fbpx

جفاف بحيرة ساوة التاريخية: العراق مهدّد بالعطش

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

العراق مقبل على واقع مائي قاسٍ، لم نشهد له مثيلاً في السنوات الماضية. فلا يمتلك في الوقت الحالي سوى 50 في المئة من احتياطاته المائية بالمقارنة مع العام الماض.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدأ تأثير معالم التغيير المناخي والنشاط البشري في العراق يتضح بشكل فاعل بعد جفاف جزء من مسطحاته المائية الطبيعية، وفي مقدمتها بحيرة ساوة التي يعود عمرها لآلاف السنين، وتعدّ واحدة من أهم المعالم الطبيعية والسياحية وسط الصحراء، إذ إنها لا تتغذى من مصدر مائي خارجي كالأنهر أو الجداول، بل كانت تتغذى على المياه الجوفية. 

وكانت البحيرة تعتبر “ظاهرة جيولوجية” فريدة، بحسب باحثين جيولوجيين بعد إجراء الفحوصات لنوعية المياه، إذ وجدوا أن كثافة الماء فيها تفوق كثافة مياه الخليج العربي وكثافة البحار عموماً وعُرف عن مياهها فائدتها للجلد فهي تحتوي على تراكيب كيميائية وكبريتية.

هذا المسطح المائي الذي كانت مساحته تبلغ 5 كيلومترات مربعة، كان مركزاً لاستقطاب السياح من جميع المحافظات العراقية ومكاناً للاستجمام ومصدراً علمياً للباحثين في الشأن الجغرافي من الجامعات العراقية والدولية وكتبت عن البحيرة الكثير من الأبحاث والأطروحات حول طبيعة وجودها وأهميتها ونسب الأملاح فيها وتقدير عمرها الزمني الذي بقي محيراً حتى الآن.

أستاذ علم الجغرافيا رحيم حميد، واستناداً إلى أبحاث أجراها بنفسه، لم يستطع تحديد العمر الزمني الدقيق للبحرية بسبب ملوحتها العالية التي قضت على جميع الآثار التي يمكن أن ترشد الباحثين إلى عمرها الدقيق، اذ تصل نسب الاملاح فيها إلى نحو 3 آلاف جزءاً في المليون ورغم ذلك فقد كان هناك أربعة أنواع من الأسماك تعيش في داخلها وكانت تتغذى من 3 عيون مائية وسطها ويصل عمقها إلى 17 متراً، قبل أن تجفّ شيئاً فشيئاً منذ عام 2014.

الباحث الجغرافي الدكتور حسين الزيادي يكشف أن التغييرات المناخية قد تكون سبباً أساسياً في جفاف البحيرة، فتراجع المتساقطات في السنوات الماضية قلل وبشكل واضح من نسب تساقط الأمطار، ما انعكس بشكل واضح على نسب المياه الجوفية.

ويرى الزيادي أن واقع البحيرة في الوقت الحالي بحاجة إلى فريق علمي جيوفيزيائي وفريق متخصص في مجال التنمية للوقوف على حالها، فالسكوت عما أصابها يعني فقدان العراق مسطحاً مائياً طبيعياً ضخماً تمكن الاستفادة منه وتعزيز الإيرادات للبلاد بشكل إيجابي، فتمكن إقامة مستوطنات بشرية وبالتالي تصبح مدينة جاذبة للجميع.

وزير الموارد المائية مهدي الحمداني يجد أن النشاط البشري الجائر كان سبباً أساسياً وواضحاً لجفاف بحيرة ساوة والمساحات الأرضية المجاورة، إذ تم حفر 1000 بئر في بادية السماوة بالقرب من البحيرة، ما تسبب بجفاف مصادر الماء الأساسية التي تغذي البحرية. وهذه الآبار تم حفرها خلال الفترة التي استعدّت فيها محافظة المثنى لأن تكون عاصمة زراعية للعراق عام 2020. واتجهت الحكومة المحلية منذ ذلك الإعلان (2015) إلى منح إجازات الحفر من دون الرجوع إلى الوزارة وبطريقة غير مدروسة، وهذا الأمر تسبب بجفاف 6 آلاف كيلومتر مربع في بادية المثنى.

ويرى الحمداني أن العراق قد يكون بحاجة إلى ثلاث سنوات مطرية لتغذية المياه الجوفية من جديد كي تعود البحيرة الى سابق عهدها.

اتفاقية رامسار لم تحم المسطحات المائية في العراق

بحيرة ساوه أدرجت على لائحة اتفاقية رامسار للأراضي الرطبة عام 2015 وهذه الاتفاقية هي معاهدة دولية للحفاظ والاستخدام المستدام للمناطق الرطبة من اجل حمايتها وتدارك المهمات الايكولوجية الأساسية للأراضي الرطبة، وجاء اسمها من المدينة الايرانية التي انعقد فيها المؤتمر عام 1971 وطبق بنوده 172 دولة.

وأصبحت ساوة وفقاً لرامسار ثالث بحيرة انضمت إليها بعدما استوفت جميع المعايير البيئية والهيدرولوجية، إلا أن واقع الحال لم يكن بمستوى المسؤولية سواء من جهة الاتفاقات الدولية أو الوزارة المعنية بهذا الشأن في العراق فلم تصدر وزارة الموارد المائية، حتى الآن، أي رد أو تعليق حول اندثار مسطح مائي يعود لآلاف السنين.

الخبير في الشأن البيئي ليث العبيدي من منظمة “طبيعة العراق” يرى أن البحيرة تعد واحدة من أهم محطات الاستراحة للطيور المهاجرة والتنوع الاحيائي وموئلاً لأنواع كثيرة من الطيور المهددة بالانقراض، ومع جفافها يعني فقدان هذه الطيور لمكانها الموسمي وبالتالي تغيير مسار هجرتها.

ويجد العبيدي أن التحرك الحكومي معدوم إذا ما قورن بحالات أخرى، كما هي الحال في الأردن عندما تعرضت بحيرة “الأزرق” لخطر الجفاف بعد تناقص منسوبها المائي لتقوم الجهات المعنية بتشكيل فريق علمي مختص وتسخير الجهد الحكومي من أجل رعايتها كي تبقى وبقيت حتى الآن موقعاً مهماً لجذب السياح والحفاظ على البيئة.

إقرأوا أيضاً:

رئيس الجمهورية يتوقّع “عجزاً مائياً”

رئيس الجمهورية برهم صالح وفي تغريدة له اعتبر جفاف بحيرة ساوة لؤلؤة الجنوب في السماوة أمراً ومؤسفاً “وتذكيراً قاسياً بخطر التغير المناخي الذي يشكل تهديداً وجودياً لمستقبلنا في العراق والمنطقة والعالم”.

صالح توقع أن العراق سيمر بمرحلة عجز مائي كبير يصل الى ” 10.8 مليار متر مكعب بحلول عام 2035 بسبب تراجع منسوبي دجلة والفرات والتبخر في مياه السدود وعدم تحديث طرق الري”، مؤكداً أنه أن التصدي لتغير المناخ يجب أن يصبح أولوية وطنية للعراق، فعدد سكان اليوم يتجاوز 41 مليوناً، وسيكون 52 مليوناً بعد 10 سنوات، ويترافق ذلك مع زيادة الطلب على المياه”.

وحذر صالح من ملف التصحر الذي “يؤثر في 39 في المئة من أراضينا، وشح المياه يؤثر الآن سلباً في كل أنحاء بلدنا، وسيؤدي إلى فقدان خصوبة الأراضي الزراعية بسبب التملح”.

التغيرات المناخية في العراق رفعت من أيام السنة التي تشهد أجواءً مغبرة (رياح رملية) في البلاد بحسب مدير عام الدائرة الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض، إذ إن الإحصاءات المسجلة تشير إلى ارتفاعها من 243 يوماً إلى 272 يوماً في السنة لفترة عقدين من الزمن، ومن المتوقع أن تصل إلى 300 يوم مغبر في السنة عام 2050.

العراق يتجه لتدويل ملفه المائي 

العراق مقبل على واقع مائي قاسٍ، لم نشهد له مثيلاً في السنوات الماضية. فلا يمتلك في الوقت الحالي سوى 50 في المئة من احتياطاته المائية بالمقارنة مع العام الماضي، وفقاً لتصريح مستشار وزارة الموارد المائية عون ذياب، نتيجة قلة هطول الأمطار وتراجع الكميات الآتية من دول الجوار عبر الأنهار، بسبب السدود التي تبنيها دولتا المنبع (إيران وتركيا) على مجاري الأنهار.

سدود العراق المائية التي يصل عددها إلى 19 سداً منها 9 تنظيمية لحركة المياه والبقية تخزينية، لم تشهد أي توسعة أو إنشاء حديث إذ يرجع تاريخ إنشاء أول سد إلى عام 1913 وهو الأعلى طاقة للتخزين المائي يسمى سد الهندية ويتميز منخفض “الثرثار” بطاقة تخزينية تتجاوز  85 مليار متر مكعب/ ويليه سد الموصل بطاقة تخزينية تتجاوز  11 مليار متر مكعب، ولم تنشئ الحكومة العراقية ما بعد 2003 سوى سدّين: “الوند” في محافظة ديالى بطاقة تخزينية 38 مليون متر مكعب وسد “بلكانة” في محافظة كركوك بطاقة تخزينية تبلغ 3 ملايين متر مكعب.

البنك الدولي حذر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 من أن العراق قد يعاني من انخفاض بنسبة 20 في المئة في موارد مياه الشرب بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ.

وزارة الزراعة وخلال الموسم الزراعي الشتوي للعام 2021-2022 قلصت خطتها الزراعية للمحاصيل الاستراتيجية من الحنطة والشعير الى النصف بسبب النقص في مياه الري.

إقرأوا أيضاً: