fbpx

“بطلوع الروح”… نكء الجرح القديم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك تساؤلات عن الدور الذي بات الفن يلعبه في المجتمع المصري باعتباره محركاً للقضايا الشائكة المسكوت عنها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يتلق صناع مسلسل “بطلوع الروح” انتقادات من الجمهور فور عرضه في النصف الثاني من شهر رمضان، بل طاوله الهجوم قبل أسابيع من بدء شهر رمضان، عندما استيقظ سكان مدينة القاهرة على “بوستر” المسلسل معلقاً على امتداد الطرق السريعة، حيث ترتدي بطلتا المسلسل منة شلبي وإلهام شاهين، خماراً أسودَ ويرفعن النقاب في صورة تتناقض مع الزينة والأزياء المتأنقة للفنانات على اللوحات الدعائية المجاورة. لم يعرف صناع المسلسل أن الانتقادات التي سيتلقاها المسلسل ستكشف عن ما هو أكبر من مجرد عداء للفن والفنانين، بل عودة لنبرة “لماذا تنفرون الناس من الدين؟” كما أن الهجوم الأكبر سيكون على إلهام شاهين وحدها، فلماذا هي بالتحديد؟

تجسد إلهام شاهين في مسلسل “بطلوع الروح” شخصية أم جهاد أكبر المجاهدات والمقاتلات في كتيبة لواء الخنساء بتنظيم الدولة الإسلامية، وهي الكتيبة الوحيدة، التي يجند فيها “داعش” النساء من أجل التدريب على حمل السلاح وأساسيات القتال. نحن أمام شخصية مقاتلة شرسة، الشراسة تتضاعف لكونها امرأة وأيضاً لكونها إلهام شاهين.

في محاولة لتفكيك الهجوم على إلهام شاهين يمكننا قراءة الشخصية الجهادية التي تجسدها قراءة موازية مع شخصية إلهام شاهين الحقيقية التي تحمل تاريخاً طويلاً وموقفاً معلناً ومضاداً للإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية المتشددة. هذا التاريخ المشترك من العداء يعود إلى قضية السب والقذف الشهيرة بين إلهام شاهين والشيخ عبدالله بدر التي انتصرت فيها قضائياً وعوقب بدر بالحبس ثلاثة أعوام وأغلقت قناة الحافظ الإخوانية، كان هذا في عهد الرئيس السابق محمد مرسي. هذا العداء يتكرر في ثوب جديد، ويفسر الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الذي لا يسخر من المسلسل بقدر ما يحط من قدر إلهام شاهين ويسبها علناً ويصفها بـ”قائدة لواء الحرب على الإسلام” ويذكرها بتاريخها السينمائي الفاحش- في نظره- ويدعو الله متمنياً لها أبشع ميتة، وكذلك فيديو آخر لشيخ ملتحي يلقب نفسه ب”داعية إلى الله”  يصف أي عمل تظهر فيه إلهام شاهين عملاً تخريبياً لعقول وشباب الأمة.

شهدت دراما رمضان المصرية هذا العام جدالاً غير مسبوق بين الفن والدين

عادت إلهام شاهين لتنكأ الجرح القديم لمعركة تقف فيها كامرأة وحيدة تمثل الفن أمام المتطرفين، وهي المعركة ذاتها التي خاضها المتطرفين تجاه السيناريست وحيد حامد الذي تم اختزال مشروعه الفني في أنه يكتب فقط ليشوه الإسلام ويسلخ الدين.

تعرف إلهام شاهين جيداً أبعاد الحرب الباردة التي تخوضها مع التيارات المتشددة؛ في تعليقها على الهجوم عليها تقول إلهام شاهين “فيه تار شخصي بيني وبين المتطرفين أو المتشددين. أنا انتصرت في الحرب اللي كانت بيني وبينهم، دلوقتي هم بينتقموا”  لكن هذه الحرب الشرسة تعيدنا مرة أخرى إلى طرح سؤال: لماذا يعتبرون الفن عدواً للدين؟ وإذا كان “بطلوع الروح” يتعمد تشويه الإسلام، فهل الصورة الداعشية تمثل الدين الإسلامي إذن؟

شهدت دراما رمضان المصرية هذا العام جدالاً غير مسبوق بين الفن والدين، هذا الجدل يكشف بدرجة أو أخرى الاختلافات الفكرية للمجتمع في رؤيته للفن من جهة، وللدين من جهة أخرى، فإذا كانت المسلسلات تسلط الضوء على قضايا غير مسبوقة في طرحها ومعالجتها درامياً، فإنها أيضاً خلقت قاعدة جماهيرية مدافعة عنها، وهو دفاع عن الأفكار المطروحة أكثر منه دفاعاً فنياً.

هناك تساؤلات عن الدور الذي بات الفن يلعبه في المجتمع المصري باعتباره محركاً للقضايا الشائكة المسكوت عنها، وهو حراك لم يجد له المواطن العادي أثراً على أرض الواقع فبات الانتصار الدرامي أكثر حضوراً من الانتصار الواقعي، وبات البحث عن بطل درامي أملاً في ذاته.

تموج انتقادات “بطلوع الروح” مع الانتقادات الأخيرة التي أثارها مسلسل “فاتن أمل حربي” والتي دفعت مركز الأزهر العالمي للفتوى لإصدار بيان صارم يعيد به ترسيم الحدود التي يجب ألا يمسها الفن، وهو بيان في مضمونه ينهى الأعمال الفنية عن أن تنسب كل الإشكالات المجتمعية إلى تعاليم الدين ونصوصه باعتبار الفن بات يحفز “الشحن السلبي الممنهج تجاه الدين” بخاصة في شهر رمضان. لكن “بطلوع الروح” يضعنا في سياق مختلف تماماً عن معركة الدين والقانون التي يخوضها “فاتن أمل حربي”، بل يزرعنا في قلب حكاية مستوحاة من أحداث واقعية تحدث بالفعل تحت وطأة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا “داعش”. 

في حقيقة الأمر، نموذج تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” هو نتاج للفكر والتيار الجهادي الذي له وجوده الأصولي في الحركات الإسلامية المعاصرة، تيار له مؤيدوه والمؤمنون به تماماً كتيار الإسلام السياسي والتيارات السلفية، لذا فإن معركة “بطلوع الروح” يتلقاها الإسلاميون باعتبارها اصطداماً بأحكام الدين الإسلامي في عمومه وليس في قضية مجتمعية بعينها، فإذا كان قطاع من الإسلاميين يؤمن بالتيار الجهادي بل ويعتبر الجهاد ركناً سادساً من أركان الإسلام فلا عجب أن يعتبروا المسلسل تشويهاً للإسلام، كل هذا يدفعنا إلى التفكير في ماهية الزاوية التي تنظر بها معالجة المسلسل الدرامية لتنظيم “داعش”. في أحد مشاهد المسلسل، تقول أم جهاد “الجهاد لا يعني السلاح فقط، بل تحمل فراق الأحباب والأزواج… وبدء حياة جديدة مع مجاهد آخر”. فهل هذه هي فقط الجذور العقائدية لفكرة الجهاد في تنظيم “داعش”؟ أم أن الأمر أكثر عمقاً من هذه النظرة؟

إقرأوا أيضاً:

لذة الدنيا المفقودة

في موسم يتسم بضعف المستوى الدرامي، أعطى “بطلوع الروح” للجمهور أملاً في متابعة عمل درامي متماسكاً بوضوح منذ الحلقة الأولى، نحن أمام رحلة درامية واضحة لورطة تقع فيها البطلة “روح/ منة شلبي” التي تجد نفسها في طرفة عين مجبرة على الهروب مع زوجها “أكرم/ محمد حاتم” إلى الرقة عاصمة دولة الخلافة الإسلامية، لتنقذ ابنها الصغير الذي اختطفه زوجها لينضم به إلى تنظيم “داعش”، في تناقض تام مع أفكاره وأسلوب حياته الذي لا يبدو عليه أي سمة من سمات التطرف الفكري أو الديني. 

من جهة أخرى، لم تنجرف المعالجة الدرامية للمسلسل لتقدم نموذجاً تقليدياً لرجل من مستوى فكري أو اجتماعي متوسط أو أدنى يلتحق بتنظيم “داعش” لغرض مادي مثلاً أو عن جهل، بل تركتنا الحلقة الأولى أمام سؤال معلق سيظل يلاحقنا على امتداد الحلقات: ما الذي يدفع شاباً متعلماً وناجحاً مثل أكرم ليُساق خلف هذا الفكر المتطرف ويترك حياته المستقرة ليواجه المجهول؟ في المشهد الذي تخبره زوجته بانكسار “أنا مش عارفة انت مين!” تضع أكرم وتضعنا معه في حالة التيه والارتباك بشأن كل قناعاته، إنه لا يزال يبحث عن نفسه الضائعة. نحن أمام شخصية تحمل كل التناقضات، وهي تناقضات منطقية لشخصية شاب مهزوز فكرياً ونفسياً، والأهم أنه لا يمثل الشر المطلق، مما لا يفرض وصاية على المتفرج في انطباعه تجاه أكرم. 

منذ الحلقة الثانية وعلى امتداد المسلسل نتتبع رحلة روح وأكرم وطفلهما في الرقة، نكتشف هذا المجهول، نسير في الشوراع معهم ونرى بعيون الكاميرا ما نسمع عنه ولم نره من قبل، وأصبح المشاهد على تماس مع القصة، دوافع الشخصيات وأزماتها، ومع كل سؤال جديد نجد جواباً من داخل الحكاية ويدفعنا للمزيد من الأسئلة والترقب بشأن مصير هذه الزوجة المسكينة وطفلها وقد دخلا بيت الأسد الجائع، وبات البحث عن مخرج من هذا الآسر هو العقدة الدرامية التي تحتاج إلى حل سيتكشف حتماً في نهاية المسلسل.

جميلات خلف ستائر القبح

تستسلم روح لحالة التجمد والتطبيع مع الأمر الواقع، وهو رد فعل طبيعي يفسره علم النفس باضطراب ما بعد الصدمة، فعليها أن تجاري الواقع حفاظاً على سلامتها وسلامة ابنها، بينما علاقتها بأكرم اضطربت تماماً لأنه أصل الصدمة وسببها، فأضحى وجوده محفز مثير لشعورها بالصدمة، لعل حالة النفور تلك هي المبتغى الأول لصديقه عمر، الذي نعرف أنه يحب روح منذ سنوات الدراسة الجامعية، وأنه استدرج زوجها فكرياً لسنوات ليصبح عمر هو الإجابة على سؤالنا الأول بخصوص أكرم والتغير الفكري الذي طرأ عليه، وهو ما وظفته المخرجة كاملة أبو ذكري بصرياً في مشاهد تمزج فيها بين الفم الذي يوسوس والأذن التي تطيع.

تدفعنا شخصية روح إلى التلصص على عالم النساء في “داعش”، ربما لأن معظم ما عرفناه عن واقع الحياة في “داعش” ناجم عن حكايات النساء الناجيات منه. تقول شخصية أم جهاد في المسلسل “النساء نوعان: إما مجاهدة وإما خائنة” في تماس مع فكرة الخير والشر المطلق، بينما واقع الأمر أن النساء هناك يحاولن قدر المستطاع معايشة واقع أجبرن عليه، في لمحة إنسانية إلى أن هذا السجن الداعشي الكبير يميت المرأة التي تنسى في نهاية المطاف، أنها أنثى و تتعايش مع أنها أنثى فقط لأن لها زوجاً تطيعه وتعاشره. 

في المسلسل بينما طلقات الرصاص تدوي في الخلفية، جلست النساء يتزين ويظهرن أنوثتهن لأنفسهن ويكسرن إيقاع الحياة الخانق، وهو كسر يمنح المشاهد مساحة للتفكير في نظرته إلى هؤلاء النسوة، هل هن مشاركات في الجرم أم مجرد ضحايا؟ في اللحظة التي تتكشف فيها أنوثتهن نفكر بأن هذا ما يليق بهن حقاً، أن يعشن حياتهن بعيداً من ستائر الظلام وحمل السلاح في ساحات الحرب دفاعاً عن أفكار ربما لا تخصهن بل دُفعن إليها؛ وإذا كنا نتتبع رحلة روح في خلاصها من قبضة “داعش”، فإن “طلوع روح” هو الخيط الذي يتعاطف به المشاهد مع كل نساء “داعش” المجبرات على هذا السجن، ويتذكر أن مثل هذه القصة وأكثر، يحدث بالفعل في أرض الواقع.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.