fbpx

طرابلس… صور المرشحين فوق جثث الضحايا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تأتي الانتخابات وترفع الشعارات، فيما لا تزال هذه المدينة تلملم جراحها، يهرب أهلها من الموت الى آخر، ومن ثمّ يلامون لأنّهم سافروا بطريقة غير آمنة وكأنّ لديهم أي خيار آخر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أحياء باب التبّانة، في طرابلس، شمال لبنان، لا يمكن إخفاء  ملامح الفقر المدقع، إذ تبدو واضحة على الأبنية التي تقاوم لعدم السقوط، وسط صور المرشحين إلى الانتخابات النيابية المرتقبة في 15 أيار/ مايو المقبل.

داخل أحد تلك الأبنية وبعد أيام من مأساة غرق قارب الهاربين من الجحيم في عرض البحر، تعيش عائلة الحموي المفجوعة على ابنها وعائلته، فنصفهم قضى في البحر، فيما النصف الآخر ما زال مفقوداً، فيما تمكن شخصان من النجاة. 

وسط حشود من النساء اللواتي أتين لأداء واجب العزاء، تجلس فاطمة الحموي شقيقة محمّد الحموي المفقود في البحر وهو معيل لعائلة مؤلّفة من 6 أشخاص، على كرسي بلاستيك، تبكي تارة، وتروي الحادثة بتفاصيلها تارة أخرى، تؤكّد أنّ محمّد لم يخبر أحداً بمخططه، فقط حمل عائلته وهم زوجتان إحداهما حامل بتوأميْن، وابنتان وصبي واحد. بغصّة تسرد فاطمة قصّة شقيقها الذي خنقه الغلاء المعيشي وأجبره على إخراج أولاده من المدرسة بسبب غلاء كلفة النقل. 

لم يكن ذلك الدافع الوحيد الذي أجبر محمّد على الهروب من قعر جهنّم، إنّما أيضاً عدم القدرة على تأمين القوت اليومي، فآخر ما عمل فيه كان جمع النفايات، التي لم تكن تكفيه لتلبية حاجات أسرته، علماً أنه قبل الأزمة كان يملك محل حديد في المدينة. 

تملأ الشعارات الانتخابية المدينة، انطلاقاً من ساحة النور وحتى الأحياء الضيّقة في أرجاء المدينة، وكأن القهر الذي يعيشه أهل المنطقة عابر، فالمعركة السياسية تعلو فوق أوجاع الأهالي وفوق جثث الضحايا.

ابن محمّد شاهد على الحادثة، قال لعمّته فاطمة إن الزورق كان يمضي في البحر فيما كان الركاب يأكلون بشكل طبيعي، لكنهم فوجئوا بأن ثلاثة زوارق تابعة للجيش اللبناني حاصرتهم، وكرّر أحد الضبّاط عبارة: “بدي غرّقكم” وشتمهم. من هول المشهد، وبعد بدء الزورق بالغرق، قفز كثيرون في المياه جاهلين مصيرهم. 

وتابعت فاطمة أنّ محمّد اتخذ القرار بوضع ولديْه في أقرب نقطة مع حقيبة ليتكئوا عليها. وبعد التأمين عليهما، سبح محمّد نحو زوجتيْه وابنته، ومن ثمّ اختفى اثره نهائياً حتى اليوم. أمّا عن أمه، فقال الصغير إنّه رآه للمرة الأخيرة عندما حضنت أخته وقفزت في البحر وكانوا على شفير الوصول إلى المياه الإقليمية. 

على رصيف مدينة القبّة التي تبعد ما لا يزيد عن 5 دقائق من باب التبّانة، يجلس محمود دندشي برفقة أصدقائه الذين يحاولون مواساته بفقدان أبناء أشقّائه. وقبل مرور الجنازة وعيناه حمراوان من شدّة البكاء، قال أنّه لا أمل بهذه الطبقة السياسية وأضاف: “ما خسرناه يكفي، ولا شيء يمكن أن يعوّض خسارتنا” وباعتقاده أنّه في بلد لا تحكمه دولة، لن تظهر الحقيقة وبضعة أيام وتعود الحياة الى طبيعتها وكأنّ شيئاً لم يكن. 

تعيش هذه المدينة سلسلة من التناقضات، وهي في خضمّ معركة انتخابية يفترض أن يبدي المرشّحون فيها اهتمامهم قبل الاستحقاق، إلاّ أنّهم فضّلوا تجاهل ما حصل، إذ أكّدت عائلة الحموي أن لا أحد من المسؤولين اتصل بهم، وكذلك عائلة دندشي التي فقدت ثلاثة أطفال. داخل الأزقّة التي تعاني من نقص في أبسط الأسس الحياتية، تعلو لافتة تيار العزم الذي يرأسه رئيس الحكومة اللبناني وأغنى أغنياء العالم العربي، نجيب ميقاتي. 

إقرأوا أيضاً:

تملأ الشعارات الانتخابية المدينة، انطلاقاً من ساحة النور وحتى الأحياء الضيّقة في أرجاء المدينة، وكأن القهر الذي يعيشه أهل المنطقة عابر، فالمعركة السياسية تعلو فوق أوجاع الأهالي وفوق جثث الضحايا.

في هذا السياق، أكّدت فاطمة أنّها لن تمنح أحداً من المرشحين صوتها، لأنهم لا يستحقّون، إذ أهملوا المدينة وشؤون أهلها منذ زمن، “تعلّمنا الدرس” مضيفة أنّ المنطقة قابعة في العتمة منذ أكثر من أسبوعين ومقطوعة من المياه ولم يلتفت أحد  للموضوع. 

تأتي الانتخابات وترفع الشعارات، فيما لا تزال هذه المدينة تلملم جراحها، يهرب أهلها من الموت الى آخر، ومن ثمّ يلامون لأنّهم سافروا بطريقة غير آمنة وكأنّ لديهم أي خيار آخر. طرابلس صورة واضحة للإهمال والقهر والنسيان، في المقابل تسهل شيطنتها وتقسيم النفوذ والغنائم على حساب أفقر مدينة في الشرق الأوسط.  

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!