fbpx

مصر: هدر الطعام يبتلع لقمة الفقراء ويدمر البيئة  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هدر الطعام، مشكلة عالمية وإقليمية، إذ تضيع، أو تهدر، ثلث المواد الغذائية التي تزرع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المتوقع أن يمثل الهدر من الخضروات والفاكهة 45 – 55 في المئة من الإنتاج السنوي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انخفضت قيمة الجنيه وارتفعت أسعار المنتجات الغذائية خلال الأسابيع الماضية، لكن شهر رمضان الذي يرتبط لدى كثيرين بالولائم والدعوات، دفع خديجة، لمزيد من الإنفاق لملء طاولة طعامها لاستقبال الأبناء والأحفاد على الإفطار. لم تنجح خديجة في ضبط الكميات التي يتم طهوها، فالتقاليد والعادات الاجتماعية دفعت بها الى الإكثار من الأصناف ما يعني هدر كميات كبيرة من الطعام.

تحاول خديجة إرضاء الجميع، تماماً كما تفترض العادات.

هدر الطعام، هو من المشكلات البيئية والاقتصادية التي تعاني منها مصر، برغم الزيادة السكانية الهائلة، وزيادة الاحتياج للغذاء، ووقوع 30 في المئة من السكان تحت خط الفقر، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وتقدر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة- الفاو، هدر الغذاء في مصر بنحو 50 كيلوغراماً لكل شخص سنوياً، معتبرة أن هذا الفقدان “ينذر بالخطر بالنسبة إلى دولة تواجه مستويات مرتفعة من سوء التغذية بالفعل”. 

اشترت خديجة الكيلوغرام من الطماطم مقابل 20 جنيهاً، وهو رقم كبير لصنف واحد من الخضر الأساسية في المطابخ المصرية، ولكنه نموذج مفزع أيضاً لهدر الطعام، فمقابل كل 1000 كيلوغرام من الطماطم المنتجة والموزعة في مصر، يهدر 560 كيلوغراماً، وهو ما يمثل أكثر من نصف الإنتاج، بحسب “الفاو”. 

الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أكد أن ضياع الأغذية يؤدي إلى تبديد الموارد الطبيعية، كالمياه والتربة والطاقة، والمساهمة في تفاقم مشكلة تغيّر المناخ بالنظر إلى الدور الكبير للزراعة في انبعاثات الغازات الدفيئة.

أجرت شركة “دانفوس”، استطلاعاً لتقييم استدامة استهلاك الغذاء في ثلاث دول عربية بينها مصر، عام 2018، وقال زياد البواليز، الرئيس الإقليمي للشركة، إن سلوكيات استهلاك الغذاء في الشرق الأوسط مثيرة للقلق بشكل كبير، وإن هذه السلوكيات تؤثر في البيئة، نظراً إلى الهدر الغذائي الكبير والانبعاثات الكربونية الناجمة عن مخلفات الطعام في المكبات.

وأشار البواليز، إلى أن خفض الهدر في الطعام سيعود بأثر بيئي إيجابي عبر تقليص كميات الأغذية المتحللة في المكبات، والتي تطلق غاز الميثان وتؤدي بالتالي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

تلوث البيئة وتغير المناخ… تبعات هدر الطعام

500 كيلوغرام من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة التي تساهم في تغير المناخ، هي نصيب كل مصري سنوياً نتيجة هدر الغذاء وفقدانه، كما يخسر كل مصري سنويا ما يعادل إنتاج فدانين من الأغذية التي يتم هدرها. 

أعلنت الحكومة دخول مصر مرحلة الفقر المائي الحاد، بعد انخفاض نصيب الفرد إلى 600 متر مكعب سنوياً، بينما يبلغ حد الفقر المائي 1000 متر مكعب، ويهدد الأمن المائي في الجنوب السد الأثيوبي الذي فشلت كل الإجراءات السياسية في ترشيده. 

ويضاف هدر الغذاء إلى المخاطر المائية التي يواجهها المصريون حيث يفقد كل فرد 90 متر مكعب من المياه سنوياً، بسبب هدر الأغذية، وهو الرقم الأعلى في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، بحسب “الفاو”. 

هدر الطعام، مشكلة عالمية وإقليمية، إذ تضيع، أو تهدر، ثلث المواد الغذائية التي تزرع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المتوقع أن يمثل الهدر من الخضروات والفاكهة 45 – 55 في المئة من الإنتاج السنوي، وتعهدت حكومات المنطقة بتخفيض خسائر الغذاء إلى النصف بحلول عام 2024، كما ظهرت مجموعة من المبادرات المجتمعية للحد من تلك المشكلة.

هدر الطعام، مشكلة عالمية وإقليمية، إذ تضيع، أو تهدر، ثلث المواد الغذائية التي تزرع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المتوقع أن يمثل الهدر من الخضروات والفاكهة 45 – 55 في المئة من الإنتاج السنوي

“الكسر”… يقلل الهدر ولكن 

علي، هو مسؤول العلاقات العامة في إحدى مجموعات بيع الحلوى الشهيرة بالقاهرة، يقول لـ”درج”، شريطة عدم ذكر اسم شركته أو توضيح هويته، إن الهدر في مطابخ الحلوى والمطاعم عموماً كبير للغاية، فأي تغير طفيف في المقادير أو في شكل المنتج النهائي يجعله غير صالح للبيع للجمهور حفاظاً على سمعة الشركة. 

يوضح علي، أن الإجراء المتبع في معظم الشركات والمطاعم هو التخلص من المنتجات التي مر أكثر من يوم على إنتاجها ولم تبَع، وكذلك التي تلفت أو تكسرت أثناء تجهيزها، ومعظم المطاعم ومحلات الاطعمة الكبرى تفاخر بتخلصها من الطعام غير المباع لأن ذلك دليل على أن منتجاتها طازجة دائماً، وترفض تخفيض سعرها أو توزيعها على الفقراء بهدف الحفاظ على قيمة المنتج السوقية والصورة الذهنية لدى المشترين بأنه منتج للنخبة.

خروج الحلوى التالفة من مصنعه مع اسمه مرفوض أيضاً، ولكن الحل الذي تتبعه شركة الحلوى حيث يعمل علي، هو تكسير “التورت” وقوالب الحلوى والشوكولا وإزالة العلامة التجارية عنها وبيعها بأسعار مخفضة لتجار يبيعونها للجمهور، معتبراً أن ذلك حل أمثل لتجنب هدر المنتجات مع ضمان عدم الإساءة أو الطعن في جودة منتجات شركته، وهو ما يحدث في بعض المطاعم وشركات الأغذية أيضاً. 

ولكن ممثل شركة الحلوى الكبرى، لا يجد جواباً عن مسؤولية شركته والشركات الأخرى التي تتبع تلك الطريقة للتخلص من الهدر، لضمان عدم وصول طعام غير صالح للاستهلاك للجمهور من مصانعهم، مؤكداً أن فساد الطعام بعد خروجه من المصنع مسؤولية الموزع، وأن بديل عدم إخفاء هوية الشركة سيكون التخلص من الطعام. 

الدكتور حسين منصور، رئيس هيئة سلامة الغذاء، يرى أن مكافحة ظاهرة تزايد إهدار الطعام أصبح من الضروريات، وأن 30 في المئة من الطعام في العالم يتم هدره وهي نسبة تكفي لسد جوع أكثر من مليار شخص حول العالم، مضيفاً في صالون تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، أن العوائد الاقتصادية المرئية وغير المرئية من مكافحة إهدار الطعام عظيمة.

هدر الطعام… على مائدة البرلمان

ترى النائبة أميرة صابر أن مشاهد هدر الطعام مؤلمة ولا يجب السكوت عنها، بخاصة بعدما بلغت نسبة الهدر في مصر 50 كيلوغراماً للفرد الواحد، وهي نسبة كبيرة بالمقارنة بنسبة الفقر والتحديات التي تواجهها مصر والمتعلقة بالأمن الغذائي والمائي.

قدمت النائبة، مشروع قانون مكافحة إهدار الطعام، وقامت بجمع توقيع 60 عضواً في البرلمان ليصبح مؤهلاً للنقاش داخل المجلس، مشيرة إلى أن مشروع القانون يتدخل تشريعياً بإجراءات تحفز المؤسسات على تقليل هدر الطعام. 

وأضافت أميرة، في كلمة في صالون تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين حول مشروع القانون، أن الأخير يستهدف مقدمي خدمات الطعام، ويعزز فكرة التشاركية والمسؤولية المجتمعية. 

تتضمن آلية تنفيذ القانون إنشاء برنامج قومي لمكافحة هدر الطعام تشرف عليه الهيئة القومية لسلامة الغذاء ووزارة التضامن بالشراكة مع المجتمع المدني من بنوك الطعام والجمعيات الخيرية المعنية بقضايا الفقر والطعام.

وصف محسن سرحان، الرئيس التنفيذي لبنك الطعام، إهدار الطعام بـ”الجريمة”، نتيجة ضياع المياه وما يسببه من ملوثات بيئية خطيرة، إضافة إلى تسببه في إيذاء الفقراء ورفع الأسعار، وهدر حقوق الأجيال الآتية واقترح في صالون تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، أن يتضمن مشروع قانون مكافحة هدر الطعام محفزات ضريبية لكل من يكافح الظاهرة. 
يقدم مشروع قانون مكافحة هدر الطعام، حوافز للملتزمين، أما المخالفون فتنتظرهم غرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنية، كما بإمكان المحكمة إيقاف نشاطهم ستة أشهر. 

الطلب بالعدد… حل يواجه بالسخرية

بدأت علا، قبل سنوات شراء احتياجاتها وزوجها بالعدد أو بكميات قليلة، فتشتري تفاحتين أو سمكتين أو نصف كيلو من الطماطم والخضر، إلا أنها تواجه نظرات وعبارات السخرية والتعجب من الباعة والمشترين الآخرين. 

تقول علا، لـ”درج”، إنها كانت تشتري كميات كبيرة من الخضر والفواكه والأسماك وغيرها، ظناً منها أنها توفّر المال، ولكنها وجدت مع الوقت أن الطعام يتلف أو تفقد وزوجها الرغبة في تناوله وينتهي في القمامة. 

“مع إن شكلك بنت ناس”، و”مكلفة نفسك ليه”، وغيرها من العبارات التي أطلقها الباعة في وجه علا، مذ بدأت شراء احتياجاتها بالعدد مع نظرة فاحصة لمظهرها، وبرغم تأثرها في البداية إلا أن توفيرها أكثر من ثلث ميزانيتها في الشهر الأول للتجربة دفعها للاستمرار. 

علا كانت قرأت مصادفةً، عن هدر الطعام وأثره على البيئة والاقتصاد والمجتمع، وكان ذلك بعداً جديداً لم تفكر فيه من قبل، لذا بدأت حملتها الخاصة والصغيرة في محيط عائلتها وزملائها بالعمل، لتشجعهم على اتباع تلك الطريقة وتجربتها لشهر واحد وهو ما يستمر عادة بعد ملاحظتهم الوفر المادي، كما أعدت قائمة صغيرة للباعة والمطاعم الذين يتقبلون الفكرة ويتعاملون مع زبائنها بلطف لتجنيبهم المواقف المحبطة. 

“تكية”… خرجت من مطعم سوشي

قبل سنوات كانت منة شاهين، مع زوجها، يتناولان الطعام في أحد مطاعم السوشي الشهيرة، وعند التاسعة تماما بدأ عمال المطعم يلقون كميات كبيرة من الطعام باهظ الثمن غير المباع في القمامة، فطلبت منهم أن يقوموا بإعطائها الطعام لتقدمه لأشخاص يحتاجونه، فرفضت إدارة المطعم، حتى إن المعنيين لم يوافقوا على بيعه بسعر مخفض، متباهين بأن سياستهم هي التخلص من الطعام غير المباع.

تحظر المادة الثالثة من مشروع قانون مكافحة هدر الطعام، الذي ينتظر العرض على البرلمان، على مقدمي خدمات الطعام التخلص من الطعام غير المبيع، وكذا الطعام الصالح للاستهلاك الآدمي، وتلزمهم بإبرام اتفاقيات وشراكات مع بنوك الطعام. 

مدفوعين برغبتهما في تقليل هدر الطعام للحفاظ على البيئة وتوفير الطعام لمن يحتاجه بدلاً من التخلص منه، بدأت منة وزوجها، تأسيس الشركة والتطبيق “تكية” لتوصيل الطعام والخضروات والفاكهة غير المباعة والصالحة للاستخدام للمستهلكين بسعر مخفض. 

يواجه تطبيق ” تكية” تحدياً لتأكيد جودة الطعام في ظل ثقافة تعتبر الطعام غير المباع غير صالح أو أقل جودة، لذا يقوم العاملون بزيارة المطاعم والمحال المشاركة فيه للتأكد من الجودة، ويلزمونها في التعاقد بمواصفات لضمان جودة المنتجات، كما يتابعون آراء المستخدمين، وتؤكد منة: “نادراً ما نواجه مشكلات في الجودة”. 

إقرأوا أيضاً: