fbpx

الانتخابات اللبنانية :استعصاء السياسة على الجنوبيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أبرزت حادثة الصرفند الأخيرة التي شهدت اعتداء عناصر من “حركة أمل” على مرشحين من المعارضة معضلة أساسية في المسار الانتخابي الموعود في أيار (مايو ) القادم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 أبرزت حادثة الصرفند الأخيرة التي شهدت اعتداء عناصر من “حركة أمل” على مرشحين من المعارضة معضلة أساسية في المسار الانتخابي الموعود في أيار (مايو ) القادم.

   المعضلة هنا صنيعة عاملين أساسيين، المكان والانسداد الثقافي السائد جنوباً. لكن وطأتها إذ أصابت معارضين للثنائي الشيعي(حزب الله وحركة أمل)، فهي أيضاً، وبأثر رجعي، تكتسح وعياً شيعياً ارتهن لثقافة انسحبت من فضاءها الواسع نحو ضآلة وضحالة اتهامية متنها مفاهيم مبتسرة عن العمالة والخيانة والاسترزاق.

   فحين يتحول الوصول إلى مكان مفترض لتجمع معارض إلى عسر، يفترض الأمر إضاءةً على واقع جنوبي قد ينسحب على كل لبنان بتأثير من قوى السلطة، ومن على ضفافها.

  عموماً، هناك انهيار أصاب كل شيء، فلماذا يفترض أن يُجنب الثقافة مآلاته وقد استحالت الأخيرة بالتواتر، اغتراباً عن واقعها، ونمطاً غوغائياً يغرف موارده من سياسة هي في أحسن الأحوال ابتذال يخضع له اللبنانيين كل يوم.

    نموذجان فرضهما الحيز الجغرافي الذي أعيش فيه، وأكاد أدعي أن مقاربة كهذه تتشكل كعامل يستهلك البنى الثقافية في كل لبنان.

 المراكز الثقافية هذه لم تكن منذ افتتاحها ملكاً عاماً، بل تحولت بفعل وصاية السلطات المحلية عليها إلى مبانٍ يخضع ما يدور بين جدرانها لرقابة التنظيمين اللذين يتقاسمان النفوذ عليها، أي “حركة أمل” و”حزب الله”، فيما الثقافة التي تنتج عن هذه الوصاية هي ثقافة تتماهى حتماً مع الوجه العقائدي لهما، ثم مع الموقع السياسي الذي يقيمان فيه.

  ففي مدينة صور، مدينة الحرف، كما يُردد دائماً رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، شُيّد صرح ثقافي كان يفترض أن يحمل اسم المدينة الموغلة في تاريخ الثقافة منذ آلاف القرون. لكن الصرح الذي رعى برِّي تشييده، حمل اسم “باسل الأسد” الابن البكر للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والذي قضى بحادث سير على طريق مطار دمشق الدولي.

لماذا “باسل الأسد”؟ لأن السياسة حينها كانت الحاضرة في عقل نبيه بري وهو يسِم الصرح بهذا الاسم. كان بري يُقدم الثقافة قرباناً للسياسة من جهة، ومن جهة ثانية يُكثف تموضعه السياسي لبنانياً في محور كان سيده حافظ الأسد.

    وابن حافظ الأسد لم يكن يوماً قريناً للثقافة. بل أن تكوينه كان غالباً كانت كفيل باستعصاء الثقافة. كان “باسل الأسد” على ما نعرف”فارساً”، في سباقات الخيل، وكان أيضاً مشغوفاً بقيادة السيارات السريعة، والتي كلفته حياته. ولم يكن ليستعصي على نبيه بري استحضار شخصية ثقافية جنوبية ليمنحها شرف التسمية، لكنه آثر تكثيف السياسة في لحظة ثقافية خالصة. 

  وكي لا يبدو موت ابن حافظ الأسد استثماراً جنوبياً في الولاء، تصدر اسم باسل الأسد مركزاً ثقافياً آخراً في مدينة بعلبك. والمرء حين لا تخذله الدلالة المناطقية للصرحين الثقافيين، لن يخذله بالطبع إدراك ماهية (الثقافة) التي تخرج منهما، وهو امر يتيحه عموماً محرك البحث “غوغل”.

إقرأوا أيضاً:

  نموذج آخر عن احتضار الثقافة تحت وطأة السياسة تنكبته هذه المرة المملكة العربية السعودية.

  بعد حرب تموز-آب العام 2006 بين إسرائيل و”حزب الله”، كانت المملكة العربية السعودية المساهم الأكبر في إعادة إعمار ما خلَّفه العدوان الإسرائيلي. ضمن هذا السياق تكفَّلت بتشييد أكثر من مبنى، وفي عدة مدن وقرى جنوبية، تحت اسم “مركز ثقافي”. المفارقة هنا ليست في استدراج الثقافة إلى مآسي الحروب، وهذا من موجباتها. لكن ان تأتي من نظام لم يُعرف عنه ودَّاً للثقافة بمفهومها الشامل، هو ما يصنع مفارقة تحاول المملكة راهناً، وبمهرجانات الغناء!، تخفيف وطأتها على التباس موقعها من الثقافة.

  عموماً، المراكز الثقافية هذه لم تكن منذ افتتاحها ملكاً عاماً، بل تحولت بفعل وصاية السلطات المحلية عليها إلى مبانٍ يخضع ما يدور بين جدرانها لرقابة التنظيمين اللذين يتقاسمان النفوذ عليها، أي “حركة أمل” و”حزب الله”، فيما الثقافة التي تنتج عن هذه الوصاية هي ثقافة تتماهى حتماً مع الوجه العقائدي لهما، ثم مع الموقع السياسي الذي يقيمان فيه. هنا يُفضي الأمر إلى مفارقة شديدة الغرابة، وتحديداً في المراكز الثقافية المشادة سعودياً، والتي تقوم الوصاية عليها من “حزب الله”، حيث يُبنى الكثير من الخطاب (الثقافي) فيها على شتم السعودية، وهذا عموماً ليس من الثقافة في شيء.

  والمراكز الثقافية هذه يفترض ان تتخذ طابعاً عاماً، وأن تُتيح مكاناً يُسعف المعارضين بقدر ما هو مشاعاً لقوى الأمر الواقع، لكن تقلص دور الثقافة في لبنان إلى ثقافة تُغلِّب السياسة الهجينة او تخضع لها، فيه ما يفضي إلى استعصاء الأمكنة على المعارضين، فيما مركزاً ثقافياً كان كفيلاً بأن يسهل مشقة المكان.

    والحال، لا يبدو عاماً استعصاء الأمكنة على المعارضين جنوباً. هو أغلب الظن رهيناً لمسافة الخصومة مع ثنائية شيعية تغض الطرف عن معارضين مفترضين لها، أو تخضع غيرهم “للعين الحمرا” كما في الصرفند أحياناً.

إقرأوا أيضاً: