fbpx

فائض مفقود: المصريون يدفعون فاتورة محطات الكهرباء مرتين 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يوثق هذا التحقيق استمرار الحكومة المصرية في بناء محطات توليد كهرباء خلال الفترة من عام 2014 إلى حزيران/ يونيو 2020، بقروض خارجية ومحلية رغم تحقيق مصر فائضًا في الكهرباء، ما يهدر مليارات الجنيهات سنوياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحقيق: مريم خليل يعقوب

في عام 2014، عاش حسن محمد (45 عامًا) في ظلام دامس داخل قريته “نجع جبران” التابعة لمدينة نصر النوبة بمحافظة أسوان (جنوبي مصر). 

 لم تكن قرية حسن وقتها الوحيدة المحرومة من الكهرباء، فـ 2.3 في المئة من قرى محافظة أسوان البالغ عددها 133 قرية، كانت حينذاك محرومة من الكهرباء. 

أقل من واحد بالمئة (0.4 في المئة) من قرى مصر شبيهة بحالة قرية حسن محمد و(2.1 في المئة) من القرى من  أصل 4655 قرية على مستوى الجمهورية منازلها متصلة جزئيًا بالشبكة، وفقاً لمسح الريف الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في العام 2015، وهي البيانات الأخيرة.

كان إجمالي قدرات الطاقة الاسمية المملوكة للشركة القابضة لكهرباء مصر عام 2014، يساوي 32 جيجاوات تقريبًا، والحمل الأقصى (أقصى طلب على الكهرباء) يساوي 26 جيجاوات تقريبًا. لتبدأ الحكومة المصرية بناء محطات كهربائية لحل أزمة حسن وغيره من المصريين.

ضاعفت الحكومة القدرات الاسمية للطاقة خلال سبع سنوات لتصل إلى 59.5 جيجاوات تقريبًا في منتصف حزيران/ يونيو 2020، رغم أن أقصى حمل (أقصى طلب على الكهرباء) خلال الفترة ذاتها لم يتجاوز 31 جيجاوات، لتحقق المحطات فائضًا كهربائيًا يصل إلى ما أكثر من 24 جيجاوات.

رغم هذا الفائض، مازال حسن محمد حتى هذه اللحظة، يقضي الليل مع بقية عائلات القرية البالغ عددهم 120 أسرة على أنوار الفوانيس والكشافات. وفي النهار يذهب ليقدم شكوى جديدة لشركة مصر العليا لتوزيع الكهرباء، فتحفظ الشكوى بجانب الشكاوى القديمة، ويعود حسن خائبًا مرة أخرى إلى قريته، على حد قوله لمعدة التحقيق.

يوثق هذا التحقيق استمرار الحكومة المصرية في بناء محطات توليد كهرباء خلال الفترة من عام 2014 إلى حزيران/ يونيو 2020، بقروض خارجية ومحلية رغم تحقيق مصر فائضًا في الكهرباء، ما يهدر مليارات الجنيهات سنوياً بسبب عدم تشغيل المحطات بكامل طاقتها، لعدم وجود أسواق لبيع الكهرباء المُنتجة محلياً، مع استمرار حرمان قرى من التيار، إضافة إلى استمرار الانقطاع الكهربائي في المحافظات المصرية، بسبب عدم تطوير شبكات النقل بما يتلاءم ووتيرة إنشاء محطات الإنتاج.

تضاعف المحطات

بدأت الحكومة في حزيران/ يونيو 2014 تنفيذ خطة عاجلة لمدة ثمانية أشهر ونصف فقط، لمواجهة أزمات انقطاع التيار. وفقا للتقرير السنوي الصادر عن الشركة القابضة لكهرباء مصر عام 2015، انتهت الخطة في صيف 2015، بإضافة 52 وحدة غازية متولدة من ثماني محطات إلى الشبكة العامة للكهرباء بإجمالي قدرات 3.632 جيجاوات، مقابل استثمارات وصلت إلى 20.8 مليار جنيه (1.1 مليار دولار).

بعد إضافة المحطات الجديدة وصل إجمالي القدرات الكهربائية إلى 35.220 جيجاوات، وكانت نسبة الحمل الأقصى (أعلى استهلاك للكهرباء) في نفس العام (2015) 28.015 جيجاوات، لتحقق إجمالي المحطات فائضا كهربائيا يساوي 7.205 جيجاوات بنسبة 20 في المئة من إجمالي القدرات المُتاحة على مستوى الجمهورية.

وفقا للهامش الاحتياطي أو الفائض المتعارف عليه عالميًا والمتبع في معظم دول العالم وهو  15 – 20 في المئة من أقصى حمل للكهرباء طبقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، كان يجب أن تمتلك مصر فقط من 4.202 إلى 5.603 جيجاوات هامشًا احتياطيًا من الكهرباء، ولكنها تجاوزت هذا الرقم بداية من 2015.

لم تتوقف الحكومة عن إنشاء المحطات بعد وصولها لهذا الفائض. فقامت بإضافة 38 محطة توليد كهرباء إلى الشبكة العامة للكهرباء خلال سبع سنوات (حزيران/ يونيو 2014 – حزيران/ يونيو 2020) بإجمالي قدرات 32.458 جيجاوات، بتكلفة وصلت 322.8 مليار جنيه (17.5 مليار دولار) ليصل إجمالي القدرات الكهربائية على مستوى الجمهورية إلى ما يقارب من 60 جيجاوات، مُحققة بذلك فائض كهرباء وصل إلى أكثر من 24 جيجاوات عام 2020. 

تزيد قدرات المحطات المنشأة خلال تلك السنوات (2014 – 2020) عن إجمالي قدرات المحطات المُنشأة على مستوى الجمهورية منذ بدايات إنتاج الكهرباء في مصر. 

يوثق هذا التحقيق استمرار الحكومة المصرية في بناء محطات توليد كهرباء خلال الفترة من عام 2014 إلى حزيران/ يونيو 2020، بقروض خارجية ومحلية رغم تحقيق مصر فائضًا في الكهرباء، ما يهدر مليارات الجنيهات سنوياً بسبب عدم تشغيل المحطات بكامل طاقتها

توقف إجباري

يتسبب هذا الفائض في خسائر ضخمة، كما تشرح عبلة جادو أستاذة هندسة القوى الكهربائية بجامعة المنوفية والمديرة العامة للدراسات والتطوير في شركة جنوب الدلتا لتوزيع الكهرباء سابقاً. “المحطات تعمل وفقا للاحتياج الفعلي من الكهرباء خلال اليوم، ما يجعل المحطات المتبقية متوقفة وتستهلك وقودًا، لكنها لا تعمل ولا يخرج منها كهرباء، ما يقلل من عمرها الافتراضي”، تروي جادو.

يوضح الباحث في قطاع الطاقة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، محمد يونس، أن لكل محطة عمر افتراضي، وتم إنشاؤها للعمل بسعتها القصوى خلال هذا العمر. وجود فائض يجبر هذه المحطات الجديدة على التوقف أو العمل بسعة أقل، ما يتسبب في إهدار القيمة الاقتصادية للمحطة، لأننا لا نحصل منها على أي عائد. 

خالد العربي وهو اسم مستعار لمصدر مسؤول داخل الشركة القابضة لكهرباء مصر -أجرى حوارا مطولا مع معدة التحقيق بشرط عدم ذكر اسمه- يؤكد أن عددًا من المحطات توقف بالفعل بسبب الفائض، والمحطات الأخرى تعمل بسعة قليلة مقارنة بالسابق.

يثبت حديثهم تحليل البيانات الواردة في التقارير السنوية الصادرة عن الشركة القابضة لكهرباء مصر خلال الفترة بين 2015 – 2020، إذ زاد عدد المحطات التي تعمل بأقل من نصف طاقتها خمس مرات.

في عام 2020، كان عدد المحطات التي تعمل بأقل من نصف طاقتها 51 محطة من أصل 91 محطة مربوطة على الشبكة، بينما في 2015 كان عدد المحطات التي تعمل بنصف الطاقة 19 محطة فقط.

كما أن عدد المحطات التي تعمل بأقل من ربع طاقتها زاد أكثر من خمسة أضعاف في نفس الفترة، إذ وصل في 2020 إلى 32 محطة، في حين كانت 6 محطات فقط في 2014.

يظهر تحليل بيانات الشركة القابضة لكهرباء مصر، أن هناك عشر محطات مربوطة على الشبكة، معامل سعتها يساوي صفر، أي أنها لا تعمل تماما في 2020.

يعتبر محمد يونس عدم استغلال المحطات الجديدة التي دخلت منظومة الكهرباء بعد 2014، هدرا كبيرا لأن الحكومة لم تُشغل أو تستغل هذه المحطات في الوقت التي كانت فيه بأعلى جودتها، وكان من الأفضل التمهل في إنشاء المحطات حتى تتوافر أسواق لبيع الفائض.

أرباح مهدرة 

بعملية حسابية تقديرية شملت متوسط سعر بيع الكهرباء للمواطن في الشرائح السبع، وفائض الكهرباء غير المستغل على مدار السنوات السبع، نجد أن الفائض أدى إلى أرباح مُهدرة كان من الممكن تحقيقها في حال تشغيل المحطات بكامل طاقتها وبيع التيار. تصل تلك الأرباح الضائعة في حال بيع الكهرباء في ساعة واحدة من السنة إلى ما يقارب من 3 مليون جنيه ( 163 ألف دولار تقريبًا) في 2020.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. يقول خالد العربي، إن الشركة القابضة للكهرباء مجبرة حاليا على تسديد ديون وفوائد القروض التي استدانتها لإنشاء تلك المحطات.

ويشير ديفيد باتر، محلل السياسة والاقتصاد والأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في  معهد تشاتام هاوس (Chatham House) لمعدة التحقيق، إلى أن تمويل المحطات يعد عبئاً إضافياً على الميزانية العامة لوزارة المالية من خلال الضمانات التي قدمها للتمويل النموذجي EPC+ (عقد الهندسة والمشتريات والبناء) لمدة عشر سنوات. 

وفقا لتحليل قوائم المركز المالي الصادرة عن الشركة القابضة لكهرباء مصر، خلال الفترة بين 2014 و2020 زاد معدل اقتراض الشركة القابضة لكهرباء مصر، بنسبة 242 في المئة. كان إجمالي القروض في 2014 ما يقارب 82 مليار جنيه (4.5 مليار دولار) ووصل إلى 282 مليار جنيه (15.3 مليار دولار) في 2020، ما تسبب في زيادة أعباء التمويل (الفوائد) في نفس الفترة بنسبة 231 في المئة. في عام 2014 خلفت القروض فوائد وصلت إلى 15 مليار جنيه (816 مليون دولار)، بينما في 2020 وصلت إلى 51 مليار جنيه (2.8 مليار دولار).

زاد أيضا رصيد القروض التي وفرتها وزارة المالية للشركة القابضة لكهرباء مصر من الموازنة العامة للدولة، من 34 مليار جنيه (1.8 مليار دولار) في 2016 إلى ما يقارب 143 مليار جنيه (7.8 مليار دولار) في 2019. وكذلك زاد رصيد الضمانات من 68 مليار إلى 154 مليار جنيه (3.7 مليار دولار إلى 8.4 مليار دولار) خلال نفس الفترة.

نظراً لعدم وجود بيانات تفصيلية فيما يخص قروض محطات الإنتاج، قامت معدة التحقيق بتجميع قروض المحطات التي تم إنشاؤها في الفترة ما بين 2014 و2020 من أرشيف الأخبار المحلية ومواقع البنوك.

 ووفقا للبيانات المتاحة، فإن الحكومة حصلت بحد أدنى على 35 قرضًا لإنشاء محطات كهرباء خلال تلك الفترة، من بنوك محلية وإقليمية وأوروبية.

حصلت مصر خلال 2014 على 14 قرضاً، وفي 2015 على 9 قروض، وعام 2016 على 9 قروض، بحد أدنى. أبرزهم قروض محطات شركة سيمنس الثلاث وهي: البرلس وبني سويف والعاصمة الإدارية الجديدة، البالغة قدراتها معا 14.400 جيجاوات والتي تم تمويلها من تحالف يضم 17 بنكاً دولياً أبرزهم: إتش إس بي سي(HSBC)، كيه إف دبليو أيبكس (KfW IPEX) ودويتشه بنك(Deutsche Bank).

وعام 2017، قرض واحد من تحالف مكون من تسع بنوك لتمويل محطة كهرباء “بنبان” تقوده مؤسسة التمويل الدولية ويضم  البنك الأفريقي للتنمية، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والبنك العربي في البحرين، ومجموعة سي دي سي(CDC Group)، والبنك العربي الأوروبي، وصندوق جرين فور جروث(Green for Growth Fund)، وفين فاند، والبنك الصناعي والتجاري الصيني. 

وعام 2018 تلقت مصر قرضين من الوكالة اليابانية (جايكا) لتمويل محطة جبل الزيت للرياح، ومحطة كهرباء “كوم أمبو” من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

لا تتوفر أي بيانات عن القروض التي حصلت عليها الشركة القابضة لكهرباء مصر خلال عامي 2019 و2020 رغم استمرار الحكومة في إنشاء محطات كهرباء جديدة. 

كما لا تتوافر بيانات رسمية عن الشركات المصنعة والمُنفذة لمحطات الكهرباء الجديدة، ولكن وفقا لقاعدة بيانات جمعتها معدة التحقيق من أرشيف الأخبار المحلية و إفصاحات الشركات للبورصة، فإن شركة أوراسكوم للإنشاءات كان لها النصيب الأكبر من عدد مشاريع محطات الكهرباء الجديدة، حيث عملت كمقاول رئيسي في 9 محطات، تليها شركة السويدي إلكتريك للمكونات الكهربائية بواقع 5 محطات.

أما الشركات الأجنبية فتعددت جنسياتها، ولكن شركة جنرال إلكتريك الأمريكية، نفذت وصنعت وحدها 6 محطات خلال الفترة بين 2014 و2020، وكذلك شركة سيمنس الألمانية التي نفذت وصنعت بمفردها 5 محطات في مصر وهي: محطات سيمنس الثلاث (البرلس -بني سويف – العاصمة الإدارية الجديدة)، إضافة إلى محطة عتاقة الغازية ومحطة الرياح بجبل الزيت.

يقول عمرو عادلي، أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن وجود قدرات لإنتاج الكهرباء أكثر من الطلب عليها هو استثمار مكلف لأنه بلا عائد اقتصادي، خصوصا أن إنشاء تلك المحطات كان قائماً على الاقتراض.

ويرى عادلي  أن القروض المحلية والخارجية لها تأثير ومخاطر مختلفة على الاقتصاد الكلي، فالدين الخارجي زاد بنسبة كبيرة جداً أخر خمس سنوات، ووصل في 2021 إلى 138 مليار دولار، ما يعرض الاقتصاد لصدمات، أما الدين الداخلي فيرفع معدل التضخم والفائدة.

ويضيف أن محطات الكهرباء لها معدل إهلاك وعمر افتراضي، وتساءل: لماذا تحمل الدولة نفسها عبء استثمار لن تأخذ العائد منه في الخمس أو العشر سنوات المقبلة؟

التضييق على الطاقة المتجددة

تتنوع أنواع محطات الكهرباء الجديدة المُضافة بعد 2014 إلى شبكة الكهرباء بين المحطات المركبة والطاقة الشمسية والرياح والغازية والبخارية والمائية.

النصيب الأكبر من قدرات المحطات الجديدة كان لمحطات الدورة المركبة، وهي المحطات العاملة بالغاز الطبيعي بشكل أساسي والسولار أو المازوت بشكل ثانوي بما يقارب ثلاثة أرباع (70 في المئة) القدرات الجديدة المضافة، يليها قدرات المحطات البخارية بنسبة 12 في المئة، ثم قدرات المحطات الغازية بنسبة 9 في المئة تقريبًا.

أما قدرات المحطات المتجددة (الشمس والرياح والماء) لا تتجاوز جميعها 8 في المئة، من قدرات المحطات المضافة بعد 2014.

تتفق عبلة جادو، ومحمد يونس أن فائض الكهرباء الكبير أضاع فرص الاستثمار في محطات الطاقة المتجددة، سواء المحطات الشمسية أو محطات الرياح. تقول جادو إن تخمة فائض الكهرباء أبطأ عمليات الاستثمار في محطات الطاقة المتجددة من القطاع الخاص والحكومي. 

يقول أحمد حمدي، رئيس شركة أفريقيا لخدمات الطاقة الشمسية، إن الحكومة ضيّقت على محطات الطاقة الشمسية خلال الوقت الراهن بسبب فائض الكهرباء الكبير، حيث أوقفت التعاقد مع المحطات الخاصة سواء المملوكة للمصانع أو الأهالي ولم تعد تسمح لهم بالربط على الشبكة العامة للكهرباء.

يؤكد كلامه ما أصدره جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك في أيار/ مايو 2020 من ضوابط جديدة لنظام صافي القياس للمحطات الشمسية، من ضمنها ألا تتجاوز قدرات المحطات المملوكة لأي جهة مرخصة أو أحد عملاء التوزيع 25 ميجاوات، وبحد أقصى 20 ميجاوات للمشروع الواحد. 

تصدير طفيف

تسعى الحكومة المصرية لتصريف هذا الفائض الكبير من خلال تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة وتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة عن طريق الربط الكهربائي بين مصر وجيرانها. ولكن حافظ سلماوي، أستاذ هندسة الطاقة بكلية الهندسة جامعة الزقازيق، والرئيس التنفيذي لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك السابق، يقول إن الغرض من خطوط الربط هو تبادل الطاقة، ويشمل ذلك الاستيراد والتصدير وليس فقط التصدير.

وفقا للتقرير السنوي الأحدث الصادر عن الشركة القابضة لكهرباء مصر في 2021، تمتلك مصر ثلاثة خطوط ربط مع الدول المجاورة لها منذ عام 1998، وهم: خط الربط الليبي والذي يخدم ليبيا فقط، وخط الربط الأردني الذي يخدم الأردن وسوريا ولبنان، وخط الربط السوداني المخصص للسودان فقط.

أكبر الخطوط جهداً هو خط الربط الأردني بـ 450 ميجا وات، وخطي الربط الليبي والسوداني متساويين من حيث الجهود بـ 220 كيلو فولت لكل واحد. 

يوضح تحليل التقارير الصادرة عن الشركة القابضة لكهرباء مصر بين الفترة 2010 و2020، تراجع صادرات الشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهي الشركة المسؤولة عن نقل وتصدير التيار بين مصر ودول الربط عبر شبكتها.

وصل حجم الصادرات في عام 2011 إلى حوالي 1595 جيجاوات في الساعة بقيمة مالية وصلت 99 مليون دولار، بينما تراجعت الكهرباء المصدرة إلى 885 جيجاوات بعائد مالي بلغ 48 مليون دولار في 2020.

لا تمثل الكهرباء المصدرة إلى دول الجوار إلا هامشا طفيفا من الكهرباء المولدة على مستوى الجمهورية، فكانت نسبتها عام 2012 الأعلى خلال 2010 و2020، بما يساوي 1.1 في المئة من الطاقة المولدة على مستوى مصر، أما في فترة توسع المشروعات (2014 – 2020)، لم تتجاوز  نسبة الصادرات 0.4 في المئة.

استوردت الشركة القابضة لكهرباء مصر أيضا حوالي 95 جيجاوات في الساعة من الدول المجاورة، وهي القيمة الأكبر لحجم واردات مصر من الكهرباء خلال الفترة بين 2014 و2020.

تسعى الحكومة حاليًا لانشاء خطوط ربط بين مصر والدول المجاورة ودول جديدة في أوروبا وأفريقيا، لبيع الكهرباء لهم، مثل: السعودية وقبرص واليونان والعراق وبعض الدول الأفريقية. 

يرى حافظ سلماوي، أن الدول الوحيدة التي يمكننا بالفعل أن نصرف أو نبيع فائض الكهرباء لها هي السودان والعراق، أما الدول المتبقية فتمتلك فائضًا هي الأخرى من الكهرباء، وسيكون الربط معها قائمًا على التبادل أكثر من التصدير. 

إقرأوا أيضاً:

الظلام مُستمر 

كل هذه القدرات الفائضة لا تشفع في يوم شديد الحرارة أو البرودة في حياة محسن شلبي، الذي يعيش في قرية “بحطيط” التابعة لمركز أبو حماد محافظة الشرقية. يقول محسن شلبي “أحيانا لا نرى النور لمدة 10 ساعات يوميًا خلال شهور الصيف”. 

يُرجع شلبي سبب ضعف وانقطاع التيار لعدم وجود محولات كافية في قريته. يحكي لمعدة التحقيق أن الشركة لم تقم ببناء محولات في القرية منذ إدخال الكهرباء لها.

يُرجع حافظ سلماوي أسباب الانقطاع إلى مشاكل في شبكات التوزيع وليست محطات الإنتاج. بسبب تقادم المحولات والأعمدة والخطوط وخصوصا في القرى. 

بينما يرى محمد يونس، أن التوسع في انشاء المحطات الكهربائية لم يوازيه توسع في تطوير شبكات نقل الكهرباء. 

وفقا لتحليل البيانات، زادت محولات التوزيع في الفترة 2014 و2020 بنسبة 21 في المئة في نفس الفترة زادت القدرات الاسمية للمحطات بنسبة 85.9 في المئة. 

وتيرة الزيادة في القدرات الكهربائية أسرع بالمقارنة بمعدل الزيادة في عدد محولات التوزيع، أو معدل الزيادة في الاستهلاك. ففي عام 2018 الذي شهد أعلى زيادة في القدرات الكهربائية مقارنة بالعام الذي سبقه بنسبة 23 في المئة. كانت الزيادة في الاستهلاك لا تتجاوز 5 في المئة، وكذلك معدل الزيادة في عدد المحولات لم يتجاوز 2 في المئة.

أما بالنسبة للخطوط والكابلات، ففي 2018 قامت الشركة بتدشين كابلات وخطوط على الجهد 22 كيلو فولت، بطول 21 كيلو متر، أما بالنسبة لطول الخطوط والدوائر والكابلات على الجهد 33 كيلو فولت تراجعت بنسبة 15 في المئة، وظلت ثابتة كما هي على الجهد 132 كيلو فولت، وزادت بنسبة 6 في المئة على الجهد 66 كيلو فولت، وزادت بنسبة 7 في المئة على الجهد 220 كيلو فولت في الفترة بين 2014 و2019، وزادت بنسبة 81 في المئة على الجهد 400- 500 كيلو فولت بين الفترة 2014 و2019.

تراجع المبيع

رغم زيادة أعداد المشتركين في شركات التوزيع في آخر ثلاث سنوات بمعدل ثابت يمثل 4 في المئة، إلا أن الكهرباء المبيعة لهؤلاء المشتركين تتراجع باستمرار، ففي عام 2020 تراجعت بنسبة 5 في المئة عن عام 2019. وتراجعت بنسبة 10 في المئة عن عام 2018.

يرجع خالد العربي أسباب التراجع إلى زيادة أسعار الكهرباء في المقام الأول، فأصبح جميع المواطنين يرشدون استهلاكهم بسبب فاتورة الاستهلاك الضخمة نهاية كل شهر. إذ ارتفعت الفاتورة خمس أضعاف قيمتها، في السنوات السبع الأخيرة.

لا يبدو أن وتيرة إنشاء محطات جديدة ستنخفض، فوفقًا لتقرير الشركة القابضة للكهرباء لعام 2020 وهو الأحدث، فإن الحكومة تخطط لإضافة 4760 ميجاوات جديدة خلال الخطة الخمسية التاسعة (2022 – 2027)، بخلاف قدرات محطة الضبعة النووية البالغة قدرتها 4.800 جيجاوات ليصل إجمالي القدرات 70 ألف ميجا وات.

وبينما تخطط الشركة القابضة لكهرباء مصر الآن لإنشاء محطات جديدة، يقضى حسن محمد أيامه في البحث عن حل لأزمة الكهرباء في قريته نجع جبران. ويجرى محسن شلبي اتصالاته ليعرف متى ستتوقف الكهرباء عن الانقطاع في منزله بقرية بحطيط بالشرقية. ليطفئ أنوار منزله حال وصول الكهرباء إليه، حتى يرشد استهلاكه خوفاً من فاتورة ضخمة في نهاية الشهر يضطر لدفعها.

توجهنا بأسئلتنا لوزارة الكهرباء عبر البريد الإلكتروني للوزارة عن أسباب الاستمرار في إنشاء محطات الكهرباء رغم الفائض، ولم يصلنا أي رد.

إقرأوا أيضاً: