fbpx

لبنان: عن نديم الجميل واعتلال “فتى الكتائب”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في كل مرة يخرج نديم الجميل على الملأ، تحضر صورة بشير الجميل لتكشف اعتلال صرف النطف البيولوجية في الحضور السياسي، وتؤكد أن “الكاريزما” ليست إرثاً على ما تشي حالته. إنها سمة تُكتسب، لا جينات تُورَّث.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نديم الجميل في السياسة ليس استثناءً عن الحالة الطردية بين الوريث والموروث، لكنه أكثر شخوصها تعبيراً عنها.

  النائب الكتائبي يتشارك هذه الحالة مع أمثلة عدة قذفها إلينا التوريث السياسي راهناً، وفي مواضٍ قريبة. سعد رفيق الحريري، تيمور وليد جنبلاط، طوني سليمان فرنجية، ميشال الياس المر، ميشال رينيه معوض. وهؤلاء ورثة لزعامات “باب أول” إذا جاز التعبير. في المقابل، لم تبخل السياسة بنماذج مشابهة جاءت من توريث سياسي ايضاً، لكنها أثقلت علينا بدينونتها لشخصيات لم ترتقِ سلم الزعامات، وإن عاشت في ظلها، كسامي فتفت، وطارق البعريني مثالاً لا حصراً.

  التوريث السياسي غالباً ما طبع الحياة السياسية في لبنان منذ إعلان دولة لبنان الكبير. لكن جديده أن النماذج التي قدمها في العقد الأخير، فيها ما يدفع المرء إلى فضيلة “الترحم” على مورِّثين  يقيمون في وعي اللبنانيين على نقيض وارثيه، وهذا بمعزل عن نمط إقامة الأولين في هذا الوعي، ولاءً أو خصومة، مديحاً أو ذمَّاً.

  ففي كل مرة يخرج نديم الجميل على الملأ، تحضر صورة بشير الجميل لتكشف اعتلال صرف  النطف البيولوجية في الحضور السياسي، وتؤكد أن “الكاريزما” ليست إرثاً على ما تشي حالته.  إنها  سمة تُكتسب، لا جينات تُورَّث.

  ونديم أيضاً لم يقترب يوماً من صورة “فتى الكتائب” التي تشكلت في وعي جمهور حزبه ماضياً وحاضراً، عدا اقترانها بعائلته منذ جده بيار مروراً بوالده، وانتهاءً بابن عمه النائب سامي الجميل الذي يتقدمه بأشواط. وللمرء أن يتخيل موقع نديم المتقهقر من هذه الفترة إذا ما اعتبرنا أن رئيس حزب الكتائب الحالي، الوريث الآخر، لم يضفِ أيضاً على السمة رجاحتها شيئاً.

  والنماذج أعلاه هي أيضاً صنيعة التراجيديا التي تقيم في موتٍ غير رحيم، أو اقتربت منه كما في حال ميشال المر ابن الوزير السابق الياس المر. لكن المسار السياسي لأكثرهم يُفضي، أو يكاد، إلى تبديد الكثير من هالة هذه التراجيديا كمساهم عميق في ملاذهم الجماهيري، ونديم الجميل كما سعد الحريري يقفان في مقدمة تجفيف أثر هذه التراجيديا في السياسة.

   ومن مفارقات هذه العلاقة بين الإرث والتراجيديا والسياسة، وفي حالة نماذجنا، أن بينهم من ينجذب إلى الأخيرة فتبتعد منه. نحن هنا أمام طالب قرب تخونه الأهلية كنديم وسعد، وبينهم أيضاً من تسعفه، لكنها تحاصره بالجغرافيا كحال طوني والميشالين، وبينهم من تشي أحواله بالعزوف عنها، لكنه مُكره بها لا بطل، وهذه حال تيمور جنبلاط الذي كثَّف والده عليه في احتفالية الأمس، ثقل هذه العلاقة بين المشقات الثلاث.

   عموماً، في حاضر يحاصرنا بالبؤس، فلا بأس أحياناً من فواصل فكاهية تقدمها لنا هذه النماذج، ومرة جديدة لنديم قصب السبق. فعدا التركيب اللغوي  الذي لا يسعفه غالباً، لا تسعفه مقاربات يستجديها ضد خصومه، وآخرها خلطه التعسفي بين وظيفتي  الكهرباء والاتصالات. أضحكنا نديم، لكن الأخير لم يعِ على الأرجح أن تأهب حواسنا أمام أي مقاربة ذَمية تصيب السلطة هي التي أُصيبت بعطب مقاربته حين غلبنا الضحك.

     تيمور جنبلاط نادراً ما ارتجل الكلام، وإذا ما ارتجل كان خصيماً للغة ومشاعاً للارتباك، فيما سعد الحريري، ومن موقعه البارز في السلطة،  تأخر كثيراً ليتجنب كبواتها. واللغة باعتبارها مداد أي خطاب هو بالضرورة مساهم في تكوين الحضور الشخصي للسياسي، فالنماذج المذكورة تفتقر بمعظمها هذه السمة، عدا أنها غالباً ما كانت ضحية استخدامها. 

التوريث السياسي أيضاً يتلازم مع توريث ديني يعبر عنه راهناً المفتي أحمد قبلان. نجل الراحل عبد الأمير قبلان يقيم في حالة صدامية في بلد مسكون بهواجس طائفية، وبسياق يتنافر مع إرث والده الذي التزم غالباً الإطار الذي فرضته على الأرجح شخصية كاريزماتية معتدلة كموسى الصدر، تتناقض بالطبع مع الموقع الذي يرتجيه قبلان، والذي يعبر عنه بخطاب كالذي يرتجله دائماً.

والحال، النماذج أعلاه وعلى بعد أيام من الاستحقاق الانتخابي يتكثف حضورها الباهت، وهو حضور يشي بانشطارها إلى شطرين. الشطر الأول كنديم وسعد هم خارج جلباب آباء كثيفي الحضور، فيما الشطر الآخر فيه تيمور جنبلاط وطوني فرنجية وميشال المر لا يمثلون أكثر من صدى مزعج لآبائهم.

إقرأوا أيضاً: