fbpx

فوبيا الكاميرا بعد ثورة يناير: كيف أصبحت مصر
“أسوأ مكان للتصوير في أفريقيا”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أكثر ما ضايقنا هو عدم القدرة على التقاط صور كالتي نشاهدها في المواقع العالمية في منطقة الأهرامات… ما رأيناه كان شيئاً، فيما كانت الحقيقة شيئاً مختلفاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكن “اليوتيوبر” الأميركي، ويل سونبوشنر، الذي يملك 8 ملايين متابع على “يوتيوب” ونحو مليوني متابع على “فيسبوك”، أول الغاضبين من الإجراءات الحكومية في القاهرة، التي تتعامل مع الأجانب والمصوّرين باعتبارهم “خارجين على القانون”، وهو ما دفعه لوصف مصر بـ”أسوأ مكان للتصوير في أفريقيا“.

كان “سونبوشنر” في رحلة إلى مصر منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، ضمن مسيرته لاستكشاف أطعمة الشارع حول العالم، لنشرها على قناته Best Ever Food Review Show، ليُفاجأ بتفتيش قاسٍ من سلطات الأمن، ففور وصوله إلى مصر، صادرت الشرطة جميع معدات التصوير التي كانت بحوزته، ليضطرَ إلى تصوير سلسلة فيديوات- حصد الأول منها مليوني مشاهدة– بهاتف “آيفون”. يقول: “تم فتح حقائبي وتفتيشها مرات عدة، ثم طرح رجال الأمن أسئلة، وتعاملوا معنا كأنهم يشتبهون في كوننا مجرمين”.

اُخذت كاميرات المدون الأميركي، المعروف باسم “سوني”، بعد 4 ساعات من الاستجواب كـ”جاسوس” في ساعات الصباح الباكر، بعد رحلة جوية طويلة، ليتّجه إلى الهيئة العامة للاستعلامات، الجهة الحكومية المسؤولة عن التواصل مع المراسلين والمدونين الأجانب وتسهيل عملهم ومنحهم تصاريح، وبرغم حصوله على تصريح من المركز الصحافي في الهيئة، لكنه مُنع من التصوير أو استخدام معداته. 

لم تنتهِ رحلة المعاناة، التي لازمت سوني منذ خطواته الأولى في القاهرة، بمصادرة المعدات والاستجواب والتفتيش الصارم، فحتى في أثناء استخدامه الهاتف المحمول لتصوير برنامجه، استوقفته الشرطة مرات عدة، وفتّشت الهاتف، وشاهدت المقاطع التي صوّرها، ثم طُلب منه حذف ما صوره. 

كانت حجة السلطات المصرية في ذلك أن الصور “سيئة ولا تلائم المعايير”. لم يتعرّض سوني قبل القاهرة إلى أي موانع أو معايير تفرض على التصوير، كان يتخيّل أنه سيدخل دولة كالعشرات التي كان زارها، ويأكل، ويصوّر، ويستعرض ما تناوله كما تسير الأمور في أي دولة أخرى، إلا أن هذه المرة كانت مختلفة، فمصر ليست دولة عادية!

“اليوتيوبرز” في مصر: دعاية ضد السياحة بختم النسر!

تتعامل معظم الدول مع “اليوتيوبرز”، بخاصة الذين يحظون بمتابعة الملايين، باعتبارهم صنّاع دعاية مجانية للدول سياحياً، وداعمين لقوتها الناعمة، وتراثها الثقافي والإنساني، حتى إن بعضَها يدفع ملايين الدولارات لهؤلاء المدوّنين ويمنحهم “إقامات 5 نجوم” مقابل نشر فيديوات على منصاتهم، كما فعلت دولة الإمارات مراراً مع مدونين، أبرزهم ستيف هارفي و”ناس ديلي”، لكن ما وجده سوني في القاهرة كان النقيض تماماً.

أشار في الفيديو إلى أن توقيت وصوله، تزامن مع ذكرى ثورة 25 يناير 2011 التي تصيب الشرطة المصرية بحالة قلق وخوف من اندلاع تظاهرات معارضة قد يصوّرها وينشرها على منصات دولية، وقال إن عناصر الشرطة “لا يعلمون حتى كيف تعمل الهواتف الذكية، وأن هذه الملفات يمكن استرجاعها بضغطة واحدة من سلة المحذوفات”، سائلاً: متى أصبح عناصر الشرطة مخرجي أفلام وثائقية؟ في إشارة إلى انتقاء عناصر الأمن ما تمكن إذاعته وما يتوجّب حجبه من بين ما صوّره.

بموجب القانون المصري، يُمنع تصوير مناطق ومبانٍ في مصر، من بينها المناطق العسكرية والأمنية، لكن تلك المناطق لم يتطرَّق لها المدون الأميركي، ولم يحاول تصويرها، إنما، بعد مشاهدة الفيديو الذي نشره، اتجه إلى تصوير شوارع وميادين ومطاعم عادية، وليست “سيادية”، وبرغم ذلك، تعرّض للتوقيف وصعوبات أخرى.

يرى محمود حكم، مدير إحدى الشركات السياحية الذي نقل أعماله خارج مصر، في حديث لـ”درج”، أن “ذلك الفيديو، محدود التكلفة، يهدم جهود النظام المصري المستمرة منذ سنوات لإعادة إحياء السياحة، عبر صناعة احتفاليات عملاقة بملايين الدولارات كموكب المومياء الملكية، وافتتاح المتحف القومي للحضارة، وافتتاح طريق الكباش، والكثير من الحملات الترويجية، التي تديرها مصر لترويج آثارها على المستوى العالمي، بخاصة أن الفيديو حقق مليون مشاهدة بعد ساعات من نشره، وتناقلته وسائل إعلام أجنبية”.

ينجذب السياح إلى الوجهات السياحية في الوقت الراهن، الذي تسوده مقاطع “تيك توك” وصور “إنستغرام” اللامعة، بناءً على مدى قدرتهم على التقاط صور ومقاطع بجودة عالية، تساعدهم على الترويج لأنفسهم أو أعمالهم أو مسيراتهم كمدوّنين ومصوّرين، أو توثق لحظاتهم الجميلة، إلا أن سوني قال في مقطع فيديو آخر: “الشعار في مصر يجب أن يكون اترك الكاميرا في المنزل وادفع الكثير من المال”. 

كيف هرب السياح والمرشدون السياحيون من مصر؟

نقل حكم أعماله خارج مصر قبل عامين، بعد سنوات الكساد التي عاشتها السياحة المصرية لأسباب، أبرزها أمني، ويوضح: “بعد تحطم الطائرة الروسية في سيناء ووفاة نحو 224 شخصاً، بدأت السياحة تتناقص تدريجياً ما دفع معظم العاملين في السياحة إلى التفكير في نقل أعمالهم إلى دول أخرى، لا سيما أنه لأسباب أمنية، صار التصوير ممنوعاً وبات اصطحاب السياح كاميرات عالية الجودة محفوفاً بالشكوك والمساءلات والتفتيش، وهو ما لا يحدث في أي دولة أخرى، كما أن رحلات السفاري تمرّ بتضييقات لكونها رحلات في عمق الصحراء يشتبه الأمن بكونها على علاقة بإرهابيين، أو قد تتورط في تسهيل عبور الإرهابيين إلى شرم الشيخ”.

كان زيارة أفواج سياحية مصر مرتبطاً بعلاقات بين مسؤولي الشركات السياحية والمرشدين وشركات سياحية نظيرة لها في روسيا وأوكرانيا وأوروبا، ومع مغادرة المرشدين مصر أو توقفهم عن العمل في السياحة، تحوّلت وجهات الأفواج السياحية إلى دول أخرى: “الكثير من المرشدين السياحيين انتقلوا لفتح أعمال في دول أفريقية، لكونها وجهة سياحية منتعشة ورخيصة، وغيّرت الأفواج السياحية التي كانت مرتبطة بهم وجهاتها من شرم الشيخ إلى زنزبار وجنوب أفريقيا وكينيا ولبنان وتركيا”. 

يفسّر ذلك أن السياح والمرشدين “لا يتعرّضون لتضييقات في هذه الدول، مقارنة بما يواجهونه في مصر، فتلك الدول تقدم لهم تسهيلات وتشجّع أعمالهم لإيمانها بأن ما بينها وبينهم شراكة، وليس رقابة ومساءلة مستمرة، كما أن المقابل المالي أكبر بكثير”، بحسب حكم. 

ومن ضمن ما يتعرض له العاملون في السياحة والسياح، يقول: “في الفترة الأخيرة، يتم منع التصوير داخل الأهرامات، اختلط ما هو أمني بما هو تجاري، لكن عناصر الأمن هم الذين يمنعون أو يسمحون، ولكن تصوير أي شخص داخل الأهرامات مرهون بمساءلات ومعاينة لما يرتديه، فإذا كان يحمل أي علامة تجارية، يُمنع التصوير في الحال، سواء كان مصرياً أو أجنبياً، وذلك لاعتقاد الأمن أنه يصور إعلاناً تجارياً”. 

صارت الدولة، عبر أذرعها الأمنية تستهدف مكاتب السياحة، طبقاً لروايته، و”تقوم بتفتيشها بحثاً عن دولارات بجانب مجموعة أسئلة حول كيفية الحصول عليها والسبب… وهو شيء غريب، نحن نتعامل مع سياح فمن الطبيعي أن يكون في جيوبنا دولارات! ومن أسباب تراجع مصر سياحياً أيضاً، هو كيفية التعامل مع التصوير واليوتيوبرز وهو ما يؤثر في إقبال السياح، إذ يمنع التصوير بكاميرات الدرون، ويمنع دخولها مصر، ويتم التعامل مع حاملها باعتباره جاسوساً”.

إقرأوا أيضاً:

السائحة الأجنبية: تفتيش ومنع من التصوير ومضايقات من “الخِرتية”

تقول سايرا مشانسكا، وهي سائحة أوكرانية زارت مصر سابقاً، إنها واجهت مشكلات منذ هبوطها إلى مطار شرم الشيخ: “تم تفتيشنا مرات عدة، إلى تفتيش حقائبنا، والاطلاع على هوياتنا وفحصها كثيراً، أطول مدة أمضيتها في مطار كانت في مصر، كما يتمّ التدقيق على أي شيء في ما عدا الملابس، للحصول على أي غرامات أو مصادرتها، وبشأن الكاميرا، فقد مرّت على اختصاصي لفحصها قبل تسليمنا إياها”.

تعرضت سايرا، خلال رحلتها للكثير من التوقيف، تحديداً في منطقة الأهرامات: “في شرم الشيخ لم أواجه أي مشكلة في التصوير، كان عادياً وسهلاً تحديداً على الشواطئ، لكن القاهرة كانت جحيماً، كنا خائفين من إخراج كاميرا في الشارع، فأكثر من شرطي استوقفنا وطلب مشاهدة الصور ومراجعتها وفحصها، وبدأ يشاهد صورنا الخاصة، ويحذف بعضها، ويترك البعض الآخر بحسب مزاجه، ودون سبب واضح. حاولنا التقاط صور فنية مع الأهرامات وأبو الهول، فمُنِعنا، وطُلب منّا، أنا وشقيقتي، تغيير ملابسنا قبل دخول الأهرامات، وذلك خوفاً من التقاط صور فاضحة مع الآثار المصرية”.

لم تتوقف حالة الجنون في التعامل مع التصوير والصور حتى داخل المتحف المصري وسط القاهرة: “تمّت مراجعة الصور بالكاميرا قبل الخروج، وطلب منا بعض الضباط ألا نصور في ميدان التحرير دون إبداء أسباب، لكن أكثر ما ضايقنا هو عدم القدرة على التقاط صور كالتي نشاهدها في المواقع العالمية في منطقة الأهرامات… ما رأيناه كان شيئاً، فيما كانت الحقيقة شيئاً مختلفاً، الشرطة تمنع التقاط الصور من أماكن بعينها، أمّا ملاك الأحصنة ومرشدو السياح، المعروفون بالخِرتية – فكانوا يضايقوننا ويمنعون التصوير إلا بعد الحصول على أموال”.

تحمل “درون” للتصوير السياحي؟ أنت جاسوس!

توسعت استخدامات الطائرات المُسيرة أو “الدرونز”، بعيداً من الاستخدامات العسكرية، إذ أصبحت تستعمل في رشّ الأراضي الزراعية بالمبيدات الحشرية، ومراقبة أنابيب الغاز والنفط لرصد أي تسريب، وإيصال الأدوية والعلاج في حالات الطوارئ، والتصوير الدرامي والسياحي، لكن التصور الرسمي المصري توقف عند اعتبارها وسيلة للتجسّس وقصف المنشآت الحسَّاسة. 

وبحسب موقع “مسار” لرصد التقنية والقانون، تدخّل المشرع المصري ليضعَ بصمته، ويجعل تداولها، أو الإتجار بها، أو استخدامها في أغراض التصوير جريمة يعاقب عليها القانون، وتعاقب السلطات من يتورَّط بها، وأصدر عام 2017 قانون “تنظيم استخدام الطائرات المحركة آلياً أو لا سلكياً وتداولها والاتجار بها”، الذي جاء متأثراً بالاستخدامات غير المدنية، ليحظرَ “استيراد، أو تصنيع، أو تجميع، أو تداول، أو حيازة، أو الاتجار في، أو استخدام طائرات الدرونز، إلا بعد الحصول على تصريح من الجهة المختصة والتي حصرتها اللائحة التنفيذية في وزارة الدفاع، وبعد استيفاء الشروط الأخرى التي يحددها القانون. وينطبق هذا الحظر على كل الجهات والأشخاص، بما في ذلك الجهات الحكومية، والشركات العامة والخاصة، والأشخاص الطبيعيين”. 

وأصبح شرطاً من شروط الحصول على تصريح لاستخدام “الدرونز” لأي مؤسسة أو شركة، استيفاء موافقات من عدد من الجهات الأمنية كهيئة الأمن القومي، وقطاع الأمن الوطني، وقطاع الأمن العام، ووزارة الطيران المدني، و”الجهات المختصة بالدولة”.

تُستخدم “الدرونز” في جميع أنحاء العالم في التصوير السياحي، سواء لحساب السياح الذين يحتفظون بهذا النوع من المقاطع ويبثّونها عبر المنصات للاستخدام التجاري والترفيهي، أو لحساب الشركات السياحية في الدعاية لأنشطتها، لكن الإجراءات القانونية التي جعلت التصوير بـ”الدرونز” مستحيلاً وضعت قيوداً جديدة على الشركات والسياح، الذين اعتبروها قيداً غير مبرر على التصوير في أماكن شاطئية وسياحية وعامة.

التصوير في مصر بعد 2011… خطر على الأمن القومي أم النظام؟

منذ عام 2017، ترافقت تلك الإجراءات مع تشديد أمني حاد في المطارات على دخول “الدرونز”، أياً كانت الأغراض من وراء استخدامها، مع حزمة من الاتهامات بالإضرار بالأمن القومي والتجسس– تولت نشرها الصحف التابعة للسلطة المصرية- لحامليها إذا كانوا من المصريين، والمصادرة إذا كانوا غير مصريين. يعتبر “اليوتيوبرز” وصناع الأفلام الأجانب ذلك سطواً على معداتهم، وليس مجرد إجراء أمني.

وكان ذلك التوجّه استمراراً لما تم التوافق عليه أمنياً وسياسياً بعد 2011 لوضع قيود على التصوير في مختلف الأماكن، مهما كانت درجة أهميتها من الناحية العسكرية أو الأمنية، خوفاً من التصوير والرصد والبثّ المباشر، الوسائل التي وفّرتها التقنيات الحديثة للحفاظ على الديموقراطية ومراقبة السلطات وتحقيق الشفافية ومكافحة الفساد. منع التصوير هو أحد تجليات الرعب من شبح ثورة 25 يناير التي لعبت الصور والفيديو خلالها دوراً محورياً في تحريك الأحداث بدءاً من صورة خالد سعيد في المشرحة.

وتفسّر ورقة بحثية صادرة عن مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” ذلك التوجه الرسمي بأنه “نمط أبوي في الحكم، عززته الصورة الدعائية للدولة منذ عقود، فمشاهد بعينها كالفوضى في المدارس والممرضة التي ترتعد داخل مستشفى بعد وفاة مرضى كورونا قد تؤثر سلباً في هيبة الدولة، تلك الصورة التي يجب ألا تهتز في عين المشاهد، ولذلك فُرضت سياسات تحجب التصوير وتنظم استخدام الكاميرات”.

يعود هذا الهلع من كل شيء يخصّ التصوير ومنعه في مصر، إلى تبعات ثورة 25 يناير، التي لا تزال ذكرى مرعبة للنظام السياسي المصري، فيُمنع التصوير ويتم تخوين الأجانب وترويج أنهم جواسيس. 

جريمة تعذيب وقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، كانت ذروة ذلك التخوين الرسمي لأي أجنبي في مصر، أما التصوير فهو العدو الأول للأنظمة السياسية، التي تعلم أن توثيق المخالفات والجرائم الرسمية في الميادين وداخل الأقسام قد يؤدي إلى ثورة جديدة، لذلك تقاومه مهما أدى الأمر إلى خسائر سياحية أو اقتصادية، أو سياسية. 

إقرأوا أيضاً:

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 24.04.2024

مع زيادة التهديدات الإسرائيلية… عائلات تترك رفح

للمرة السادسة، اضطرت عائلة أمير أبو عودة إلى تفكيك خيمتها من مكان نزوحها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والتوجه بها إلى خان يونس التي تبعد عنها قرابة الأربعة كيلومترات، بعد تزايد الضربات الجوية الإسرائيلية على المدينة الحدودية مع مصر، وزيادة التهديدات بقرب تنفيذ هجوم عليها.