fbpx

شيرين التي جمعت أسماء فلسطين كلها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شيرين في حياتها وموتها زعزعت “السيستم” الذي حُبس فيه الفلسطينيون، والذي أريد منه تحويلهم إلى أجزاء متناثرة من شعب، وأريد منه إزاحة روايتهم التاريخية المتأسسة على النكبة، وقضية اللاجئين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تجتمع كل أسماء فلسطين، ورموزها، كما اجتمعت في تشييع جثمان شيرين أبو عاقلة، البطلة الفلسطينية، حتى بوصف بعض المحللين الإسرائيليين، هذا لم يحصل ربما سوى في تشييع اثنين، أولهما الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والثاني هو الشاعر الفلسطيني العام محمود درويش، وكلمة “العام” تلك صفة أطلقها عرفات تحبباً على درويش، كمعادل، أو كند، للقب “القائد العام”.

ثمة الكثير من الأيقونات في التاريخ الكفاحي للشعب الفلسطيني من “الشهداء”، مثلاً، عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي وعز الدين القسام وعبد القادر الحسيني. وفي التاريخ الكفاحي المعاصر  حفرت في ذاكرة الفلسطينيين مسيرات تشييع غسان كنفاني، وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في بيروت، وأبو جهاد وأبو الوليد في مخيم اليرموك، وناجي العلي في لندن، (للمصادفة كلهم قضوا في عمليات اغتيال)، وفيصل الحسيني في القدس، وجورج حبش في عمان، وإدوارد سعيد في الولايات المتحدة، وذلك للمكانة التي تبوأوها، على سبيل المثال لا الحصر.

لكن شيرين تتميز عنهم بأنها واحدة من الفلسطينيين العاديين، وأنها صنعت أسطورتها بنفسها، بصوتها وصورتها واحساسها، وفي كل شيء بسيط وعميم، حتى إنها باتت جزءاً من كل بيت فلسطيني، أو عائلة فلسطينية، تنقل إليهم الخبر والصورة وتعلق على الحدث بإحساس يشبه إحساسهم، وألم مثل ألمهم، وغضب مثل غضبهم، وتصميم مثل تصميمهم.

حتى في قصة موتها، ومعركة تشييعها، جمعت شيرين الأسماء والرموز الفلسطينية كلها، فهي ابنة بيت لحم التي عاشت في القدس وقتلت، وبالأصح، أعدمت أو اغتيلت في جنين وقرب مخيمها الذي بات بمثابة أسطورة حية من لحم ودم، وشيعت في نابلس وفي رام الله وفي القدس، المدينة التي يتكثف فيها الصراع ضد إسرائيل الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية والدينية المتوحشة، ولا أبلغ من ذلك في دلالة الصراع بين النعش وحملة النعش من جهة وبين المجرمين القتلة المدججين بالسلاح من الجهة الأخرى، في مشهد ملحمي سيسجله التاريخ، وسيحفر عميقاً في ذاكرة الفلسطينيين وأصحاب الضمير في العالم.

تحية وتكريماً لابنتهم وأختهم ورفيقة آلامهم وآمالهم شيرين خرج، أو حزن، الفلسطينيون، في كل مدن وقرى ومخيمات بلادهم فلسطين، في حيفا ويافا وعكا والجليل والنقب والناصرة ونابلس وجنين والخليل ورام الله وغزة، وفي بلدان اللجوء والشتات. وضمن ذلك فإن هذا الحدث أظهر الفلسطينيين، في مشهد واحد، بعيداً من الانقسام، وقد تكثف ذلك في المعركة على العلم الفلسطيني، الذي بدا أنه راية لكل الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم، لا تعلوها أي راية أخرى.

أيضاً، كانت المعركة على العلم جزءاً من المعركة على الهوية وعلى الرواية الوطنية الجامعة، الرواية الأصلية، وهذا هو مصدر خوف الإسرائيلي الذي بدا مدججاً بالسلاح، من رأسه إلى أخمص قدميه، في مواجهة مشيعيين ليس لديهم أي سلاح سوى نعش الشهيدة الصحافية الراحلة، وعلم فلسطين، أي كان لديهم سلاح أقوى وأكثر صدقية من أي سلاح أخر، مع إيمانهم بحقوقهم وبقضيتهم العادلة.

المغزى ان شيرين في حياتها وموتها زعزعت “السيستم” الذي حُبس فيه الفلسطينيون، والذي أريد منه تحويلهم إلى أجزاء متناثرة من شعب، وأريد منه إزاحة روايتهم التاريخية المتأسسة على النكبة، وقضية اللاجئين، واعتبار قيام إسرائيل الاستعمارية العنصرية المستوطنة الأم والأكبر منذ اصطناعها القوة (1948) وليس فقط مع احتلال الضفة والقطاع (1967) في محاولة لتزوير التاريخ وتزوير الرواية. وتلك هي أهم معاني ما حصل، وهذا ما فعلته شيرين وما قدمته لشعبها في حياتها ومماتها وبجنازتها.

الشعور الجمعي بالوجع، أو الوجع العام، الذي افتقده الفلسطينيون طويلاً، بسبب مهزلة أوسلو، والسلطة الهزيلة، وبسبب الانقسام، والانزياح عن الرؤية الوطنية الجامعة التي تطابق بين الشعب والأرض والقضية والرواية التاريخية، كل ذلك تم محوه في يوم شيرين المجيد، في ملحمة القدس، يوم تشييعها إلى مثواها الأخير، او يوم صعودها كنجمة في سماء فلسطين، مثلما كان امّحى، ولو لوهلة، في معركة الشيخ جراح، قبل عام، ففي الحالتين ظهر الفلسطينيون كشعب، وهذا أكثر ما يحتاجونه هذه الأيام… طوبى لك شيرين… طوبى لك… نجمة في السماء.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!