fbpx

“باندورا – روسيا”:  كيف ساعدت “برايس ووترهاوس كوبرز” قطب الفولاذ الروسي في توسيع إمبراطوريته؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تكشف الوثائق المسربة كيف ساعدت ثاني أكبر شركة محاسبة في العالم  أليكسي مورداشوف، ليصبح أغنى رجل في روسيا بحلول 2021، بثروة صافية بلغت 29 مليار دولار، وفقاً لتقديرات مجلة “فوربس”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل أقل من عقدين، أدرجت مجلة “فوربس” قطب صناعة الصلب الروسي أليكسي مورداشوف -إلى جانب أوبرا وينفري وأحد مؤسسي شركة “ريد بول”-  ضمن “الوافدين الجدد” على عالم أصحاب المليارات. كان وقتها رجل أعمال غير معروف في الـ37 من عمره. وقد وصفته المجلة حينها بأنه “عصامي”.

والآن، تكشف الوثائق المسربة كيف ساعدت ثاني أكبر شركة محاسبة في العالم  أليكسي مورداشوف، منذ ذلك الحين، ليصبح أغنى رجل في روسيا بحلول 2021، بثروة صافية بلغت 29 مليار دولار، وفقاً لتقديرات مجلة “فوربس”.

كانت شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” بجانب قطب صناعة الصلب (الفولاذ) منذ أن حقق أول مليار دولار في مسيرته في مطلع الألفية، وكانت في طليعة العشرات من شركات المحاسبة والمحاماة الغربية التي سارعت بحماسة إلى تقديم خدماتها لطبقة الأوليغارشية الروسية (أي الشخصيات الثرية المقربة من السلطات الروسية) التي ازدهرت في عهد بوتين.

ساعدت “برايس ووترهاوس كوبرز” شركة قابضة لها صلات بِمورداشوف، من أجل إنشاء وإدارة أكثر من 65 شركة وهمية في جزر فيرجن البريطانية وغيرها من الملاذات والولايات القضائية التي تلتزم بالسرية، وفقاً لما جاء في “وثائق باندورا” التي نجح “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” في الحصول عليها.

تظهر وثائق باندورا والوثائق المسربة الأخرى التي راجعها ونشرها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” أن مورداشوف استغل شبكة شركات “الأوف شور” هذه للاستثمار في شركات أوروبية- داخل روسيا- والتوسع في أعماله لتشمل مجالات أخرى غير صناعة الصلب، والاستحواذ على حصص كبيرة في قطاعات الفحم وقطع الأشجار والإعلام. 

تُظهر السجلات السرية أيضاً أن شركات “الأوف شور” هذه شاركت في صفقات ترتب عليها تدفق مبالغ طائلة حول العالم بطرق مشبوهة وغامضة. يتضمن ذلك أربع صفقات على أقل تقدير شارك فيها أحد المساعدين المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، وهي صفقات تثير تساؤلات حول مزاعم مورداشوف بأنه لا تربطه علاقات وطيدة ببوتين.

توضح وثائق باندورا المسربة، التي تشتمل على ما يزيد عن 11.9 مليون سجل مالي سري حصل عليه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، كيف ساعدت الشركة القبرصية التابعة لـ”برايس ووترهاوس كوبرز” مورداشوف في  تأسيس الهياكل الأساسية لِإمبراطوريته التجارية خارج البلاد.

ساعده المستشارون أيضاً هو وزوجته، مارينا مورداشوف، في تسجيل شركات وهمية بهدف امتلاك يخت رياضي يبلغ طوله 213 قدماً وطائرة بومباردييه فاخرة. وفي أوقات الأزمات، مثل مجموعة العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على الشخصيات والشركات الروسية ذات النفوذ، ساعدتهما الشركة من أجل إعادة هيكلة ملكية شركاتهما الوهمية.

تتبع معظم هذه الشركات مجموعة “يونيفيرم” Unifirm، وهي شركة يملكها مورداشوف في قبرص، الملاذ  الخارجي المفضل لكثير من الأثرياء الروس.

إقرأوا أيضاً:

مورداشوف هو واحد من الطبقة الأوليغارشية الروسية الآخذة في التكاثر، التي فرض الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عقوبات على أفرادها عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022.

وقد ساهمت الحرب في تقليص صافي ثروته، شأنه شأن بقية الأوليغارشيين الروس. فعندما نشرت مجلة “فوربس” قائمتها السنوية الأخيرة لأصحاب المليارات، قدَّرت المجلة صافي ثروته بنحو 13 مليار دولار، أيّ أنها انخفضت بمقدار 16 مليار دولار تقريباً عن العام الماضي. وهو ما أدى إلى تراجعه إلى المركز الخامس في قائمة أغنى الأفراد في روسيا.

في حين احتل فلاديمير ليسين -وهو أحد أقطاب صناعة الصلب أيضاً- المركز الأول في قائمة أصحاب المليارات الروس، بثروة صافية بلغت 18.4 مليار دولار. لكن يعتقد بعض المراقبين أن بوتين -الذي لا يعرف أحد مقدار ثروته الحقيقية- هو أغنى رجل في روسيا.

تعد شركة مورداشوف الرئيسية،”سفرستال”،  أكبر شركة للصلب (الفولاذ) في روسيا. وتفتخر الشركة بتصنيع الصلب المدرع لِغواصات وسيارات الجيش الروسي المصفحة. مع ذلك، أنكر مورداشوف مراراً قربه من بوتين.

فقد قال في مقابلة عام 2018 مع قناة “بلومبيرغ” التلفزيونية، “أنا رجل أعمال مستقل في القطاع الخاص، ولا علاقة لي بالحكومة”.

لم يجب مورداشوف على أسئلة “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” بشأن هذا التقرير.

تعد شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” واحدة من الشركات الرائدة عالمياً التي تلعب دوراً مهماً في تمكين الأشخاص فاحشي الثراء وأصحاب الصلات السياسية من مضاعفة ثرواتهم وتفادي التدقيق في مصادرها. يظهر تحقيق أجراه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في 2020 كيف أن الشركة عملت لصالح إيزابيل دوس سانتوس، ابنة رئيس أنغولا السابق المتهم باختلاس الأموال العامة، متجاهلة كل الثغرات في حسابات شركاتها التي جنت ملايين الدولارات من صفقات تمت الموافقة عليها بواسطة والدها. وقال بوب موريتز الرئيس العالمي للشركة إنه شعر “بالصدمة وخيبة الأمل” عقب الكشف عن معلومات تتحدث عن تقديم شركته المشورة لشركات مملوكة لدوس سانتوس.

دائماً ما كانت روسيا هي السوق المفضلة لشركة “برايس ووترهاوس كوبرز” في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

خلال السنوات التي سبقت الحرب في أوكرانيا، ذكرت شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” أن الشركة التابعة لها في روسيا عملت مع أكثر من ألفي شركة تجارية روسية، من بينها 124 شركة كبرى يشكل مجموع إيراداتها ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي الروسي. ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن هذه الشركات تتضمن: شركة “غازبروم”، عملاقة الطاقة التي توصف بأنها “أداة بوتين الجيوسياسية”، وبنك “سبيربنك”، أكبر مصرف عالمي مملوك للدولة في روسيا، وشركة “سيبو”، عملاقة البتروكيماويات المملوكة لكيريل شامالوف، صهر بوتين السابق.

وفي معرض ردها على الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلنت الشركة أن الفرع التابع لها في روسيا لن يكون جزءاً من شبكتها العالمية بعد الآن، وأن فروعها خارج روسيا سوف “تتوقف عن المشاركة في أيّ عمل لمصلحة أيّ كيانات روسية خاضعة للعقوبات، سواء أكانت شركات أم أفراد.

تظهر وثائق باندورا أن فروع الشركة خارج روسيا كانت تساعد الأوليغارشية المقربين من بوتين من أجل إدارة ثرواتهم وحمايتها، مثلها مثل الفروع الموجودة داخل روسيا تماماً.

بل إن الفرع التابع لها في سنغافورة كان مسؤولاً عن مراجعة الحسابات الخاصة بصندوق استثمارات كيريل أندروسوف -مساعد سابق لبوتين-  وأيضاً حسابات شركة نفط مقرها لندن استثمر صندوق أندروسوف فيها، مثلما تُظهِر الوثائق المسربة.

راجعت “برايس ووترهاوس كوبرز” جزء من حسابات الأعمال العقارية الخاصة بالملياردير أوليغ ديريباسكا، حليف بوتين الذي جرى التحقيق معه بشبهة الضلوع في جرائم مالية في بلجيكا وأسبانيا واليونان والولايات المتحدة. وعام 2017، قبل أشهر فحسب من فرض الولايات المتحدة عقوبات على ديريباسكا، ساعده فرع الشركة في قبرص هو وطفليه من أجل الانتفاع بنظام “التأشيرة الذهبية” الخاصة بدول البحر المتوسط والحصول على جواز سفر قبرصي -وحقوق المواطنة في الاتحاد الأوروبي- من خلال استثمار 3 ملايين دولار في القطاع العقاري في البلاد، وفقاً لما جاء في تقرير حكومي حصل عليه “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” ضمن تحقيقات “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد”.

نفى ديريباسكا ارتكاب أيّ شيء غير مشروع ولم توجه إليه أيَّ تهم. 

لم يجب محاميه عن أسئلة وجهها له “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” بهذا الشأن.

في 2021، أخبر مدير في شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” لجنة حكومية قبرصية أنه على مدار العقد الماضي ساعدت الشركة 217 ثري أجنبي ليصبحوا مواطنين أوروبيين من خلال نظام “التأشيرة الذهبية”، لكنه نفى تعامل الشركة مع أيّ “شخصيات سياسية، وفقاً لما جاء في تقرير اللجنة.

وقال ديفيد ويبر، وهو أستاذ في المحاسبة وخبير في الجرائم المالية في جامعة “سالزبوري” في ماريلاند، إنه على المحاسبين المختصين التأكد من أنهم لا يساعدون عملاء متورطين في صفقات تجارية مشبوهة أو عملاء يستفيدون من علاقتهم بأنظمة وحكومات فاسدة.

مضيفاً، “نضع- نحن العامة- ثقتنا في أولئك المختصين ليكونوا حراساً للمبادئ ويبادروا بفعل الصواب. لذا عليهم التدقيق في حسابات عملائهم قبل مساعدتهم على المشاركة في غسيل الأموال واختلاس المال العام”.

لم تجب شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” على الاستفسارات التي وجهها إليها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”.

في تصريح أُرسل عبر البريد الإلكتروني، كتب متحدث باسم الشركة أن “برايس ووترهاوس كوبرز” تعكف حالياً على قطع علاقتها مع الكيانات والأفراد الخاضعين لعقوبات، والهيئات التي يديرها أفراد مشمولون بالعقوبات”.

وأضاف أن الأعمال التي قدمتها الشركة لعملائها “تتفق مع القوانين واللوائح المعمول بها، وتتماشى أيضاً مع المعايير الداخلية للشركة نفسها”. 

تكشف الوثائق المسربة كيف ساعدت ثاني أكبر شركة محاسبة في العالم  أليكسي مورداشوف، ليصبح أغنى رجل في روسيا بحلول 2021، بثروة صافية بلغت 29 مليار دولار، وفقاً لتقديرات مجلة “فوربس”.

الدبابة

أصبح مورداشوف- الذي ولد لأبوين يعملان في النجارة من مدينة تشيربوفتس الواقعة في شمال روسيا- الرئيس التنفيذي لشركة “سفرستال” وهو في الحادية والثلاثين من عمره. يتميز مورداشوف بأسلوب صارم لا تزعزع فيه، ويُلقبه البعض “بالدبابة”.

عام 2003، أسس الملياردير الشاب شركة في قبرص ستعرف فيما بعد باسم مجموعة “يونيفيرم”، التي تتربع على قمة شبكة الشركات التي أسستها في الخارج.

عَمل مستشارو شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” في مكتب قبرص بالتنسيق مع شركة “ترايدنت تراست”، المختصة في تأسيس الشركات في جزر فيرجن البريطانية، وذلك لمساعدتهم في فتح شركات وهمية تابعة لمجموعة “يونيفيرم” ولِإبقاء تلك الشركات قيد العمل.

كان الترتيب- الذي يتضمن “خليطاً” من شركات فرعية في جزر فيرجن البريطانية وشركة قبرصية رئيسية تعمل في روسيا وبلدان أوروبية أخرى- معتاداً بالنسبة إلى الشركات الروسية التي ترغب في خفض فواتيرها الضريبية من خلال الاستفادة من الاتفاقيات القائمة بين الحكومات الروسية والقبرصية وجزر فيرجن البريطانية.

خلال المراحل المختلفة، استحوذت الشركات التابعة على حصص في شركات أخرى تمتلك مصانع صلب أميركية وقنوات تلفزيونية روسية ووكالة سفريات ألمانية ومصانع لتجهيز الأخشاب.

عام 2006، لفت مورداشوف أنظار العالم عندما أعلن أنه يحاول إتمام أول عملية استحواذ على شركة أجنبية من قِبل تكتل روسي، وهي صفقة تمت بمباركة بوتين واحتفى بها اليكسي كودرين، وزير المالية الروسي آنذاك.

لم تنجح محاولة مورداشوف من أجل الاستحواذ على تلك الشركة المصنعة للصلب في لوكسمبورغ. لكن هذه الخطة الطموحة دعمت صورته بوصفه رجل أعمال تلقى تعليمه في المملكة المتحدة ومنفتح على التعامل تجارياً مع الغرب. في ذلك الوقت، وصف مورداشوف التقارير التي تتحدث عن علاقة الصداقة التي تربطه ببوتين بأنها “مبالغة كبيرة”، لكن برغم ذلك، أعلنت  إمؤسسات علامية أوروبية أنه كان حريصاً على البقاء في وفاق مع بوتين.

تشير المراجعة التي أجراها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين لوثائق باندورا أن شركات “الأوف شور” في إمبراطورية مورداشوف التجارية قد ساهمت في نقل عشرات الملايين من الدولارات إلى شركات مرتبطة بواحد من أعضاء الدائرة المقربة من بوتين: وهو سيرجى رولدغين، عازف التشيلو وأحد أصدقاء بوتين القدامى. 

يصف تحقيق “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” الخاص بـ”وثائق باندورا” سيرجي رولدغين بأنه طرف فاعل في شبكة سرية يديرها شركاء بوتين ومساعدوه، والتي ساهمت في تدفق ما لا يقل عن ملياري دولار عبر البنوك وشركات “الأوف شور”. وكثيراً ما لجأ هؤلاء المساعدون والشركاء إلى التعامل بقروض مشكوك فيها تمت الموافقة عليها دون ضمان ودون وجود جدول زمني للتسديد. 

تظهر وثائق باندورا أنه في عام 2007، قدمت واحدة من مجموعة شركات “الأوف شور” المملوكة لِمورداشوف، وهي شركة “ليفنز ترادينغ”، قرضاً يقدر بـ 6 مليون دولار إلى شركة في جزر فيرجين البريطانية مملوكة لِرولدغين. وتشير وثيقة ضمن السجلات المسربة أنه فيما بعد، أُسقط هذا الدين مقابل دولار واحد فقط.

بموجب عدة عقود خاصة بتقديم “خدمات استشارية” في 2009 و2010، قامت شركتان وهميتان بدفع 30 مليون دولار لهيئة يديرها ألكسندر بليكوف -أحد شركاء رولدغين- مقابل معلومات عن “فرص الاستثمار في الاتحاد الروسي” و”قوانين الضرائب وتشريعات العملة الأجنبية في قبرص”. تكشف وثائق باندورا أن تلك الشركات الوهمية كانت جزءاً من مجموعة “يونيفيرم” المملوكة لِمورداشوف.

راجع ويبر، الخبير في المحاسبة الجنائية، الوثائق التي تتناول الدين البالغ 6 ملايين دولار والعقود التي تقدر بـ30 مليون دولار، بناءً على طلب من الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين. وقال إنه عندما يتولى الأشخاص أنفسهم إدارة عدة شركات، فإن معدل الفائدة المنخفض والصيغة المبهمة للعقود الاستشارية تثير شكوكاً عن مدى شرعية هذه المعاملات.

في أواخر عام 2010، وضعت شركة “دولستون فينتشرز”- شركة وهمية أخرى ضمن مجموعة “يونيفيرم” المملوكة لِمورداشوف- 830 ألف دولار في حساب شركة مرتبطة برولدغين، وهي شركة يصفها تحقيق “وثائق باندورا” الذي أجراه “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” بأنها الدعامة الرئيسية لشبكة بوتين المالية بأكملها.

وردت تفاصيل هذه المعاملة المالية، التي اتضح أن الهدف منها هو سداد مبالغ خاصة بعقد إقراض يعود لعام 2008، في “وثائق فنسن”، وهي ملفات مسربة تتضمن أكثر من 2600 وثيقة من سجلات مصرفية سرية قدمها موظفون في قسم الامتثال المصرفي وحصل عليها موقع “بازفيد نيوز”، الذي شاركها بدوره مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين.

تقدم وثائق “فنسن” تفاصيل أيضاً عن معاملة أخرى لفتت أنظار موظفي إدارة الامتثال وتتضمن شركة مورداشوف الرئيسية: “سفرستال”. 

على مدار أسبوعين من شهر تموز/ يوليو 2013، أرسلت شركة وهمية في المملكة المتحدة، تعرف باسم “ستايل ماكس” -وهي شركة تضامنية محدودة المسؤولية- أربع تحويلات إلكترونية بلغ مجموعها نحو 1.2 مليون دولار إلى شركة “سفرستال” في روسيا، وفقاً لما ورد في تقرير مصرفي. لاحقاً، ذكر موظف في قسم الامتثال في بنك “بي إن واي ميلون”، المصرف المراسل الذي عالج التحويلات الإلكترونية، في تقريره أن التحويلات “مثيرة للشبهات”، لأن الشركة الكائنة في المملكة المتحدة حققت مبيعات بلغت 24 ألف دولار عام 2012 وحده. 

وجد تحليل أجراه “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” لسجلات المملكة المتحدة والوثائق المسربة أن ملكية شركة “ستايل ماكس” قد تغيرت وأن الشركة مملوكة لأفراد قال المحققون الدوليون إنهم مرتبطون بثلاث قضايا جنائية على الأقل.

وقال غراهام بارو، وهو خبير في مكافحة غسيل الأموال من المملكة المتحدة، إن حساب شركة “ستايل ماكس” هو على ما يبدو “حساب تمويل عام” لنقل الأموال.

وأخبر بارو “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” أن “السبب الوحيد الذي يجعلك تستخدم حساب مثل حساب شركة “ستايل ماكس” هو تمويه مصدر هذه الأموال”. مضيفاً أن هذا “حساب غسل أموال تقليدي”.

لا تزودنا الوثائق المسربة بمعلومات عن علاقة شركة “ستايل ماكس” بشركة “سفرستال” وسبب هذه التحويلات.

وقال متحدث باسم شركة “سفرستال” إنه “كان يلتزم على الدوام بالقوانين الروسية والدولية خلال ممارسته لأنشطته في روسيا وخارجها”.

إقرأوا أيضاً:

شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” في المنتصف

مع توقيع شركات مورداشوف عقوداً مع هيئات وكيانات مرتبطة برولدغين وتلقيها أموالاً من مصادر مجهولة، أخذت إمبراطورية الصناعة في الخارج تتوسع بمساعدة مستشاري شركة “برايس ووترهاوس كوبرز”.

ففي خطاب أُرسل في عام 2008 إلى شركة “ترايدنت تراست”، التي تقدم خدمات لشركات “الأوف شور”، قال مدير مكتب شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” في قبرص إن شركة المحاسبة تعمل مع مورداشوف منذ ست سنوات وتثق به. مضيفاً، “نعرف أنه شخص نزيه وصادق وحسن السلوك”.

كانت إحدى شركات مورداشوف الوهمية -التي ساعدت شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” في إدارتها- تسيطر على شركة “سفرستال كولومبوس هولدنغز المحدودة”، التي يقع مقرها في الولايات المتحدة. كانت الشركة الأميركية- المسجلة بولاية ديلاوير- جزءاً من مجموعة “سفرستال” في أميركا الشمالية، والتي تمتلك مصانع للصلب في ولاية ماريلاند وولايات أخرى.

بيعت ثلاثة من هذه المصانع في بداية الأزمة المالية لعام 2008، وسرعان ما أصبحت عبئاً على التكتل الروسي؛ ففي المصنع الواقع في سباروز بوينت بالقرب من بالتيمور، أوقفت “سفرستال” مئات الوظائف، حيث اشتكى العمال من انتهاء العقود والمنشآت العتيقة.

وفي عام 2011، قررت “سفرستال” بيع عمليات مصنع سباروز بوينت مع منشأتين من منشآتها الأميركية المتعثرة لشركة “آر جي ستيل”، وهي شركة تصنيع حديد أميركية، ولكن نشأ نزاع قانوني بين الشركتين.

اتهمت “آر جي ستيل” “سفرستال” بأنها لم تكشف عن انتهاكات العقود وديونها مع البائعين والسقطات المحاسبية الأخرى، بما في ذلك ادعاء وجود ألواح صلب بقيمة 538000 دولار بجانب مخزون آخر اعتبرته “آر جي ستيل” عديم القيمة. نتيجة لذلك، ادعت “آر جي ستيل” أن سعر الشراء الأولي قد تضخم بمقدار 83 مليون دولار. من جانبها، أكدت “سفرستال” أن الفرق بين تقييم “آر جي ستيل” وسعر الشراء الأولي يرجع إلى الأساليب المحاسبية المختلفة التي استخدموها.

قررت الشركتان في نهاية المطاف حل المسألة أمام مُحكّم، وقد اتفقا على تحكيم شركة مألوفة هي: “برايس ووترهاوس كوبرز”.

يوضح خطاب الارتباط السري الذي فحصه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” راجعت عملها السابق مع الشركتين وخلصت إلى ما يلي: “لسنا على علم بأي مواقف تشكل- في رأينا- تضارباً في المصالح أو قد تؤثر على قرارنا كمُحكّم”.

وفي هذا الخطاب، كتبت “برايس ووترهاوس كوبرز” أنها قدمت المشورة لمجموعة “سفرستال” الأميركية بشأن بعض مطالبات التأمين. لكن ما لم يرد في الخطاب هو أن وحدتها القبرصية كانت تقدم خدمات على مدى عقد لأكثر من ستين شركة وهمية مرتبطة بمورداشوف.

وقال ويبر-خبير الجرائم المالية- إن “برايس ووترهاوس كوبرز” ربما انتهكت قواعد الأخلاق بشأن الموضوعية والاستقلالية، إذ لم تكشف عن النطاق الكامل لعملها مع رئيس “سفرستال”.

وقال إن شركة “آر جي ستيل” “كان من حقها معرفة ذلك”.

وفي عام 2013، حلت شركة أخرى محل “برايس ووترهاوس كوبرز” كمُحكّم في القضية، بعد استقالة شركة المحاسبة “بسبب تضارب في المصالح مع شركة “آر جي ستيل”، حسبما جاء في سجلات المحكمة. كان المُحكّم في الشركة الجديدة شريكاً سابقاً لشركة “برايس ووترهاوس كوبرز”.

تمكنت “سفرستال” و”آر جي ستيل” من حسم الأمر بعد ذلك بشهور؛ حيث وافقت الشركة الروسية على دفع 30 مليون دولار لشركة صناعة الصلب الأميركية، التي كانت قد أعلنت إفلاسها بالفعل في مايو/أيار 2012، بدعوى “تدهور” سوق الصلب.

“أم أطفاله”

عام 2014، غزت القوات الروسية شبه جزيرة القرم؛ حينها أعلن بوتين أنها جزء من روسيا، لكن القوى الغربية الكبرى لم تصمت.

ففرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولٌ أخرى قيوداً مالية على بعض البنوك المفضلة لدى الكرملين؛ كان أحدها “بنك روسيا”.

لا تزال “مجموعة سيفر – Severgroup” التابعة لمورداشوف -التي اشترت حصة في “بنك روسيا” عام 2003- واحدة من مساهمي البنك وتمتلك 5.825 في المئة من الأسهم، وفقًا لآخر بيان مالي متاح. تصف وزارة الخزانة الأميركية “بنك روسيا” بأنه “البنك الشخصي” للدائرة المقربة من بوتين.

عام 2014، كان من بين المساهمين في البنوك الأخرى: رولدوغين -عازف التشيلّو والأب الروحي لابنة بوتين الكبرى- ويوري كوفالتشوك -الملقب بـ”المصرفي الخاص” لبوتين- وسفيتلانا كريفونوتشيك؛ عاملة نظافة سابقة في أحد الفنادق تحولت إلى مليونيرة، وكانت لها علاقة رومانسية مع الرئيس، بحسب ما أفادت به منافذ إخبارية روسية مستقلة.

نفى البنك تأثير العقوبات على أعماله، قائلاً إن الإجراء الأميركي- على وجه الخصوص- “لم يكن له تأثير كبير على الأوضاع المالية للبنك”.

ولم يوضع أي من أعمال مورداشوف على القائمة السوداء.

إلى أن جاءت الضربة الأولى لإمبراطوريته التجارية عام 2018، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الأفراد والشركات الروسية، لدورهم في تعزيز “النشاط الخبيث لروسيا حول العالم”، بما في ذلك التدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016، واحتلال شبه جزيرة القرم، ودعم نظام الأسد في سوريا.

وفي مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ، قال مورداشوف إنه لم يكن يستعد لاحتمال أن ينتهي به المطاف في قائمة العقوبات؛ وقال “هل كنت أستعد لذلك حقاً؟” لأن الإعلان كان متوقعاً؛ وتابع قائلاً: “لم أفعل الكثير، لأنني لا أعرف ما يمكنني فعله”.

أثرت العقوبات في شركته “باور ماشينز” Power Machines، التي زودت مجموعة شركات روسية تعمل في شبه جزيرة القرم بتوربينات غازية.

كشفت وثائق باندورا أن مورداشوف لم يُعاقَب، ولكن استراتيجيته المعتمدة على الملاذات الخارجية قد تغيرت.

بعد نحو ثلاثة أشهر من إعلان العقوبات الأميركية عام 2018، أصبحت السيدة مارينا مورداشوفا -التي وُصفت بأنها “شريكة حياته”- مالكة شركة في جزر فيرجن البريطانية، وهي شركة “رانِل أسيتس المحدودة – Ranel Assets Ltd”. كان غرض الشركة هو “استثمار دخلها الذي تتحصل عليه في الأدوات المالية (الودائع، خيارات (التمويل)، العقود الآجلة) من أجل تحقيق مكاسبها على شكل فوائد”، وهذا النوع من الدخل مُعفى من الضرائب في جزر فيرجن البريطانية، أحد الملاذات الخارجية الرائدة في العالم.

ساعدت وحدة قبرص التابعة لشركة “برايس ووترهاوس كوبرز” -التي استمرت في مساعدة شركات مورداشوف الوهمية- مورداشوفا في جمع الأوراق اللازمة لفتح الشركة. وأظهرت السجلات المسربة أن موظفاً في “برايس ووترهاوس كوبرز” في قبرص أدرج اسمه وبياناته باعتباره الشخص المسؤول عن التواصل معها في “الوثائق الداعمة” لشركتها.

وكما تشير الملفات، بلغت قيمة أسهم مارينا مورداشوفا في “رانِل أسيتس” نحو 40 مليون دولار في ذلك الوقت. وقد كان مصدر الأموال هو مورداشوف، كما تشير الوثيقة التي ورد فيها أنها “أم أطفاله”.

كشفت وثائق باندورا أن مورداشوف لم يُعاقَب، ولكن استراتيجيته المعتمدة على الملاذات الخارجية قد تغيرت.

خارج نطاق الرقابة

ف شباط/ فبراير، فرض الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عقوبات على أليكسي مورداشوف للمرة الأولى، وجمدوا أصوله.

وأوضح المشرعون في الاتحاد الأوروبي القرار بالقول إنه يستفيد من “صلاته بصانعي القرار الروس”.

ومن جانبه نفى مورداشوف هذه المزاعم في بيان مكتوب، مضيفاً: “لا أفهم كيف ستساهم هذه العقوبات المفروضة ضدي في تسوية الصراع المروع في أوكرانيا”.

من ناحية أخرى، حجزت السلطات الإيطالية على يخته “ليدي إم” الذي تبلغ تكلفته 27 مليون دولار. ويخمن موقع SuperYacht Fan -موقع متخصص في تتبع اليخوت في جميع أنحاء العالم- بأن مورداشوف أطلق على القارب الذي يبلغ طوله 213 قدماً اسم شريكة حياته. كما كشفت “وثائق باندورا” أن اليخت- المسجل في جزر كايمان- كان مملوكًا لشركة وهمية في جزر فيرجن البريطانية أنشئت بمساعدة “برايس ووترهاوس كوبرز”.

كما صادرت السلطات الإيطالية فيلته الفاخرة التي تبلغ قيمتها 116 مليون دولار في سردينيا، وهي جزيرة جميلة في البحر المتوسط ​​حيث يقال إن الأوليغارش الروس يمضون عطلاتهم هناك.

أما يخته الضخم “نورد”- الذي تبلغ قيمته 500 مليون دولار وطوله 465 قدماً- فقد ظل راسياً بأمان في جزر سيشل.

إلا أن مورداشوف أُجبر على التخلي عن حصته في شركة التعدين “نوردغولد” وفي “تي يو آي”، وهي شركة ألمانية مساهمة عامة تمتلك فنادق ومنتجعات في جميع أنحاء العالم.

إذ حول سراً معظم حصصه في كلتا الشركتين إلى شريكته، مارينا مورداشوفا بقيمة إجمالية تتجاوز الـ 2.5 مليار دولار.

أما مجموعته “يونيفيرم” في قبرص فقد حصلت على مساهم جديد أيضاً، لكنها ظلت ضمن عائلة الشركات التي ترتبط بمورداشوف.

ففي آذار/ مارس، أعلن مورداشوف أنه نقل جزءاً من “يونيفيرم” إلى شركة “أونديرو المحدودة – Ondero Ltd”، إحدى شركاته في جزر فيرجن البريطانية.

تكشف وثائق باندورا أنه منذ عام 2018، خضعت “أونديرو” لسيطرة شركة مارينا مورداشوفا الصورية؛ “رانِل أسيتس”.

تظهر السجلات أن “أونديرو” أصبحت أيضاً مساهماً في شركة صورية من جزر فيرجن البريطانية مسؤولة عن تأجير طائرة “بومباردييه غلوبال 6000” بقيمة 37 مليون دولار. تظهر الملفات أن الشركة الصورية- التي كانت تخضع في السابق لسيطرة شركة تابعة لشريكها مورداشوف- كانت تُدار بمساعدة شركة “برايس ووترهاوس كوبرز”.

وبعد هبوطها في موسكو في 4 آذار، وفقاً لموقع إلكتروني يتتبع الرحلات الجوية الدولية، اختفت إشارة طائرة مورداشوف، وأضحت خارج نطاق المراقبة.

وكانت جزيرة مان قد ألغت تسجيل الطائرة مع 20 طائرة أخرى تخص الأوليغارشية الروسية.

إقرأوا أيضاً: