fbpx

جمال مبارك… لماذا عاد بطل “سيناريو التوريث”؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعتبر قضية “القصور الرئاسية” هي الحكم النهائي الوحيد الذي يدين مبارك وأسرته، التي حاولت نقضه والطعن عليه عدّة مرات، وهو ما يوحي بنية الشقيقين لإيجاد ثغرات للعودة مرة أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حفلت مواقع التواصل الاجتماعي المصرية بأسئلة وتكهّنات حول دلالات الظهور الأول لجمال مبارك، نجل الرئيس المصري المعزول بعد ثورة شعبية، حسني مبارك، على الساحة السياسية، وذلك في بيان مصوّر بثه الابن، الذي كان في قلب الأحداث قبل 11 عاماً، يدفع “سيناريو التوريث” إلى الأمام. 

لم يتناول مبارك الابن، في بيانه الصحافي، سوى الإجراءات القانونية المتعلقة بقضايا أموال العائلة في المصارف الأوروبية، وحصوله هو وأسرته على البراءة والإفراج عن الأموال، ورفع عقوبات الاتحاد الأوروبي، التي وصفها بـ”غير القانونية”، مؤكداً أنه ينفذ رغبة والده في “شرح مثل هذه الإجراءات للعالم بأسره” باعتبار أن “الوقت قد حان لوضع الأمور في نصابها الصحيح”.

وبرغم ذلك، أثار الغضب من الأوضاع القائمة رغبة كثيرين في استعادة سيرة عائلة حسني مبارك، الذي حكم مصر نحو 30 عاماً، ومدى عزمها على فتح صفحة سياسية جديدة، أو خوض معركة للحصول على مكاسب في المجال العام، بخاصة أنّ وجه جمال مبارك مرتبط في أذهان المصريين، منذ ظهوره الأول بالعمل العام كمسؤول بالحزب الوطني الديموقراطي الحاكم الذي تم إحراق مقره في مشهده الأخير، بالبحث الدؤوب عن السلطة، واحتكار الأدوار المطلقة، وإدارة الدولة في الخفاء دون صفة رسمية.

انتشر وسم ساخر هو #جمال_مبارك_رئيساً_للجمهورية، بالتزامن مع أزمة اقتصادية تثير ضجيجاً وتشعل الرأي العام المصري غضباً مما آلت إليه الأوضاع، فيما لم تنقطع الأسئلة حول ما إذا كان ظهوره إعلان براءة، أم تمهيداً للعودة إلى الحياة السياسية، برغم انقطاع نغمة ما يعرف بـ”الثورة المضادة” و”رجال العهد البائد” في مصر منذ سنوات، حتى أن أبرزَ رجال أعمال دولة مبارك – الذين عُرفوا بولائهم المطلق لجمال- انخرطوا في العمل مع النظام القائم بشروطه وسياساته.

لكن شيئين منحا إطلالة جمال مبارك زخماً غير مسبوق، الأول هو أنها أعقبت زيارته دولة الإمارات العربية المتحدة لتقديم واجب العزاء بوفاة الشيخ خليفة بن زايد، حاكم الدولة الراحل، وهو الخروج الأول له ولشقيقه من مصر بعد رفعهما من قوائم المنع من السفر، وأنه بثّ البيان من أبو ظبي حليفة الرئيس الحالي عبد الفتاح  السيسي الأولى منذ وصوله إلى كرسي الرئاسة، والثاني، هو الفارق في الخطابة بين السيسي ومبارك الابن. والأخير قدم خطاباً عاطفياً حصد دعم البعض الذين باتوا يتمنون عودة آل مبارك إلى الحكم، في ظل ما يعيشونه الآن. 

هل يحق لجمال مبارك الترشح للرئاسة؟

السؤال الأكثر تداولاً مؤخراً، هو: هل يحق لجمال مبارك الترشّح لرئاسة الجمهورية؟، وتظلّ إجابته معلّقة بأصابع النظام القائم، الذي يصاب بالقلق من ظهور أحد أفراد عائلة مبارك، التي يسمح لها بهامش حرية لا يجب تجاوزه. 

يكتفي علاء مبارك بالمشاركة والأخذ والردّ على “تويتر”، فهورجل أعمال لم يحلم يوماً بخلافة أبيه، ما سمح له بمساحة قبول شعبية تفوق شعبية شقيقه جمال الذي كان يستعد منذ نعومة أظافره للحُكم، وهو الترتيب الذي قاد إلى الإطاحة بوالده لاحقاً. 

وكلاهما لا يحق له الترشح لأي استحقاقات انتخابية في الوقت الراهن، فبرغم دلائل تؤكد أن المجلس العسكريّ وما تلاه من عهود لم تدِن مبارك ونجليه مالياً أو تضيّق عليهم، أو تضيّق الخناق على العائلة قانونياً حتى تصبح محاكمتهم ثورية، أو تؤدي إلى أحكام مشدّدة بالسجن، فقد تمّت محاصرتهم سياسياً بقضية “مخلة بالشرف” تحجّم مشاركتهم في المجال العام.

يوضح د. علي أحمد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، لـ”درج”، أنّ ما يعرف بقضية “القصور الرئاسية” أدانت جمال وعلاء مبارك بالاستيلاء على المال العام، وهو ما يندرج ضمن الجرائم المخلّة بالشرف، التي يعاقب قانون مباشرة الحياة السياسية المصري المدانين بها بالحرمان من الترشح لأي منصب سياسي لمدة 6 سنوات.

أما عن تفاصيل القضية، فيقول: “كشفت سرقة 125 مليون جنيه 15.96 مليون دولار (بسعر الصرف في ذلك الوقت) ما بين عامي 2003 و2011 لتوجيهها إلى الإنفاق على ممتلكات خاصة، وتم تزوير مستندات رسمية لإيهام الجميع بأن هذه الأموال أنفقت على مرافق خاصة بالرئاسة، ليصبح الأمر قانونياً، لكن ذلك لم ينطلِ على لجنة الجرد والتحقيق، وكشفت أن تغيير مسار الأموال كان متعمداً، ولذلك أدانت المحكمة الشقيقين”.

وتعتبر قضية “القصور الرئاسية” هي الحكم النهائي الوحيد الذي يدين مبارك وأسرته، التي حاولت نقضه والطعن عليه عدّة مرات، وهو ما يوحي بنية الشقيقين لإيجاد ثغرات للعودة مرة أخرى.

طبقاً لقانون مباشرة الحياة السياسية، لا يحق لجمال أو علاء مبارك الترشح لأي منصب سياسي قبل مرور 6 سنوات على انقضاء الحكم، الصادر عام 2015، إلا أنّه حتى بعد انقضائه يظلّ عليهما تقديم ما يعرف بـ”طلب رد اعتبار” لممارسة العمل السياسي ومنحهما حق الترشح أو تولي مناصب عامة، ولا يمكنهما ممارسة أي حق سياسي إلا بعد موافقة محكمة مصرية. وهو ما يجعل الأمر مستبعداً في الوقت الراهن، أو لاحقاً، في ظل ما يشوب القضاء المصري من خلط الأحكام والقرارات بالتوجّه السياسي، بخاصة أنّ قرار ردّ الاعتبار يخضع لتقدير المحكمة دون ضوابط قانونية.

دون البحث بالشأن القانوني لجمال مبارك، تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي مع خطابه، ما بين من يتوقّع رغبته بالعودة في إلى العمل السياسي مستقبلاً، ومن يرى الخطاب إعلاناً لنهاية معركته القضائية، وانتصاراً لشرف والده كما قال، يحلل أستاذ العلوم السياسية الخطاب، مؤكداً أنه “يقيس شعبيته ويتابع ردود الفعل، وينتظر ما سيفعله النظام المصري حيال ذلك الظهور، وبالتأكيد، ينتظر رسائل واتصالات من جهات دولية ترى أنه شخصية صالحة للرهان عليها كرقم في المعادلة المصرية، لكن ذلك مستبعد جزئياً، فالغرب لن يفضّل بديلاً سياسياً ينتمي لعائلة مبارك، لكن الخليج قد يفعلها”.

إقرأوا أيضاً:

كيف انتهت 11 عاماً من “قضايا المليارات”؟

انتهت 11 عاماً من المعارك القضائية المتصلة بتورط الأخوين علاء وجمال مبارك في جرائم سياسية ومالية خلال حكم والدهما، وأغلقت نهائياً، فور إعلان الادعاء العام الاتحادي في سويسرا إغلاق التحقيق الذي استمرّ 11 عاماً حول “غسيل أموال مصرية في أوروبا”. 

وطبقاً للأدلة المقدّمة من مصر، رأى مكتب المدعي العام أن “التحقيق لم يستطع إثبات الشبهات التي تبرّر اتهام أي شخص في سويسرا أو مصادرة أي أصول”، بحسب البيان، واكتفى بتحويل 32 مليون فرنك سويسري إلى مصر عام 2018

وبناءً على ذلك، أغلقت القضية لعدم وجود أدلة كافية على غسيل الأموال، وسيفرج المدّعي العام السويسري عن مبلغ 400 مليون فرنك (429 مليون دولار) باسم نجلي مبارك، احتجزها ومنع التعامل عليها، لما يحيط بها من شبهات، وذلك بعد الإفراج عن 200 مليون فرنك أخرى، إلا أنّ 11 عاماً من التحقيقات والتحريات انتهت أخيراً إلى العجز عن إثبات النظام المصري أحقيّة الحكومة المصرية به، برغم جديته في البداية عام 2011. 

وكانت الحكومة المصرية قدمت طلبات لسويسرا، عام 2011، لاستعادة الأموال وطلبت سويسرا عدّة مساعدات قانونية من القاهرة لتأكيد الفساد المتعلّق بتلك الأموال بأدلة موثّقة وقانونية غير متأثرة بحالة الكراهية لمبارك ونجليه في ذلك الوقت بعيداً من المبالغات التي قدّرت ثروة الرئيس المصري المعزول بـ70 مليار دولار، غير أنّها عجزت عن تقديم الكثير من المستندات والتوصّل لحقيقة ما وراء تضخّم ثروتي جمال وعلاء و12 مشتبهاً بهم ينتمون لنظام مبارك، لتنتهي القضية بالفشل عام 2017.

وتكشّف، بمرور الوقت والتسريبات البنكية، أن سويسرا كانت الملاذ الآمن للأموال “المشبوهة” في عهد مبارك لمعظم رجال نظامه، وقد بدأ الأمر برجل الأعمال المقرّب من الرئيس الأسبق، حسين سالم، الذي دلّ أصدقاءه وفي مقدمتهم، عمر سليمان، رئيس المخابرات العامة في ذلك الوقت، إلى امتلاك حسابات سرية في سويسرا، لإيداع أمواله بعيداً عن الأعين المترصّدة في مصر، ثم لحق بهما جمال وعلاء، حين عملا بالمجال العام اقتصادياً وسياسياً، ثم أصدقاء لهما من رجال الأعمال كهشام طلعت مصطفى، الذي أدين سابقاً بقتل المطربة سوزان تميم.

وورد في أحدث تسريبات بنكية، اسما علاء وجمال مبارك، اللذين افتتحا أول حساباتهما في سويسرا عام 1993، وبلغ عدد حساباتهما الآن 6 حسابات بمصرف “كريدي سويس” فقط، وكان رصيد أحد حسابات علاء نحو 138 مليون دولار، فيما انتعش حسابٌ آخر مشترك يحمل اسمهما معاً، ليصل عام 2003 إلى 196 مليون دولار، فيما لم يكن الشقيقان، في ذلك العام، تجاوزا الأربعين من العمر، ولم تكن مؤهلاتهما تسمح لهما بامتلاك تلك الأموال، إلا أن بحوزتهما الآن مئات الملايين من الفرنكات السويسرية، التي تعادل 11 مليار جنيهاً مصرياً، فضلاً عن 9 مليارات جنيه داخل البلاد، كشفت عنها النيابة العامة.

من تساهل في إثبات فساد جمال وعلاء مبارك؟ 

يوضح د. محمد جابر، خبير الاقتصاد الدولي لـ”درج”، أن “الحكومة المصرية لم تكن بالخبرة والهِمة الكافيين لإثبات أحقية المصريين بتلك الأموال من البداية، فإما أن الأدلة أُتلفت أو كان هناك من يريد لها ألا ترى النور”.

ويضيف: “كان يمكن للحكومة المصرية تقديم دعوى كسب غير مشروع، والفصل بها داخل مصر استناداً إلى أدلة واضحة، وبفحص جميع ممتلكات نجلي الرئيس الأسبق، وتتبع كيف نمت كل تلك الثروات، وسؤالهم عن مصادرها، وتقديم نتيجة المحاكمة للمحاكم الأوروبية، التي بالتأكيد ستكتشف أخطاءً في دورة رأس المال الخاصة بهما، لكن ذلك لم يحدث فلم يتم استدعائهما أو سؤالهما عن مصدر الأموال وإلزامهما بتقديم ما يثبت شرعيتها”.

بسبب ذلك الخطأ، لم يكن المدعي العام السويسري وحده، الذي أفرج عن أموال أسرة مبارك، تزامن معه قرار محكمة العدل الأوروبية إلغاء تجميد أموال الأسرة، وذلك بسبب “فشل الحكومة المصرية في إثبات أن هذه الأموال غير شرعية”. وبناءً على ذلك القرار، تطالب عائلة مبارك الآن مجلس الاتحاد الأوروبي بتعويضات، بسبب الضرر الذي وقع عليها بسبب تجميد أموالها لأكثر من 10 سنوات. 

ظهر جمال مبارك كـ”بالون اختبار” وضع الجميع أمام امتحان قاسٍ، ما بين وجوه من ثوار يناير الذين يفاضلون بينه وبين السيسي، برغم أنهم ثاروا ضد مشروع توريثه الحكم قبل 10 سنوات، وبين حكام الخليج الذين وضعهم في موقف حرج أمام حليفهم في مصر، والمحللين الحائرين في تقييم بيانه، هل كان إعلان براءة أم تمهيداً للعودة إلى السياسة؟

تلك المعادلات والتصوّرات تخضع لمتغير واحد فقط، وهو مدى جاهزية الأرض في مصر حالياً لاستقبال باحث جديد عن السلطة بعدما وصلت الأزمة الاقتصادية إلى مستوى غير مسبوق.

إقرأوا أيضاً: