fbpx

مصر: وقائع عن مقتل أيمن الهدهود
وعن حماية المرتكبين 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

غرائب وعجائب كثيرة اكتشفتها أسرة أيمن هدهود خلال رحلة البحث عن أيمن، لكنها ليست جديدة على المصريين خلال السنوات الأخيرة، إذ بات الاختفاء القسري والتعذيب والقتل شيئاً يكاد يكون عادياً بالنسبة إلى أجهزة الأمن المصرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منتصف شباط/ فبراير الماضي، أجرى عمر هدهود شقيق الباحث والمستشار الاقتصادي لرئيس “حزب الإصلاح والتنمية” وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان محمد أنور السادات، مكالمة هاتفية مع الأخير، لإبلاغه باختفاء شقيقه وتوصلهم إلى معلومات أولية تفيد بأن قوات الأمن الوطني تحتجزه. أقنع السادات هدهود بعدم تصعيد الأمر إعلامياً، حتى يتمكن من التوسط لإخراج شقيقه بسلام. 

كانت البداية مساء 5 شباط، عندما اختفى أيمن هدهود بعدما غادر منزل شقيقه إلى شقته في مصر الجديدة، ولم يعلم أحد إن قُبض عليه من الشارع أم داخل شقته حيث يقيم بمفرده، لكن هاتف أيمن المغلق دائماً أثار قلق أخيه الذي ترجمه إلى أمر طارئ، ليس بينها القبض عليه إطلاقاً، قبل أن تفاجأ الأسرة الآن باتصال هاتفي من أحد ضباط قسم شرطة مدينة نصر ثان، يطالبها باستلام جثة أيمن من مستشفى الأمراض النفسية والعصبية.

من الاختفاء إلى مقابر الصدقة 

63 يوماً من القلق والعناء والشقاء خاضتها أسرة هدهود كي تتوصل إلى مكان أيمن، قبل أن تنتهي الرحلة بصاعقة وفاته داخل مستشفى أمراض نفسية، لكن الرحلة لم تنته بعد إذ تستعد الأسرة لخوض رحلة جديدة لأجل الاقتصاص لأيمن، بعدما حاولت الجهات الرسمية التغطية على الموضوع والتصريح بدفن الجثمان داخل مقابر الصدقة، باعتباره مجهول الهوية، قبل أن يعترض شقيقه ويتهم الأمن الوطني بقتله بعدما رأى آثار تعذيب على جسد شقيقه، لتقرر النيابة العامة تشريح الجثمان للوقوف على سبب الوفاة. 

غرائب وعجائب كثيرة اكتشفتها أسرة أيمن هدهود خلال رحلة البحث عن أيمن، لكنها ليست جديدة على المصريين خلال السنوات الأخيرة، إذ بات الاختفاء القسري والتعذيب والقتل شيئاً يكاد يكون عادياً بالنسبة إلى أجهزة الأمن المصرية، حين تشك بأن أحدهم معارض أو يشكك في مسار الجمهورية الجديدة التي يروج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لها.

 

من هو أيمن هدهود؟

هدهود هو محلل اقتصادي ليبرالي بارز، عمره 42 سنة، تخرج في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية، حصل على ماجستير في إدارة الأعمال، ثم عمل مراقباً مالياً في الجامعة الأميركية، وعمل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة لمحاربة الفساد والرشوة.

وهو أحد مؤسسي “حزب الإصلاح والتنمية” الذي ترأسه البرلماني السابق وعضو المجلس القومي لمجلس حقوق الإنسان محمد أنور السادات. خاض انتخابات مجلس النواب عام 2010 في دائرة الزيتون أمام زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية المصري سابقاً وعضو “الحزب الوطني الديموقراطي”، لكنه خسر المعركة أمام عزمي. 

البرنامج الانتخابي الذي خاض به أيمن الانتخابات ضد أحد أباطرة الحزب الوطني الحاكم قبل ثورة يناير، زكريا عزمي، كان اقتصادياً في المقام الأول، وكان يستهدف تكوين فريق مهمته إيجاد فرص عمل مجزية للشباب، ومساعدتهم على إقامة مشروعات صغيرة والحصول على تمويلات لها، وتكوين جمعيات إسكان تعاوني لتوفير شقق للشباب، وبعض الاهتمامات الاقتصادية الأخرى التي تشغل الشباب. 

قضية ضد رئيس البرلمان 

أيمن هو أحد الباحثين الذي أعدوا التقارير الخاصة بقضية شراء رئيس مجلس النواب علي عبدالعال السابق، 3 سيارات بمبلغ قدره 18 مليون جنيه، والتي تسببت في الإطاحة بمحمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح- الذي شارك أيمن في تأسيسه- من البرلمان حينها. 

جولة داخل الحسابات الشخصية لأيمن هدهود على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف نقده الموضوعي الذي لا يرتقي لرتبة الهجوم أو التهكم من سياسات الدولة الاقتصادية والمالية وأحياناً الاجتماعية، وكان يركز بشكل رئيسي على الأوضاع السياسية الإقليمية لدول المنطقة.

سلطت بعض آرائه الضوء على الفرص الاقتصادية القوية التي بإمكان مصر أن تستغلها مستقبلاً، وكان أحدها عن قدرة مصر على التحول إلى العمل بالطاقة النظيفة، وخلق قطاع اقتصادي جديد ومستدام يعيش على تقنيات وحلول الطاقة النظيفة، ونشر بعض النماذج لاستغلال أسطح المباني في توليد طاقة كهربائية عبر ألواح الطاقة الشمسية. 

رحلة الـ63 يوماً… والسادات يُطالب الأسرة بالصمت 

بين اختفاء أيمن والوصول إلى جثته رحلة مريرة عاشها شقيقاه طوال 63 يوماً، عمر وعادل، بدأت 9 في 9 شباط الماضي بعد اختفائه بأيام، بحضور أمين شرطة من قوة قسم مدينة نصر، إلى عنوان الأسرة المدون داخل بطاقة أيمن الشخصية، طالبها خلالها بأن يأتي معه أحد أفرادها لاستلام أيمن من مقر جهاز الأمن الوطني في الأميرية، وهناك استجوب ضابطا شرطة عادل شقيق أيمن، حول طبيعة عمل أيمن، ومع من يعمل، وعن منشوراته على السوشيل ميديا، وبعض الأمور العائلية والعلاقات التي تجمعه بأصدقائه، وفي النهاية طلب منه الضابط المغادرة من دون أيمن، وأخبره أن شقيقه سيغادر مقر الجهاز خلال أيام… ومع عدم خروج شقيقه بعد يومين زار عادل مقر الجهاز مجدداً ليفاجأ بطرده من الجهاز، وبعدها تواصلت أسرته مع عدد من المعارف والأصدقاء لمساعدتهم، كان بينهم صديق أيمن محمد أنور السادات، والذي نصحهم بعدم إثارة الأمر إعلامياً، حتى يتمكن من التوسط وإخراجه بسلام. 

محمد أنور السادات هو مؤسس “حزب الإصلاح والتنمية”، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، ونائب برلماني سابق، وهو ابن عم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، يلعب دوراً سياسياً بارزاً حالياً، فقد دشن مبادرة الحوار الدولي المستقلة المعنية بالتوسط لدى الدولة لإطلاق سراح سجناء حرية الرأي والتعبير، كما أنه أحد المروجين للاستراتيجية الوطنية الجديدة لحقوق الإنسان، التي أطلقها السيسي لتحسين صورته أمام الغرب. 

وفقاً لأسرة هدهود، تقدم السادات ببلاغ للنائب العام ووزير الداخلية ورئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، وبالتوازي مع محاولاته طالب الأسرة بعدم تكبير القضية إعلامياً.

مستشفى الأمراض النفسية 

توصلت الأسرة إلى أن أيمن نقل إلى مستشفى الأمراض النفسية في العباسية، في النصف الثاني من فبراير الماضي، لمعاناته من بعض الاضطرابات النفسية، غير أن المستشفى أبلغت شقيقه أن اسم أيمن غير مدرج بكشوفات المستشفى، عندما ذهب إليها لرؤية شقيقة، ونصحه طبيب بأن أخوه قادم عن طريق جهة أمنية تحت الملاحظة، وعليه أن يحصل على تصريح من النيابة العامة حتى يتمكن من رؤيته، وعندما ذهب شقيقه إلى النيابة للحصول على تصريح، كان رد النيابة أنه لا توجد قضية، وبالتالي لا يمكنهم إعطاءه تصريح. 

آثار تعذيب على جثمان هدهود 

محاولات الأسرة المتعددة زيارة أيمن، قطعتها المكالمة الهاتفية التي أخبرت شقيقه بضرورة الذهاب إلى المستشفى لاستلام جثته، بعدها اكتشفت الأسرة أن النيابة أصدرت تصريحاً بدفن جثة أيمن داخل مقابر الصدقة، باعتباره مجهول الهوية، برغم أن بطاقته الشخصية كانت بحوزته وقت اختفائه، ورفض شقيقه استلام التصريح. 

مصدر مقرب من أسرة هدهود، أكد أن شقيقه عمر عاين جثة أيمن وتأكد من هويته، وفوجئ بآثار تعذيب واعتداء على جسد شقيقه، علاوة على أنه فوجئ بطول شعر ذقنه، وهو شيء غريب عليه، لأن أيمن كان يحلق ذقنه يومياً، وبالتالي اشتبه بأن أخيه قتل من التعذيب.

صوّر عمر هدهود جثمان شقيقه أيمن وآثار التعذيب بادية عليه، قبل أن يلاحقه أمن المستشفى ويأخذوا منه الهاتف ويحذفوا الصور، خوفاً من انتشارها على السوشيل ميديا، وأمام مطالب أسرة المتوفى قررت النيابة أخيراً تشريح الجثة للوقوف على ملابسات الوفاة. 

تضارب الروايات الرسمية 

تتضارب روايتا الداخلية والنيابة العامة، حول أسباب القبض على أيمن هدهود، وفور انتشار نبأ وفاته على السوشيال ميديا، حاولت وزارة الداخلية تكذيب الرواية، وقالت في بيان إنه “بتاريخ 6 شباط 2022 أبلغ حارس أحد العقارات في منطقة الزمالك في القاهرة بوجود المذكور (أيمن هدهود) داخل العقار، وأنه حاول كسر باب إحدى الشقق، وأتى بتصرفات غير مسؤولة”، مضيفة: “تم اتخاذ الإجراءات القانونية في حينه، وإيداعه بأحد مستشفيات الأمراض النفسية بناءً على قرار النيابة العامة”.

وكشف شقيق هدهود، أن رئيس نيابة مدينة نصر ثان أخبره أن شقيقه أيمن كان متهماً بالشروع في سرقة سيارة، وقال مصدر داخل مستشفى الأمراض النفسية في العباسية، أنه متهم بسرقة سيارة في السنبلاوين، وفقاً للمدون في دفاتر المستشفى.

الدولة لا تُحاسب الضباط 

وكشف محامٍ حقوقي، فضل عدم ذكر اسمه، أن حماية الدولة الضباط المتهمين في قضايا التعذيب هو ضمانة لهم لاستمرار أعمال التعذيب غير الآدمية والتي تتسبب في وفاة الضحايا في النهاية، وبالتالي تصبح الدولة شريكة في تغليب ثقافة الإفلات من العقاب، وتساعد على استمرار هذا النوع من الجرائم. 

وأضاف المحامي، أن الدستور المصري ينص في مادته 52، على أن “التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم”، ويشير في مادته 99 إلى أن “كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حُرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر”.

إقرأوا أيضاً: