fbpx

سجال الزواج المدني في لبنان…
بداية أفول نجم النظام الطائفي الأبوي 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من الواضح أن السلطتين السياسية والدينية يكفلان وجود بعضهما، يغطيان فساد بعضهما ولا يوافقان أو يقرّان إلا ما يخدم مصلحة الاثنين معاً. أي شرع أو دين يوافق على ما آلت إليه الأمور؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من يقرأ نتائج الانتخابات الأخيرة في لبنان على أنها “حظ” أو “اتفاقية” او “حكي فاضي”، فهو لم يقرأ تاريخ بلاده جيّداً. من حفظ درس الثلاثين سنة الأخيرة يُدرك أن لهذه النتائج المتمثلة بخرق لوائح السلطة في مناطق لبنانية مختلفة، رمزية ثورية وبداية مشوار بات أفقه واضحاً ولم يعد أبعد من أميال نأخذ خطوتها الأولى اليوم. من تأمل أن تنتهي الأزمة بعد يوم واحد من فوز القوى التغييرية فهو يراهق سياسياً عن قصد او غير قصد، إنما بعد يوم واحد فقط استطاعت هذه القوى من الوصول لحجر الدومينو الأول في سقوط هذه السلطة. 

تصدر الحديث عن الزواج المدني مواقع التواصل الاجتماعي منذ انتهاء الانتخابات، وتنوع الحديث بين مؤيد ومعارض والقليل من النكات هنا وهناك. الحديث لم يأتِ عبثاً، وليس بعد حدث فردي أو منشور فايسبوكي كما اعتدنا، الحديث عن الزواج المدني انطلق بعد قيام الجوامع في بيروت بالتحريض على النائب التغييري ابراهيم منيمنة بسبب مواقفه الواضحة من الحريات والأحوال الشخصية والزواج المدني. منيمنة كان أثار ضجة إعلامية اثر كسره أحد الأعراف التي تقول بضرورة زيارة أي نائب سنّي للمفتي عبد اللطيف دريان للحصول على “المباركة”. لم تطأ قدم منيمنة البرلمان بعد، لكنه بدأ بالتعبير عن مشروعه التغييري، حتى قبل فوزه بالانتخابات. 

مهما حاولت الجماعات الطائفية تسطيح القضية والتقليل من شأنها تحت حجة الوضع الاقتصادي وسلّم الأولويات الذي لم تكن حقوق الشعب عليه ولا مرة، فالواقع يقول إن المطالبة بإقرار القانون لن تتوقف حتى تحقيق لك. لقد حرصت معظم القوى التغييرية على ادراج قانون موحد للأحوال الشخصية في برامجها الانتخابية. الحديث عن دولة مدنية علمانية انطلق الى غير نهاية، هذه المرة لن يعود الى جوارير التعتيم. الفرق أن الحديث هذه المرة أتى بعد مراكمة وعي عند الشعب منذ انتفاضة 17 تشرين وما حملته من مطالب وشعارات وما قدمته من ندوات وجلسات تثقيفية مكثّفة. قبل أن نفصل الدين عن الدولة، لا بد من وضعهما تحت مجهر واحد وأمام المحكمة نفسها. من يعارض مهاجمة رجال الدين بحجة أن لا علاقة لهم بالسياسة، يحاضرنا اليوم بعدم القدرة على فصلهم عنها، تأتي هذه المعارضة تحت حجج الخوف والحرص على الدين وعلى الله و”الديموقراطية”، وتترافق مع حملة من التخوين والاتهامات بالتآمر على البيئات الدينية ومحاولة “ألحدة” المجتمعات اللبنانية. سنين طويلة تمكنت خلالها السلطات الدينية ورجالها من زرع أفكار مشوهة عن القوانين المدنية وأهميتها في إرساء دولة المساواة والعدالة. لكن اليوم، لم تعد هذه الرجال ومنابرها قادرة على كبح الوعي وتعليبه وتغليفه لضمان بقائها، ولا ضير في التصفيق لقوى التغيير التي استطاعت فهم اللعبة بعد سنين من التجريب وارتكاب الأخطاء، القوى التي باتت تتبنى خطابات أقرب للجماهير، تحاكي معاناتهم ولا تقع في فخ هنا أو هناك. 

الحديث اليوم عن الزواج المدني وقوانين الأحوال الشخصية الموحدة من شأنه أن يُسقط الحجر الأول. إسقاط الطائفية السياسية لا يعني فصل الدين عن الدولة وحسب، ولا يعني أن يلملم رجال الدين منابرهم ويلتزموا أماكنهم المحدودة وحسب، الحديث عن هذا الموضوع له أولوية في التغيير، إذ إنه يسحب من السلطة ورقتها الاقوى في الضغط والسيطرة على الشعوب، فهو يُتلف الزبائنية السياسية ويغير وجه السلطة الأبوي الطائفي، ويغير موازين القوى الطائفية والطبقية على حد سواء. 

إقرأوا أيضاً:

العمل على هذه القوانين ينتزع امتيازات كثيرة ويوزعها بشكل سليم، وهو حجر أساس في إعطاء المرأة نصف حقوقها على أن تنال الباقي خارج القوانين. عام 2014 أحيل قانون الزواج المدني إلى مجلس الوزراء وقد وافق عليه رجال الدين مع شرط أن يدفع من يختار الزواج المدني مبلغاً من المال إلى صندوق طائفته، وقد اعترضت جمعيات المجتمع المدني آنذاك إذ اعتبرته ابتزازاً وخضوعاً جديداً للسلطة الدينية. بالتالي فإن اعتراض رجال الدين على الزواج المدني ليس اعتراضاً دينياً ولا علاقة له بالخوف على “الشرع”، بل هو خوف على العملة الخضراء التي أعطت شرعية كبيرة لهذه السلطة، وخوف أكبر على خسارة السلطة بشكلها الحالي. ففي عام 2018 خصصت الدولة  اللبنانية ميزانية للمحاكم والمجالس الدينية فاقت ميزانية ثلاث وزارات مجتمعة (الصناعة، الرياضة والشباب، والبيئة). المطالبة اليوم بدولة علمانية توحد قوانين الأحوال الشخصية وتكفل الحريات الشخصية هي المطالبة بدولة تستخدم أموالها ومواردها في الأماكن الأكثر حاجة لخدمة المصلحة العامة. كان يمكن مثلاً توظيف ميزانية هذه المحاكم لخدمة الجامعة اللبنانية التي بدأت تعلن عن انهيارها وبدأ البعض بنشر خطاب “دولرة أقساط الجامعة” ليتحمل الطالب جزءاً من العبء وكأنه مسؤول عمّا آلت اليه الامور. لو وظّفت هذه الميزانية في دعم المستلزمات الصحية للدورة الشهرية لكانت أكثر إفادة، فاثنتان من أصل كل 3 نساء لا تستطيعان شراء فوط صحية مثلاً! كل القطاعات تستحق هذا المبلغ أكثر من محاكم دينية تظلم النساء وتقيّد حريات الأزواج وتأخذ منهم “اللي فوقهم وتحتهم” مقابل خدمات يفترض أنها بدهية. 

من الواضح إذاً أن السلطتين السياسية والدينية يكفلان وجود بعضهما، يغطيان فساد بعضهما ولا يوافقان أو يقرّان إلا ما يخدم مصلحة الاثنين معاً. أي شرع أو دين يوافق على ما آلت إليه الأمور؟ إن السلطة التي حطت يدها على أجسادنا وساهمت بسرقة رغيف خبزنا، السلطة التي حرمتنا من حقوقنا كنساء وساعدت الرجال دوماً على الاحتفاظ بامتيازاتهم، السلطة التي لم تتخذ أي موقف واضح بعد انفجار المرفأ، السلطة التي لا تخدم إلا مصالح الأغنياء والرجال والمنظومة، يجب أن تحاسب في المحاكم وأن تُقصى من العمل السياسي وتُحصر في دور العبادة على أكبر تقدير. المادة التاسعة من الدستور تُجيز تعدّد الأنظمة الطائفية لكنها لا تُجيز استئثار الطوائف بنطاق الأحوال الشخصية، ولا يمكن لأيّ من قوانين الطوائف أن تشكّل القانون العام وذلك لأن الدستور اللبناني لم يتبنّ ديناً للدولة. بالتالي، على الدولة واجب تشريع قانون عام موحّد للأحوال الشخصية تطبيقاً للمادة التاسعة من الدستور. حجر الدومينو الأول في أيدينا، فلنسقطه!

إقرأوا أيضاً: