fbpx

المرأة المصرية في دراما رمضان: نساء يركضن خلف حكاياتهن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بمعزل عن المستوى الفني وتفاوت الأداء وثغرات النصوص، لكن يسجل هذا التطور لجهة محاولة تثبيت مشهد نسوي يعلي من كفاح النساء ومحاولتهن تعديل قوانين مجحفة وتغيير نظرة نمطية تحكم حضورهن وحياتهن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قدمت الدراما المصرية هذا العام أعمالاً خاصة بقضايا النساء، موليّة اهتماماً أكبر بمعاناة المرأة ومخاوفها في ظل نظام ذكوري يفرض قوانينه. 

بمعزل عن المستوى الفني وتفاوت الأداء وثغرات النصوص، لكن يسجل هذا التطور لجهة محاولة تثبيت مشهد نسوي يعلي من كفاح النساء ومحاولتهن تعديل قوانين مجحفة وتغيير نظرة نمطية تحكم حضورهن وحياتهن. وعلى الرغم من بعض ردود الفعل العدوانية بحجة التطرق إلى مواضيع حساسة في المجتمع إلا أن هذه الأعمال تبقى كحجر يحرّك المياه الراكدة فيما يخص وضع النساء المصريات.

“فاتن أمل حربي”: المرأة في وجه قانون الأحوال الشخصية

في مسلسل فاتن أمل حربي، تقدم فاتن (نيللي كريم)، شخصية لامرأة لم ينصفها قانون الأحوال الشخصية المصري، كآلاف النساء اللواتي خسرن أمومتهن في وجه قوانين الحضانة المجحفة. تجمع شخصية فاتن هموم النساء المصريات ومعاناتهن أمام السلطة الذكورية للقانون. تكشف لنا فاتن المسكوت عنه في الوضع القانوني والديني للمرأة، كالطلاق وحضانة الأطفال، وصولاً إلى إثبات حقوقها أمام السلطة الدينية والمجتمعية. حكاية فاتن هي حكاية آلاف من النساء يعانين عنف الأزواج وتعنّت المجتمع وجمود الفقه الذي يضيّق الخناق عليهن أكثر.

تتحرك فاتن أمل حربي في مسارات متشابكة لقضايا مختلفة بداية من حقوقها في الحضانة والولاية مروراً بأبسط حقوقها في الإقامة في فندق دون محرم. يحمل المسلسل سؤالاً جديداً في كلّ حلقة، مقدماً بدائل ووجوهاً لم نلحظها سابقاً، كوجود مركز لاستضافة المعنفات التابع لوزارة التضامن الاجتماعي.

وعلى الرغم من الانتقادات التي طالت المسلسل، لجهة ضعف الحبكة أحياناً وعدم منطقية بعض الأحداث أحياناً أخرى، إلّا أن تأثير المسلسل يظهر على المشاهدات جليّاً، فبعد كل حلقة جديدة، هناك حواراتٌ ونقاشات تدور بين من تشاهدن المسلسل، ومن المدهش أن أغلبية النساء يقفن مع فاتن، بل ويسردن حكاياتهن الشخصية أو حكايات أمهاتهن الشبيهة بحكاية فاتن. إيجاد النساء لأنفسهن داخل شخصية درامية أمرٌ جوهري في صراعهن، خصوصاً إذا تمكنت هذه الشخصية من منحهّن القوة والوعي لحقوقهن.

نادين: في ظلّ الرجال، كأنها منهم

يقدم عمل “العائدون” قصة انخراط المرأة المصرية في عمل حسّاس وخطير كالمخابرات ومدى التقدم الذي تحرزه في مجال اعتدنا أن ينسب في مجتمعاتنا إلى الرجال.

اختارت نادين العمل في جهاز الاستخبارات المصرية بهدف تحقيق الأمنية الأخيرة لأمها، أنها “بنت بمية راجل” وهنا المشكلة الأولى التي يطرحها المسلسل: تظليل المرأة بقوة الرجال مع إقصاء قوتها. تنخرط نادين في المهام المخابراتية الصعبة، وعليها في كل مرة إثبات قدرتها على العمل كما يفعل الرجال تماماً. فتجاهد لتظهر قوتها، لكنها في الحقيقة شخصية باهتة للغاية، لا يحركها شيء عدا رغبتها في التساوي مع زملائها الرجال في العمل، أو كما تقول “لازم أثبت إني انا جامدة وقد المسؤولية” وكما تؤكد والدتها “تثبتي لأهل أبوكي إن انا جبت لهم بنات، صحيح، بس البنت منكم بمية راجل من عينتهم”، كل هذا هو معالجة لأول تحدٍ تواجهه النساء وهو مساواتهن بالرجال، مع تجاهل أن حتى نجاحها لن يكون كافياً، فقط لأنها امرأة.

تخضع شخصية المرأة في مثل هذا النوع من الأعمال الدرامية و”الأكشن” إلى مساحة لا تخلو من التنميط، فحضور المرأة منوط بالرجل البطل وهي تشكّل هامشاً له لا أكثر.

تحاول نادين إثبات مقدراتها في قطاع المخابرات إلى حد تشبُهها بالرجال، تستوقفني هذه الصورة، لأن لها جذورها في الواقع، فهل تحتاج المرأة إلى التشبه بالرجال لتكون مثلهم؟ بل وأفضل منهم؟ هل تحتاج التشبه بهم لتثبت أنها امرأة قوية؟ يبدو أن شخصية نادين “المسترجلة” تسعى بشكل ما لترسيخ هذا النموذج الذي يستحسنه البعض ويرفضه كثيرون. لكن يبقى السؤال هل ستتطور شخصية “نادين” في الحلقات القادمة لتمتلك أهدافاً أكبر، منها تأكيد وجودها أكثر إلى جانب زملائها الرجال؟

يارا الكردي: الاستكانة الساذجة للخوف

يارا بطلة مسلسل “يوتيرن”، ﺿﺎﺑطﺔ ﻣﻼﺣﺔ ﺑﺣرﯾﺔ، وهذه وظيفة استثنائية بحد ذاتها. تبدو يارا للوهلة الأولى فتاة قوية، مستقلة وتحبُّ عملها، إلا أننا وبعد دقائق من بداية المسلسل، نصدم بصورة أخرى، مختلفة تماماً عن الصورة الأولى للبطلة، إذ تقرر يارا ترك عملها وحياتها الناجحة لتتزوج، والغريب هو خضوع امرأة قوية لزوج متشدد، يحدد لها شكل حياتها ويدفعها لترك عملها ودوائر علاقاتها السابقة. في الحقيقة لم يمهلنا السرد الكثير من الوقت لتبين هذا التغير الجذري، فما الذي يجبرها على هذه القيود حقاً؟

 يقدم لنا “يوتيرن” نموذج الفتاة الساذجة التي يخدعها الشريك ويتلاعب بها بحجة حمايتها والخوف عليها، فتتحول مفاهيم الغيرة المفرطة إلى حبّ، وفرض القيود إلى الخوف عليها. إنها الألاعيب النفسية ذاتها التي تُنتِج علاقات مشوهة ونساء ينجرفن خلف أفكار ذكورية ونمط حياة لا يشبههن، بل يتوهمن انتماءهنّ إليه. ندرك من خلال قول يارا “طول عمري نفسي أبقى أم، ومفيش راجل هيتحمل إن مراته تفضل مسافره بالشهرين والتلاتة”، أن الفتاة التي حاولت إدهاشنا بنجاحها في بداية المسلسل أصبحت حياتها منوطة بزوجها ومدى رضاه عنها.

يبدو مضحكاً تحوّل امرأة بهذه الطريقة الفجة فقط لأجل الزواج فهل هذا نتيجة نمط التربية الذكورية الذي يحتم على النساء المساومة بين رغبتهن في الأمومة وعملهن الذي سعين إليه طوال حياتهن؟ لذلك أبدى عدد كبير من المشاهدين استياءهم من تصدير هذه الصورة للمرأة، باعتبارها “هتفضل تحنّ لفكرة الأسرة”، وكأن العمل غدا ترسيخاً لهذه الصورة النمطية، إلا أن الدراما لها حسابات أخرى، فقد يقدم المسلسل في الحلقات القادمة صورة مختلفة أو تطوراً في الشخصية، لكن إن لم يحدث أي تغيير سيكون الطرح الدرامي هشّاً وغير مقنع على الإطلاق.

إقرأوا أيضاً:

فريدة، شيرين، ليلى: دوائر الدعم الآمنة 

يرتبط اسم المخرجة والكاتبة هالة خليل في أذهان المصريين بفيلم “أوقات فراغ”، أحد أهم أفلام السينما المصرية، والذي قدم لنا الصداقات القوية التي تستند فيها النساء إلى بعضهن البعض. تعود هالة خليل بمسلسل “أحلام سعيدة”، ببطولة نسائية جماعية، إذ يقدم المسلسل نساءً ينتمين إلى طبقات اجتماعية مختلفة، تحمل كل واحدةً منهن حكايتها الخاصة، المشترك في هذه الحكايات هو الثمن الذي يدفعنه بعد خذلان الرجال لهن.

فريدة الارستقراطية، حادة الطباع، تخفي خلف قناعها هذا قسوة ترك ابنها لها وانفصاله عنها، أما ليلى فهي الزوجة الثانية التي ارتضت بالحياة في الظل مع زوج يحرمها تحقيق رغبتها في الأمومة، وأخيراً شيرين غير المتزوجة والتي يعاملها المجتمع على أنها “عانس” تحتاج إلى رجل يكملها، لكن بعد ظهور الرجل، يتركها دون تبرير أو اعتذار لائق. 

تأتي استثنائية النص من العلاقة التي تربط الشخصيات، فكانت جلسات العلاج النفسي الجماعية كالأرق واضطرابات النوم هي الرابط الذي جمعهن.

القلق، هو حلقة الوصل والدائرة التي تقف فيها كل شخصية، لا على الحافة، بل في المنتصف تماماً، يعمل القلق وعلاجه من خلال الجلسات على دفع النساء إلى دائرة أمان، ويخلق بينهن حالة من التعاطف والقرب، والتي لا تحتاج إلى الكثير من المجهود وتتناقض تماماً مع حالة الخذلان الذي يحيط بهن في الخارج. يبدو لي هذا واحد من أفضل النماذج التي تجيد فيه هالة خليل تقديم شخصياتها النسائية، تزرعهن في أرض آمنة وتقدم لنا حكاياتهن في مساحة حميمة، لا تخلو من الكوميديا التي تقدم بالتوازي مع الجروح الداخلية التي تجيد النساء اخفاءها، وكل ما تحتاجه لإظهارها والكلام عنها هو دائرة آمنة وحسب.

وبالتوازي مع رصدنا لنماذج نسائية تمثيلية في دراما رمضان لهذا العام ينبغي أن نقف أيضاً أمام ضآلة المشاركة الفعلية للمرأة في إنتاج العمل الدرامي، سواء في الإخراج أو الكتابة أو الإنتاج أو التصوير، فإذا كانت المرأة تحاول أن تنتصر درامياً لحكايات الواقع، فعليها أيضاً أن تجد مساحتها خلف الكاميرات وفي السيناريوهات وألّا تبقى، حصراً، صوراً على أفيشات الموسم الرمضاني.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!