fbpx

كيف يمكن انتشال العراق من العواصف الترابية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شهدت مناطق العراق خلال أيام الموسم المطري الماضي وما سبقه، شحة في التساقطات المطرية، ما ساهم في زيادة مساحات التصحر وفقدان آلاف الدونمات من الأراضي التي كانت مغطاة بالنسيج الأخضر، خصوصاً في المناطق الغربية من البلاد. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يشهد العراق اليوم تدهوراً بيئياً خطيراً، إذ يبدو أن التصحر وتعرية التربة هما الرابحان الوحيدان في الحرب البيئية- المناخية التي تجسد العواصف الرملية أحد ملامحها الرئيسية. ويؤثر التصحر بحسب بيانات رسمية عراقية بما يقارب 40 في المئة من مساحة البلد، فيما يتعرض أكثر من نصف أراضيه الزراعية الخصبة لخطر الفقدان جراء التعرية والملوحة، الناتجتين عن آثار تغير المناخ من جانب والنشاط البشري من جانب آخر. وقد شهدت البلاد بحسب بيانات وزارة البيئة لعام 2013 أكثر من 120 عاصفة ترابية و283 يوماً مغبراً، وأشارت توقعات بيئية، قبل نحو عقد من الآن، إلى أن العراق في السنوات العشر المقبلة، سيشهد 300 عاصفة ترابية سنوياً. ها نحن نعيش تلك التوقعات، إذ تتكرر العواصف الترابية، التي أدخلت آلاف الأشخاص إلى المستشفيات، ناهيك بحالات وفاة في العراق، إلى عشر حالات وفاة مؤكدة في البادية السورية.

وقد تأثرت جميع القطاعات الاجتماعية، الاقتصادية، الصحية، الزراعية والتعليمية بالعواصف الرملية والترابية، إذ تغلق المطارات والموانئ والمدارس والمحلات التجارية لأيام أحياناً، جراء فقدان الرؤية والهواء النظيف. وبدت آثار ذلك على مستوى حياة الناس، العمل، المواد الخام والسلع، نفقات الطاقة، سلاسل التوريد والبنى التحتية، ووسائل الاتصالات والنقل الوطنية. 

وإضافة إلى دورها في زيادة حرارة السطح وتفاقم آثار الجفاف جراء السحب الترابية التي تشكلها، تزيل العواصف الترابية المواد العضوية والجزيئات الغنية بالمغذيات عن التربة مما تقلل الإنتاجية الزراعية. وقد تم بالفعل تدمير أجزاء كبيرة من التربة الخصبة في العراق وسوريا. يضاف إلى ذلك، اشتداد التصحر والجفاف وتقليل إمدادات مياه الشرب والري وزيادة ملوحة التربة بشكل ملحوظ. ويشكل كل ذلك ضغوط هائلة على قطاع الصحة العامة في العراق، وهو قطاع متهالك أساساً جراء الفساد “المنظم” وعدم الاكتراث بملفات الصحة والبيئة من قبل الحكومات المتعاقبة.

ما الأسباب ولماذا غرق العراق في هذه الأزمة البيئية؟

يتناسب ازدياد تكرار هبوب العواصف الترابية أو نقصانها، مع كمية المتساقطات في الموسم المطري، خصوصاً في الموسم الانتقالي الذي يسبق فصل الصيف الحار والجاف. وقد شهدت مناطق العراق خلال أيام الموسم المطري الماضي وما سبقه، شحة في التساقطات المطرية، ما ساهم في زيادة مساحات التصحر وفقدان آلاف الدونمات من الأراضي التي كانت مغطاة بالنسيج الأخضر، خصوصاً في المناطق الغربية من البلاد. 

بحسب عضو لجنة الخبراء في “منظمة الأرصاد الجوية العالمية” صادق عطية، تشكل هذه المناطق مع البادية السورية من جهة دير الزور والحسكة مروراً بالقائم، مثلثاً يعد من أشد المصادر الترابية المترافقة مع اندفاع المنخفضات الجوية الخماسينية خلال فصل الربيع. 

وكذلك عند حلول موسم الصيف، تهب رياح شمالية غربية (رياح السموم) أو رياح “البوارح”، بحسب التسمية الشعبية خلال ساعات الظهيرة بسبب وجود انحدار الضعف الجوي بسبب تمركز مرتفع جوي من جهة الغرب ومنخفض جوي حراري من جهة الشرق. 

ويشير عطية في شرح مفصل إلى أن “الفصول الانتقالية، فصل الربيع على سبيل المثال، تتميز بعواصف ترابية شديدة، تحديداً في آذار/ مارس ونيسان/ أبريل حتى منتصف أيار/ مايو، إذ تشهد هذه الفترة الزمنية تقلبات جوية ناتجة عن الفوارق الحرارية، إذ يسخن سطح الأرض جراء ارتفاع درجات الحرارة فتنتج الفوارق الحرارية من اندفاع كتل هوائية معتدلة أو باردة تنحدر من جهة أوروبا، ما يؤدي إلى فوارق حرارية، فيندس الهواء البارد الثقيل أسفل الهواء الدافئ فوق مناطق هشة خالية من الغطاء النباتي”. ويتسبب ذلك بحسب الخبير العراقي، بإثارة الغبار حيث يكون كثيفاً في مناطق المصدر وتحمله الرياح باتجاه مناطق ومدن أخرى في العراق. وتمتد العواصف إلى دول الجزيرة العربية والخليج وقد تمتد إلى بحر العرب. وأشارت مصادر صحية في سوريا الى موت عشرة أشخاص جراء الهبوب الترابية في محافظة دير الزور السورية والتي تعد إحدى المناطق المصدرة للغبار في المنطقة. 

وتشير وحدة التحليل المشترك التابعة للأمم المتحدة إلى أن العواصف الرملية والترابية هي نتيجة عوامل مترابطة تمتد عبر بلدان إقليمية. وتبين الوحدة المذكورة في وثيقة تقييمية يعود تاريخ نشرها الى عام 2013، أن عوامل مثل استمرار سنوات من ممارسات زراعية غير ملائمة وسوء إدارة الموارد المائية وتغير المناخ، ساهمت في تقليل الغطاء النباتي والتصحر والجفاف في العراق، ما فاقم بشكل مباشر مشكلة العواصف الترابية الإقليمية. ويؤدي الجفاف والظروف القاحلة بحسب الوثيقة ذاتها إلى انحلال جزيئات التربة، كما تساهم الرياح في ظهور العواصف الترابية. يذكر أن العراق يتأثر بالرياح الجنوبية والجنوبية- الشرقية، وهي رياح جافة مغبرة مع هبوب رياح عرضية تبلغ 80 كيلومتراً في الساعة، وذلك من نيسان إلى أوائل حزيران/ يونيو، ومرة ​​أخرى من أواخر أيلول/ سبتمبر حتى تشرين الثاني/ نوفمبر. تجلب هذه الرياح معها عواصف ترابية شديدة قد ترتفع إلى آلاف الأمتار. ومن منتصف حزيران إلى منتصف أيلول، تهب رياح الشمال من الشمال والشمال الغربي. ويؤدي الهواء الجاف الشديد إلى تسخين الشمس بشكل مكثف ويزيد من حدة التصحر. إن هاتين الرياحين على وجه الخصوص هما اللتان تولدان عواصف ترابية شديدة في المنطقة.

إقرأوا أيضاً:

وبالعودة إلى الخبير العراقي صادق عطية، نرى أن العوامل التي تؤدي الى إثارة الغبار في العراق، تتنوع بين ما هو طقسي، أي المنظومات الطقسية التي تسبب الغبار مثل المنخفضات والجبهات والحمل الحراري، وما هو بيئي وبشري بفعل الإنسان، ناهيك بعوامل طوبوغرافية مثل نوعية التربة حيث تكون متماسكة أو زراعية أو هشة مفككة. وإضافة إلى العوامل المذكورة في وثيقة الأمم المتحدة، هناك عاملان آخران رئيسيان وفق عطية يساهمان في زيادة العواصف الغبارية في السنوات الأخيرة وهما:

أولاً: تدخل الإنسان بشكل مباشر، لا سيما لناحية العمليات العسكرية غرب العراق وشرق سوريا التي أدت إلى تفكيك تماسك التربة وجعلتها عرضة لرفع جزيئاتها لأي سرعة رياح تهب.

ثانياً: شحة هطول الأمطار وتطرفها خلال الموسمين السابقين. 

ويشير الخبير العراقي في هذا السياق إلى تعدد مصادر الغبار في العالم، إذ تُعد الصحراء الأفريقية المصدر الأول عالمياً، إذ تشغل مساحات شاسعة وتصدر الغبار غرباً وشرقاً، ويقف العراق في مرمى غبار هذه الصحراء عندما تحملها المنخفضات الخماسينية الربيعية باتجاه المنطقة. وتأتي الهضبة الغربية في العراق وشرق سوريا وشمال السعودية وصحراء كاليفورنيا وأستراليا والصين بعد الصحراء الأفريقية.  

وبخصوص مقاطع فيديو انتشرت في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي حول قيام دولة من جوار العراق بنصب مكنات تضخ الغبار في أجواء العراق، يقول عطية، “كنا نسمع عن نظرية المؤامرة في مجالات معينة مثل السياسة، انما للاسف امتدت في الآونة الأخيرة إلى مجالات أخرى كالطقس والصحة.

في الحقيقة أي كلام عن ضخ الغبار في أجواء العراق، يعبر عن الجهل وإخفاء للقصور في معالجة الأوضاع البيئية المتردية في العراق”. ربما يصدّق البعض مثل هذه الاشاعات، إما جهلاً بالأمور، أو تماشياً مع الأوضاع السياسية السائدة، إلا أن الغلاف الجوي هو عبارة عن كتلة غازية مترابطة لا يمكن فصل جزء منها أو التحكم بجزء آخر. تغيرات المناخ شأن عالمي، والعراق جزء من هذا العالم يؤثر ويتأثر به كما يقول. 

هل من خطة لانتشال العراق؟

على رغم إدراك الحكومة العراقية، وكذلك حكومات البلدان المجاورة، الطبيعة العابرة للحدود في ما خص قضايا البيئية وأهمية معالجة العواصف الرملية والترابية، إنما لم ينشأ تعاون إقليمي دائم يحول دون استفحال الأزمات البيئية في المنطقة. ولم يؤد توقيع إعلان أنقرة الوزاري عام 2010 بين العراق وإيران وتركيا وسوريا وقطر إلى نتيجة من شأنها تقليل الأضرار الناتجة عن التدهور البيئي وتغيرات المناخ. على المستوى الوطني، أنشأت الحكومة العراقية مجالس ولجان وطنية رفيعة المستوى مشتركة بين الوزارات لمواجهة التدهور البيئي الخطير في البلاد، ناهيك بمشاركة وكالات من الأمم المتحدة في العراق، بما فيها برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، ولكن التدهور البيئي المستمر يثبت فشل كل تلك اللجان. 

وقد ركزت البرامج الحكومية على مشروع يسمى بالحزام الأخضر، فيما العواصف الترابية قادرة على تشكيل سحب ترابية ثقيلة في الجو والعبور إلى خارج منابعها، وتعاني منها حتى الجبال المغطاة بالأشجار والنبات. تالياً، يحتاج العراق إلى برنامج بيئي مستدام يبدأ من تحسين المناطق التي تعرضت للتعرية، وذلك عبر تشجير أو إعادة تشجير المناطق المتدهورة من ناحية التربة والغطاء النباتي، وإيقاف النشاط البشري العسكري المفرط بطبيعة الحال. كما تتطلب المعالجات إيجاد حلول مستدامة لأزمة المياه التي تعد من الأسباب الرئيسية للتدهور البيئي في البلاد. وقد يصل نقص تدفق المياه في نهري دجلة والفرات خلال ثلاث سنوات إلى نصف الكمية المتدفقة في الوقت الحالي، وذلك جراء سياسات إيران وتركيا المائية العدائية تجاه العراق، ما يساهم في مضاعفة التدهور البيئي الحالي. وتستوجب المسألة المائية في العراق، شراكة إقليمية مستدامة (العراق، إيران، تركيا، سوريا) بمشاركة أطراف دولية فاعلة، ذاك ان كل من تركيا وإيران لم تلحظا مصالح العراق المائية حين قامتا بإنشاء سدود عملاقة على الأنهر الدولية، التي لها آثار واضحة على مستقبل العراق واستقراره. وتؤكد التوقعات والأبحاث الحاجة الملحة إلى بذل جهود إقليمية للتصدي للتدهور البيئي والظواهر المناخية المتطرفة. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.