fbpx

المساواة في الميراث: قلق العمائم من فقدان الامتيازات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يواجه الخطاب الديني المأزوم في قضية الميراث كما في غيرها، تعقيدات جمة، من بينها الجمود الذي يأخذ صفة القداسة، فضلاً عن عدم الاستجابة لأي انزياحات معرفية تقوده باتجاه التغيير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مرة جديدة، يثير الأزهر جدلاً بخصوص مواقفه تجاه بعض القضايا الفئوية والحقوقية التي يهدف المجتمع المدني إلى توسيع دائرة المكتسبات فيها، بينما تسعى المؤسسة الدينية الرسمية إلى لجم تلك التحركات، وتعطيل محاولات الانفتاح بقبضة الفقه ومرجعيته الدينية. 

أدان الأزهر، في الفترة الأخيرة، الدعوات التي تحدثت عن “عدم إنصاف المرأة في حقوقها بشأن قواعد (الميراث)”. وقد وصفها بأنها “مخططات مدفوعة” لتشويه العدل الإلهي وصورة الإسلام.

وقال الأزهر إنه “يتابع ما تقوم به المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني من جهود في دعم الدول الأكثر احتياجاً وتوفير سبل العيش الآمن، والارتقاء بمستوى التعليم والأنظمة الصحية في هذه الدول، والتعريف بحقوق الإنسان والمرأة والطفل، ومحاولة خلق وعي مجتمعي تجاه مختلف القضايا لا سيما في ظل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها عالمنا”. 

يتابع: “إذ يقدر هذه الجهود ويدعمها ويشجع على استمرارها، فإنه يحذر وبشدة من أن تتخذ هذه الجهود للتسلل إلى داخل المجتمعات المسلمة واستهداف الدين الإسلامي؛ خصوصاً في ما يتعلق بمنظومة الأسرة وقواعد (الميراث) التي حددها القرآن الكريم وفسرتها السنة النبوية الشريفة، وذلك من خلال محاولة تشويه العدل الإلهي الممثل في قواعد (الميراث) في الإسلام، وتصويرها بـ(الظالمة) للمرأة وحقوقها، والزج بهذه الدعوات في المؤتمرات والندوات والمطالبة بتغييرها، بدعوى إنصاف المرأة ومساواتها في الحقوق مع الرجل”. 

شدد الأزهر، في بيان رسمي، على ضرورة “احترام قواعد الدين الإسلامي، والكف عن إساءة توجيه الدعم المقدم للمجتمعات المسلمة بهدف تغيير هويتها الدينية، والتعرض للمقدسات الإسلامية بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال دعم تيارات داخل المجتمعات تعمل ليلاً نهاراً لتنفيذ (مخططات مدفوعة) للنيل من قواعد الدين الإسلامي وتشويه صورته”.

وطالب بـ”التأمل في قواعد الزواج و(الميراث) التي شرعها الله في الإسلام، واستلهام العبر من مبادئها والأصول التي بنيت عليها الحكمة والعدل الإلهي؛ والنظر في واقع المجتمعات التي جنبت الدين ونصبت الإنسان بديلاً عن الخالق الحق، وما نتج عن ذلك من تفكك أسري، وزواج بلا ود أو رحمة، وأطفال بلا أب أو أم وبلا حقوق، ومحاولة دراسة هذا النظام الإلهي الذي حافظ على المرأة وكرمها، وكفل لها حقوقها وجعلها من أهم مقومات المجتمع المتحضر”. 

واللافت أن الخطاب الديني المأزوم يواجه، في تلك القضية كما في غيرها، تعقيدات جمة، من بينها الجمود الذي يأخذ صفة القداسة، فضلاً عن عدم الاستجابة لأي انزياحات معرفية تقوده باتجاه التغيير. ولا يراعي أو بالأحرى لا يشتبك مع الواقع المجتمعي الملغم والذي يحفل بوقائع هائلة من الانتهاكات والجرائم الموثقة بحق المرأة. 

سجل مرصد جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي، التابع لمؤسسة “إدراك للتنمية والمساواة” (منظمة مجتمع مدني مصرية)، تضاعف حالات العنف ضد النساء والفتيات بمصر، خلال العام الماضي مقارنة بعام 2020، وذلك بواقع 813 حالة عنف عام 2021، مقارنة بنحو 415 حالة في العام الذي سبقه، أي بزيادة تصل إلى نحو 96 في المئة.

تزامن ارتفاع معدلات العنف الأسري مع تنامي حالة الاستقطاب المجتمعي على خلفية الجدل بشأن منع أو إباحة ضرب الزوجات، والسعي إلى إيجاد تشريع قانوني لتجريمه، وفق ما جاء في التقرير السنوي لرصد معدلات العنف ضد النساء في مصر بالمرصد.

وفق المرصد الحقوقي، فإن العام الماضي شهدت أولى وقائعه المريرة مقتل سيدة على يد شقيقها، بسبب رغبته في الاستيلاء على ميراثها.

  وثق التقرير السنوي للمرصد “296 حالة قتل لنساء وفتيات في مختلف الأعمار، و78 حالة شروع في قتل، و54 حالة اغتصاب، و74 جريمة ضرب، منها 49 جريمة ضرب من أفراد الأسرة، إضافة إلى 125 جريمة تحرش جنسي، و100 واقعة انتحار، غالبيتهن بسبب العنف والمشاكل الأسرية والابتزاز الجنسي، والتعنيف على التحصيل الدراسي”.

وتكاد لا تختلف الأرقام والإحصاءات الرسمية عن تلك التي تصدر من جهات حقوقية مدنية، حيث تبدو الصورة واحدة. المحامية مروة عبد الرحيم، المتخصصة في قضايا الميراث، كانت ذكرت، في تصريحات صحافية قبل عام، استناداً إلى إحصاءات رسمية، أن 10 في المئة فقط من سيدات الصعيد يحصلن على حقوقهن في الميراث. كما توضح دراسة صادرة عن وزارة العدل المصرية، أن هناك 144 ألف قضية نزاع على ميراث يتم النظر فيها أمام القضاء سنوياً. وألمحت الدراسة ذاتها إلى أن هناك 8 آلاف جريمة قتل تقريباً تقع، سنوياً، بين أفراد الأسرة الواحدة نتيجة مشكلات الميراث. 

هذا الواقع الصعب والمرير ضد الفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع، ربما، لا يُعنى به رجال الدين الذين يعتبرون النصوص رأسمالهم الرمزي الذي يوفر لهم امتيازات اجتماعية، ويشكل لهم حماية من النقد والمساءلة. وبالتالي، يتم التصدي لأي محاولة تغيير بدعوى القداسة المتوهمة وحماية “العدل الإلهي” الذي لا يعدو أكثر من مجرد جدار يحمي مواقعهم ومراكزهم. 

غير أن هناك محاولة أجريت في عام 2017 الذي أطلق عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “عام المرأة”، لجهة الحد من ثقافة ابتلاع حقوق المرأة، تحديداً في المناطق التي تتوافر فيها حاضنة ثقافية تعزز من هذا السلوك. وقد تم إقرار قانون جديد يخص المواريث، نهاية العام ذاته، يقضي بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن مئة ألف جنيه، لكل من امتنع عمداً عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي من الميراث أو حجب سنداً يؤكد نصيباً للوارث. وفي حال تكرار الأمر تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن عام.

إقرأوا أيضاً:

إذاً، الحديث عن المساواة في الإرث ليس موضوعاً جدلياً نخبوياً طارئاً تفرضه قوى خارجية، بل هو موضوع يحتل مساحات نقاشات يومية في الأسر المصرية والعربية، التي تسعى إلى تجاوز أزمة “تأمين فتيات الأسرة مادياً حتى وإن كان بالقليل، سواء في حالات المساواة مع الشقيق أو عدم وجود شقيق (ما يستدعي الإرث بالتعصيب) والذي يخلف أزمات كثيرة في المحاكم المصرية، بحسب الباحثة المصرية رباب كمال.

التمسك بلفظ “العدالة الإلهية” هو بمثابة غلق تعسفي لباب الاجتهاد التشريعي، وفق ما توضحه كمال، لـ”درج”. 

وقد اعتبر الأزهر المساواة في الإرث “مبادرة جامحة”، كونها تعارض النصوص القرآنية، برغم وجود آيات تم تعطيلها في القانون المدني ومنها الحدود (العقوبات البدنية) والجزية المفروضة على غير المسلمين، بل وآيات تنظيم ملك اليمين (العبيد والجواري)، وقد تم الاستشهاد بالمواثيق الدولية والتطور الزماني في فتاوى رسمية.

لكن لسبب ما، غامض وغير مفهوم، تظل قضايا المرأة في الأحوال الشخصية والميراث حبيسة العنف والتعسف الذي يعيق أي محاولة لحلحلة أوضاعها. تقول كمال. وتردف: “لا يجب أن نغفل أنه في قضية الميراث، فإن الأمر له علاقة وطيدة بطبيعة الاقتصاد الأبوي في منظومة الأسرة حتى وإن كانت النساء تتكفل، في واقع الأمر، بأسر كاملة”.

وعليه، فإن مناقشة القضية في المجتمعات العربية ليست بالأمر الجديد والمباغت، إذ طرح الشيخ الطاهر الحداد من مشايخ جامعة الزيتونة، في تونس، القضية ذاتها، في كتابه: “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”، الصادر عام 1930. ويرى الحداد بضرورة تفعيل مبدأ “مرونة الشريعة” واتساعها لقبول “أطوار الحياة الإنسانية وذلك لتحقيق العدالة”. إذ إن فلسفته التي تعود لثلاثينات القرن الماضي قامت بتعيين رؤية حقوقية في تعاطيه مع النص، وفض الالتباس بين الثابت والمتغير في الدين. وقد أوضح الفروقات بين ما جاء به الإسلام وما جاء من أجله. وعرج الحداد في كتابه على مسألة “التدرج في الحقوق” في بيئة النص، أي شبه الجزيرة العربية، بما يعني أن النص، لحظة الوحي، أحدث خرقاً في أوضاع المرأة نسبياً، والذي كان بداية انتصار أدبي للنساء، لكنه ليس، بالضرورة، نهاية المطاف.

ترى صاحبة “القوامة الدينية في خطاب السلفية”، أنه لا يوجد اعتداء على الدين، فتعطيل آيات الجزية لم يكن اعتداءً على النص وإنما جاء تعطيله بهدف العدالة الاجتماعية، وهنا ربما أزمة المؤسسات الدينية واللجان الدينية في البرلمان التي لا تناقش مشاريع القوانين من منظور اجتماعي وتاريخي.

وبالمحصلة، فإن المساواة بأشكالها المختلفة، ومنها الميراث جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، أما ما يثار بشأن احترام الخصوصية الدينية والثقافية، فلا علاقة له بمبادرات المساواة في إطارها العام، وإلا فهو اعتراف ضمني بأنّ الخصوصية تقر التمييز، كما تقول الباحثة المصرية رباب كمال. 

إقرأوا أيضاً: