأوا أيضاً:

تتبع الأموال عبر متاهة من الملاذات الخارجية

وفقاً لسجلات وزارة الخزانة المسربة؛ ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2013، قدم ضباط الامتثال في “بي إن واي ميلون” تقريراً إلى السلطات الأميركية عن نشاط مشبوه بخصوص تحويلين مصرفيين بلغ مجموعهما 270 مليون دولار من شركة صورية مبهمة في قبرص إلى شركة صورية أخرى في جزر كايمان تُسمى SH Advisors Limited.

انتبه البنك إلى التحويلين، لكنه أبلغ السلطات بمعلومات غير دقيقة حول الشركات الوهمية. أخطأ البنك في مكان المنشأ وهو شركة في قبرص تدعى Nitokris Ltd، لأن ثمة شركة مجرية صغيرة تحمل الاسم نفسه، وبنى على هذه المعلومة استنتاجاً خاطئاً هو أن الشركة القبرصية الوهمية مملوك، نصفها، لرجل اسمه بالاز ماركوس.

وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني، قال ماركوس -وهو محاضر غير متفرغ في جامعة كورفينوس في المجر- إنه وزوجته يديران شركة مقرها بودابست تحمل الاسم نفسه، لكنهما لم يسمعا سابقاً عن الشركة القبرصية.

تُظهر السجلات المسربة من “ترايدنت ترست”- وهو مزود خدمات خارجي رئيسي- أن شركة جزر كايمان الوهمية التي تلقت التحويلات، شركة SH Advisors، تنتمي إلى Heritage XXI Holding Ltd، وهي شركة صورية في جزر فيرجن البريطانية. وتظهر السجلات أن المالك النهائي لشركة Heritage هي مؤسسة سليمان كريموف؛ وهي مؤسسة خيرية مسجلة في سويسرا.

وبحسب ما ورد في السجلات، استخدم كريموف المؤسسة للتنصل من القوانين الروسية التي تمنع المسؤولين الحكوميين من الاحتفاظ بحسابات مصرفية في الخارج أو شراء أوراق مالية أجنبية، بحسب Moscow Times.

عام 2014، أبلغ “بي إن واي ميلون” السلطات أن شركة صورية في جزر العذراء البريطانية تدعى Fletcher Ventures Ltd أرسلت مبلغ 100 مليون دولار لشركة LT Trading Ltd، وهي شركة تأسست في المنطقة نفسها. وفي تقريره الذي قدمه إلى السلطات الأميركية، أخطأ البنك في تخمين شركة LT Trading، بأنها شركة بريطانية متخصصة في “بيع الفواكه والخضروات”، وصرح البنك بأن المصدر الذي اعتمد عليه في هذا الاستنتاج هو “بحثٌ على الإنترنت”.

تجسد الشركتان الحُجُب الكثيفة للسرية المالية التي سمحت للأموال المرتبطة بأوليغارشية الرئيس الروسي بالتدفق بحرية في جميع أنحاء العالم؛ إذ لم تتمكن التقارير العامة من الكشف عن ملكيتها أو خط عملها.

تُظهر السجلات أيضاً أن Swiru Holding، الشركة السويسرية التابعة لشركة ستودهالتر، والتي دفعت لاحقاً غرامة قدرها 1.4 مليون يورو متعلّقة  بالتحقيق الفرنسي، عملت مع “ترايدنت ترست” لإدارة كل من LT Trading و”فليتشر فينشرز”، بحسب البيانات.

مع “فليتشر فينتشرز” Fletcher Ventures، قام ستودهالتر بحيلة شائعة في أكثر الجوانب سرية من التمويل الخارجي؛ إذ إنه أنشأ طبقة إضافية من السرية باستخدامه شخصية تؤدي دور الواجهة، وذلك على ما يبدو لمحاولة إخفاء المالك الحقيقي لشركة “فليتشر فينشرز”. ووفقاً لوثيقة التسجيل من “ترايدنت ترست”، كان مالكها هو ريناتو كوبو، رسام وشم يعيش في لوسيرن، وهي المدينة السويسرية نفسها التي يقع بها مقر شركة ستودهالتر. ويظهر توقيع ستودهالتر على الوثيقة.

عندما اقترب مراسلون من “تاميديا”- شريك “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”- ​​من كوبو في الاستوديو الخاص به؛ وعندما سُئل عن دوره في “فليتشر فينشرز”، أو طبيعة الشركة، أو لماذا أُرسلت مئات الملايين من الدولارات في شكل حوالات مصرفية من حساباتها، أحال كوبو الأسئلة إلى ستودهالتر. تُظهر البيانات المسربة أن شركة “فليتشر فينشرز” أرسلت أيضاً 202 مليون دولار إلى شركة تدعى LLC Gilia، وهي شركة روسيّة مرتبطة بشركة استثمار لكريموف.

أخبر ستودهالتر “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” أنه هو، وليس كوبو، المالك الحقيقي لشركة “فليتشر”، وقال إنه واثق من أن “ترايدنت ترست” على علم بهذه الحقيقة. وأضاف أن المعاملات “تضمنت تمويل استثمارات عقارية، وهو نشاط طويل الأمد” لشركته السويسرية.

قال ستودهالتر إنه أو عائلته يمتلكون الكثير من الشركات التي فحصها تحليلُ “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، وأشار إلى أن الأموال التي تعاملت معها هذه الشركات كانت ملكه. قال ستودهالتر: “لقد شاركت وما زلت في عدد من المعاملات لحسابي الخاص بملايين الدولارات”. قال إنه عمل مع كريموف “في مناسبات عدة” كشريك “وليس كمقدم خدمة”.

وصرح ستودهالتر بأن جميع الشركات التي أسسها خضعت للتدقيق من قِبل سلطات الضرائب السويسرية، وأنه هو وشركاته يتبعون اللوائح ذات الصلة، وقال إنه لم يعمل مع كريموف منذ عام 2017.

ردّاً على أسئلة ICIJ، قالت ترايدنت ترست أنها لا تناقش قضايا العملاء مع وسائل الإعلام وقالت إنها ملتزمة بالامتثال للأنظمة ذات الصلة في جميع المجالات التي تعمل فيها.

تظهر وثائق باندورا أن LT Trading، الشركة التي تلقت تحويلاً ماليّاً بقيمة 100 مليون دولار لشركة Fletcher Venture، لا علاقة لها بشركة الإنتاج البريطانية، وقد تم إنشاؤها أيضاً مع وكيل شكلي كمالكها. وهي شركة مسجّلة في جزر العذراء البريطانية مملوكة، وفقاً لوثائق تسجيل الشركة، لناريمان جادجييف، ابن شقيق كريموف. من المعروف أن جادجييف يعمل بشكل وثيق مع كريموف.

تظهر التسريبات أنه في عام 2012، عملت LT Trading مع Credit Suisse، على تأمين قرض بقيمة 67 مليون دولار لتصميم وشراء طائرة Boeing 737 Business Jet، إضافة إلى طائرة Bombardier Global Express، وهي علامة تجارية مفضلة للطبقة فائقة الثراء. بعد سنوات قليلة، وصف مقال في مجلة “فوربس “روسيا أن كريموف يمتلك النوع ذاته من طائرات “بوينغ”.

وبالاستناد إلى قوانين السرية المصرفية، رفض “كريدي سويس” الرد على السؤال حول إجراءات التدقيق الضرورية التي اتبعها البنك في تعاملاته مع LT Trading. وقال البنك إنه يحافظ على ضمانات صارمة ضد الجرائم المالية، ويتخذ “إجراءات فورية وحاسمة” عندما يكتشف احتمال وجود نشاط غير مشروع.

وقالت ناتالي بياسين، المتحدثة باسم “كريدي سويس”، في بيان عبر البريد الإلكتروني: “من حيث المبدأ والسياسة، يُطبِق البنك جميع العقوبات، لا سيما تلك الصادرة عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وسويسرا. وعلى رغم أن “كريدي سويس” لا يمكنه أن يُعلق على العلاقات مع العملاء المحتملين بموجب القانون، إلا أنه يمكننا أن نؤكد أنه عندما نجد علامات تشير إلى إساءة استخدام محتملة للحساب في أنشطة غير مشروعة، فإننا نتخذ إجراءات تتماشى مع السياسات المعمول بها والمتطلبات التنظيمية”.

لا يوجد بين تقارير “بي إن واي ميلون” المسربة المتعلقة بالأنشطة المشبوهة أي تقرير بشأن التحويلات المصرفية لشركة LT Trading باسم كريموف أو جادتسييف أو ستودهالتر. كما رفض جادتسييف -المقيم في سويسرا- التعليق على العلاقات التي يكشفها هذا الاستقصاء.

يقول خبراء البنوك إنه على رغم السرية العميقة التي تكتنف LT Trading، إلا أنه لا يزال بإمكان مسؤولي البنوك اتخاذ إجراءات. فبحسب ما صرح به غراهام بارو- الخبير المصرفي- كان على البنك الاتصال بمصرف “كريدي سويس” للاستفسار عن الشركة الصورية.

وفي هذا السيناريو، إذا لم يقدم “كريدي سويس” معلومات وافية، فسيصبح بإمكان “بي إن واي ميلون” رفض إجراء مزيد من المعاملات الخاصة بشركة LT Trading. قال بارو إن مجرد طلب المعلومات من بنك آخر يعد أداة مهمة للبنك لوقف تدفق الأموال المشبوهة.

وبحسب بارو: “كان ينبغي أن يدق هذا كل أجراس الإنذار؛ فمن المؤكد أنه كان ينبغي عليهم طرح الأسئلة”.

شارك في إعداد التقرير: جيمس أوليفر، كنزي أبو ساب، كاثرين بيلتون، أندرو ليرين، أوليفر زيلمان، كريستيان برونيمان، ريتشارد إتش. بي. سيا، أوجستين أرمينديز، جريج ميلر، كاري كيهو، دلفين رويتر، عبد الحق الإدريسي، ياسمين سالمون، إميليا دياز ستروك، نانسي إنغ.

إقرأوا أيضاً: