fbpx

“الشرف” لن يحمي “أبو مروان” في ألمانيا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وقف الابن يستمع الى والده يهددّ السوريات، اللواتي وجدن في بلاد اللجوء الغربي دعماً قانونياً، للتخلص من عنف أسري. قالها أبو مروان بالفم الملآن، أن فعلته موجهة لكل النساء اللواتي “أزعجن” أزواجهن مخاطباً إياهن بأن هذه “نهايتكن”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم استطع التحديق في وجه “أبو مروان”، اللاجئ السوري الذي تحدث مباشرة بعد لحظة قتله زوجته السابقة على نحو يلامس الجنون، وصور ذلك من حيث هو في ألمانيا، وبثه على فايسبوك مصطحباً معه واحداً من ابنائه الأربعة، كان شاهداً على الجريمة.
انجذبت حواسي بالكامل الى ذاك الصبي الظاهر في زاوية الصورة، فيما كان الأب القاتل يشرح جريمته ويدافع عنها ويبررها، بل ويهدد بالمزيد منها. فعل ذلك وهو يشير علينا بدماء زوجته التي تلطخ بها، فبدا واحداً من أبشع مشاهد العنف الزوجي بصيغته المعاصرة.
كان الابن الذي عرفنا لاحقاً أن اسمه مروان، وهو بالكاد في الثانية عشرة من عمره، مستلباً بالكامل لمشهدية والده وعنفه ومنطقه، حتى أنه لم يستطع مقاومة ادانة والدته، والقبول بقتلها ظاهرياً على الأقل، بعد أن أشهر والده ذريعة “الشرف” كسبب لاقدامه على قتل طليقته السابقة، ملصقاً بها تهماً اخلاقية.
وقف الابن يستمع الى والده يهددّ السوريات، اللواتي وجدن في بلاد اللجوء الغربي دعماً قانونياً، للتخلص من عنف أسري. قالها أبو مروان بالفم الملآن، أن فعلته موجهة لكل النساء اللواتي “أزعجن” أزواجهن مخاطباً إياهن بأن هذه “نهايتكن”.
التفاصيل المحيطة بالجريمة كثيرة، تبدأ من رحلة الهرب من سوريا ومن ثم اللجوء وصعوبات الاندماج ولاحقاً الانفصال بحكم قضائي مدني في المانيا، وما أعقبه من ابتزاز مادي، يبدو أن الزوج مارسه على طليقته كي تحصل على حضانة الأولاد. كل هذا يبدو مألوفاً في سياق الصدام الزوجي في مجتمعاتنا، لكن المدعو أبو مروان استخدم تلك العبارة الأثيرة، التي تتردد في كثير من جرائم قتل النساء في مجتمعاتنا وهي”الشرف”. أشهر القاتل عبارات فارغة عن الأخلاق والقيم، بصفتهما سبباً للقتل في بلاد اللجوء التي يقول إنها نالت منها. هذا الكلام تجاوب معه موتورون عبر السوشيال ميديا، فشرعوا يهاجمون اللاجئات اللواتي وجدن في العيش في المانيا والغرب عموماً، سبيلا لحمايتهن من عنف مزمن، كن يتعرضن له من قبل ازواجهن وعائلاتهن.
تحولت القضية من جريمة قتل موصوف أقدم عليها “ابو مروان”، الى ادانة شبه جماعية للسوريات اللواتي يسعين للتحرر من العنف الاسري.
فكيف انقلب الميزان بهذا الشكل؟؟
لو كان “ابو مروان” هذا لا يزال في سوريا أو في دولة عربية واقترف جريمته، لكان القانون قد أخذ على الأرجح بتعبير شائع في قوانين العقوبات هو، “سورة الغضب” و”القتل بداعي الشرف”.
لقد بدا “أبو مروان” غاضباً فعلاً، من أنه خسر حقه في قتل زوجته او اي امرأة والافلات من العقاب.
جريمة القتل حصلت في المانيا وليس في سوريا أو في الاردن او في لبنان، وهنا يكمن كل الفرق..
لقد عملتُ هنا في لبنان على تحقيق صحفي حول قوانين الأحوال الشخصية، وزرتُ عدة محاكم شرعية، واستمعتُ الى أحكام قضائية واتهامات بحق نساء. واحدة من السيدات اللواتي التقيتُ بهنّ، مسيحية تزوجت من مسلم وانفصلت عنه، لكنها تخوض قضية حضانة للاولاد. لقد استخدم الطليق صوراً فايسبوكية لزوجته السابقة، وهي في سهراتٍ عادية بل ان واحدة من تلك الصور كان يرافقها فيها، وهو من التقط الصورة، لكن في سياق القضية، أبرز الزوج تلك الصور مرفقاً اياها باتهامات اخلاقية. لقد أخذت المحكمة باتهام الزوج السابق، وحكمت فعلاً بأن صور الزوجة وهي في مطعم وترتدي ملابس متحررة بعض الشيئ (وهي في الحقيقة ملابس عادية)، هو دليلُ إدانةٍ لها ولأخلاقها، وخسرت الزوجة حضانة ابنائها بسبب صور لا قيمة لها..
مثل تلك القرارات من المستحيل أن تحصل في ألمانيا.
ومن يتابع الهجمة الشرسة التي طاولت اللاجئات السوريات، بعد جريمة أبو مروان، سيلحظ كم أن مجتمعاتنا التي تعيش حروباً أهلية وإقليمية لا نكاد نحصيها، لا تكلّ عن شن حربٍ ضدّ النساء..
طبعا لم ينس المتعاطفون مع جريمة أبو مروان، او في أحسن الاحوال، من دانوا الجريمة لكنهم حملوا على اللاجئات، أن يستحضروا الغرب وقيمه لكونه بحسبهم يشنّ المكائد الدائمة على أصالتنا وقيمنا..
قتلُ اللاجئة السورية في ألمانيا، هو حلقة في محنة النساء العربيات، وهنا لا أتحدث عن سجون الأنظمة، ولا تخاريف داعش، ولا نفاق أحزاب وجماعات تتدعي التقدمية، بل أعني الآلاف المؤلفة من النساء اللواتي يعشن في أطراف نائية، وخلف غرفة مغلقة مسكوت عما يحصل فيها. وهنا، لا قيمة ولا معنى لأي حركة سياسية أو مطلبية، لا يكون الموقف الواضح والصريح من حقوق النساء في صلب عملها السياسي..
لنقارن بين مجتمعات اللجوء عربياً، ومجتمعات اللجوء في ألمانيا والغرب. هنا في لبنان والاردن وتركيا وطبعا في الداخل السوري، تعقد زيجات بأعراف اجتماعية، وبقوانين أحوال شخصية دينية، تبيح تزويج القاصرات، بل إن تلك الممارسة باتت ظاهرة مرضية مخيفة. هنا في مجتمعات اللجوء المحلية، للأب حق يكاد يكون مطلقاً في حضانة الأولاد، وللرجل حق يحفظه القانون في تعدد الزوجات، وحق رمي الطلاق، وله ضعف حق المرأة في الإرث.
هنا القوانين الى جانب الرجل، لكن هذا الامر يصبح في أوروبا مذمة، ومصدراً للإدانة وللتدخل القانوني..
يفقد امثال ابو مروان امتيازهم الرجولي في بلد كألمانيا، فيغلبهم العجز والنقمة. صحيح أنه ليس كل الرجال الحانقين يصبحون مجرمين ك”ابو مروانـ”، لكن رواج خطاب مبرر للجريمة يشي بهوة شاسعة علينا أن نواجهها.
نعم، في الغرب ظاهرة نساء لاجئات قررن استثمار فرصة وقوف القانون الى جانبهن هناك، وفي هذا قدر كبير من العدالة ومن رجحان ميزانها لمصلحة الضعفاء في بلاد الأقوياء، ولهذا تماماً تلك هي بلاد الأقوياء.[video_player link=””][/video_player]