fbpx

تجربتي مع تطبيق “بامبل” للمواعدة:
من يملأ الفراغ؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لحقي حالِك”، ينصحنا المحبون في المجتمع. يفسّرون هذه النصيحة بأنهم يخافون أن يغدرنا الوقت فنمضي حياتنا خلف جدران الوحدة، وكأننا في سباقٍ مع الحياة أو وكأن النساء علب سردين عليها تنتهي صلاحيتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أكتب هذا المقال وبجانبي شاب “تعرفت إليه” عبر تطبيق “بامبل” الخاص بالمواعدة إلكترونياً. أكتب كلمة “تعرفت” بين مزدوجين، فلقاؤنا لم يتخط التعارف فعلاً وانحصر بمجرد تحريك إصبعي على شاشة الهاتف الى جهة اليمين، عند رؤية بعض صوره، ثم انتهى عند تبادل القليل من الأسئلة البسيطة التي نختبئ خلفها عادةً في التطبيقات المماثلة. لا يعلم الشاب الذي يجلس مع صديقته أنني لم أنهِ المحادثة لأنني لست معجبة به، بل ببساطةٍ لأني حذفت التطبيق مرةً أخرى. إنها المرة الرابعة التي أحذف فيها التطبيق بعد تحميله بأربعة وعشرين ساعة، خشيةً أن أبقى عرضة للمناقشة من خلال ما أشاركه من صور والقليل من التفاصيل التي لا تعبر عني أو تمت لي بصلة. 

أتصفح صور الشبان عبر التطبيق، لأجد من يحاول إظهار صورة حسنة عن نفسه من خلال بعض الجمل المضحكة، أو من يأخذ صوراً مع كلبه للفت الأنظار، أو من يضع “أبداً” في خانة الإنجاب، ليخبرنا أنه لا يريد الإنجاب يوماً. لا يمكنني تجاهل التفكير في أبعاد هذا التفصيل الصغير. هل فعلاً يمتنع البعض عن اختيار التكلم مع غيرهم فقط لكونهم اختاروا أن يكتبوا كلمة “أبداً” بجانب خانة إنجاب الأطفال؟ أين الرغبة في التعرف إلى اختيارات الأشخاص بعد الكثير من اللقاءات؟ أين تقبع الرغبة في مشاركة مخاوف الإنجاب، والتعلق والحب مع من يمكن أن يكون شريكاً لنا؟  

لست من معارضي هذه التجارب، فأنا أعي جيداً أنها تختصر الكثير من البحث، لكن لا يسعني سوى التفكير في أبعاد هذا “البحث”. أتصفح صور الشبان، أنتقدهم بناءً على صورة لا تظهر تفاصيل حركات الجسد ونظرات اللقاء الأول. أتصفح وأجد الانتقاء صعباً. كيف أختار التكلم مع واحد من عشرات الشبان، وكيف أتخلص من الأحكام المسبقة التي تخاطب عقلي؟ 

من يلجأ إلى هذه التطبيقات، وعمَّ يبحث؟ لماذا ننتقد الآخرين على هذا التطبيق؟ ربما أنتقدهم لأنني أعلم أنهم يخافون من الارتباط مثلي. 

الخوف من الارتباط  

وكأن الخوف من التعلق يزداد يوماً بعد يوم، فأجد معظم الأصدقاء يعترفون بهذا الخوف، ثم أجدهم يبحثون عن شريك/ة، وأنا لا أتكلم عمن يبحث عن التسلية، فهؤلاء يعلمون جيداً أنهم لا يريدون الارتباط. 

لكنني أتكلم عمن يريد الارتباط ويخشاه في الوقت نفسه، فيرضى باختيار شريك/ة لمجرّد الخوف من الوحدة. أطرح أهمية اختيار شريك/ة بكل ما للكلمة من معنى… هل يمكننا اختيار شريك/ة، قبل التعرف إلى أنفسنا؟ 

هل تسعنا مشاركة حياتنا مع الآخرين، فيما نخشى الوحدة، ونهرب من التعرف إلى ما نريد؟

 كيف نتعرف إلى أنفسنا؟ 

وفق مقولات الحب فإنه على الشركاء أن يكملوا بعضهم بعضاً، “اكتمال؟” كيف نكمل بعضنا بعضاً إذا لم نتعرف إلى أنفسنا أولاً؟ وهل البحث عن شريك يعني البحث عمن يملأ فراغات لم نستطع ملأها في المنزل مع أهالينا أو خلف جدران غرفنا مع أنفسنا؟ أتكلم هنا عن التماثل في انتقاء الشركاء مع أهالينا، دون القول حصراً أن الارتباط ضروري. ولكن إذا أردنا الارتباط حقاً وخشيناه، فهل انتظار من قد يملأ فراغات أكثر هو الحل المناسب، وكأنها مبارزة، “من سيملأ الفراغ؟”.

لست تقليدية، أو رومانسية باحثة عن حب الأفلام والكتب، على العكس، فأنا واقعية في التعرف والاعتراف بمخاوفي ايضاً: أعشق الوحدة وأخشاها، أخاف مع زوالها أن أفتقد نفسي ومع بقائها ألا يبقى لنفسي سوى نفسي. 

حب النفس، عملية مرهقة

البعض يحب نفسه دون المحاولة، لكن لكثيرين منا، فإن حب النفس عملية طويلة، تتطلب الكثير من التعلم، ولكنها في الدرجة الأولى تطلب الكثير من عدم التعلم والتخلي؛ التخلي عن أساليب الدفاع والمقاومة التي احتجنا إليها في فتراتٍ سابقة من حياتنا لتخطي بعض الصدمات. التخلي عن أساليب الدفاع صعب، يحتاج إلى المعرفة بعدم نجاح هذه الأساليب عندما لا نحتاج إليها، فيجد البعض أنفسهم باحثين عن أساليب جديدة في صلب احتياجاتهم، فيما يهرب البعض الآخر، مختبئين خلف التخبط، دون الحاجة إلى معرفة المزيد أو التعرف إلى النفس، وهي العملية الأسهل على ما أظن. 

نتعلم حب النفس في تحديد نقاط الضعف والاستماع إلى رغباتنا وتعلم روتينيات جديدة، ترضي وتحاكي أنفسنا. البعض يصف هذه الأساليب بالكتابة، او الرياضة، أو الطبخ أو التخلص من التأثر بأحكام المجتمع، أو من الرغبة في التغير لإرضاء الطرف الآخر، أو القراءة، أو التحقيق المهني للذات، أو اللجوء إلى العلاج النفسي. فلنسمي حب النفس كما تشاء كل نفس، لكن اكتشاف النفس تبقى الخطوة الأولى للوصول إليها. 

ربما أنتظر أن أكمل علاقتي مع ظلّي وأجد حالي قبل أن “ألحق حالي”، وأحرك اناملي عبر الشاشات.

الارتباط الفاشل أخطر من الوحدة 

تراني امرأة متزوجة أتصفح “بامبل”، فتتحمس وتسألني عن هذا التطبيق… أخبرها وترد بحسرة، “اختاري بدقة، أنت تختارين شريكاً، ربما (يشنخر)، أو ليس جيداً في السرير… انت تختارين شريكاً، مش بندورة للتبولة”. 

ليست المرة الأولى التي أرى فيها تحسّر المتزوجين وأجد الارتباط الفاشل أخطر من الوحدة. 

قد يختلف البعض معي، فماذا يعني الفشل حقيقةً؟ والحياة “أبسط من هيك”. إلا أن الارتباط الفاشل بالنسبة لي هو أي ارتباط يفشل في احتواء أو إرضاء أي من الطرفين، أو الأطراف (أشمل متعددي الشركاء أيضاً). 

 يفشل البعض في بناء عائلة، لمجرد أنهم لم يتعرفوا على أنفسهم قبل الارتباط، فيما يبقى آخرين دون شريك أو ارتباط (وهم يرغبونه)، فقط لأنهم يبحثون عمن يأخذ منهم الحزن ويحوله الى سعادة….”مثل السحر”. 

فما دور المجتمع من كل ذلك؟ 

ضغوطات المجتمع… “لحقي حالك” 

أعلم أن هذه الأفكار مرهقة والتعمق فيها يصعب الاختيارات لكنها أفضل من الإنكار بنظري. 

كثيرة هي التوقعات التي نلقيها على الشريك، قبل التوقع من أنفسنا والسؤال عما نستطيع أن نقدمه. هل أستطيع أن أمنح السعادة للشريك وأنا أعاني من اكتئاب حاد؟ ولماذا أجبر نفسي على أن أجد شريكاً إذاً؟ 

“لحقي حالِك”، ينصحنا المحبون في المجتمع. يفسّرون هذه النصيحة بأنهم يخافون أن يغدرنا الوقت فنمضي حياتنا خلف جدران الوحدة، وكأننا في سباقٍ مع الحياة أو وكأن النساء علب سردين عليها تنتهي صلاحيتها. أعلم جيداً طعم الوحدة، ولا أستلطفه، لكن الفرد يبقى وحيداً ما لم يعالج نفسه، إن كان مع نفسه، أو في غرفة تعجّ بالأحباء. 

 ربما، هذه الضغوطات هي المفتعل الأساسي للكثير من العلاقات الفاشلة التي يعلق فيها المتزوجون، تاركين آثاراً أبدية على أبنائهم، قد تترجم لاحقاً في علاقاتهم وخياراتهم العاطفية. 

ربما، لأني أفكر في كل ما سبق، وأتعلم يومياً كيف أتخلص من مخاوفي، أمحو تطبيق بامبل للمرة الخامسة اليوم. ربما، أعتبر هذه الوسيلة غير كافية لمعرفة ما إذا وجد الشريك نفسه أيضاً. 

ربما أنتظر أن أكمل علاقتي مع ظلّي وأجد حالي قبل أن “ألحق حالي”، وأحرك اناملي عبر الشاشات. 

إقرأوا أيضاً: