fbpx

“فاتن أمل حربي”: شجون مصريات مع الهجر الزوجي تحت مظلة القانون

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“عاد منذ أشهر وتواصل مع عائلته وزار أخوته، وحين أخبروه عني لم يطلب أن يراني، لا أقوى على تحديد مشاعري تجاه فرصة لقائنا، في داخلي بركان من الغضب أحاول إخماده منذ سنوات طويلة وليس لدي خيار أخر”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ارتمت عائشة (50 سنة) على أريكتها أمام التلفزيون بجوار ابنتها، أخذت تستعد لمشاهدة مسلسل “فاتن أمل حربي” ككثيرين وكثيرات، بينما كانت كارولين (33 سنة) انتهت من إعداد عشاء طفليها وتهدهد صغيرها الثالث فيما تتابع المسلسل ذاته.

ظهرت ميسون على الشاشة- وتجسدها الفنانة هالة صدقي- على كرسي الاعتراف باكية، تشكو بصوت شحيح متألم من ضعف نفسها فهي تحاول أن تتناسى زوجها الذي هجرها منذ عام ونصف العام وانقطعت سُبل الاتصال بينهما. 

بالنسبة إلى عائشة وكارولين، كان المشهد صدى لما تعيشانه في الحقيقة.

عائشة وكارولين اسمان مستعاران لامرأتين لا تشتركان في الديانة ولا تعرفان بعضهما لكن جمعتهما الحادثة نفسها، فكل واحدة تعرضت للهجر من زوج تركها لا مطلّقة ولا معلّقة.

على رغم أن المشهد خاطف جداً ضمن حلقة مملوءة بالأحداث، لكنه يكفي ليثير في نفوسنا الفضول حول هذه القضية المذكورة على عجل، في ظل الثورة الهائلة في وسائل الاتصال وفي ظل الثغرات القانونية التي تسهل على الزوج التنصل من أسرته والهرب ساعة يشاء.

“اختفاء الأب يحرم الأبناء من مشاعر الدعم والحب ولا تستطيع الأم بمفردها التعويض حتى وإن كان هناك من يحاول حل محله في الأسرة لا يستطيع منحهم المشاعر نفسها، ما يجعلهم أفراداً مشوهين ذات نفسية هشة، معرضين لكل الأمراض النفسية التي يصعب حصرها”. 

من خلال نورا (25 سنة)، ابنة عائشة استطعنا الوصول للقصة، “أمي المرأة الحديدية، للمرة الأولى رأيتها تبكي بحرارة بعد هذا المشهد، كأن بركاناً بداخلها انفجر، لقد رأت نفسها في المشهد”. “كلمة السر في هروب هذا الرجل- والدها- أنه شخص مستهتر لا يتحمل المسؤولية، كان عمري 3 سنوات عندما اختفى من حياتنا بشكل مفاجئ، بعد خلافات بينهما بسبب إهماله في العمل وإلقائه المسؤوليات المادية كلها على والدتي، ذات يوم اشتد بينهما الخلاف وترك بيتنا واستقر عند أخته، حاولت أمي تهدئة الوضع والتحدث معه، لكنه رفض واختفى تماماً وحين سألنا أخته قالت إنه عاد إلى قريته في الصعيد، ومن يومها لم نتواصل معه قط” .

الواقعة ذاتها تكررت مع كارولين، السيدة الأرثوذكسية، التي تروي لـ”درج”،  “القصة بدأت حين عرفت بخيانته المتكررة، لجأت إلى الكنيسة لتخلصني منه لكن القس اكتفى بالنصح، في مشاجرة عادية بيننا، طلب مني الذهاب إلى بيت عائلتي لتهدئة الوضع وبعد أسبوع حاولت التواصل معه لكنه اختفى تماماً حتى عائلته فقدت التواصل معه، وترك لي ثلاثة أطفال أكبرهم 8 سنوات”، وتابعت، “ترددت الأقاويل حول هروبه مع فتاة كان على علاقة بها، وذلك الاحتمال الأكثر إقناعاً بالنسبة إلي بخاصة مع انتشار أخبار عن اختفاء هذه الفتاة في التوقيت ذاته”. 

الاختفاء المفاجئ لأحد الأزواج يحدث خللاً في الأسرة، هذا ما استهلت به فاطمة الشناوي خبيرة الطب النفسي والإرشاد الأسري تصريحها لـ”درج”، “أن تستيقظ الزوجة ولا تجد زوجها أمر يصعب قبوله نفسياً لأنه يدخل المرأة في دائرة من الشك في ثقتها في نفسها وقد تذهب إلى جلد ذاتها لعلها كانت مقصرة ومع الضغط المجتمعي وحرمانها التعبير عن غضبها، يسيطر عليها الحزن وأعراض الاكتئاب وغيرها”.

 أما عن الأثر الواقع على الأبناء تقول “اختفاء الأب يحرم الأبناء من مشاعر الدعم والحب ولا تستطيع الأم بمفردها التعويض حتى وإن كان هناك من يحاول حل محله في الأسرة لا يستطيع منحهم المشاعر نفسها، ما يجعلهم أفراداً مشوهين ذات نفسية هشة، معرضين لكل الأمراض النفسية التي يصعب حصرها”. 

إقرأوا أيضاً:

ظلت عائشة محتفظة بزواجها لمدة 20 عاماً لحماية ابنتها فكانت تخشى أن تجبرها الضغوط العائلية والمجتمعية بعد أن تصبح مطلقة للزواج مرة أخرى وترك طفلتها، لكن فكر “نورا” نضج سريعاً وعاهدت نفسها أن تحرر أمها، قالت “لأن تنشئتي كان على يد أمي شعرت بتضحيتها الكبيرة من أجل حمايتي، وساعدني عملي في القضايا النسوية بمعرفة الإجراءات التي تمكنها من الحصول على حكم الخلاص، وبالفعل استطعنا أن نحصل على الحكم وقمنا بتنفيذه”.

الأمر لم يكن بالبساطة ذاتها مع كارولين، فهي التي سعت للطلاق من اللحظة الأولى، إنما لم تستطع الحصول عليه، فمن المعروف أن الديانة المسيحية ترفض الطلاق إلا في حالة الزنا.

يعطي قانون الأحوال الشخصية المصري في مادته رقم 25 لسنة 1929 حق الطلاق للزوجة إذا لم ترضَ بغياب زوجها ورفعت أمرها للقاضي ليراسل زوجها، فإن لم يرجع فله الحق في الحكم بما يراه من طلاق، وهو ما أكدته المحامية والناشطة نهاد أبو القمصان مديرة المركز المصري للمرأة، إذ قالت لـ”درج”، “إذا تغيب الزوج 6 أشهر فأكثر يحق للزوجة رفع دعوى طلاق للهجر، وتعلمه المحكمة للمرة الأولى في آخر عنوان ظهر فيه، وفي المرة الثانية من خلال النيابة العامة، وبعدها تحصل المرأة على الحكم”، وشددت على أن حق الطلاق المدني يمنح للمرأة المسلمة والمسيحية على حد سواء بالقانون طالما توافرت الشروط. 

عام 2016، كلف البابا تواضروس الثاني- بابا الإسكندرية- لجنة من كبار الأساقفة لصياغة قانون جديد للأحوال الشخصية للأقباط، كانت أبرز مواده  تنص على السماح بالطلاق المدني للهجر لكن دون إلزام الكنيسة بإعطاء تصريح بالزواج الثاني، بمعنى آخر هو طلاق غير معتد به بشكل شرعي. 

سعت كارولين للحصول على حقها في الطلاق بعد هجر زوجها لكن الكنيسة منعتها، تقول “حاولت الحصول على السماح بالطلاق لكن لم أستطع وطلبوا مني أن أنتقل من الكاثوليكية إلى الإنجيلية حتى يسمح لي بذلك، وهذه خطوة غير مضمونة لأن الكنائس الإنجيلية ترفض التحويل للمنفعة، والآن لا أستطيع حتى رفع دعوى أمام المحكمة لأن الطلاق المدني دون الإذن الكنسي لا قيمة له”.

وأكدت أبو القمصان أن المسيحيات يحصلن على الطلاق المدني في المدة المحددة في القانون للهجر- من 6 أشهر- وتوافر الشهود، ومن ثم يتم التفاوض مع الكنيسة لحل المشكلة، لكن سليمان شفيق الباحث والخبير في الشؤون القبطية يقول، “الطائفة الكاثوليكية فقط هي التي تحرم الطلاق نهائياً، أما الطوائف الإنجيلية والأرثوذكسية فتحكم بالطلاق في حال مر 5 سنوات على الهجر إذا أنجب وإذا لم ينجب بعد 3 سنوات فقط، ولكن ما ترفضه الكنيسة هو إعطاء حق الزواج مرة ثانية فقط”. 

وتواجه النساء المعاناة وحيدات، فإضافة إلى الهجر، هنّ لا يملكن أي سلطة على أبنائهن، إذ تبقى الوصاية بيد الأب الغائب، فالحصول على ورقة رسمية مثلاً يتطلب مشقة طويلة تتضمن أن تروي الأم حكايتها كلها، لعلّها تحصل على التعاطف اللازم للحصول على الوثيقة. وكذلك في مسألة السفر، التي تتعرقل بسبب غياب موافقة الأب.

تواجه النساء المعاناة وحيدات، فإضافة إلى الهجر، هنّ لا يملكن أي سلطة على أبنائهن، إذ تبقى الوصاية بيد الأب الغائب

حاولت كارولين نقل أطفالها إلى مدرسة أخرى لتخفيف المصاريف، كون راتبها لا يتجاوز الـ3000 جنيه أي نحو 160 دولاراً، تقول “حاولت نقل أبنائي من المدرسة رفضوا إعطائي ملفاتهم إلا في وجود الأب، حاولت شرح وضعي لهم لكن قالوا إن هذا هو القانون، وطلبوا مني استخراج ورقة من المحكمة تفيد بتغيب زوجي ولكني لا أستطيع إخراجها لأنني ما زلت متزوجة أمام القانون”. 

هذه الثغرة اعتبرتها نهاد أبو القمصان رئيسة “المركز المصري لحقوق المرأة” مأساة حقيقية للنساء، وتضيف: “الطلاق بسبب الهجر يعطي المرأة جميع حقوقها، إذ تنطبق عليه كل أحكام الطلاق في الحصول على الحقوق وأيضاً الحرمان من ولاية الطفل، فالحل الوحيد هو رفع دعوى أمام قاضي الأمور الوقتية، وغالباً قد يأتي الحكم في غير صالح الأم”، أما عن النفقة “فإذا كانت المرأة عاملة فلا نفقة لها، وإذا كانت غير عاملة تحصل على معاش من الدولة أو ترفع دعوى تلزم أب أو أخ الزوج بدفع نفقة للصغار”.

لا تفكر كارولين في العودة إلى زوجها حتى في حال طلب منها ذلك، كما أن والد نورا لم يطلب مقابلتها بعد هذه السنوات الطويلة من الهجر والحرمان، “عاد منذ أشهر وتواصل مع عائلته وزار أخوته، وحين أخبروه عني لم يطلب أن يراني، لا أقوى على تحديد مشاعري تجاه فرصة لقائنا، في داخلي بركان من الغضب أحاول إخماده منذ سنوات طويلة وليس لدي خيار أخر”.

إقرأوا أيضاً:

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 24.04.2024

مع زيادة التهديدات الإسرائيلية… عائلات تترك رفح

للمرة السادسة، اضطرت عائلة أمير أبو عودة إلى تفكيك خيمتها من مكان نزوحها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والتوجه بها إلى خان يونس التي تبعد عنها قرابة الأربعة كيلومترات، بعد تزايد الضربات الجوية الإسرائيلية على المدينة الحدودية مع مصر، وزيادة التهديدات بقرب تنفيذ هجوم عليها.