fbpx

انتخابات بيروت وانكفاء الحريري:
استثمار في وجوه جديدة أم تعويم للقديم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أحياء منطقة طريق الجديدة التي تعتبر من المناطق الأكثر اكتظاظاً في العاصمة بيروت والتي تكرست خلال العقود الماضية بوصفها حاضنة الحريرية السياسية تبدو مرتبكة حيال الاستحقاق الانتخابي. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يبدو المشهد الانتخابي في مدينة بيروت مرتبكاً وغير واضح تماماً. 

المدينة التي تكرست في العقود الثلاثة الأخيرة بوصفها معقلاً لـ”تيار المستقبل” والحريرية السياسية، تحديداً في مناطق مثل طريق الجديدة والمزرعة، تعيش حالياً تجربة انتخابية تتأرجح ما بين أن تكون انتكاسة أو تكون فرصة.

فانكفاء “تيار المستقبل” وعزوف الرئيس سعد الحريري عن الترشح الذي خيّب آمال مناصريه، أشعلا في المقابل حماسة وجوه معارضة قررت الترشح وخوض المعركة. 

لوائح كثيرة خرجت من رحم الانتفاضة وهي تستفيد من الفراغ الذي خلفه في الساحة السنية قرار الحريري الابتعاد من المشهد السياسي والانتخابي. لم تنجح لوائح المعارضة في بيروت بالتوحد فظهرت لوائح عدة متنافسة.

طريق الجديدة… حائرة

أحياء منطقة طريق الجديدة التي تعتبر من المناطق الأكثر اكتظاظاً في العاصمة بيروت والتي تكرست خلال العقود الماضية بوصفها حاضنة الحريرية السياسية تبدو مرتبكة حيال الاستحقاق الانتخابي. 

الحريري سبق أن دعا محازبيه إلى مقاطعة الانتخابات وهذا مزاج انسحب على عدد من أنصاره. أزقّة طريق الجديدة تشهد هدوءاً مشوباً بلا مبالاة انتخابية ملحوظة لدى أهالي المنطقة. الأبنية القديمة هنا تحمل بمعظمها لافتات مناصرة لـ”تيار المستقبل”، لكن الألوان بدأت تنسحب منها و”تبور” بفعل الوقت والشمس والغبار. 

 دردشة مع عدد من أهلها وسكّانها المتنوّعين (منهم من يملك “قهوة الداعوق” وآخر يجلس مع أصدقائه للعب “الورق” أمام دوّار الساعة الشهيرة مقابل الملعب البلدي، بالاضافة الى “حاج” كبير في السّن يركن أمام دكّانه وبيده سبحة يحاول ان يختصر الوقت بأصابعه)، كان لسان حالهم جميعاً: “مش رح ننتخب، مريّحين راسنا، ما خصنا بالانتخابات”، لتكون بيروت، وتحديداً الذين ينتخبون في الدائرة الثانية، أمام مفترق سياسي مغاير، قد يفرض نفسه بعد الاستحقاق الانتخابي المقبل في 15 أيار/ مايو المقبل.

لم تكن طريق الجديدة يوماً معزولة عن أجواء الانتخابات النيابية كما هي اليوم. لم يحدث سابقاً أن كانت منسحبة ومعتزلة العمل السياسي كما اليوم.  كانت العاصمة أُمّ المعارك انتخابياً، حيث عرفت ومنذ أواخر التسعينات بأنها قلعة تيار “المستقبل”، و”الشاطر” من يخرق اللائحة التي يشكّلها التيار، في أيام مؤسسه الراحل رفيق الحريري، وفي أيام وريثه. لكن الوريث سعد الحريري قرر تعليق عمله السياسي وعدم خوض الانتخابات، تاركاً لمنتسبي تياره حرية ترك التيار إذا شعروا بالحاجة إلى المشاركة في الانتخابات، وهو ما حدث مع عدد من قياديي “المستقبل” الذين قدموا استقالاتهم ليخوضوا الإنتخابات. لكن شرائح واسعة من جمهور “المستقبل” يبدو أنه يقف خلف قرار زعيمه المنكفئ، وهو ما ينعكس بشكل واضح على مناطق نفوذ التيار في العاصمة بيروت.

من منطقة طريق الجديدة إلى كورنيش المزرعة ثمّ البربير وسليم سلام، تغيب اللافتات الإعلانية الانتخابية التابعة لـ”تيار المستقبل”، الذي كان أكثر الأحزاب قدرة على تمويل حملات انتخابية قبل أن يقع زعيمه في أزمة مالية رافقتها بطبيعة الحال أخرى سياسية. ومحل “المستقبل” رُفعت إعلانات انتخابية لحملات أخرى مثل “هيدي بيروت” التي يترأسها رجل الأعمال نبيل بدر والمدعوم ضمناً من رجل الأعمال أحمد هاشمية المقرّب من رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري، و”بيروت بدها قلب” التي يتزعمها النائب ورجل الأعمال فؤاد المخزومي، إضافة الى لائحة “بيروت تواجه” المدعومة من رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة. 

إقرأوا أيضاً:

أحد سكّان طريق الجديدة، يملك محلاًّ صغيراً للمجوهرات منذ أكثر من 20 سنة، يؤكّد أن المزاج الانتخابي شهد مفارقة: “كنا نشعر بعجقة الانتخابات، كان الناس يحاولون معرفة من ستنتخب، أمّا اليوم فالناس يشعرون بالاشمئزاز من الطبقة السياسية وهمّهم الوحيد تأمين لقمة العيش”. وأشار إلى أنّه لم ينتخب يوماً بل يقاطع الانتخابات النيابية والبلدية على السواء، لأنهم برأيه”سيربحون ويدخلون البرلمان إن صوّت أو لم يفعل”.

وعن انسحاب “تيار المستقبل” من الانتخابات، لا يعتقد ابن بيروت أن يكون لذلك تأثير كبير على الساحة البيروتية مشيراً الى أنّه لم يثق يوماً بهذا التيار وقال: “حتى لو انسحبوا، مش رح يقدموا أو يأخروا ما هي ذاتها، هني وموجودين شو عملوا لأولاد المنطقة؟”.

ويعتقد المحامي والكاتب السياسي زكريا الغول، وهو أيضاً مناصر سابق لتيار “المستقبل”، أنّ لهذا الاستحقاق طعماً آخر، فللمرة الأولى يغيب “المستقبل” عن الساحة بطريقة مباشرة رغم عمل الكوادر السياسية التابعة له  مع أفرقاء جدد بطريقة غير مباشرة داخل بيروت وخارجها. 

ويتابع الغول: “الساحة السنية تشهد ضياعاً في هذه الانتخابات، إذ إن 63 ألف ناخب صوتوا للائحة سعد الحريري في انتخابات 2018، من غير المعروف الى من سيمنحون أصواتهم في هذه الانتخابات”. 

وعن المزاج البيروتي، لاحظ الغول من خلال جولة على المناطق في بيروت الثانية أن كثيرين لا يرغبون بالمشاركة في انتخابات 2022 وذلك بسبب امتعاضهم من اللوائح الجديدة، مثل لائحة رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة التي تشهد انتقادات مع إمكانية المشاركة بورقة بيضاء لتكون رسالة للسلطة وسائر الأحزاب عن الحالة الاعتراضية البيروتية على الجو الانتخابي العام في العاصمة. 

وسط طريق الجديدة، يجلس رجل مسنّ اسمه مصطفى، على كرسيّ أمام مبنى سكني قديم وخلفه صورة ضخمة لسعد الحريري ويستلذ في تدخين سيجارته، لكن يبدو أنّ هذه الصورة لا تمثّله نهائياً. وما أن سئل عن تأثير غياب المستقبل في الساحة، حتى سارع إلى القول: “في بديل، طبعاً في بديل لتيار المستقبل” وباعتقاده أن رجل الأعمال فؤاد المخزومي يمكن أن يكون البديل لأنّه، بحسب قوله، “عم بفتّ مصاري الدنيا، وعم بيعطي مونة لأهل بيروت”. 

عمر دوغان، أحد مناصري “تيار المستقبل” وقد عمل في الانتخابات منذ عام 1996، يوضح لـ”درج” أن المنطلق الأساسي لتيار المستقبل هو بيروت، وانسحابه من الانتخابات أدّى إلى فراغ وعدم اتضاح الرؤية لدى أنصاره لما قد يحصل بعد الانتخابات. ويعتقد دوغان أن المقاطعة ستكون سيّدة الموقف.

احصائياً، يوضح مروان الأيوبي، صاحب مركز “استراتيجيا” وهو مركز للإحصاءات ويركّز على الاستحقاق الانتخابي، لـ”درج” أنّ نسبة السنة المشاركين في الانتخابات بلغت في دائرة بيروت الثانية حوالي 45 في المئة عام 2018. أمّا اليوم، فلا توجد حتى اللحظة استطلاعات جديّة، إنّما الجو العام بحسب الأيوبي يشير إلى تراجع نسبة التصويت إلى ما دون الـ35 في المئة، وهذا سيكون له أثر كبير على نتائج الانتخابات كون الطائفة السنيّة في بيروت لها حضور كبير.

هذا كله كلام النهار. أما في الليل، فتغرق بيروت في العتمة. أضواء قليلة تخرج من بيوت لا يزال أصحابها قادرين على دفع بدل اشتراك مولّدات الكهرباء. وقد فاض الظلام قهراً حتى خرج شبان قبل أيام ليحرقوا صور المرشّحين ولوحاتهم الإعلانية الانتخابية. بدوا وكأنهم يضيئون بنار غضبهم ليل مدينتهم القاتم والحزين. 

إقرأوا أيضاً: