fbpx

العدالة الوحيدة: أن يكون جوني ديب هو نفسه “جاك سبارو”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الجميع ينصاعون إلى الذكورة، نساءً كانوا أم رجالاً، والرّجل إذا لم يكن ذكراً فهو بالتّأكيد رجلٌ مخصيّ وبلا أهميّة، أمّا الأنوثة فهي الدور الغامض الذي وظّف المجتمع المرأة للتمسّك به، أو كما قالت الكاتبة النسوية بيتي فريدان، هي “المشكلة التي لا اسم لها”.‏

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يقول شكسبير في مسرحيّته “تاجر البندقيّة”: “لا يرى أحدٌ منّا الخلاص في سياق العدالة”.

في الأفلام والحكايات، دائماً ما تنتهي قصص الحبّ بطريقة مأساويّة. “هذا ليس حبّاً، هذا ليس سعادة” يُسمع النجم الهوليوودي جوني ديب وهو يقول تلك العبارة في تسجيل صوتيّ له ظهر في إحدى قاعات المحكمة في فيرجينيا في الولايات المتحدة، حيث تدور أحداث المحاكمة العلنيّة بين النجم جوني ديب وطليقته آمبر هيرد.

إهانات وضرب وإصبعٌ مقطوعة وتعويضات بملايين الدولارات. قصّة الحبّ كانت بدأت بين النجمين خلال تصوير فيلم “يوميّات الرم” عام 2012 في ذلك المشهد تحديداً، داخل السيّارة الحمراء التي كان يقودها ديب على طريق سريع وإلى جانبه تجلس آمبر بشعرها الأشقر وبشفتين أكثر احمراراً من السيّارة. لا بدّ أنّ الحب دفعهما حينها إلى قيادة السيّارة نحو طريق مقطوعة تنتهي عند بحر أزرق مفتوح على الاحتمالات. 

النهاية نفسها حدثت في الحقيقة، فبعد 15 شهراً فقط من زواجهما الذي عقد عام 2015، رفعت هيرد على ديب دعوى قضائيّة تتّهمه فيها بالإساءة إليها عندما كان واقعاً تحت تأثير المخدرات والخمر، وبرغم نفي ديب تلك الادعاءات، تمّ الاتفاق على تسوية ماليّة بمبلغ 7 ملايين دولار.

لكنّ القصّة بين النجمين لم تنتهِ هنا، فديب قام أيضاً برفع دعوى قضائيّة على طليقته بتهمة تشويه السمعة، مطالباً بتعويض قيمته 50 مليون دولار، بسبب مقال نشرته هيرد في صحيفة “واشنطن بوست” عام 2018 تتحدّث فيه عن تجربتها الشخصيّة مع الاعتداء الجسدي.

تقاذف الزوجان الكثير من الدعاوى القضائيّة في السنوات الماضية، منها الخاسرة ومنها الرّابحة، إضافة إلى اتّهامات متعلّقة بحياتهما الشخصيّة بتفاصيل دقيقة ومقزّزة، إحداها تلك المتعلقة بضرب هيرد ديب، بزجاجة ما أدّى إلى قطع جزء صغير من إصبعه، وأخرى متعلّقة بإظهار مقطع صوتيّ يحاول فيه ديب إحراق زوجته بسيجارة.

قبل الحديث عن العدالة، علينا التحدّث أوّلاً عن الهويّة الإنسانيّة لا السينمائيّة. ماذا يعني أن تكون رجلاً مثلاً أو امرأة؟ ما هي الصفات التي من الأجدر بك أن تتحلّى بها لكي تقوم بأداء دورك الرمزيّ أمام العالم على أكمل وجه. 

ربما ينبغي أنّ نكفّ عن الاختباء خلف أصابعنا في هذه الأمور، فالهويّة هي رمز المجتمع الذي لا ينفكّ يؤنّب ضمائرنا. رجلاً كان أمّ امرأة، بإمكان الإنسان أن يختار أيّ دور، وأن يؤدّي أيّ شخصيّة يريد، شخصية قرصان أو زعيم مافيا، أو امرأة مظلومة.

فمن خلال متابعة سياق المحاكمة، يمكننا أنّ نتحدّث عن الظلم والعدالة طوال اليوم، أن نبحث عن الحقائق في إجابات المدّعي والمدعى عليه، وأن نسلسل الأدلّة التي حتماً ستؤدي بنا إلى معرفة الحقيقة، التي يتربّص خلفها جلّاد وضحيّة. 

لكن مهلاً، ماذا سيجعلنا ذلك، من نحن حين نودّ أن نترأس المقاعد الأماميّة لهذه الحفلة، أو لهذا المشهد الذي تتتابع حلقاته كمسلسل أسبوعيّ، هل نحن الجمهور؟ عامّة الشّعب؟ الرأي العام؟ أمّ مجرّد مشاهدين وجدوا تسليتهم على إحدى قنوات البثّ المباشر؟

ما هو موقفنا من هذه المحاكمة؟ ماذا يغيّر ذلك في حقيقة أنّنا نشاهد حياة أحدهم الزوجيّة ونشهد على ما لم نره كأنّنا سرحان عبد البصير؟ أم أنّنا في انتظار قرار القاضي لإعلان الجلّاد الحقيقيّ من أجل أنّ نضحّي به على الملأ. لكنّه قالها بعظمة لسانه: لقد خسرت كلّ شيء حتّى لو أثبتت براءتي غداً…

ماذا جنت هيرد من كلّ تلك الفضيحة التي كان بالإمكان تلافيها، هل كان الوداع صعباً، أم هو الطلاق، هل كان من سابع المستحيلات أن يترك أحدهما رسالة نصيّة يقول فيها للآخر إنّه يستحسن أن ينفصلا، وأن تلقى تلك الرسالة قبول المرسل إليه؟

أعترف بأننّي أتمنّى أن يكسب “جاك سبارو” بطل سلسلة أفلام “قراصنة الكاريبي” تلك المعركة، والتي كانت أصعب من أيّ معركة خاضها فوق سفينته “الجوهرة السوداء” ضدّ أساطيل من الأموات الأحياء، وحوش البحر، وحتّى ضدّ رجل أذاقه الحبّ أوحش اللعنات، وهي أن يعيش مع حزنه إلى الأبد دون أن ينال رحمة الموت. لكن رؤية ديب في ذلك المكان وعلى ذلك النحو، كانت بحدّ نفسها إعلان هزيمة. 

عندما قال شكسبير إنّ العدالة ليست خلاصاً، أراد بقوله ذاك أن يمجّد قوّة الرحمة باعتبارها الخلاص الوحيد وأنّ العدالة يستحيل تحقيقها لأنّ لا أحد يستطيع نيلها مهما حاول ذلك.

في المحاكمة، سمعنا تسجيلاً صوتيّاً لجوني ديب وهو يقول بأنّه لا عيب في أخذ استراحة قليلة من الصراخ، ومن والتكلّم في الأمور العالقة بينه وبين هيرد. بحث في حمّام بيته عن دقائق من الراحة قبل أن تندفع زوجته نحو باب الحمّام، لتخبّط عليه بهدف متابعة النّزاع، وكأنّها تطلب منه أن يكون رجلاً آخر، لا بل كأنّها تقول له وهي تقوم بلكمه على وجهه: هيّا كن ذكرا… لا تبكِ… كن ذكراً حقيقيّاً ولا تبالغ في البكاء مثل الأطفال.

كان يردّ عليها بنبرة بسيطة دائماً، نبرة شخص ليس ضعيفاً، بل إنما مهزوم،

“ذلك لا يعني بأنّني عاجز عن مواجهتك، حتى الملاكمون يحتاجون وقتاً لالتقاط أنفاسهم، الشّيء الذي تمنعينني عن القيام به”.

يمكننا أن نفكّر بأيّ سيناريو نحن المشاهدين، يمكن أن تجرّنا عواطفنا لخلق أيّ قصّة وتصديقها.

يمكننا مثلا أنّ نفكّر بأنّه ليس في كلام ديب ما يدلّ على تهمة الضعف، بل كان شخصاً أفضل منها في كونه إنساناً أو في كونه عقلانياً وأكثر هدوءاً. ربما كانت تغار منه وهذا كلّ ما في الأمر. إلخ…

أمّا هو ربّما لم يكن ناضجاً بما فيه الكفاية. ربّما كان طفلا يحتاج لأن يكبر بالفعل. لابدّ أنّه قد كذب، في النّهاية ديب هو واحد من أفضل الممثّلين على الإطلاق.
أليس الحبّ هو الكذبة الأكثر عنفا على الإطلاق؟

يقول جاك لاكان أنّ من وجهة نظر المرأة، هناك شيء ما قاهر، أو لنقل لا يمكن الدفاع عنه، حقيقة أنها توضع في منزلة الموضوع داخل النظام الرمزيّ، والذي تنصاع له كما ينصاع الرجل.

الجميع ينصاعون إلى الذكورة، نساءً كانوا أم رجالاً، والرّجل إذا لم يكن ذكراً فهو بالتّأكيد رجلٌ مخصيّ وبلا أهميّة، أمّا الأنوثة فهي الدور الغامض الذي وظّف المجتمع المرأة للتمسّك به، أو كما قالت الكاتبة النسوية بيتي فريدان، هي “المشكلة التي لا اسم لها”.‏

يمتلك جوني ديب قضيباً وغضباً ومالاً وفيراً، إلّا أنّه لم يكن ذلك الذّكر الذي اتّهمته زوجته بكونه ايّاه. العقم والقوّة، لا يحدّدان هويّة الإنسان، بل لا شيء يحدّدها، وذلك لكونها مجرّد موضوع رمزيّ يسهّل علينا محاكمة الآخرين من خلاله، برغم أنّه من اللاعدالة أنّ نعامل البشر كأنّهم ممثّلون في تجارب أداء، كأنّ نختارهم مثلاً بحسب أدائهم وتألّقهم ليؤدّوا أدواراً رائعة في حياتنا. 

لا يعرف المرء أحبّته إلّا في الخفاء، وفي الصباحات التي تشرق فيها الشّمس من نافذة المطبخ، حتّى لو كانوا في اللّيل قراصنة أشدّاء وفي الصباح رجالاً يبكون في حمّاماتهم كالأطفال، كان على آمبر أن تميّز بين الحقيقة والخديعة، في أنّ جوني ديب ليس هو جاك سبارو. 

إقرأوا أيضاً: