fbpx

العراق: كيف يمكن إنقاذ جواميس الأهوار من الجفاف؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مربو حيوان الجاموس في الأهوار يجدون في فكرة اسعاف الحيوانات بالزوارق تخفيفاً من الثقل الملقى على عاتقهم، إلا أنهم يجدونه غير كاف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ينطلق الطبيب البيطري كرار إبراهيم في الساعات الأولى من صباح كل يوم نحو أبعد نقطة من أهوار جنوب العراق، برفقة اثنين على متن زورق الإسعاف البيطري الذي استحدث لإجراء فحوصات دورية للمواشي، ضمن مشروع “حماية حيوان الجاموس من ضرر الجفاف”.

الإسعاف النهري البيطري أول مشروع من نوعه يستهدف بيئة الاهوار للحفاظ على الجواميس بالتزامن مع انخفاض منسوب المياه في الأهوار، مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وتقلص المساحات المغمورة نتيجة السياسة المائية المتبعة في دولتي المنبع تركيا وإيران، وتم اختيار اهوار الجبايش شرق الناصرية جنوب العراق لهذا المشروع لأنها تضم أكبر مسطح مائي على مستوى اهوار محافظات البصرة وميسان.

يتعرض حيوان الجاموس في هذه البيئة المائية لأمراض كثيرة أثناء موسم الجفاف إذ يسبب تراجع جودة المياه وزيادة المركزات الملحية فيها، فضلاً عن ركودها، بيئة حاضنة للأمراض. 

منطقة الاهوار ورغم دخولها ضمن لائحة التراث العالمي عام 2016، إلا أنها لم تشهد أي تحسن في الواقع البيئي الذي يلزم الدول المتشاركة مع العراق في مياه دجلة والفرات اللذين يغذيان العراق، بأن تكون هناك حصة مائية ثابتة للأهوار للحفاظ على الحياة التقليدية للسكان المحليين.

الطبيب كرار إبراهيم يصف زورقه الاسعافي بأنه الاضخم من بين زوارق الاهوار اذ يسع لأكثر من 6 أفراد مع غرفة صغيرة تضم الأدوات اللازمة لفحص المواشي، يتنقل مع القبطان ومرافق له وسط الجزر المائية في الاهوار أو “الجباشة”، ويعيش على هذه الجزر الأهالي مع مواشيهم من الجواميس، وتجرى الفحوصات الروتينية لهذا الحيوان الكبير الذي يتجاوز وزنه  800 كيلوغرام، ويتم تشخيص الأمراض المصاب بها وإعطاء النصائح في كيفية الحفاظ على هذه الثروة الحيوانية التقليدية.

الزورق الإسعافي بانتظار رفده بمعدات إضافية من جهاز السونار الشعاعي وبعض الأدوات الجراحية التي تستخدم للعمليات اذا تطلب الامر، ويتلقى الطبيب اتصالات هاتفية من بعض المربين لزيارتهم بشكل دوري.

هذا المشروع الطبي لم يكن فكرة حكومية بعدما كان الأمل يحدو السكان المحليين لنيل هذا الاهتمام من حكومتهم، بل جاء من “منظمة المناخ الأخضر العراقية” غير الحكومية المعنية بالشأن البيئي والمائي وبتمويل ورعاية من الحكومة الفرنسية لإحدى المنظمات التابعة لها المعنية بالخدمات البيطرية والزراعية، إذ تم تمويل المشروع بشكل أولي لإنشاء زورق مائي يكون كإسعاف نهري للخدمات البيطرية.

المدير الفني لـ”منظمة المناخ الأخضر” عمر الشيخلي يرى أن مستوى الضغط الذي تعرضت له الاهوار العراقية كبير نتيجة انخفاض المنسوب المائي فيها، “ما انعكس سلباً على حيوانها الأزلي الجاموس فهو بمثابة ركيزة أساسية في اقتصادات هذه البيئة وعنصر مهم يجب الحفاظ عليه فهو أحد أسباب بقاء الاهوار ضمن لائحة التراث العالمي ويعد معياراً مهماً من معايير اليونسكو في الحفاظ على الحياة التقليدية لعرب الاهوار”. ويؤكد الشيخلي ان نقل الجواميس من عمق الاهوار إلى المركز الطبي داخل المدينة يستدعي قارباً كبيراً ومسافة بعيدة تتجاوز الـ10 كيلومترات وهذا يكلف المربي مبالغ ليست بالقليلة.

إقرأوا أيضاً:

ويكمل الشيخلي أن الزورق الاسعافي تم تصميمه ليس للوصول الى المناطق البعيدة في الاهوار فحسب، بل لنقل بعض الجواميس إلى المستشفى اذا تطلّب الامر اجراء عملية جراحية. فالقارب  يعد الأكبر حجماً من بين الزوارق الموجودة داخل المسطح المائي ويحمل معدات ومستلزمات ضرورية للطبيب المختص لفحص المواشي.

بدأ السكان يتجاوبون مع هذه الفكرة عند تطبيقها على حد قول الشيخلي، وإذا تحقق نجاح هذه المرحلة، فيمكن الدخول في المرحلة الثانية بعد تحليل معطيات المرحلة الأولى ومن ثم تعميم الفكرة في جميع المناطق الاهوارية في مدينتي البصرة وميسان مع تدريب الكوادر البيطرية في الجنوب على يد خبراء من الأطباء البيطريين الفرنسيين، ما من شأنه المساهمة في حماية المواشي، وخصوصاً الجواميس، والحفاظ عليها.

يرافق مشروع الإسعاف البيطري وجود خبير في الشأن السمكي يجري أثناء جولة الزورق لقاءات منفصلة مع صيادي الأسماك ليتعرف إلى أنواعها وكيفية البحث عن بدائل الصيد الجائر للوصول إلى نتائج مستقبلية لحمايتها والحفاظ عليها.

للجاموس في اهوار الجبايش مسميات كثيرة منها الـ”برشه” اذ يكون لون الشعر عند الوجه والأذنين ابيض فيما بقية جسمه أسود. وهذا النوع من الجواميس يكون مطيعاً جداً وفقاً للمربين ولا يسمع، فهذه الجواميس تحديداً صماء، ولا نعلم سبب فقدانها السمع حقاً. أما النوع الآخر فيسمى الـ”سوده”، وتمتاز هذه الجواميس بسواد جسمها بشكل كامل أو الـ”حجله” لوجود طوق ذي لون أبيض عند أقدامها او “العطره” ذات القرون الملتوية.

تقلص المساحات المغمورة بالمياه انعكس على تكاثر الجاموس وفقاً لتقديرات مسؤول منظمة “الجبايش” للسياحة البيئية رعد الأسدي إذ تبلغ اعداد الجواميس في الوقت الحالي قرابة 35 ألفاً.

أستاذ الجغرافيا في جامعة ذي قار حسين الزيادي يرى أن الجاموس ركن أساسي تستند إليه الحياة في الاهوار وعصفت به مشكلات كثيرة أدت إلى هجرة مربيه وترك موطنهم الأصلي فتناقصت أعداد الجواميس. وأحد أهم الأسباب شح المياه وقلة الأعلاف، وهذا يتأتى من الإهمال الحكومي، فعلى رغم انعقاد المؤتمرات والندوات المتتالية ولكن حياة الإنسان الاهواري بقيت بسيطة، ولم تشهد تطوراً لافتاً، فالسلطات لم تقدم أي مبادرات إيجابية لتحسين الوضع البيئي والزراعي والاقتصادي لسكان الأهوار.

ويكشف الزيدي أن المساحات التي تعرضت للجفاف منذ عام 1973 وحتى 2016 كبيرة جداً، إذ فقدت ثلثي المساحة المائية فبعدما كانت المساحة المقدرة للاهوار تبلغ 19788 كيلومتراً مربعاً بلغت أخيراً 6852 كيلومتراً مربعاً فقط، وهذا تراجع هائل في المساحة المائية، ودليل على حجم الجفاف الذي طاولها.

تقلص المساحات المغمورة بالمياه انعكس على تكاثر الجاموس وفقاً لتقديرات مسؤول منظمة “الجبايش” للسياحة البيئية رعد الأسدي إذ تبلغ اعداد الجواميس في الوقت الحالي قرابة 35 ألفاً، بعدما كان العدد يبلغ الضعف قبل ستة أعوام تقريباً، إضافة إلى أن مستوى إنتاج الجواميس من الحليب انخفض عن المعتاد، إذ كانت الجاموسة الواحدة تنتج 20 ليتراً، فيما يبلغ إنتاجها من الحليب الآن 10 كيلوغرامات فقط.

مربو حيوان الجاموس في الأهوار وفي مقدمتهم فلاح حسن الذي يسكن جزيرة “جباشة الحلالب”، وسط الاهوار، يجدون في فكرة اسعاف الحيوانات بالزوارق تخفيفاً من الثقل الملقى على عاتقهم، إلا أنهم يجدونه غير كاف، ويتطلب الأمر الحفاظ على المنسوب المائي بشكل منتظم، وهذا الأساس، وإلا سيستمر مربو الحيوانات ببيع مواشيهم والهجرة من أراضيهم المهددة بالجفاف.

إقرأوا أيضاً: