fbpx

سابع انتخابات نيابية منذ “الطائف”:
هل ينجح اللبنانيون في خرق المنظومة لإدخال ضوء إلى النفق؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

يخوض اللبنانيون انتخابات لمحاولة محاسبة السلطة على كل ما فعلته بهم في السنوات السابقة، وما أوصلتهم إليه من انهيار ودمار وقتل بعد تفجير مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية بتوقيع اتفاق الطائف في نهاية عام 1989، أجريت في لبنان 6 استحقاقات انتخابية نيابية لاختيار 128 برلمانياً يمثلون الشعب اللبناني. 

ومع أن الانتخابات النيابية في لبنان تجرى كل 4 سنوات، إلا أن المجلس النيابي الذي انتخب عام 2009 بقي لولايتين حتى عام 2018، بسبب الاستعصاء السياسي وتمديد السلطة لنفسها بنفسها عبر مجلس نيابي فاقد للشرعية الدستورية. في كل هذه الاستحقاقات كان هناك الكثير من الشوائب الديمقراطية التي تحيط بالعملية الانتخابية وسلامتها. ولم يحدث أن شعر اللبنانيون في تاريخ خوضهم الانتخابات بعد الحرب، وحتى تحضيرهم الحالي للاستحقاق الانتخابي السابع منذ اتفاق الطائف (الأحد 15 أيار/ مايو) بأنهم يمارسون حقهم الديموقراطي الصافي بعيداً من سطوة السلطة والسلاح والميليشيات أو المال الانتخابي أو التدخلات الخارجية أو التجييش الطائفي، وبعيداً من ظلم القوانين الانتخابية التي كانت دائماً تفصّل على قياس السلطة وقوى الأمر الواقع. 

الانتخابات النيابية الأولى التي شهدها لبنان بعد “الطائف” كانت عام 1992، وأجريت بإشراف مباشر من الوصاية السورية التي أسندت إليها (دولياً) إدارة المرحلة، استخبارياً وعسكرياً. أجريت الانتخابات بمنطق الغالب والمغلوب الذي انتهت إليه الحرب، وقاطع جزء كبير من مسيحيي لبنان هذه الانتخابات ليتم الطعن في ميثاقيتها، خصوصاً أنها كانت تجرى بعد نفي رموز مسيحية (بينها ميشال عون) ومقاطعة الأطراف المسيحية الأساسية الأخرى. أفرزت الانتخابات مجلساً نيابياً يمثّل التسوية التي خرج بها اتفاق الطائف بغطاء سعودي وسوري، وولد المجلس النيابي الأول بعد الحرب بوجوه معظمها من أمراء تلك الحرب(نبيه بري، وليد جنبلاط، سليمان فرنجية…)، فيما كان آخرون يدخلون عالم السياسة من باب المال والدعم الإقليمي كما هي الحال مع رفيق الحريري، أو من باب الصراع مع إسرائيل، الذي لزّم اقليمياً وبغطاء سوري وإيراني، وموافقة ضمنية سعودية، إلى “حزب الله” الذي خاض الانتخابات النيابية للمرة الأولى في تاريخه وأوصل 8 نواب إلى الندوة البرلمانية. المفارقة ان مجلس عام 1992 سجل وجود 92 نائباً “مستقلاً” من أصل 128، لكن لا يخفى على أحد أن هؤلاء النواب، الذين فاز كثيرون منهم بالتزكية بسبب المقاطعة المسيحية، كانوا من حصة الوصاية الإقليمية على لبنان، وتوزع معظمهم على الكتل الحزبية، ولم يكونوا مستقلين، بل أشبه بنوّاب معيّنين. 

حافظت انتخابات عام 1996 على الأجواء السياسية نفسها، مع إمعان في إقصاء القوى المسيحية الأساسية عن العمل السياسي عموماً، والبرلماني خصوصاً، بعد دخول زعيم ميليشيات القوات اللبنانية سمير جعجع إلى السجن عام 1994، وغياب أي صوت معارض بشكل جدي للوصاية السورية في المجلس النيابي.  حاز رفيق الحريري في تلك الانتخابات 25 مقعداً، وكان رئيساً للحكومة في الفترة الممتدة من 1992 إلى 1998، نفّذ خلالها سياساته المالية والاقتصادية، التي يحمّلها كثيرون مسؤولية كبيرة في ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية اللبنانية اليوم. مجلس عام 1996 كان استكمالاً لسطوة المظلة الإقليمية فوق لبنان، وتقسيماً لـ”الكعكة” بين قسم مالي واقتصادي أخذه رفيق الحريري ورعاته الإقليميون والدوليون، وقسم “أمني” تولاه “حزب الله” ومعه رعاته الإقليميون، فيما كان نبيه بري يستولي على القسم المتعلّق بمؤسسات الدولة ووظائفها، متربّعاً بلا منازع على “عرش” رئاسة مجلس النواب. 

جاءت انتخابات عام 2000 استكمالاً للسطوة الاستخبارية السورية على الحياة السياسية اللبنانية، بعد وصول إميل لحود إلى رئاسة الجمهورية عام 1998. أجريت الانتخابات وفقاً لقانون سميّ “قانون غازي كنعان”، رئيس جهاز الاستخبارات السورية في لبنان، وقد جاء القانون مفصّلاً على قياس الثلاثي: رفيق الحريري، نبيه بري، ووليد جنبلاط، واستفاد منه بالطبع “حزب الله” وبقية الأحزاب والشخصيات التي تدور في فلك النظام السوري. وكان القانون محاولة من الحريري لمنع التمديد لإميل لحود خصمه اللدود، وجاء كالعادة على حساب التمثيل المسيحي وعمل على تطويق المعارضة المسيحية آنذاك وتضمّن مخالفات دستورية فادحة. اكتسح رفيق الحريري المقاعد النيابية في بيروت بدوائرها الثلاث التي قسّمها بما يتلاءم مع الأصوات السنية وما يضمن تهميش الأصوات المسيحية، وأقصى المعارضة السنية مع سقوط مدوّ لرئيس الحكومة آنذاك سليم الحص، وكرّس الحريري زعامته الطائفية استعداداً للمواجهة مع لحود، التي احتدمت مع التمديد له بالقوة لولاية ثانية عام 2004، وهو الحدث المؤسس لاغتيال رفيق الحريري عام 2005.

افتتح عام 2005 باغتيال رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير، لتدخل البلاد في دوامة من العنف والاغتيالات السياسية والتوترات الأمنية والانقسام الحاد بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار، وليؤدي الزخم الشعبي الذي تبع اغتيال الحريري إلى إخراج القوات السورية واستخباراتها من لبنان في نيسان/ أبريل من العام نفسه، وهكذا شهد عام 2005 في شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو أربع جولات انتخابية، في استحقاق ميّزه غياب الوصاية السورية وحضور المعارضة المسيحية (التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية والكتائب) وأجري ذلك للمرة الأولى تحت رقابة من الأمم المتحدة. نال تحالف 14 آذار غالبية بـ69 مقعداً، فيما نال تحالف 8 آذار 57 مقعداً، إلى مقعدين لـ”المستقلين”. لكن هذه الانتخابات، برغم الانقسام العمودي فيها، شهدت تحالفات بين المعارضة والسلطة (آنذاك) بينها التحالف الرباعي الشهير الذي جمع “حزب الله” مع حركة “أمل” وتيار “المستقبل” و”الحزب التقدمي الإشتراكي”، واستفادت القوات اللبنانية من هذا التحالف في بعض الدوائر وكانت جزءاً منه.

إقرأوا أيضاً:

رسخت انتخابات 2005 الانقسام العمودي الحاد، وانتقل “التيار الوطني الحر” إلى تحالف مع “حزب الله” في شباط/ فبراير 2006 سمي “تفاهم مار مخايل”، واندلعت بعدها حرب تموز/ يوليو بين إسرائيل و”حزب الله” في العام نفسه، ليستعرّ الخلاف السياسي وتقوم المعارضة (حزب الله والتيار الوطني الحر) بالانسحاب من الحكومة ونصب اعتصام دام أكثر من 18 شهراً في وسط بيروت لإسقاطها، ويبلغ ذروته في اجتياح أمني لمدينة بيروت نفّذه “حزب الله” في أيار/ مايو 2008 رداً على قرارات حكومة السنيورة، مصادرة شبكة اتصالات وكاميرات مراقبة لـ”حزب الله” في محيط مطار بيروت الدولي. تدخّلت قطر بعد الأحداث التي ذهب ضحيتها عشرات الضحايا، واستضافت مؤتمراً للمصالحة بين المتقاتلين، أسفر عن اتفاق “الدوحة” الذي أقر انتخاب رئيس جديد للجمهورية (ميشال سليمان) ووضع قانون جديد للانتخابات، وتأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة فؤاد السنيورة، وهي الحكومة التي أجرت الانتخابات النيابية في حزيران 2009.

انتخابات عام 2009 كانت انعكاساً للتوازنات الإقليمية والمحلية التي ترجمت في اتفاق الدوحة وحافظ فيها فريق 14 آذار على الأغلبية فيما اعترف “حزب الله” بخسارة المعارضة الأغلبية في مجلس النواب. لكنها انتخابات أجريت وفق قانون انتخابي مفصّل على قياس التوازنات الطائفية والإقليمية، وأسس لاكتساح القوى الطائفية للمقاعد النيابية في منطق نفوذها (حزب الله و”أمل” نالا غالبية المقاعد الشيعية، وتيار المستقبل نال معظم المقاعد السنية) فيما كانت المعركة الفعلية في المناطق ذات الغالبية المسيحية بين “التيار الوطني الحر” وبين القوى المسيحية الأخرى، وعلى رأسها القوات اللبنانية والكتائب. 

شكّل مجلس عام 2009 خلاصة المنظومة السياسية التي تتقاسم البلاد، بتوكيلات إقليمية ودولية وبنفوذ طائفي ومالي وأمني. واستمر هذا المجلس بالسيطرة على المشهد السياسي حتى عام 2018 بعد التمديد له مرتين، كل مرة لسنتين، بعد تعذّر إجراء انتخابات عام 2014، بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية في البلد والإقليم وتدخل “حزب الله” في الحرب السورية، ما جعل المجلس يمدد لنفسه وللطبقة السياسية، وهو المجلس الذي انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016 بعد تفاهم معراب بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”. بقيت ولاية هذا المجلس نحو تسع سنوات، حتى اجراء الانتخابات النيابية عام 2018 بعد إقرار قانون انتخابات جديد. 

كان نظام الاقتراع النسبي هو السمة الفارقة لانتخابات 2018، وقد اعتبر القانون الانتخابي الجديد إنجازاً على علّاته، وبرغم انه لا يزال يساهم في تكريس السطوة الطائفية للأحزاب التقليدية، إلا أنه يسمح لخروقات من مستقلين. ومع ذلك لم تكن نتائج انتخابات 2018 مرضية على صعيد التمثيل، ولم تفرز مجلساً نيابياً فعالاً قادراً على التشريع والمحاسبة، بل بالعكس لعب هذا المجلس أسوأ أدواره في محاباة الحكومات التي تسببت بالانهيار المالي الكبير عام 2019، وبذل جهداً كبيراً لتغطية المصارف وحمايتها وعدم تكبيدها أي خسائر أو تحميلها اي مسؤوليات في ملفات ضياع أموال المودعين. كما كان هذا المجلس شاهد زور على فشل الحكومات في إجراء الإصلاحات وفي تأمين أبسط الحقوق البدهية للمواطنين اللبنانيين. 

في 15 أيار/ مايو تخاض الانتخابات بالقانون الانتخابي النسبي نفسه. لا تعديلات تذكر إلا على التمويل الانتخابي بسبب انهيار العملة وتبدّل سعر الصرف. يخوض اللبنانيون انتخابات لمحاولة محاسبة السلطة على كل ما فعلته بهم في السنوات السابقة، وما أوصلتهم إليه من انهيار ودمار وقتل بعد تفجير مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020. تلجأ المنظومة في هذه الانتخابات لجميع الأساليب المشبوهة التي واظبت على استخدامها في جميع الدورات الانتخابية السابقة، لمحاولة مصادرة صناديق الاقتراع، وإخافة الأصوات التي ترتفع ضدها عبر كتمها وتخوينها وشيطنتها. لكن يخوض كثر من اللبنانيين هذه الانتخابات بآمال كبيرة بخرق حائط المنظومة الصلد، وفتح ثقوب فيه لتنفذ منها خيوط ضوء بسيطة إنما تحمل أملاً بإضاءة ظلمات النفق الذي دخله لبنان منذ سنوات. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!