fbpx

سلطة القتل بين بحرَي بيروت وطرابلس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نجيب ميقاتي ابن طرابلس، المدينة الأكثر تعبيراً عن البؤس في لبنان. لكنها بوجوده على رأس الحكومة تعطي مؤشراً عن التفاوت الهائل بين أحوال الشعب، وبين من هم في السلطة. أما العجز عن تقدير حجم هذا التفاوت، ففي مقابلة صورة قارب الموت مع يخت ميقاتي ما يُسعف العاجزين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أمام كل مأساة، هناك دائماً محاولة لتدجين ذاكرتنا. وهذه من صنائع السلطة. تدجين الذاكرة في اختزال المأساة إلى مجرد ذكرى غالباً ما تلغيها تلك الذاكرة حين تقع مأساة جديدة.

وغالباً ما كان تكاثر المآسي، أو تناسلها، وليد قدرة مسببيها على الإفلات من العقاب، وهو سبب كافٍ لصناعها في تكرارها، بقدر ما تحتمل أسبابها من وهننا في وقوفنا على أطلال ما سبق، وانتظار ما هو آت.

 قارب الشمال الذي ننعي ضحاياه راهناً لن يكون آخر طقوس الموت، هذه على الأرجح مسلَّمة. وكما كل مرة، سنكون أمام جدراننا الافتراضية نكثف غضبنا، ثم نُخرجه من دواخلنا كشتائم لم تردع يوماً صانعاً للموت من فضٍّ قسري لحياة تنتظر ساعتها المحتومة.

نحن إذاً أمام موتٍ جديد، وأغلب الظن، سيُكتب فيه النجاة لفاعل يُشكل البحث عنه راهناً عَطَباً يضاف إلى مثيله الذي يدين لوهن ذاكرتنا.

 إنها السلطة الحاكمة أولاً وأخيراً، وبمشتقاتها السياسية والعسكرية. ويلتحق بها من هم مفترضون، مثلنا، كضحايا لموت مؤجل، ممن تراودهم فكرة رد أسباب الموت الراهن إلى من وقع عليهم هذا الموت، وكما لو أن فكرة الموت صارت ديدن كثيرين كقدر مجاني. ومُعللون كهؤلاء هم صورة قبيحة ورديئة عن صورة السلطة السياسية والأمنية التي عودتنا أمام المآسي على احترافها الخبث في اجتراح الهروب من جرائمها.

   فمن مات اليوم هو بالضرورة، وفي أسوأ الأحوال، هارب من موت معلن إلى موت محتمل، أو لنجاة كانت لتفتح أمامه حياة جديدة صارت احتمالاً بعيداً في وطنه بوجود هذه السلطة المجرمة. وهذا سبب كافٍ لتُردَم في سياقه كل تلك الأسباب التي ستُضعِف مفاعيل الإدانة عن المجرم الحقيقي، نحو ضحية تضاعف موتها محاولة إلباسها أسبابه، فتصبح الضحية مذنبة.

   أبعد إذاً من محاولة السلطة رتق جريمتها باعتلال قارب، وبإحالة “رحلة الموت” إلى هجرة غير شرعية في بلد اعتلَّ فيه كل ما هو شرعي. نحن أمام مأساة تجب مقاربتها بمُسلَّمة وحيدة، أن كل موت معلن أو محتمل هو بالضرورة في ميزان هذه السلطة الجائرة، وأن أسباب الموت، وإن تعددت، فالمُسبِّب واحد. 

وجبل الجليد في أحوال اللبنانيين هو هذه السلطة التي شظَّت جثثنا في بحر بيروت يوم الرابع من آب/ أغسطس 2020، وفي بحر طرابلس راهناً.

عموماً، صارت معظم فصول المأساة معروفة. وما ليس عابراً استدراج صنف المنكوبين إلى المشهد. فنحن هنا أمام أُسر كاملة، أمام أطفال ونساء، ما يُعزز فرضية النجاة أقله في نظرهم، بقدر ما يلجم فرضية المجازفة التي تفترض بالمُجازفين أن يتنكبوها دون أطفالهم، وتحاول كل سردية خارج سرديتهم لما حصل، وضعنا أمام حتفٍ جماعي اختياري لن يعفي هذه السلطة من وزره، أو يمنحها ما يخفف من مسؤوليتها عن مأساة مواطنين صارت ضالتهم الوحيدة الهروب من جحيمها. 

  من خارج مشاهد الموت، وعلى شاطئ مدينة نيس الفرنسية، وفي لحظة مأساة القارب، يرسو يخت رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي.

ونجيب ميقاتي ابن مدينة طرابلس، المدينة الأكثر تعبيراً عن البؤس في لبنان. لكنها بوجوده على رأس الحكومة اللبنانية، تعطي مؤشراً عن التفاوت الهائل بين أحوال الشعب، وبين من هم في السلطة. أما العجز عن تقدير حجم هذا التفاوت، ففي مقابلة صورة قارب الموت مع يخت ميقاتي ما يُسعف العاجزين.

معظمنا شاهد فيلم “التيتانيك” ذائع الصيت. كان الفيلم مشهديات عن مأساة موت أكثر من 1500 شخص بينهم شخصان استلبا غالباً وجدان كل من شاهده، برغم الموت الجمعي الذي سببه اصطدام السفينة المذكورة بجبل من الجليد.

وجبل الجليد في أحوال اللبنانيين هو هذه السلطة التي شظَّت جثثنا في بحر بيروت يوم الرابع من آب/ أغسطس 2020، وفي بحر طرابلس راهناً.

إقرأوا أيضاً: