fbpx

لبنان: قصة حسين الحاج حسن…
“المخترع” الذي لا يحبّه ناخبوه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعيد “حزب الله” ترشيح الحاج حسن متجاوزاً كل التململ منه والاحتجاج على أدائه. بينما ينسحب مرشحون على لوائح معارضة له في ظروف غير واضحة ومن على منابر الحزب الإعلامية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فجأة اكتشف اللبنانيون “اختراعات” نائبهم حسين الحاج حسن. ففي حين اعتادوا على سماع تبريرات مختلفة عن مصادر ثروات مسؤوليهم، فاجأهم النائب عن “حزب الله” بتبرير جديد. تحدث المرشح مجدداً عن مصادر ثروته. الحاج حسن مرشح عن قضاء بعلبك- الهرمل، الذي يمثل إحدى أكثر المناطق فقراً في لبنان. وفي حديثه عن ثروته قال: “جئت من فرنسا ومعي المال. كنت أعمل على رسالة دكتوراه مدفوعة الأجر وفيها براءة اختراع”. يحكي الحاج حسن أن مصدر ثروته الذي مكنه من افتتاح الكثير من المشاريع هو براءة اختراع سجلها باسمه خلال دراسة أجراها في الجامعة التي تخرج منها، وتمكن بنتيجتها من إنتاج مواد تسمح بخلط الزيت بالماء. يأتي هذا التصريح فيما يعاني أبناء بعلبك- الهرمل من أزمة معيشية خانقة بينما ينعم نائبهم بالمال والراحة. هذا ويعجز “المخترع” عن القيام بواجباته التشريعية منذ دخوله إلى المجلس قبل نحو 26 عاماً.

على مواقع التواصل انتشر جزء مقتطع من مقابلة سميت “جردة حساب”. تمنح المقابلة مساحة للنائب للرد على جميع التسريبات التي تشير إلى تورطه بالفساد وتذمر الناس منه، وتبييض صورته وضبط الاعتراضات التي تطاوله من أهالي بعلبك- الهرمل قبيل موعد الانتخابات في 15 أيار/ مايو.

وبدا انتشار الفيديو كمواجهة بين الحاج حسن والناس الذين قابلوا روايته بالتكذيب والسخرية، وراح بعض خريجي وطلاب الدكتوراه في أوروبا يسردون معاناتهم في ظل الصعوبات المالية التي يواجهونها يرغم حصولهم على منح تغطي تكاليف الدراسة.

ادعاء الحاج حسن عن مصدر ثروته الذي جاء متأخراً 26 عاماً على دخوله الندوة البرلمانية، في العام 1996، استدعى التشكيك بروايته، ودفع أشخاصاً للبحث عن دليل يثبت قوله. فلا شيء في سيرة الحاج حسن الرسمية يحكي سابقاً عن اختراعه وامتلاكه براءة فيه. بل مجرد حديث عن كتب.

في منشور عبر “فيسبوك”، أكدت الباحثة في جامعة “أوكسفورد” ندى محمد أنها لم تجد أي براءة اختراع باسم الحاج حسن مسجلة في مكتب براءات الاختراع الأوروبي. وأشارت الباحثة إلى أن براءة الاختراع التي ذكرها النائب تعود إلى مدير المختبر، برنارد غالوت، حيث أنجز الحاج حسن دراسته. “بالتالي لن يحصل الحاج حسن على شيء من الأموال التي يمكن أن يكون غالوت قد حصل عليها من براءات الاختراع. وعادة ما تكون المنح بسيطة وهدفها تغطية نفقات المعيشة في البلد المذكور.

في الانتخابات، تستخدم المساعدات التي يقدمها الحزب لأهالي المنطقة أداة للرشوة والابتزاز، لتفرض عليهم إعادة انتخاب الحاج حسن نائباً لأربع سنوات مقبلة.

من دكتوراه إلى تجنيد الطلاب

ولد الحاج حسن عام 1960 في بلدة النبي شيت في قضاء بعلبك. نال عام 1981 إجازة في الكيمياء من كلية العلوم في الجامعة اللبنانية. يقول إنه بدأ رحلته مع الحزب عام 1979، أي قبل تأسيسه. وهو ما قد يفسر تمسك الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، بترشيحه رغم الحساسية التي يسببها للكثير من الناخبين المؤيدين للحزب. يقال إن الحاج حسن شارك في قتال الإسرائيليين في بيروت عام 1982. وبينما كان مجنداً في الحزب سافر إلى فرنسا لمتابعة دراسته، فحصل عام 1984 على ماجستير من جامعة ستراسبورغ عام 1984. وعام 1987 نال شهادة دكتوراه في الفيزياء والكيمياء الطبيعية من جامعة أورليان.

عاد العنصر الحزبي إلى لبنان ليعمل أستاذاً متفرغاً في الجامعة اللبنانية وليتنقل بين مناصب حزبية عدة. عام 1991 استلم الأستاذ الجامعي منصب مسؤول التعبئة التربوية في “حزب الله”، وهو منصب يجعل مهمته تجنيد الطلاب لمصلحة الحزب. عام 1996 دخل الندوة البرلمانية للمرة الأولى ليعاد انتخابه في الأعوام 2000 و2005 و2009 و2018.

قبل سنوات من خطاب نصرالله الشهير الذي دعا فيه اللبنانيين إلى الزراعة على الشرفات لمواجهة الأزمة المالية، عين الحزب الحاج حسن وزيراً للزراعة في حكومتين متتاليتين، من عام 2009 حتى عام 2014. بعدها استمر تمسك الحزب بوزيره وعينه وزيراً للصناعة لمرتين متتاليتين بين العامين 2014 و2019. 10 سنوات إذاً أمضاها الحاج حسن في مجلس الوزراء. يدعي أنه أنجز الكثير خلال توليه وزارة الزراعة، برغم قوله إن “أكثر محل قصرت فيه الدولة هو الزراعة والصناعة”.

يرأس الحاج حسن اليوم لجنة الإعلام والاتصالات. ولعل أبرز إنجازاته النيابية استدعاء رؤساء مجالس إدارات المرئي والمسموع إلى اللجنة بعد حلقة للزميلة ديما صادق على شاشة الـ”أم تي في” اتهمت فيها “حزب الله” بقتل الكاتب والمعارض الجريء لقمان سليم. حاول الحاج حسن استغلال نفوذه في اللجنة لمحاكمة الإعلام وتطويعه ومحاولة فرض معاييره بقرار حزبي. يومها سألت نائبة رئيس مجلس إدارة “قناة الجديد” كرمى خياط “هل نحن أمام لجنة الاعلام داخل مجلس النواب أم لجنة الإعلام لتسيير شؤون “حزب الله”؟”.

نموذج “حزب الله” في الحكم

يشكل الحاج حسن نموذج “حزب الله” في الحكم والإدارة. يقول إنه ينفذ أوامر حزبه وقرارات مجلس الشورى فيه ولا يملك حرية النائب المستقل. وبرغم أنه من أبرز وجوه “حزب الله” المعروفة، وممن جمعوا لعشر سنوات متتالية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لكنه يبدو في الآن عينه من أكثر شخصيات الحزب التي يرفضها جمهوره ويعبر علناً عن اعتراضاته على أدائها. فقد شهدت نشاطات للنائب اشتباكات لفظية بينه وبين الحاضرين.

قبيل انتخابات عام 2018 وجد الحاج حسن نفسه محاطاً بالرفض في المنطقة التي مثلها مدة 22 عاماً من دون أن يشعر ناسها بأنه عمل على إنمائها. برز جو في بعلبك الهرمل يعترض على أداء نواب حزب الله في المنطقة ويطالب بتنحيهم وتحديداً الحاج حسن.

استدعى فشل النائب البقاعي وزملائه في التعاطي مع أبناء المنطقة وفي تمثيلهم داخل المجلس تدخلاً مباشراً من نصرالله لامتصاص غضب الناخبين وإنقاذ مرشحه الدائم من خطر السقوط في الانتخابات، ما يشكل ضربة لحزبه.

وبالفعل كادت الاعتراضات يومها تطيح بالنائب لولا ممارسة نصرالله الابتزاز العاطفي للناخبين وتحميلهم بشكل غير مباشر المسؤولية عن احتمال المخاطرة بحياته قائلاً “اذا استدعت المعركة الإنتخابية أن أذهب شخصياً الى بعلبك الهرمل… أقولها لكم من الآن، وبلا خيرة، ومن دون حساب لشيء. أنا طالع لفوق، ورح إبرم ضيعة ضيعة. أنا لا امزح، وكلامي ليس من باب التشجيع”.

وحرصاً على إنجاح مرشحيه لجأ نصرالله إلى تخويف الناخبين من خطر “داعش”، كما أكد ثقته التامة بهم برغم الاعترضات. بالتوازي أطلقت حملة إعلامية تصف الحاج حسن وزملاؤه بـ”ثقة الأمين”. بدوره بدأ النائب العمل على محاولة تحسين صورته ونشر فيديوهات دعائية على “فيسبوك” يظهر فيها وهو يسجل على ورقة مطالب الناس في افتعال لعفوية مصطنعة.

إضافة إلى ذلك، اتخذ الحزب إجراءات أخرى لضمان إنقاذ مرشحه يوم الانتخابات، كتوجيه الصوت التفضيلي والضغط على الناخبين، وكذلك تمديد مهلة الاقتراع بشكل غامض.

لقد شهدت انتخابات بعلبك- الهرمل ما لم تشهده أي منطقة أخرى، وفرض “حزب الله” تمديد مدة الاقتراع حتى ساعات متأخرة بطريقة ملتوية. فبعد رفض وزير الداخلية في حينها، نهاد المشنوق، طلب نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم تمديد مهلة الاقتراع، لجأ الحزب إلى إبقاء ناخبين في ساحات مراكز الاقتراع ما فرض تمديداً للمهلة. في النهاية حصل الحاج حسن على 15662 صوتاً من أصل 140747 نالتها لائحته. وهو أدنى رقم حصل عليه فائز شيعي في المنطقة. هكذا عاد الحاج حسن نائباً خلال أربع سنوات شهدت انهياراً هائلاً وازداد وضع المنطقة سوءاً. في وقت امتنع مجلس النواب عن إقرار قوانين تحد من الانهيار.

اليوم يترشح نائب “حزب الله” على لائحة واحدة إلى جانب النائب الحالي ووزير الأشغال العامة والنقل السابق، غازي زعيتر. وما زال زعيتر فاراً من وجه العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020. وكان الحاج حسن من بين النواب الذين وقعوا على اللائحة التي أطلقت عليها المفكرة القانونية اسم “لائحة العار” إذ اعتبرت أن نواباً وقعوا عليها بهدف تهريب مسؤولين متهمين بالانفجار، من وجه العدالة، بحجة محاكمتهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، أي أمام زملاء لهم من الكتل النيابية ذاتها.

إقرأوا أيضاً:

مجاهرة بالفساد والزبائنية

يفاخر الحاج حسن أمام الناس بالزبائنية التي انتهجها لسنوات. يرد على تسريبات صوتية تثبت فساده وتدخله لتوظيف أشخاص في شركة “ألفا للاتصالات” على حساب آخرين. يتهم النائب أحد الذين وظفهم في “أوجيرو” بتسريب التسجيل. ويؤكد تدخله لتوظيف من يلجأون إليه لهذه الغاية، شاكياً من عدم قدرته على توظيف الجميع. بل وأكثر، يتحدث النائب الذي يفترض أن يسن القوانين ويعمل على تطبيقها، كيف يتدخل في تشكيلات عناصر القوى الأمنية والجيش اللبناني. هو نفسه كان نفى سابقاً توظيف ابنه عام 2008 في شركة “ألفا” مدعياً أن ابنه حصل على الوظيفة بكفاءته.

الحاج حسن في مواجهة مستمرة مع الناس

دائماً ما يواجه الحاج حسن انتقادات الناس ومساءلتهم. عام 2017، بعد أيام من توقيف ابن شقيقه بتهمة الاتجار بالمخدرات، سُرِّب تسجيل صوتي للنائب وهو يصرخ منفعلاً في بلدة شمسطار، خلال مأتم لفتاتين قضتا في حادث سير على طريق البلدة الذي يعاني من الإهمال.
أبدى الحضور احتجاجاً على وجود النائب الذي كان وزيراً في حينها، واتهمه أحدهم بتغطية الاتجار بالمخدرات في حين كان يسأله آخرون عن المياه وغيره. استفز الحاج حسن والذي كانت وسائل إعلام تتناقل خبر تورط ابن شقيقه بتجارة المخدرات، ليرد بأنه المسؤول الوحيد الذي أصدر بياناً ضد ابن شقيقه لدى تبين جريمته.

يحرص النائب في مقابلته التي أجريت منذ أيام على نفي الأخبار التي انتشرت في آب 2021 وتفيد باحتجازه في حسينية في بلدة علي النهري، برغم مرور 8 أشهر على الحادثة. يتعارض نفيه مع ما أكده عدد من أبناء البلدة يومها عن احتجاج مجموعة من الشباب على تردّي الأوضاع المعيشية والخدماتية خلال مشاركته في مجلس حسيني. ونشروا تسجيلاً مصوراً للاحتجاج. وبرغم النفي قامت مخابرات الجيش في اليوم التالي باعتقال الشاب الذي قيل إنه طرده من الحسينية.

في الأيام الماضية انتشر تسجيل جديد لمختار بلدة في بعلبك وهو يسجل اعتراضه أمام الحاج حسن وسط حضور قليل. يتوجه المختار للمرشح بإعلانه أنه سيقاطع الانتخابات مع أفراد من عائلته، ليجيبه المرشح بأنه لا يحق له المقاطعة إن كان ملتزماً بخط الحزب.

يعيد “حزب الله” ترشيح الحاج حسن متجاوزاً كل التململ منه والاحتجاج على أدائه. بينما ينسحب مرشحون على لوائح معارضة له في ظروف غير واضحة ومن على منابر الحزب الإعلامية.

في الانتخابات، تستخدم المساعدات التي يقدمها الحزب لأهالي المنطقة أداة للرشوة والابتزاز، لتفرض عليهم إعادة انتخاب الحاج حسن نائباً لأربع سنوات مقبلة. ويبدو “المخترع” مرتاحاً هذه المرة أكثر من الانتخابات الماضية، غير ملزم ببذل جهد لإقناع الناس، في حين لم يعد التململ يقتصر على شخصه ومنطقته بل صار يشمل الحزب في كل مناطق هيمنته.

إقرأوا أيضاً: