fbpx

انتخابات لبنان: بهذه الابتسامة يواجه علي مراد وجوم محمد رعد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان ينبغي لعلي مراد أن يعبس ولو قليلاً في الصورة كي يكون أكثر إقناعاً بأنه جدي في خوض الانتخابات في الجنوب، ضد الثنائي الإحفوري، الذي لا يقبل مزاحاً في تفسيره الديموقراطية، بأنها خليط من ثأر ديني تعود جذوره إلى قرون خلت، ومواجهة لمؤامرة مستمرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان حرياً بعلي مراد أن يفكر ملياً قبل أن يختار صورته الرسمية كمرشح عن الدائرة الثالثة في الجنوب. الدكتور الشاب يبدو في ابتسامته الوديعة وملامحه الهانئة أقرب إلى متسابق في برنامج معلومات عامة منه إلى منافس مفترض للنائب محمد رعد مثلاً، وهو كبير العابسين، مشمئز دوماً من رائحة ما تخنقه 24 ساعة في اليوم، 365 يوماً في السنة.

كان ينبغي لعلي مراد أن يعبس ولو قليلاً في الصورة كي يكون أكثر إقناعاً بأنه جدي في خوض الانتخابات في الجنوب، ضد الثنائي الإحفوري، الذي لا يقبل مزاحاً في تفسيره  الديموقراطية، بأنها خليط من ثأر ديني تعود جذوره إلى قرون خلت، ومواجهة لمؤامرة مستمرة تحاك في الأقبية النتنة لعوكر، تلك التي لا يخطئ رائحتها الحاج رعد ذو الأنف الفولاذي.

لم يعبس علي، لأنه على الأرجح مقبل بتفاؤل على الخوض في عالم يبدو أنه سياق طبيعي لسيرته، منذ نعومة أظفارها، وأظفاره.

ابن الشريط المحتل، الذي عاش معظم عمره في بيروت، اليساري، الفرد، كان وما زال ناشطاً يؤمن بمشروع سياسي واضح المعالم، يمكنه أن يجادل فيه، وأن يحاضر فيه، وأن يدافع عنه، ويخوض انتخابات نيابية بناء عليه. مسيّس ومثقف سياسياً، وواثق من أدواته اللازمة لطرح نفسه مرشحاً. ولحسن حظه، لا يملك صخرة حزبية عملاقة مثل تلك التي يرزح تحتها رعد ورفاقه. علي ليس مضطراً لتقديم الخطاب المنحوت في اللوح المحفوظ للثنائي، لقاءً بعد لقاءً، عزاءً بعد عزاءً، انتخابات بعد انتخابات. 

 علي مراد نموذج مختلف للسياسيين من الضروري وجوده، كي لا يختنق اللبنانيون بهذا التكرار اللانهائي للخطاب نفسه، مؤامرة بعد مؤامرة، عزاء بعد عزاء، حفيداً بعد أب بعد جد.   

جهاد بزي

لدى علي مراد حرية تامة، لا يملكها، ولا يدعيها أصلاً، منافسوه الذين يثيرون الشفقة فعلاً وهم يغرقون في ضجرهم يلوكون العبارات نفسها منذ عشرات السنين. 

وعلي، حين يخاطب المقترع المحتمل، يحترمه، بعكس الذين يستخفون بناسهم مذ قرروا اختصارهم بوصفهم “البيئة”. “البيئة” التي يظلمونها حين يختزلونها بأنها من لون واحد، وثقافة واحدة، وتفكير واحد، ورأي واحد، ووجه واحد، مع أنها لم تكن يوماً كذلك. “البيئة” التي يجيدون دائماً تسويقها بأنها “جماعة” حديدية صارمة تلفظ تلقائياً أي شيعي لا يدين بالولاء التام للثنائي. يمارسون ما استطاعوا من ترهيب اجتماعي على الصامتين فيها. يبتلعونها. يقررون عنها أن المختلف عنهم في أسوأ حالاته عدو غاشم، وفي أفضلها متآمر عليها لأنه ينبهها، مثلاً، إلى أن الثنائي لم يرفع الحرمان عنها، كما وعد ويعد، وأنه غارق في فساد السياسة اللبنانية، كالبقية الباقية من القوى، وأنه منذ عقود، بات إقطاعاً عميق الجذور في ترابه،  أعمق بمراحل من الإقطاع الذي ما زال الثنائي يمنن البيئة بزوال خطره مذ قضي على الراحل كامل الأسعد.

“البيئة” كاختصار لطائفة، شرح يطول. علي مراد، من هذه البيئة، مثله مثل شابات وشبان نزلوا بأحلامهم وأصواتهم العالية إلى 17 تشرين. مرشح عن مقعد شيعي في الجنوب. “البيئة” التي أنتجت محمد رعد الإسلامي المتدين، هي نفسها أنتجت علي مراد، العلماني المدني، وانتجت أقوى الأصوات في معارضة الثنائي. هذه “البيئة” لا تختصرها أبواق الثنائي (توصيف مبتذل لشدة التكرار لكنه مصيب) ولا جيوشه الالكترونية على “تويتر”.

هذه “البيئة” ليست متجانسة كما يريد الثنائي أن يوحي. ليست شمولية. ليست جيشاً من المطيعين أيضاً. ليست بيئة بعينها تختلف عن الباقين. هذه طائفة كبقية الطوائف فيها من كل الأنواع، في الانتماء السياسي وفي العقائد وفي أسلوب الحياة. وكبقية الطوائف فيها أكثريات وأقليات. والأكثرية الثنائية إذ تجري الانتخابات فلا هم لها إلا نفوذها وعدد مقاعدها، لكن الثنائي هو الوحيد الذي يجعلها حرباً وجودية ضد الطائفة برمتها، تنهمك في تفاصيلها السماء قبل الأرض والغيبيات قبل السياسة. 

محمد رعد ابن هذه البيئة، كذلك علي مراد، لكن مراد ليس رعد، كما أنه ليس النموذج المثالي لشاب يقرر خوض الانتخابات وحده. لم يرث الحرفة مضطراً، بل انتقاها بنفسه. هو يقبل على عمله بحماسة من يعرف أن هذا ما يريده، وليس ما يفرض عليه فرضاً أو أهدي إليه من السيدين الوالد والجد، كما في الحالتين النافرتين لتيمور وليد جنبلاط، وميشال الياس ميشال (إلياس غالباً) المر.

“البيئة” التي يظلمونها حين يختزلونها بأنها من لون واحد، وثقافة واحدة، وتفكير واحد، ورأي واحد، ووجه واحد، مع أنها لم تكن يوماً كذلك. “البيئة” التي يجيدون دائماً تسويقها بأنها “جماعة” حديدية صارمة تلفظ تلقائياً أي شيعي لا يدين بالولاء التام للثنائي. يمارسون ما استطاعوا من ترهيب اجتماعي على الصامتين فيها.

جهاد بزي

هؤلاء، علي وتيمور وميشال الياس ميشال إلياس المر ثلاثة نماذج لجيل واحد. الأول في الشارع وفي السياسة منذ مراهقته. الثاني، تيمور، أثقاله فعلاً لا تحتمل، ورثها كلها دفعة واحدة: الطائفة والجد والأب، بتناقضاته كافة، ورفاقه وأعدائه والإشتراكية والمختارة (في آن معاً). الزعامة البكوية والرفاقية. وفوق هذا كله، أو ربما بسببه،  يعاني رهاباً جلياً من التحدث لجمهور أو لكاميرا مثلاً. ليس هدف هذا التوصيف الانتقاص منه كشخص أو الإساءة إليه، لكنه في نهاية المطاف شخصية عامة ورهابه ليس خافياً على أحد. هذا الشاب الخجول يُدك دكاً بالسياسة والتاريخ والزعامة والطائفة، كل الطائفة، وهو الرافض لكل هذا العالم المفروض من الأب عليه، يبدو كلما أطل كمن يوجه نداء استغاثة من جزيرة لفظه البحر عليها وحده. ومع ذلك، فهو نائب ورئيس كتلة وسيعود نائباً ورئيس كتلة. عبء قدر لا مفر لتيمور منه.

في المقابل، هناك ميشال (إلى آخره…) الجذلان بهدية الوالد اللطيفة، وهي زعامة محلية صغيرة أقرب إلى ميني ماركت مفتوح دائماً بسبب شطارة الأب والابن اللبنانية في اللعب على كل الحبال. يردد بسذاجة محزنة ما تدرب على حفظه “كرجة مي” من أشد العبارات تقليدية وخواءً في أدبيات الشعارات اللبنانية، ولا يجد نفسه معنياً للحظة بتسويق صورته كشاب لديه أدنى رؤية خاصة، تبرر وجوده كشخص واضح المعالم لا نرى إذ ننظر بين كتفيه رأسي والده وجده متلاصقين يرددان معاً ما يخرج من فمه.

هذان، تيمور وميشال، سيفوزان في الانتخابات. كذلك محمد رعد، سيفوز أيضاً، من دون أن يبذلوا جهداً. علي مراد، في المقابل، يخوض الانتخابات في أعتى مجموعة، ترافقه ابتسامته الوديعة التي لن تنفعه بالطبع. هو لا يعوّل عليها. يعوّل على مضمونه كسياسي مختلف. دربه طويلة كثيراً ومتعرجة، وقد قرر بكامل وعيه أن يمشيها. هو نموذج مختلف للسياسيين من الضروري وجوده، كي لا يختنق اللبنانيون بهذا التكرار اللانهائي للخطاب نفسه، مؤامرة بعد مؤامرة، عزاء بعد عزاء، حفيداً بعد أب بعد جد.   

إقرأوا أيضاً: