fbpx

يوسف الذي أعطى صوته التفضيلي للنهر!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أعطى يوسف صوته التفضيلي في هذا النهار الانتخابي للنهر. رمى بصوته في الماء، ووضع صورة جميلة للنهر على إنستغرام، فيما كثيرون كانوا يضعون صورهم من داخل مراكز الاقتراع، وأصابعهم مغمّسة بالحبر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في الصباح الباكر من هذا اليوم الإنتخابي الطويل، وضع يوسف، على عادته الدائمة، صورة جميلة لنهر الليطاني في خاصية “الستوري” على إنستغرام. نام يوسف عند ضفة النهر الليلة الماضية في خيمة يحملها معه في سيّارته “نيسان” موديل العام 1989. سيارة اشتراها بعد ان تخلى عن سيارته الحديثة، لعدم قدرته على صيانتها بعد ان انهارت العملة وصار راتبه، كأستاذ مدرسة، لا يكفيه ليملأ خزانها بالوقود. ومنذ الإنهيار، ويوسف يطوّع إمكانياته لتتناسب مع رغبته بالعيش بعيداً من هموم هذه البلاد المجرمة بحق أبنائها. والداه متقاعدان، خسرا، مع باقي موظفي الدولة، قيمة رواتب التقاعد، لكن اختيه تساعدان من الخارج. واحدة من أوروبا والثانية من أميركا. ترسلان ما يدعم العائلة ويساعدها على الصمود. يوسف وضع كل ما كان يدّخره في قطعة أرض بدأ ببناء بيت صغير عليها مع بداية الأزمة، وهو الآن يحاول بالتقسيط “الصعب”، أن يبني البيت حجراً بحجر، مع صعوبة إكماله ليصير صالحاً للسكن في هذه الظروف. لهذا، يحمل يوسف خيمته معه أينما يذهب. ويبحث عن أماكن جميلة، يهرب فيها من الضجيج و”وجع الرأس”، ويركن إلى الطبيعة، وحيداً، أو مع اصدقاء قلّة، يجارونه في هربه. 

غالباً يرتاح يوسف إلى النهر. منذ بداية الربيع يجعل “سريره ضفة النهر”، كما يقول سعيد عقل في إحدى قصائده. فيشعل ناراً تهبه دفئاً وإضاءة(بعدما عزّت الكهرباء في البيوت)، ويطهو عليها ما يحضره معه من طعام، أو ما يصطاده من النهر من أسماك، يشويها على الجمر، ويستمتع بخرير الماء وبعض الموسيقى بعيداً من ضجيج المدن وأسى القرى المعتمة والموحشة. يلجأ يوسف إلى النهر، لجوءاً غريزياً إلى الغابة، هرباً من توحّش “المتحضّرين” الذين حوّلوا البلاد إلى أرض خراب. وحينما تسأله: أليس نهر الليطاني ملوّثاً؟ يجيبك بان النهر أقل تلوثاً من الأحزاب والتلفزيونات والسياسيين ومناصريهم، وأنه قادر على تنظيف مجراه بفعل السيل الجارف الذي يأخذ كل شيء إلى البحر. وصل يوسف إلى درجة من الاشمئزاز من كل ما يجري، حتى خسر اي رغبة لديه بتغيير مجرى النهر. لكنه في الآن عينه لا يريد أن يستسلم للسيل الجارف. لهذا يجلس على الضفة، مراقباً، ويرمي بصنارته في الماء بحثاً عن سمكة هي بمثابة أمل صغير حقيقي وملموس، يشويه ويأكله، بعد ان يستمتع بعملية صيده، بلا تعقيدات ولا تشنّج ولا توترات.

أعطى يوسف صوته التفضيلي في هذا النهار الانتخابي للنهر. رمى بصوته في الماء، ووضع صورة جميلة للنهر على إنستغرام، فيما كثيرون كانوا يضعون صورهم من داخل مراكز الاقتراع، وأصابعهم مغمّسة بالحبر. لم تتجاوز نسب الاقتراع 40% على ما يبدو، وهذا يعني أن 60% من اللبنانيين المسجّلين، رموا أصواتهم، كما يوسف(مجازياً)، في ماء النهر، لتذهب هدراً إلى البحر. 

لماذا فعلوا ذلك؟ لماذا قاطعوا “العرس الديمقراطي”؟ حاولت أن أسأل يوسف، بلغة ممازحة: “ليش ما انتخبت يا حيوان؟”، أجابني وبدت لي اجابته قاسية جداً: “لأني مش حيوان”!

إقرأوا أيضاً: