fbpx

مارين لوبان في الإليزيه: ماذا لو حدث ذلك؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فيما تتحضّر مارين لوبان وجماهير اليمين المتطرّف لمعركة فاصلة، يعتقد جزء واسع من اليسار الفرنسي اليوم أنّ تلك المعركة لا تعنيه وأنّ سنوات ماكرون الخمس كانت كافية ليغضّ النظر عن خطورة صعود الفاشية واستلامها مقاليد الحكم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لنتخيل أن المرشحة اليمنية مارين لوبان قد نجحت في الانتخابات الرئاسية الفرنسية …ماذا سيحدث؟

الأحد 24 نيسان/ أبريل، الساعة السابعة و40 دقيقة: الجميع متسمّرٌ أمام القناة الثانية، الوجوه قلقة، الأصوات خفتت، يخترقها تصريح مقدّم البرامج لوران دولاهوس ليعلن عن نسبة امتناع قياسية عن المشاركة في التصويت في الجولة الثانية من رئاسيات 2022. نسبة وصلت إلى 37 في المئة، أكثر بـ10 نقاط من تلك التي سجّلتها الجولة الأولى قبل أسبوعين.

في تمام الثامنة، تخرج النتائج الاوّلية معلنة فور مارين لوبان بالسباق الرئاسي وحصولها على 51 في المئة من أصوات المقترعين. إنها لحظة مفصلية في تاريخ الجمهورية الخامسة، زلزال سياسي في الحياة السياسية الفرنسية.

عند الثامنة والنصف، تبدأ مارين لوبان خطاب النصر المتلفز من مركزها الانتخابي في إينان بومون، فتشكر ملايين الفرنسيين الذين صوّتوا لها وتثني على من لم يتحرّكوا لمنعها من الوصول الى الاليزيه، ضاربين عرض الحائط “كذبة القوس الجمهوري”. بين الصرخات التي تعلو “مارين رئيسة” (Marine Présidente)، يرفع المتجمهرون شعار “لقد انتصرنا، هذه البلاد لنا”. (On est chez nous). بعد الشكر، توجّه زعيمة اليمين المتطرّف تحيّة كبيرة لفيرسانجيتوريكس، شارل مارتل، جان دارك وتختم كلمتها المقتضبة بالقول “لقد عادت فرنسا للفرنسيين، مبروك لكم، مبروك لنا”.

يعتقد جزء واسع من اليسار الفرنسي اليوم أنّ تلك المعركة لا تعنيه وأنّ سنوات ماكرون الخمس كانت كافية ليغضّ النظر عن خطورة صعود الفاشية واستلامها مقاليد الحكم، ويردّد بعضهم ببلاهة غير مسبوقة أنّ المفاضلة بين مصرفي ليبرالي ويمينية متطرفة لا تستوي.

ما إن تنهي مارين خطابها، ستخرج تظاهرات كبيرة في معظم المدن الفرنسية الكبرى وستندلع مواجهات في الأحياء الشعبية بين الـantifa ومجموعات يمينية متطرّفة. مئات السيارات المحترقة، مراكز الأحزاب اليسارية مستباحة، كذلك مراكز محازبي ايمانويل ماكرون. ستتخلى عناصر الشرطة عن مهماتها الطبيعية في ضبط النظام وفي الحدّ من تدهور الأمور، وعندما تتدخّل ستطلق النار على الجموع التي تجمهرت رافضة نتيجة الانتخابات.

ستعيش ضواحي العاصمة باريس ليلة سوداء وسينتظر الجميع الدخان الأبيض المنبعث من وزارة الداخلية في اليوم التالي. النتائج رسمية: لقد حصدت مارين لوبان 50.9 في المئة؜ من الأصوات وأصبحت أول رئيسة للجمهورية الفرنسية. بلدية باريس، المجلس الدستوري، مجلس شورى الدولة ومعظم المؤسسات ستتعرض لهجوم من مجموعات فاشية ونيو- نازية. حصيلة أولية تتحدث عن عشرات الضحايا في الضواحي ذات الأغلبية المغاربية.

سيستمرّ الوضع على ما هو عليه وسيأخذ “حزب التجمع الوطني” زمام المبادرة وسيدعو إلى تظاهرة تاريخية في باريس بمناسبة الأول من أيار/ مايو. التظاهرة السنوية ستتحوّل إلى عرض عضلات حقيقي ينتهي بحشد مليوني أمام نصب جان- دارك.

بعد أسبوعين من إعلان النتائج الرسمية، سيغادر ايمانويل ماكرون الاليزيه على وقع صيحات مناصري التجمع الوطني، وسيقف السكرتير العام للاليزيه ليعلن عن تسمية مارين لوبان إريك زيمور رئيساً للحكومة، مهمّته الاشراف على الانتخابات النيابية في حزيران/ يونيو. سيسمّي زيمور كلّ من جان- بول غارو لوزارة العدل، إريك سيوتي لوزارة الداخلية، وتيري مارياني لوزارة الخارجية.

ستستقبل الرئيسة المنتخبة فيكتور أوربان وستعلن عن رغبة فرنسا في إلغاء كل الاتفاقيات الأوروبية وستدعو الى خروج أحادي من الاتحاد الاوروبي سيأخذ طابع الـFrexit. سيتوجّه تيري مارياني إلى موسكو لزيارة صديقه فلاديمير بوتين وسيصارحه برغبة فرنسا الاعتراف باستقلال جزيرة القرم وروسية أراضي الدونباس. ثمّ يكمل جولته في الشرق الاوسط ليزور صديقه الرئيس السوري بشار الأسد ويكافئه على دوره في حماية أقليات المشرق، معلناً عن عودة العلاقات مع نظام الأسد وفتح السفارة الفرنسية مجدداً في دمشق.

بعد تعسّر المفاوضات بين أحزاب اليسار وعدم قدرتها على التوحّد تحت برنامج تحالفي واحد، سيحصد تحالف التجمع الوطني (لوبان) وحزب “الاستعادة” (زيمور) وحزب نيكولا دوبون- اينيان والجناح المنشقّ عن حزب اليمين الجمهوري (اريك سيوتي) نحو 260 مقعداً نيابياً. فيما ستحصد أحزاب اليمين الجمهوري واليسار والماكرونيون وحلفاؤهم والمستقلّون 317 مقعداً نيابياً. ستحدث المفاجأة وسيرفض حزب اليمين الجمهوري أن يفرض “المساكنة” (cohabitation) وسيفضّل أن تحكم مارين البلاد لسنوات خمس مقبلة.

في ظلّ استمرار المواجهات في المدن والبلدات الفرنسية، ستفرض الحكومة حالة الطوارئ وستدعو القوات المسلّحة إلى فرض النظام والأمن بالقوة.

ستتوّج الجلسة النيابية الاولى بالتصويت على المشاريع التالية: إلغاء حق المواطنة بالولادة (droit du sol)، حلّ عدد كبير من الجمعيات التي تعنى بالشأن الأهلي والاجتماعي ومنظمات مثل “أتاك” و”غرينبيس” و”سيماد”، العودة عن المهلة القانونية المحددة بـ14 أسبوعاً للحق في الاجهاض، عودة العمل بقانون الإعدام، حظر الحجاب على كل مساحة البلاد، إلغاء الحقّ في الرعاية الصحية والمساعدة الطبية الموقتة للأشخاص الذين يقيمون بصفة غير شرعية (AME)، تعديل قانون التجنيس، ترحيل حوالى مليون مقيم.

حتى الأمس القريب، كانت هذه الأحداث ضرباً من الخيال، وهي في الحقيقة سيناريو متخيّل كتبته على عجل وأنا عائد من الصيدلية إلى منزلي حين التقيت خواكيم راموس، الرجل المسنّ البرتغالي الذي يقطن في القرية التي أعمل فيها. هنا حيث سجّل اليمين المتطرّف نسبة قياسية وصلت إلى 28 في المئة، أي أكثر بـ22 نقطة من عام 2012.

في محادثة سريعة مع صديقي الذي يبلغ 86 سنة، هذا المسنّ الذي غادر البرتغال مطلع السبعينات إبان بطش الحقبة السالازارية قبل ثلاث سنوات من انتصار ثورة القرنفل، ليعمل بنّاء في ضواحي باريس، وليصبح مواطناً فرنسياً، استوقفتني عبارة واحدة دفعتني لأتخيّل هذا السيناريو المرعب: “لا يعرف هؤلاء اليوم كيف يدفعون فرنسا إلى التهلكة. سيحلّ خراب عظيم على هذه البلاد في حال وصل سالازاريو فرنسا إلى الحكم”.

فيما تتحضّر مارين لوبان وجماهير اليمين المتطرّف لمعركة فاصلة، يعتقد جزء واسع من اليسار الفرنسي اليوم أنّ تلك المعركة لا تعنيه وأنّ سنوات ماكرون الخمس كانت كافية ليغضّ النظر عن خطورة صعود الفاشية واستلامها مقاليد الحكم، ويردّد بعضهم ببلاهة غير مسبوقة أنّ المفاضلة بين مصرفي ليبرالي ويمينية متطرفة لا تستوي.

يذهب البعض الآخر إلى توكيد مريب بتقدّم برنامج لوبان الاقتصادي وصوابيته على برنامج ماكرون. وإن كانت الظروف مختلفة، فإنّ الامر يعيدنا إلى واقعة تاريخية في سجّل هفوات اليسار مع تصويت الـSFIO على السلطات المطلقة للماريشال فيليب بيتان عام 1940. وفي الحالتين، لن يختلف مشهد بيار لافال (رئيس حكومة فيشي الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية) أمام أوبيرا فيشي عن مشهد جان- ماري لوبان على مسرح الاليزيه في حال تحوّل هذا السيناريو المتخيّل إلى حقيقة واضحة مساء الأحد 24 نيسان.

بئس هذا اليسار، وبئس تلك الخاتمة.

إقرأوا أيضاً: