fbpx

شيرين أبو عاقلة: “في بعض الغياب حضور أكبر”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فلسطين. فلسطين. فلسطين. لن تصمت أبداً. ارقدي بسلام شيرين أبو عاقلة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كنت في الحافلة في طريقي إلى العمل… بينما ترددت أصداء قناة “الجزيرة” على مسامعي. التقطت صحيفة “مترو” البريطانية وقلبت صفحة تلو الأخرى، بحثاً عن اسمها، أو عن أي شيء حول تلك الفاجعة. بحثت عن أي شيء يوحي بتقدير تلك المرأة التي وهبت 25 عاماً من حياتها لمهنة الصحافة، وعملت ليل نهار لنقل معاناة شعبها وقضيته. الشعب الفلسطيني. ولكن من الواضح أن قدم كولين روني كانت لها الأولوية، فقد ملأت صورتها عدداً هائلاً من أغلفة الصحف. ترجّلت من الحافلة وتوقفت أمام محل لبيع الصحف، وألقيت نظرة مجدداً على الصفحات الأولى. ولم أجد أي شيء. وصعقت من تناول وسائل الإعلام الغربية لهذه المأساة.

اسمها شيرين أبو عاقلة.

استعرضت صفحات صحيفة “مترو”، فوجدتها تتحدث عن “أبطال ماريوبول”… ذلك التعاطف الذي ما فتئ يسلط الضوء على الوضع الأوكراني، مثل الأضواء الغامرة- عن حق- ولكن أين كانت تلك الأضواء نفسها عندما كانت روسيا تقصف سوريا، أو عندما كانت إسرائيل تقصف غزة؟

“هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا. هؤلاء مسيحيون. إنهم بيض البشرة. إنهم يشبهوننا للغاية”، هذه كانت الكلمات ذاتها التي صاغتها الصحافة الحديثة على لسان مراسلة قناة NBC الأميركية أثناء تغطيتها لأحداث الحرب الحاصلة في أوكرانيا.

هم ونحن.

أليست هذه هي الخطابات العنصرية التي تبناها المتعصبون البيض في الآونة الأخيرة والتي خدعنا أنفسنا جميعاً مُدعين أنها انتهت منذ فترة طويلة؟ فقد عادت المبادرات الاستعمارية الغابرة لتعلن أننا مختلفون، وأن اللاجئين أو الحروب يمكن إعطاؤها الأولوية اعتماداً على الموقع الجغرافي ومستويات الميلانين في البشرة.

فإذا عدنا بالتاريخ إلى الحرب العالمية الثانية حين وصف النازيون الشعب اليهودي بأنهم غير آدميين أو مادون البشر. واشاروا إليهم بالفئران، في محاولة لتجريد شعب بأسره من إنسانيته لجعل إبادتهم مبررة.

وبالعودة إلى الوقت الحاضر، نجد أن كاتبة العمود في الصحف الصفر، كاتي هوبكنس، تصف اللاجئين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، بقولها:

“صدقني، هؤلاء المهاجرون غير الشرعيين مثل الصراصير. ربما يشبهون قليلاً بوب غيلدوف قادمين من إثيوبيا حوالي عام 1984، لكنهم خلقوا قادرين على النجاة من قنبلة نووية. إنهم ناجون”.

ولا أحتاج إلى الخوض في الحديث حول سياسة الترحاب التي استقبل بها اللاجئين الأوكرانيين في المقابل.

وعندما تعهدت جيجي حديد بالتبرع بالأرباح التي حصّلتها خلال شهر الموضة لإغاثة الشعب الأوكراني والفلسطيني، “لمساعدة أولئك الذين يعانون من حرب أوكرانيا، وكذلك الاستمرار في دعم أولئك الذين يعانون من نفس الشيء في فلسطين”.

يبدو أن ذلك اعتبر مُعادياً للسامية، واتُهمت بأنها “تأجج نيران معاداة السامية”. بينما سارعت مجلة “فوغ” بلا خجل إلى حذف اسم فلسطين من منشورها على “إنستغرام”.

وفي حين فرض الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “اليويفا” غرامات مالية مرتين على مشجعي نادي سيلتيك الأسكتلندي بسبب رفع جماهيره الأعلام الفلسطينية في مباريات دوري الأبطال، لم يهتز لأحد جفن من العدد الهائل من الأعلام الأوكرانية.

وعندما تصدى لاعب الاسكواش المصري علي فرج الذي ندد بسلوك وسائل الإعلام الغربية عندما يتعلق الأمر باستخدام الرياضة كمنصة لتسليط الضوء على السياسة.

إقرأوا أيضاً:

“لم يكن مسموحاً لنا أبداً من قبل بخلط السياسة مع الرياضة، لكن فجأة بات مسموحاً بذلك الآن… فقد عانى الشعب الفلسطيني على مدى الـ74 عاماً الماضية من المشاكل بسبب الحرب أيضاً، وأعتقد لأن ذلك لم يكن يناسب الخطاب الذي تتبناه وسائل الإعلام في الغرب، لم يكن مسموحاً لنا بالحديث عن هذا الأمر، ولكن طالما نستطيع الحديث الآن عن الأوكرانيين، فبالتالي يمكننا الحديث عن الفلسطينيين أيضاً. لذا من فضلكم ضعوا ذلك في الاعتبار”.

كانت شيرين أبو عاقلة تقف عند شجرة الصحافيين. وهي موقع يستخدمه الصحافيون نظراً إلى أنه واضح للغاية للعيان. ومن الواضح أنها كانت ترتدي خوذة وسترة واقية من الرصاص تحمل بوضوح كلمة “صحافة” باللغة الإنكليزية. وقد اخترقت الرصاصة المنطقة غير المحمية تحت أذنها مباشرة، ما أدى إلى تحطيم مؤخرة رأسها، وماتت على الفور. وكان الهدوء يعم المنطقة قبل الفاجعة، ولم تكن هناك اشتباكات بالأسلحة النارية، وتشير أصابع الاتهام إلى أن قناصاً من الجيش الإسرائيلي اغتالها عمداً.

لإسكاتها؟

تنبأت أبو عاقلة بموتها بشيء من التشاؤم عندما نشرت على صفحتها على “فيسبوك” قبل عام أنه “في بعض الغياب حضور أكبر”. وأخبرت قوات الأمن الإسرائيلية شقيقها أنطون أبو عاقلة بمنع رفع الأعلام الفلسطينية وصورها خلال تشييع جنازتها. هل تعتقدون حقاً أن لديكم أي سلطة في الشارع الفلسطيني؟ بغض النظر عن رصاصاتكم أو كراهيتكم للأجانب أو دولة الفصل العنصري التي تعيشون فيها، فقد خسرتم هذه المعركة بمجرد أن أطلقت الرصاصة على رأس شيرين.

كتبت بينما شاهدت شيرين وهي تُحمل من المستشفى الفرنسي في القدس، وبينما هاجمت القوات الإسرائيلية جنازتها، والناس يلوحون بالأعلام ويهتفون، وبينما نقلت مراسلة قناة “الجزيرة” جيفارا الحدث على خلفية الرصاص والقنابل الصوتية، وبينما كاد النعش يسقط.

كان صوت جيفارا يرتجف كلما ذكرت اسم شيرين. كان يجب أن تكون على قيد الحياة وتقف عند شجرة الصحافيين تغطي ما حدث في جنين صباح جنازتها.

كنت في العمل، أقاوم الدموع ورغبتي الجامحة في الوقوف والتهليل في وسط المكتب بينما كنت أشاهد نعشها يُنقل إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في القدس. فقد طفت حشود من الفلسطينيين الفخورين وهم يحملون ابنتهم عبر الشوارع وسط الأعلام التي يخشاها الصهاينة وهي ترفرف عالياً إلى عنان السماء.

ودقت جميع الأجراس في جميع أنحاء القدس، من جميع الطوائف المسيحية المختلفة، في انسجام تام للمرة الأولى. من الصعب ألا تذرف الدموع كمداً على المرأة التي وحدت جميع الطوائف وجميع الأديان وجميع الفلسطينيين. لقد كتبت هذه الكلمات بينما ينتابني شعور غامر بالإحباط، مع رغبة ملحة في الالتفات إلى الأشخاص المجاورين لي، وأن أوضح لهم الشعور الذي يعنيه ما نواجهه من تهميش جماعي وإسكات طوال سنوات من الخطاب المعادي للأجانب.

فلسطين. فلسطين. فلسطين. لن تصمت أبداً. ارقدي بسلام شيرين أبو عاقلة.

إقرأوا أيضاً: