fbpx

هذا ما قلته لمعالجتي النفسية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الذاكرة أجمل من الحقيقة، ربما بسبب ذلك كانت معظم علاقاتي العاطفية من بعد. كان الذي أحبه إما في السعودية، أو في الجنوب، أو في باريس… ربما لم أكن أريد رجلاً قريباً اصلاً، ربما أردت أن أبتعد وحسب. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد علاقة حب فاشلة، قررت أن أضع مجهوداً أكبر في تعريف ذاتي، وتحديد مراسيم أوضح لهويتي الشخصية، على ألا تكون جامدة. كخطوة أولى، حاولت أن أترك غرائزي تتجلى دون أي قمع، قالت لي أن أمشي على رصيف محلة السوديكو لأن أشجار الربيع جميلة هنالك، ففعلت. ثم أن اقود على اوتوستراد المتن لأن ألوان المغيب جميلة هنالك، ففعلت و فقدت السيطرة على السيارة لدقيقة و كدت أهوي وأموت لكن لا بأس، فليكن ذلك فداء الصفاء الذهني.

أحضر مغامراتي معي إلى عيادة الدكتورة النفسية فتضحك. نحاول ربط براعتي بالقيادة بالسلطة الابوية ثمّ تقول لي إنّ عليّ أن أجد عائلتي الخاصة لأنّني لا أشعر بالانتماء إلى عائلتي الحالية، مع أن اهلي ناس طيبون. بصراحة لا أعرف معنى الانتماء، فمثلاً ما الذي يربطني بلبنان؟ عندما كنت في باريس، لم أكن أشتاق إلا إلى اللبن البلدي و”المتبل بتنجان”. لم أفتقد حتى قهوة الصباح، أنا أصلاً لا أحب القهوة ولا أفهم هوس الناس بها، لكنني أشربها لأنني أحب التقاليد وأتذكر عبارات القرف على وجه جدتي عندما كانت تحتسيها في الصباح. 

تعود ماريا وتسألني عن الانتماء، و لماذا بقيت مع شخص أساء معاملتي مثلاً. لا أدري، أردت أن أفهمه. في الحقيقة، منذ عام 2015 وأنا احاول ان افهمه، ليس هو فقط بل المجتمع كله: درست تاريخ البلد والمنطقة واستثمرت بالسياسة ونظريات الاقتصاد وكتب اللغة البصرية خلال الحرب الاهلية وحتى الآن لم أفهم. هل شوه الفساد معالم البلد الى هذا الحد أم أنه لطالما كان بهذا القبح؟ رفيقاتي في المدرسة وفي الجامعة، تزوجن كلهن تقريباً، من هذا المجتمع و في هذا البلد. اختفت كثيرات منهن عن مواقع التواصل الاجتماعي أو أصبحت صورة اولادهن تستبدل صورتهن إلى جانب أسمائهن على “فيسبوك”. يبدو أن الحاجة إلى المشاركة انتهت. أفكّر بهنّ احياناً، لكن ليس بما يكفي لأسألهن في الواقع، عن شعورهن كأمهات. هل جربن أدوراً أخرى بما يكفي قبل اختيار دور الأم؟ هل خضن معارك كافية لنقل قصص لأطفالهن كل ليلة حتى يبلغوا السابعة؟ هل زرن كل ركن من هذه البلاد ليتأكدوا ما إذا ما قاله أهلهن عن طرابلس وعكار صحيح؟ هل تعرفن إلى شخصيات لافتة من كل محافظة كابو ريمون في كسروان والجدة عريضي في زقاق البلاط؟ هل يصطحبن أولادهن لاكتشاف أماكن بعيدة لمجرد أنها بعيدة؟ أشعر بالحماسة حين أقود بعيداً وأدخل أروقة اجهلها بهدف البحث عن اجزاء مني لكنني في معظم الأوقات أجد أجزاء ناس اخرين. 

تعود وتسألني ماريا عن الأماكن التي أحب أن أتسكع فيها. هذه السنة، هنالك قهوة زجاجية أقصدها في جبيل، على حافة تلة، فيها مقعد مصنوع من الحبال يتدلى فوق هاوية، أذهب وأجلس هناك بعد الدوام. العام الماضي، كان دوامي جزئياً، فكنت اتجه بعد العمل الى الآثار الرومانية على شاطئ صور في جنوب لبنان. 

أحب آثار الأشياء، أكثر من كينونتها الكاملة، أقدر غيابها أكثر من وجودها. أحب التسكع قرب الآثار، إذ تبدو لي الحضارة المتآكلة جميلة، تناضل للبقاء برقة.

الذاكرة أجمل من الحقيقة، ربما بسبب ذلك كانت معظم علاقاتي العاطفية من بعد. كان الذي أحبه إما في السعودية، أو في الجنوب، أو في باريس… ربما لم أكن أريد رجلاً قريباً اصلاً، ربما أردت أن أبتعد وحسب. 

على هذا المقعد في جبيل، تفصلني حبال عن الهاوية، وأشعر بالسلام، لأنني لا أحتاج سوى للقليل لأحيا، لأستمر، وليكون وجودي بسيطاً وراقاً. يذكرني والدي دائماً بأنني عندما كنت في الحضانة، كنت اطلب منه أن أغيب عن الصف حتى يقولو الآخرون إنها ليست هنا، ربما كنت سأشعر بأنني هناك. ناضلت كثيراً مع رغبتي بالحياة، ببساطة لم أكن أفهم لماذا أنا هنا اذا كان بامكاني ألا أكون. تأقلمت أخيراً، لأنني أحببت أن أكون وألا اكون في وقت واحد. أكون عندما لا أكون ما يفترض بي أن أكونه. لست لبنانية شيعية من الضاحية… على الأقل ليس اليوم. حذاء “الكونفرس”، مع أنني أنتعله كل يوم، لا يمثلني وغداً قد آتي الى المكتب ببدلة ثمينة وحذاء “اوكسفرد”، حتى لو لم نكن عندي مقابلة عمل، أو ربما سادخل إلى أي مكان وأطلب مقابلة عمل…

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.