fbpx

“لا أحد آمن”: معدلات صادمة من العنف الجنسي داخل السجون المصرية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

طبقًا لدراسات الحالات التي رصدها ووثقها الباحثون في تقرير “لا أحد آمن”، فإن العنف الجنسي يبدأ في مرحلة مبكرة جدًا من دورة الاحتجاز بل أنه يستبق الاحتجاز نفسه، فمنذ لحظة الملاحقة الأمنية وإلقاء القبض على الفرد، وهو مهدد باستخدام العنف الجنسي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صدر التقرير الحقوقي “لا أحد آمن: العنف الجنسي خلال دورة الاحتجاز في مصر” في السابع من نيسان/ أبريل 2022 بمجهود تشاركي بين منظمتي “مبادرة الحرية” و”الجبهة المصرية لحقوق الإنسان” .ويشير التقرير إلى طبيعة العنف الجنسي في السجون المصرية خلال دورة الاحتجاز من 2015 إلى 2022، واستخدم الباحثون مصطلح “دورة الاحتجاز” ليعكس بشكل أوضح طبيعة العنف الجنسي من حيث كونه حدث متعدٍ، يحدث داخل وخارج حدود جدران السجن، ويشمل المحتجزين وأفراد عائلاتهم وأحبائهم، فضلًا عن امتداد آثاره لزمن طويل لدى الضحية.

وثّق التقرير بعض الحالات التي قام فيها أفراد الأمن بتعرية سيدات بالكامل والتحرش بهن وضربهن أثناء القبض على أزواجهن وذويهن، وأجبر أزواجهن وأفراد الأسرة وحتى الأطفال على النظر والمشاهدة كما حدث مع حالة مريم التي وثقها التقرير حيث شرع أمناء الشرطة في تعريتها بالكامل والتحرش بها ولمس جسدها وأعضائها التناسلية والشروع في ضربها، وعندما توسلت إليهم بالتوقف لأنها في بداية فترة حمل وقد تُجهض طفلها الذي لم يولد بعد، دفعها الضابط إلى الأرض وركلها في بطنها وسبها بأنها “بنت شرموطة” وهو لفظ يتعمّد الإهانة الجنسية في إطار الأكواد المجتمعية، وأجبر طفلتها الصغيرة على المشاهدة وتذكر هذا المشهد. ووثق التقرير 3 حالات عنف جنسي أثناء مرحلة القبض ما بين تعرية قسرية ولمس الأعضاء التناسلية واغتصاب بالإصبع.

يختلف الوضع قليلًا في أقسام الشرطة حيث تظهر أغراض جديدة للعنف الجنسي غير الإهانة والإذلال، ففي بعض الحالات يستغل الحراس وأفراد الأمن المحتجزين لإشباع رغباتهم الجنسية وإبراز قوتهم الشخصية، وفي حالات أخرى استخدم العنف الجنسي كإجراء عقابي مثل صعق الأعضاء التناسلية بالكهرباء سواء للرجال أو النساء. 

وثق التقرير 57 حالة انتهاك جنسي داخل أقسام الشرطة بأنماط مختلفة، بداية من التعرية القسرية ولمس الأعضاء التناسلية، مرورًا بالصعق بالكهرباء، وصولًا إلى محاولات الاغتصاب والاغتصاب بالمباشر بالأعضاء الذكرية أو بأدوات حادة، كما يتعرض أعضاء مجتمع الميم إلى أنماط مختلفة من الانتهاكات الجنسية داخل أقسام الشرطة حيث لا يكتفي الضباط وأفراد الأمن بالاعتداء عليهم بل يشجعون المحتجزين الآخرين على التحرش بهم واغتصابهم.

يحكي محمود (مثلي الجنس) عن تعرّضه للاغتصاب في أحد أقسام الشرطة، وكيف قام أمين الشرطة بدفعه إلى غرفة الاحتجاز موجهًا حديثه إلى المحتجزين “ده خول، اغتصبوه.. استمتعوا به”. وتظهر هنا، مرة أخرى، الإهانة الجنسية المتعمدة المبنية على الطبيعة الجندرية للأشخاص طبقًا لأعراف المجتمع وأكواده.

أفرد التقرير مساحة خاصة للعنف الجنسي داخل مقار أجهزة الأمن الوطني، التي يُحتجز فيها المعتقلون السياسيون أو المخفيون قسراً قبل ظهورهم على ذمة قضايا ذات طابع سياسي أمام نيابة أمن الدولة العليا، وتختلف مدة اختفاء الأفراد داخل تلك المقرات من بضع ساعات وحتى بضع سنين كما حدث مع بعض الحالات، وبما أن مقرات الأمن الوطني هي مقرات احتجاز غير رسمية وغير قانونية، يعتبر المحتجزون فيها بمثابة مخطوفين لذا يتعرضون لأشكال مختلفة من الانتهاكات والاعتداءات المتكررة والمختلفة طوال فترة اختفائهم، وتحدث الانتهاكات الجنسية في تلك المقرات بشكل شبه منهجي وشائع.

523 حالة من أصل 655 تم توثيقها حدثت في غرف مقرات الأمن الوطني، بما يعادل 80% على الأقل من إجمالي الانتهاكات الموثّقة، وتحدث هذه الانتهاكات في سياقات شديدة الرعب والهزلية ومن دون أغراض واضحة في بعض الأحيان، غير إذلال الضحية وإخضاعها أو بلغة الأمن “كسر عينها”. 

ويوثق التقرير  57 حالة عنف جنسي تعرضت لها النساء، وهو ما لا يقارن بحالات عنف أكثر يتعرض لها الرجال. وربما يرجع ذلك إلى العدد الأكبر من الرجال المحتجزين والمعتقلين مقارنة بعدد أقل للنساء. ويستخدم العنف الجنسي في هذه المقرات بغرض انتزاع الاعترافات وإكراه الضحايا على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، وغالبًا ما تستخدم تلك الاعترافات فيما بعد كأدلة أمام النيابة فيما يُعرف بـ “تحريات الأمن الوطني”. تشير الشهادات إلى أنماط مختلفة من الانتهاكات الجنسية شديدة الرعب كالاغتصاب الفموي أو إدخال أدوات حادة في فتحة الشرج (للرجال والنساء)، والاغتصاب بالإصبع وبالأعضاء الذكرية، فضلًا عن جلسات الصعق بالكهرباء.

ينتقل التقرير إلى العنف الجنسي داخل السجون، ويشير إلى تعرض النساء في هذه المرحلة إلى عنف جنسي أكثر من الرجال بعكس الحال في أجهزة الأمن الوطني، حيث تم توثيق 66 حالة عنف جنسي داخل السجون منها 52 حالة للنساء و10 للرجال و4 لعابرين/ات جنسيًا، ما بين تعرية قسرية وفحوصات شرجية وصعق بالكهرباء في الأعضاء التناسلية ولمس للأعضاء التناسلية، واغتصاب بالإصبع أو بأدوات. 

وتبدأ مرحلة الانتهاكات الجنسية في السجن منذ لحظة الدخول وبدء التفتيش بما يحمله من تعرية قسرية ولمس الجسد والأثداء والأعضاء التناسلية، كما تقوم حارسات السجن بالاغتصاب المهبلي والشرجي بالإصبع ضمن عملية التفتيش للبحث عن أي ممنوعات مهرّبة، والأزمة هنا كما يقول لنا عمرو أحمد، مدير الأبحاث بمبادرة الحرية “أن القانون المصري لم يجرّم ولم ينظّم عملية التفتيش بشكل واضح بما تشمله من (عمليات البحث داخل تجاويف الجسد)، الأمر الذي يجعل هذه الممارسة -بشكل ما- قانونية وغير مجرّمة، وهو ما يضع بعض السجينات العذراوات في مشكلة أخرى ويبدأن في التذلل للسجانات للحفاظ على عذريتهن”. وكثيرًا ما تحمل عمليات التفتيش طابعاً جنسياً، وفي إحدى الشهادات المذكورة يكون استخدام التعذيب الجنسي أحيانًا بغرض الاستمتاع الجنسي للسجانات المثليات، فتذكر فاطمة أن إحدى السجّانات أثناء تفتيشها في طريق عودتها من جلسة استماع قالت لها “لديك جسد لطيف، وأنا أحب الطريقة التي تمشين بها، فلماذا لا تبقين معي هنا قليلًا”.

إقرأوا أيضاً:

 ومن الإشكاليات الصحية في ممارسة تفتيش تجاويف الجسد أن بعض السجّانات تستخدمن كيسًا بلاستيكيا واحدًا على عدد من السجينات مما يتسبب في نقل الفيروسات والأمراض. ولا تقتصر ممارسة الانتهاكات ذات الطبيعة الجنسية على الضابطات أو السجّانات فقط، بل أحيانًا يلجأ أفراد الأمن في السجن إلى معاقبة إحدى السجينات عبر نقلها إلى غرفة معينة مع سجينات أخريات من المجرمات المتعاونات مع مباحث السجن مع توصية بالاعتداء عليها وتعريتها وضربها وانتهاكها وإهانتها.

ولا تنتهي وصلة العنف الجنسي عند السجناء فقط بل تمتد أيضًا لتشمل ذويهم وعائلاتهم، فقد وثّق التقرير ـ 30 حالة انتهاك جنسي أثناء عملية التفتيش خلال زيارات الأهالي للمحتجزين، ومن المثير للدهشة أن الحالات جميعها كانت لنساء، وتراوحت الانتهاكات بين التعرية القسرية ولمس الأعضاء التناسلية والاغتصاب بالإصبع، وكثيرًا ما تلجأ السجّانات إلى تلك الأساليب بغرض إهانة وإذلال أسرة السجين أو بغرض إجبار الزوار على دفع نقود (رشاوى) للنجاة من هذا التفتيش المهين.

قد يظن البعض أن مأساة العنف الجنسي تنتهي بالإفراج عن السجين، وهذا أمر منافٍ للواقع، فبعض المفرج عنهم أو المخلي سبيلهم يذهبون بشكل دوري إلى أقسام الشرطة من أجل المراقبة الشرطية أو تطبيق التدابير الاحترازية، وبعض السياسيين يُطلب منهم المتابعة الدورية مع ضابط الأمن الوطني المسؤول في مقر الأمن الوطني، وهو الأمر الذي يجعل الضحايا معرضين في أي وقت لانتهاكات جنسية أخرى، كما يعرضهم لصدامات مستمرة ناتجة عن مرورهم الدائم على الأماكن والمقرات التي تم الاعتداء عليهم فيها.

إقرأوا أيضاً:

يوضّح حليم حنيش، المستشار القانوني والمحامي في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، في تصريحاته لـ”درج” أن القانون المصري لا يعرّف التعذيب تعريفًا محددًا، ويرتبط وصف التعذيب بانتزاع المعلومات والاعترافات، فلو كان التعذيب لأي غرض آخر مثل التنكيل أو الحط من كرامة وشأن الأشخاص، فلا يعتد به كجريمة تعذيب طبقًا لقانون العقوبات المصري.

ويكشف حنيش عن الإشكالية القانونية بالنسبة لجريمة الاغتصاب، فتعريف الاغتصاب يحسب القانون لابد أن تقع الجريمة بين ذكر وأنثى وأن يحدث إيلاج بالفرج، ما دون ذلك يعتبر جريمة هتك عرض، ودومًا ما تطالب المنظمات الحقوقية بتعديل التعريفات لتكون متوافقة مع القانون الدولي.

في الانتقال إلى محاولات أو جدوى مقاضاة المتهمين بجرائم متعلقة بالتعذيب أو العنف الجنسي، يوضح حنيش أن القضايا تعرض أمام القضاء الجنائي ولكن الأزمة تتمحور حول خوف المجنى عليهم من البطش والتنكيل بهم حال إبلاغهم عن الانتهاكات التي حدثت بحقهم، فلو افترضنا أن شخصًا ما أبلغ عن انتهاك أو جريمة تعذيب حدثت بحقه في قسم شرطة أو سجن ما، فالظابط الذي يختصمه أمام النيابة هو نفسه المسؤول عن المجني عليه في مقر الاحتجاز ويخضع المجني عليه لسلطته شبه المطلقة في ظل عدم وجود رقابة فعلية على مقار الاحتجاز. 

يطالب المحامي حليم حنيش ومعه محامون آخرون، بالتحقيق في وقائع التعذيب ولكن أغلب تلك الدعاوى قوبلت بالرفض أو التجاهل، بل إن النيابة لم تتخذ الإجراءات الأولية كالعرض على الطب الشرعي لإصدار تقارير طبية عن حالات المجني عليهم، وفي المرات القليلة التي سمحت النيابة بعرض المجني عليهم على الطب الشرعي، “واجهنا صعوبات وتعنت من الداخلية المصرية أثناء نقل المجني عليهم إلى عيادات الطب الشرعي حيث تعمدت مصلحة السجون المصرية استخراج تصاريح نقل المجني عليهم في أوقات خارج ساعات العمل إلى عيادات المختصة كنوع من التسويف حتى تختفي آثار التعذيب من أجساد المجني عليهم، ولم تُظهر النيابة أية جدية في التحرك من أجل جبر الضرر للمجني عليهم، وانتهت كل المحاولات إلى لا شيء ولم يحدث الأثر المرجو من تلك البلاغات”، على حد قول حنيش.

يقول عمرو أحمد، مدير الأبحاث في “مبادرة الحرية”، وأحد الباحثين القائمين على إعداد التقرير، إن إعداد التقرير استغرق 8 أشهر من العمل المكثف بمعاونة اثنين آخرين من الباحثين بشكل أساسي، وبمشاركة منظمة الجبهة المصرية للحقوق والحريات ومنظمة حقوقية محلية أخرى تعمل من داخل مصر طالبوا بعدم كشف هويتهم حفاظًا على أمنهم وسلامتهم الشخصية وخوفًا من التنكيل بهم بعد نشر التقرير”.

عايدة سيف الدولة، أستاذة الطب النفسي، وعضو مؤسس في مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، تقول في تصريحات لـ”درج”: “لا توجد أي طريقة يمكن أن تمحي أثر التعذيب من الذاكرة، تظل التجربة المؤلمة جرحًا مفتوحًا، وحين يلتئم مع الوقت تبقى آثاره في انتظار أي فكرة أو ذكرى أو مؤشر خارجي ينكأ الجرح لينزف من جديد. أهم ما يحتاجه الناجي لتجاوز ما تعرض له، هو مساعدته على التخلص من الشعور بالعار والخزي والذنب لتصوره أنه كان يمكن أن يقاوم أو أن يفعل شيئًا لم يتمكن من فعله كفيلًا لتغيير الماضي، وهو تصور غير واقعي كونه مقيد الحرية ومقيد اليدين، وغالبًا معصوب العينين”. 

وتضيف سيف الدولة: ” لا بد أن نتعامل مع الناجين كتعاملنا مع من فقد عزيزًا، والأمر ليس بمبالغة إنما أقصده أشد القصد، لأن الفقدان الذي تعرض له الناجون فقدان حقيقي ومؤلم، فما أصعب الشعور بفقدان الكرامة، وأن تكون هذه الصورة المتخيلة عن نفسه والمترسخة في ذهنه”.

طبقًا لدراسات الحالات التي رصدها ووثقها الباحثون في تقرير “لا أحد آمن”، فإن العنف الجنسي يبدأ في مرحلة مبكرة جدًا من دورة الاحتجاز بل أنه يستبق الاحتجاز نفسه، فمنذ لحظة الملاحقة الأمنية وإلقاء القبض على الفرد، وهو مهدد باستخدام العنف الجنسي أو بمعنى أوضح غالبًا ما يُستخدم العنف الجنسي ضد الأفراد أثناء مأموريات القبض عليهم من مختلف الأماكن بدون أوامر توقيف قضائية، ويتعدى الأمر المتهم ذاته إلى الاعتداء الجنسي على أفراد أسرته، بهدف إذلاله.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.