fbpx

الانتخابات اللبنانية… لماذا أفكّر بحافظ الأسد الآن؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أتحدث عن الشعور الّذي فقدته في سوريا، ووجدته في لبنان. ولا أعظم من ثورة 17 تشرين، الّتي أعادت إليّ ثقتي بنفسي كإنسان، حين كنت أتابعها، وأبحث فيها عن كلّ شيء، ظل حسرة في قلوبنا كسوريّين، لأنه لم يتحقّق في ثورتنا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بصفتي سوريّاً، فإن كل المقارنات التي يمكن أن أخوض فيها، بين ما أراه في أيّ دولة أزورها، أو بالأحرى (ألجأ إليها)  أو أتابع أخبارها وقوانينها عبر السوشيل ميديا، وبين ما عشته في سوريا، فإنها (أقصد المقارنات) ستكون خاسرة بالنسبة إلي. أو في تعبير أكثر دقة، فإنها لن تثير في داخلي، سوى الحسرة والأسف. لماذا نحن السوريين، لسنا مثلهم؟ هذا أول سؤال يتبادر إلى الذهن عند اصطدامنا بأي حدث ديموقراطي أو يومي يحدث في أي دولة. لماذا لا نملك كذا أو كذا؟ ما الّذي ينقصنا حتّى نتمكّن على الأقل من العيش بكرامة؟ ماذا ينقصنا حتى نتمكن  من اختيار ما يناسب حياتنا أو الصراخ حين تضيق بنا الحياة، دون الخوف من أن يعتقلنا أحد؟

أجل، الخوف من أن يعتقلنا أحد، هذا الخوف الّذي زُرع في قلوبنا، حتّى قبل أن نبكي عند لحظة ولادتنا، الخوف الّذي يكبر كل يوم بشكل متسارع، مرتبطاً بأدق تفاصيل عيشنا اليوميّ. ولا أعتقد أن أي سوريّ (في الداخل أو في الخارج) يمرّ يوم من حياته، دون أن يتنهّد خلاله بحسرة، عشرات المرّات. 

أعيش في لبنان منذ أكثر من خمس سنوات، والجميع يعرف أن الأمور (السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الدّينيّة) مرتبطة بشكل واضح أو خفي، بخيوط تكاد تُرى، مع الأمور المماثلة لها في سوريا. لا توجد صورة لوضع ما في لبنان، إلا ولها نسختها السورية، مع بعض التعديل. لكن الاختلاف الجوهريّ بين هنا وهناك، يكمن في المقارنة. فعلى رغم ذلك، لاتخلو الحياة اليوميّة هنا، بالنسبة إلي كسوريّ، من المقارنة الدائمة، بين أدق التفاصيل، بدءاً من علاقات الناس في ما بينهم، وصولاً إلى مقارنة أمور سياسية مصيريّة، بين التي في لبنان، وتلك الّتي في سوريا. 

لذلك، تعالوا نتحدّث قليلاً عن بعض هذه المقارنات، الّتي دأَبْث خلال الفترة الأخيرة على جمعها، وتدوينها. وحين أقول “الفترة الأخيرة” فأنا أقصد سنواتي الخمس التي عشتها في لبنان.

ثورة 17 تشرين: ما لم نشعر به من قبل

ربّما من أكثر الأمور الّتي أثارت دهشتي منذ وصولي إلى لبنان، هي أنّ الأحاديث السياسية تدور بين الناس في كل مكان، في المطاعم والمقاهي وسيارات الأجرة، ولا يتحرّج أحد من ذكر الأسماء بحذافيرها، من رئيس الدولة حتّى أصغر سياسيّ فيها. دون أدنى حذر من أن يكون عنصر أمن في الجوار قد يسمعهم، وهذا ما لم يكن مألوفاً أبداً، بالنسبة إلى شاب سوريّ مثلي. وبغض النظر عن النتائج وحال البلد الذي لا يختلف كثيراً عن سوريا. هنا لا يخاف الناس من الجيش، ولا ترعبهم فكرة الحواجز. اللباس العسكريّ لا يسبب لهم الذعر كما يسبّبه لنا. ويظهر ذلك، من أريحيّة حديثهم مع عناصر الجيش والأمن. وحديثي هنا لا يتجاوز المُقارنة، الّتي من خلالها، أحاول أن أشير إلى ما ينقصنا. وأيضاً، أن أتحدث عن الشعور الّذي فقدته في سوريا، ووجدته في لبنان. ولا أعظم من ثورة 17 تشرين، الّتي أعادت إليّ ثقتي بنفسي كإنسان، حين كنت أتابعها، وأبحث فيها عن كلّ شيء، ظل حسرة في قلوبنا كسوريّين، لأنه لم يتحقّق في ثورتنا.

الانتخابات البرلمانيّة: مجلس نوّاب لا نعرف منهم أحداً

اعتدنا في سوريا، تحت حكم “حزب البعث”، على برلمان سوريّ كأنّه قالب ثابت، يُنتخب في كل دورة بأسلوب شكليّ، نسمع أن غداً هو موعد الانتخابات، نتابع ذلك على شاشات التلفزيون، وفي هواتفنا، نسمع أسماءً لا نعرف أحداً من أصحابها، تليها ساعتان من التصفيق، ووصول النواب بالتزكيات والمحسوبيات. نشاهد مجسّمات فقط تجلس على الكراسي الفخمة. يصفقون لبعضهم، ولم نسمع يوماً بنائبٍ فعل كذا أو قال كذا. يصفّقون فقط. ولا أبالغ حين أقول: إننا كشعب سوريّ، لا نعرف أحداً منهم، سوى من تنتشر له مقاطع مصوّرة من داخل المجلس وهو يتحدث بكل سخافة عن حاجة “البلد” للطبل والزمر. ويقصد هنا تعزيز دور الإعلام.

في الحقيقة، لا أرى دافعاً نحو أن نهتم بهم وبأسمائهم، طالما أنّنا عاجزون عن خلعهم من أماكنهم، لأن وجودهم من عدمه، سواء.

في حماوة الانتخابات اللبنانية ونتائجها كان الترقب عالياً جدّاً، واللّافت في الأمر، أنّني خلال أيام قليلة، حفظت معظم أسماء النواب هنا، وما هي قصة كل واحد منهم، وكيف يحاولون الوصول إلى المجلس ومن وصل، بين متمسّك به ولو بالتزوير والتدليس، وبين من يكافح بشرف وبمحبّة الناس ليكون نائبهم. 

معركة سياسية؟ لم يسبق لي أن عشت هذا في سوريا، رغم تشابه الدستورين السوري واللبناني في نقطة “الانتخابات النزيهة”. في الحقيقة، شعرت بأمل غريب، حين سمعت النّاس يتحدّثون عن نتائج 17 تشرين الأول، الإيجابيّة، الّتي بدأت تظهر ثمارها، من خلال وصول شخصيّات مناضلة، مشروعها التغيير الحقيقي، من ثورة في الشوارع إلى كرسيّ لصنع القرار، بجدارة في مجلس النواب. 

في الحائط حجرٌ غريب، أو أن للحيطان آذاناً

إذا حاولت أن أسأل نفسي، عن السبب، أو الأسباب وراء شعورنا بهذا النقص، ورغبتنا في أن نعوّضه في شؤون ليست من شؤوننا، على رغم أن القضيّة برمّتها عربيّة، فلربّما يكون “الرعب” من الخوض في السياسة، حتى ولو ضمن أحاديث عابرة، هو أكبر الأسباب، وذلك لما نعرفه عن قدرة النظام السوري القمعيّ على الاقتصاص من أيّ نفَسٍ مُعارض، قد يقع بين يديه. ولا أقول إن الوضع في لبنان لم يتعرّض خلال فترة إقامتي فيه، للكثير من حالات القمع. لكن كمقارنة، فالوضع السوريّ لا يُقارن بأيّ وضع بعد عشرة أعوام من الحرب الطّاحنة.  ولا شيء في الحقيقة يتبادر إلى ذهني في النهاية،  للحديث عن القمع/ الرعب سوى أن أذكر حادثةً قصيرة وسريعة، ربما تختصر الكثير من المشاعر الّتي أحاول إيصالها من خلال الكتابة. بدأت هذه القصة يوم وفاة “حافظ الأسد”. قبل اثنين وعشرين عاماً، وكنت طفلاً في العاشرة تقريباً، أحاول صنع طائرة ورقيّة لإطلاقها في السماء. لولا خروج زوجة عمّي من بيتها، تركض بذعر لا أنساه، وهي تأمرني بأن أدخل إلى البيت وأغلق بابه بسرعة، وحين سألتها لماذا؟ قالت وهي تخبّئ فمها بيديها، “فوت عالبيت بسرعة، مات حافظ الأسد”.

الخوف الّذي هزّني بسبب خوفها والطريقة الّتي همست بها عبارة “مات حافظ الأسد” جعلتني أركض تاركاً كلّ شيء من يدي، وأدخل البيت حيث وجدت الرعب ذاته مرتسماً على وجوه أفراد عائلتي، وهم يقومون بإطفاء التلفزيون وإغلاق نوافذ المنزل. وحين سألتهم، “مين حافظ الأسد؟” صرخوا بوجهي، بأن أغلق فمي، وحذّروني بشدّة من الخوض في الحديث بهذا الأمر، أو ذكر هذا الاسم على لساني أمام أحد. 

ولا أبالغ حين أقول: إن الرعب الذي تولّد في داخلي يومها، رافقني حتى يومي الأخير في سوريا، حين غادرت هارباً من الأسد ونظامه. بعد حربٍ أشعلها في البلاد، بحجّة “المؤامرة”. وربّما كانت عبارة “الحيطان لها آذان” هي أكثر عبارة تداولها الناس خلال الحرب وقبلها في سوريا، وهي تشير إلى النظام التجسّسي المخابراتي، الّذي زرعه نظام الأسد في كل حيّ، وداخل كلّ بيت. في كل جدار.

إقرأوا أيضاً: