fbpx

هل تكون الأزمة الأوكرانيّة “المسمار الأخير” في نعش “الأمم المتّحدة”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كيف يمكن للأمم المتحدة الاستمرار عندما يكون أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، المكلف بالحفاظ على السلام والأمن بين الدول، هو البادئ في حرب عدوانية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

احتفت القوى العالميّة الغربيّة بطرد روسيا من هيئة حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة في 7 نيسان/ابريل 2021، الّا أنّها لم تأخذ في عين الإعتبار ما قد تعنيه هذه الخطوة بالنسبة إلى المنظّمة الدوليّة التي تاسّست في العام 1945 وفي صلب هدفها حلّ النزاعات بالطرق السلميّة والدبلوماسيّة عوضًا عن الحرب.

خلقت هذه الخطوة غير المسبوقة حالة من القلق بين الدول، حتى تلك المقرّبة من الولايات المتّحدة الأميركيّة، منها الدول العربيّة التي تعدّ حليفة لأميركا، كالمملكة العربية السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة اللتان امتنعتا عن التصويت إلى جانب حلفائهما في الغرب. 

حصل القرار على أغلبية ثلثي الأصوات في الهيئة المكونة من 193 عضوًا، حيث صوتت 93 دولة لصالحه و 24 ضده. وامتنعت 58 دولة عن التصويت، في خطوة هي الأولى في نوعها ضدّ عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وهي المرّة الأولى منذ عام 2011 حينما جرى طرد حكومة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي من هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة، بموجب بنود قرار آذار/ مارس 2006، الذي يتيح للجمعية العامة للأمم المتحدة تعليق عضوية عضو هيئة حقوق الإنسان الذي “يرتكب انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان”.

مداخلة زيلينسكي ودور الأمم المتحدة الهزيل!

جاءت هذه الخطوة بعد مداخلة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر تقنيّة الفيديو في جلسة مجلس الأمن الدّولي، وهو المجلس الأقوى في الأمم المتّحدة وأحد الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة، والذي يضمّ 15 عضوًا من بينهم 5 أعضاء دائمين وهم: الولايات المتحدة الأميركيّة، روسيا، الصين، المملكة المتّحدة وفرنسا، لكلّ منهم حقّ الـ”فيتو”. والـ”فيتو” هذا تحديدًا هو المعرقل الدائم لأي قرارات في شؤون مصيريّة تتعلّق بالأمن الدولي. 

جاءت مداخلة زيلينسكي بعد أن اقترح الأخير عقد مؤتمر لمناقشة إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وقال إنه لا فائدة من وجود مجلس الأمن إذا لم يستطع تعزيز أمن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، مضيفًا أنّه إذا لم يكن هناك بديل أو خيار أمام المنظّمة لتلعب دورها، فسيكون من الأفضل حلّها تمامًا. 

وسأل زيلينسكي في مداخلته سؤالًا جوهريًّا دائمًا ما يتردّد في الأصداء وهو: “ما الهدف من الأمم المتحدة إذا كانت لا تستطيع الحدّ من الجرائم ضد الإنسانية ومعاقبة مرتكبيها؟” خصوصًا أنّ روسيا، بصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، القدرة على ان أن تستخدم حق النقض (الفيتو) ضدّ إجراء التحقيقات في جرائمها ضدّ الانسانيّة في أوكرانيا. 

كشفت الحرب الأوكرانية ضعف الأمم المتّحدة وهزلها، إلّا أنّها لم ليست المرّة الأولى التي تفشل المنظّمة في تأدية دورها بحسب المادّة الأولى من الفصل الأوّل من ميثاق هيئة الأمم المتّحدة التي تنصّ على:
“حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها”.

الّا أنّ الأمم المتّحدة، رغم أهميّة دورها، لم تستطع لجم الاعتداءات بين الدول وآخرها الاجتياح الروسي لأوكرانيا ولم تستطع حماية الشعوب المضطهدة كالشعب الفلسطيني مثلًا. “الأمم المتحدة اليوم لا تلعب دورًا مهمًّا. هي ضعيفة سياسياً وهامشية مالياً… وغير مهمة عسكرياً. نحن بحاجة إلى حوكمة عالمية أكثر من أي وقت مضى… لكن الأمم المتحدة ليست على مستوى المهمة”، وفقًا للكاتب والأستاذ الجامعي في جنيف،  فيكين شيتريان، في مقابلة لموقع “درج”.


دول الشرق الأوسط تقلق وتنأى بنفسها!

ثلاث دول فقط من الشرق الأوسط هي من صوّتت مع القرار التي دعت إليه الولايات المتّحدة الأميركيّة وهي: إسرائيل، تركيا وليبيا. ولم يحضر الجلسة كلًّا من لبنان وموريتانيا والمغرب. فسلّط هذا التصويت الضوء على تصدّع العلاقات بين الولايات المتّحدة وحلفائها في الشرق الأوسط خصوصًا مع امتناع البحرين ومصر وسلطنة عمان والأردن والسعودية والإمارات عن التصويت. 

وبحسب شيتريان، “يأتي تصويت الكثير من الدول العربية – وغير العربية – من الخوف من اتهامهم والتصويت ضدهم في حالة حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو في حال انتهاكهم للقوانين الدولية”. 

بالإضافة إلى ذلك، اختارت دول الخليج العربي، على الرغم من قرب علاقاتها ومصالحها المشتركة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، الامتناع عن التصويت مفضلة  الحياد على مبدأ المثل الشعبي: “عند تغيير [تطاحن] الدول، احفظ رأسك”. 

ولهذا القرار في الامتناع عن التصويت أسباب عدّة أبرزها:

فقدان الثقة في تعامل الولايات المتّحدة الأميركيّة مع حلفائها ونكسها بالوعود، خصوصًا بعد انسحاب الولايات المتّحدة الأميركيّة المأساوي من أفغانستان.

تغيّر طبيعة العلاقات بين الولايات المتّحدة الأميركيّة والمملكة العربية السعوديّة بعد وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى سدّة الرئاسة في 20 كانون الثاني/ يناير 2021، ففي حملته الانتخابيّة تحدّث بايدن عن إعادة النظر بالعلاقة مع السعوديّة وفي متابعة ملابسات جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال الخاشقجي في 2018. هذا بالإ ضافة إلى إنهاء دعم أميركا للتحالف الخليجي في حرب اليمن.

قال ممثل المملكة العربية السعودية في الجمعية العامة للأمم المتحدة محمد العتيق، بعد التصويت، إن القرار يمثل “سابقة خطيرة تهدد العمل متعدد الأطراف ويتعارض مع مبادئ القانون الدولي”. أمّا ممثّل مصر، فأعرب عن قلقه إزاء مهام هيئات الأمم المتحدة، فقال إن مشروع القرار يقوض أساليب عمل المنظمة ويهدد بتقويض مصداقيتها، مما يؤدي إلى مزيد من الانعكاسات السلبية على قدرتها على أداء دورها وفقا لميثاق الأمم المتحدة. ومن جهته، أقرّ يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة، مؤخرًا بأن العلاقة بين الدولتين تواجه بعض التحدّيات والضغوطات.

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى الجانب النفطي الذي زاد الطين بلّة، مع مقاومة السعودية والإمارات لمناشدات الولايات المتحدة لزيادة إنتاج النفط في وقت ترتفع فيه أسعار الطاقة، عقب اندلاع الأزمة في أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، كررت دول الخليج، التي تهيمن على منظمة “أوبك”، التزامها باتفاق “أوبك +” مع روسيا، الذي أقرّ عليه العام الماضي، والذي وضع حدًا للزيادات الشهرية في إنتاج النفط بمقدار 400 ألف برميل يوميًا.

إقرأوا أيضاً:

ما هو أثر هذا القرار على روسيا والأمم المتّحدة؟

إنّ أثر وتبعات هذا القرار لا تقتصر فقط على روسيا بل أيضًا على منظّمة الأمم المتّحدة نفسها. “بالنسبة لروسيا، هذه الخطوة تعني مزيدًا من العزلة عن المجتمع الدولي… أمّا بالنسبة للأمم المتحدة، هذا يعني فشلًا كبيرًا: فقد انتهك أحد أعضائها الدائمين، الذي يتمتع بحق النقض، والذي يُفترض أنه وصي لمبادئ الأمم المتحدة، المبادئ الأساسية للمنظمة الدولية”، بحسب شيتريان.

الّا أنّ روسيا، بحسب مجلّة Foreign Policy، أرسلت قبل الجلسة رسالة تحذير وتهديد مبطّنة إلى الدول المقرّبة منها تحديدًا إلى دول نامية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وتضمّنت الرسالة أنّ الفشل في التصويت ضد الإطاحة بموسكو سيفسر على أنه دعم لحملة تقودها الولايات المتحدة لعزل روسيا. فأثار هذا التهديد مخاوف أن تنتقم روسيا من الدول التي تدعم المبادرة الأميركيّة خصوصًا وأنّها اعتبرت أنّ الامتناع أو عدم المشاركة في التصويت يخدم هدف الولايات المتحدة وتنظر إليه الكرملين على هذا الأساس.

وهذا ما يعيد طرح السؤال: كيف يمكن للأمم المتحدة الاستمرار عندما يكون أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، المكلف بالحفاظ على السلام والأمن بين الدول، هو البادئ في حرب عدوانية؟ الجواب المختصر، هو أنها لا يمكنها الاستمرار في شكلها الحالي، وفقًا لكاتب مقال “حرب بوتين هي أزمة وجوديّة للأمم المتّحدة” في مجلّة Foreign Policy، يفغيني فيندمان الذي شغل منصب نائب المستشار القانوني في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض من 2018 إلى 2020.

وفي هذا الإطار، يقول شيتريان إنّ “الأمم المتحدة الحالية هي انعكاس لتوازن القوى لعام 1945، والمنتصرين في الحرب العالمية الثانية. كان هذا عالمًا لا تزال فيه الإمبراطوريات الاستعمارية (فرنسا وبريطانيا) والاتحاد السوفياتي موجودة. مشكلة الأمم المتحدة أنها صممت بطريقة لا تتغير. لكننا نحتاج إلى التغيير. ليس فقط لتمثيل القوى الناشئة الجديدة مثل الهند، أو أن يكون هناك ممثل للعالم الإسلامي، ولكن بشكل أساسي لتمثيل الأمم المتحدة – أو هيئة الحوكمة الدولية – لنا، مواطني وسكان كوكب الأرض. من أجل ذلك، تحتاج الأمم المتحدة إلى إصلاحات أساسية، ويمكنها أن تتعلم الكثير من المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي وتجربته”. 

وبالتالي، فالعالم اليوم بحاجة لاستبدال الأمم المتّحدة بمنظّمة أخرى أو على الأقلّ إصلاحها بشكل يسمح لها بالمحاسبة والمساءلة الفعّالة خصوصًا وأنّ عدوان بوتين سيكون مثالًا ودرسًا للطغاة، بحسب فيندمان، “أي انتصار حقيقي لبوتين واعتراف بمكاسبه يعني زوال النظام القائم على القواعد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ويفسد قيمة منظومة الأمم المتحدة”. 

إقرأوا أيضاً:

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 24.04.2024

مع زيادة التهديدات الإسرائيلية… عائلات تترك رفح

للمرة السادسة، اضطرت عائلة أمير أبو عودة إلى تفكيك خيمتها من مكان نزوحها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والتوجه بها إلى خان يونس التي تبعد عنها قرابة الأربعة كيلومترات، بعد تزايد الضربات الجوية الإسرائيلية على المدينة الحدودية مع مصر، وزيادة التهديدات بقرب تنفيذ هجوم عليها.