fbpx

إخفاء قسري ووفاة غامضة وإهمال طبي:
جرائم متعددة أودت بالباحث المصري أيمن هدهود

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

“شقيقي خبير اقتصادي وليس لصاً لمحاولة لصق هذه الاتهامات به، كان عليهم البحث عن تهم أنسب لتبرير ‏إخفائه… من ‏سيصدق أن شخصاً مثل أيمن يتمتع بالتقدير المحلي والدولي متهم بعدم الاتزان النفسي ومحاولة كسر باب شقة”.‏   

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أصبح المكان معلوماً الآن، بعد أكثر من شهرين من الاختفاء القسري، والبحث المتواصل من عائلته وأصدقائه، وبعد أكثر من شهر على الوفاة، وجد جثمان الباحث المصري أيمن هدهود، مكاناً، في مدافن أسرته بمحافظة المنوفية. 

عمر هدهود، شقيق أيمن، يوضح لـ”درج”: “لدينا شكوك قوية في تعرضه للقتل… هناك كسور في جمجمته”، حاول تصويرها، ولكن القائمين على مستشفى العباسية منعوه. 

حصل عمر، على شهادة تذكر تاريخ وفاة شقيقه في الخامس من آذار/ مارس الماضي، أما سبب الوفاة فهو “قيد البحث” بحسب الوثيقة. 

قالت النيابة العامة، في بيان، إنها أخطرت في الخامس من آذار الماضي، بوفاة هدهود، جراء هبوط حاد في الدورة الدموية وتوقف عضلة القلب، وأن النيابة ناظرت جثمانه وكان خالياً من أي إصابات، مؤكدة عدم وجود شبهة جنائية في وفاته، ولكنها لم تقدم تفسيراً لبقاء جثمانه في ثلاجة المستشفى دون تسليمه لذويه حتى التاسع من نيسان/ أبريل. 

مصدر من داخل مستشفى العباسية، فضل عدم ذكر اسمه، أكد أن ترك جثمان ما داخل ثلاجة المستشفى لأكثر من شهر هو إجراء غير معتاد وغير طبيعي، بخاصة أن الثلاجة الموجودة في المستشفى هي للتبريد لا التجميد. 

بعد أكثر من شهر على الوفاة، تلقى شقيق أيمن، في التاسع من نيسان، اتصالاً من أحد ضباط قسم شرطة مدينة نصر ثان، يخبره بأن أيمن توفي منذ أيام، وأن على أسرته تسلم جثته من مستشفى العباسية للأمراض النفسية. 

يوضح عمر، أن أسرته اكتشفت عند محاولة استخراج تصريح الدفن، أن النيابة سبق أن أصدرت قراراً بدفن شقيقه في مقابر الصدقة باعتباره مجهول الهوية، برغم أن بطاقته الشخصية كانت بحوزته وقت اختفائه، ما يعني بحسب الأسرة أنه كان محتجزاً وتوفي أثناء اختفائه القسري.

وأشار عمر، إلى أن رئيس نيابة مدينة نصر ثان، أصدر أمراً بتشريح الجثة لوجود شبهة جنائية في وفاة شقيقه، ولبيان ظروف الوفاة وأسبابها، وبالفعل تمت عملية التشريح في مشرحة زينهم، وانتهت بتسليم الجثمان لعائله، في ظل حضور أمني في محيط المشرحة. 

من هو الدكتور أيمن هدهود؟ 

تخرج أيمن، الذي توفي عن عمر 42 سنة، من كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية، ثم حصل على ماجستير إدارة الأعمال، وعمل مراقباً مالياً في الجامعة الأميركية، كما عمل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة لمحاربة الفساد والرشوة.

انضم أيمن، لـ”حزب الإصلاح والتنمية” برئاسة البرلماني السابق وعضو المجلس القومي لمجلس حقوق الإنسان محمد أنور السادات، ليصبح واحداً من مؤسسي الحزب، وعضواً في هيئته العليا، وترشح للانتخابات البرلمانية عام 2010. 

تضارب الاتهامات… والأسئلة المفتوحة

قال عمر، إن رئيس النيابة أخبر أشقاءه أن هدهود، كان متهماً بالشروع في سرقة سيارة، أما وزارة الداخلية، فقالت إن حارس أحد العقارات في منطقة الزمالك في القاهرة أبلغ في 6 شباط/ فبراير الماضي، بوجود هدهود، داخل العقار ومحاولته كسر باب إحدى الشقق وإتيانه بتصرفات غير مسؤولة، وأنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية فى حينه وتم إيداعه في أحد مستشفيات الأمراض النفسية بناءً على قرار النيابة العامة.

وبعد ساعات من تشريح جثمان هدهود وقبيل إصدار تقرير التشريح، أصدرت النيابة العامة بيانها، وقالت فيه إنه ألقي القبض عليه في السادس من شباط، أثناء محاولته اقتحام شقة، وأنه كان يتفوه بكلمات غير مفهومة فاستصدرت أمراً من المحكمة بإيداعه مستشفى العباسية، لإعداد تقرير عن حالته العقلية. 

نقلت النيابة العامة، عن أعضاء في الفريق الطبي بالمستشفى، أن هدهود، كان مصاباً باضطراب بالوعي ودواراً وعدم اتزان، وارتفاعاً في درجة الحرارة، واشتبه في إصابته بـ”كورونا”، وتوفي خلال نقله إلى أحد المستشفيات لتلقي العلاج. 

أما اللجنة الثلاثية التي نقلت عنها النيابة، فأثارت تضارباً جديداً حول سبب الوفاة، إذ قالت إن الراحل كان يعاني من فصام، وضلالات اضطهادية وضلالات عظمة، وأنه غير مهتد للزمان والمكان، وأن تدهور حالته النفسية يؤثر في درجة الوعي ويمكن أن ينتهي الأمر بالوفاة. 

وأكدت النيابة، أنها استدعت شقيقيه عادل وأبوبكر، بعد وفاته وأنهما أقرا بأنهما لا يشتبهان في وفاته جنائياً، ونقلت عنهما أن سلوكاً مضطرباً ظهر على شقيقهما في مرتين سابقتين. 

تطرح الروايات المتضاربة مزيداً من الأسئلة، وتترك الغموض محيطاً بوفاة الباحث المرموق، فبيان الداخلية والنيابة يؤكد أنه كان بحوزة الأجهزة الأمنية منذ 6 شباط، وهو إقرار بتحملها المسؤولية القانونية عن سلامته… 

فلماذا ولأكثر من شهرين أنكرت الداخلية والنيابة وكذلك المستشفى وجوده؟ ولماذا لم يتم تقديم الرعاية الطبية اللازمة له بحسب رواية النيابة العامة وترك ليموت قبل أن ينقل إلى المستشفى؟ ولماذا ترك ميتاً لأكثر من شهر دون إبلاغ أسرته؟ وإذا تم إبلاغ أسرته كما يشير بيان النيابة، فلماذا ظل في ثلاجة الموتى دون دفنه لأكثر من شهر؟ ولماذا صدر تصريح دفنه الأول كمجهول هوية؟

يرى عمر هدهود، أن رواية الداخلية بشأن شقيقه محاولة لتبييض الوجه وإبراء الذمة بعد وفاته، مؤكداً أن بيان الوزارة يتناقض مع ما أبلغت النيابة العامة به أسرته طوال شهرين بعدم وجود قضية ضد شقيقه.   

وتابع هدهود: “شقيقي خبير اقتصادي وليس لصاً لمحاولة لصق هذه الاتهامات به، كان عليهم البحث عن تهم أنسب لتبرير ‏إخفائه… من ‏سيصدق أن شخصاً مثل أيمن يتمتع بالتقدير المحلي والدولي متهم بعدم الاتزان النفسي ومحاولة كسر باب شقة”.‏   

وزارة الداخلية، استخدمت فزاعتها المعهودة في اتهام أي شخص ينتقد ممارساتها بأنه من “الإخوان”، ونفت في بيان مقتضب صحة ما تداولته صفحات وصفتها بالتابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، بشأن “الزعم باختفاء المواطن أيمن هدهود قسرياً”. 

الفزاعة تلك المرة غير لائقة، فهدهود، كان مختفياً قسرياً بالفعل ولم يتم إعلام أسرته أو محاميه بمكانه أو سبب احتجازه منذ تاريخ القبض عليه وحتى إبلاغهم بوفاته، برغم المحاولات الشاقة التي خاضتها أسرته للبحث عنه، كما أن معظم المطالبين بالعدالة لهدهود، هم من أصدقاء الباحث وعضو الهيئة العليا لحزب الإصلاح والتنمية المعروف بتوجهه المدني. 

يتذكر عمر، بمرارة محاولات أفراد أسرته المضنية لمعرفة مكان شقيقه طوال 65 يوماً، فبعد أربعة أيام من اختفائه أخبرهم أحد رجال الأمن بوجود أيمن، في مقر الأمن الوطني بالأميرية، وأن عليهم الذهاب لاستلامه، أسرع الإخوة إلى هناك واستجوب الأمن الوطني شقيقه عادل، وأخبروه أن أيمن، سيظهر خلال أيام.

وأضاف عمر، أنهم أُبلغوا بعد ذلك بأيام عبر مصادر غير رسمية بنقل أيمن، إلى مستشفى العباسية لمعاناته من اضطرابات نفسية، وأنهم حاولوا مراراً طوال تلك الفترة زيارته، ولكن المستشفى رفض وطلب تصريحاً من النائب العام، ولكنه طوال الشهرين الماضيين لم يكن له أي وجود على الورق بالنيابة، لذا لم يستطيعوا الحصول على مثل ذلك التصريح.

حاول عمر الاتصال بكل من يمكنه المساعدة للتأكد من صحة المعلومات، وذهب أخيراً إلى مستشفى العباسية للاستعلام عن شقيقه، في التاسع من نيسان/ أبريل، وأطلعته إدارة المستشفى على كشوف الأسماء والجثامين بثلاجة المستشفى، ولكنه لم يجده بينهم. 

محاولة لترهيب الجميع

فوجئ عمر، بمكالمة من أحد أفراد الأمن مساء اليوم ذاته الذي زار فيه المستشفى، يخبره بوفاة أيمن هناك، ويطالبه بالذهاب إلى المستشفى لاستلام جثمانه.

صديق مقرب للراحل أيمن هدهود، قال لـ”درج”، إن مقتل صديقه بعد احتجازه لأكثر من شهرين يحمل رسالة لترهيب الجميع، إذ كان عضواً بالهيئة العليا لـ”حزب الإصلاح والتنمية” ومستشاراً اقتصاديا لرئيس الحزب محمد أنور السادات، والمعروف عنه وساطته لإخلاء سبيل بعض المعتقلين والمختفين قسراً… ولكن ذلك لم يكن كافياً لحمايته. 

نعى “حزب الإصلاح والتنمية” ورئيسه وقياداته، عضو هيئته العليا، أيمن هدهود، ووصفه البيان بأنه مثال لحسن الخلق، وكادر نشط من كوادر الحزب، ونال الحزب انتقادات واسعة لخلو البيان من أي مطالبات بمحاسبة المتسبب بقتله أو إخفائه. 

ولكن عمر، شقيق هدهود، قال إن محمد أنور السادات، تدخل لإعلان ظهور أيمن، قبل محاولة دفنه في مقابر الصدقة كمجهول هوية، لتنتهي قصته دون معرفة مصيره، برغم أنه كان يحمل البطاقة الشخصية وعنوانه معروف، وبرغم اعتراف الداخلية لاحقاً بالقبض عليه. 

أشارت النيابة العامة، إلى أنها استدعت عمر هدهود، لسماع شهادته، بعد رصد تصريحاته عن وجود شبهة جنائية في وفاة شقيقه، ولكنه لم يمتثل للقرار. 

مطالبات بتحقيقات شاملة

طالبت السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة “المجلس القومي لحقوق الإنسان” بضرورة شمول تحقيقات النيابة العامة كل ما أثير حول تعرض الدكتور أيمن هدهود للاختفاء القسري قبل وفاته. 

وأضافت أن المجلس اطلع على بيان وزارة الداخلية، وهو في انتظار نتائج تحقيقات النيابة العامة في ضوء قرار تشريح الجثمان لاستبيان حقيقة الأسباب التي أدت للوفاة، والتحقق مما إذا كان شبهة جنائية، وأن المجلس يتابع عن كثب تحقيقات النيابة العامة بشأن وفاة الدكتور أيمن هدهود. 

كما دعا “الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي”، السلطات بالإعلان بكل شفافية عن التفاصيل التي أدت إلى وفاة الدكتور أيمن هدهود، معتبراً أن ما تم نشره في بيان مقتضب على لسان مصدر أمني بوزارة الداخلية يثير الشكوك حول ملابسات اختفائه أكثر مما يعطي إجابات. 

دفنت عائلة أيمن وأصدقاؤه جثمانه وتركوه راقداً في مدافن العائلة، بانتظار أن تتحقق العدالة…

إقرأوا أيضاً: